يوم عرفة

إ

إبو الياس

ضيف
  • يوم عرفة
1583901881 136216


ما امتازت به عشر ذي الحجة، وفضلت به على غيرها من أيام العام أن فيها يوم عرفة، وهو يوم من أعظم أيام الله، تغفر فيه الزلاّت، وتجاب فيه الدعوات، ويباهي الله بعباده أهل السماوات.

ويوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة:3)، قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي ﷺ وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.

وهو من مفاخر المسلمين وأعيادهم، ولذا قال ﷺ: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) رواه الترمذي .

وهو يوم مغفرة الذنوب، والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، فما أجلّه من يوم، وما أعظمه من موقف، قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ) رواه مسلم ، وقال في حديث آخر: ( إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ) رواه أحمد .

وكفى يوم عرفة شرفاً أن الله أقسم به في كتابه ، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم ، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى : {وشاهد ومشهود} (البروج:3)، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -ﷺ- قال: (اليوم الموعود : يوم القيامة، واليوم المشهود، يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة) رواه الترمذي وحسنه الألباني "، وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله : {والشفع والوتر} (الفجر:3)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة".

جعله الله كالمقدمة ليوم النحر، ففيه يكون الوقوف والتضرع، والتوبة والمغفرة، وفي يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولذا سمي طوافه طواف الزيارة، فبعد أن يَطْهُر الحجاج من ذنوبهم عشية عرفة، يأذن لهم ربهم ومولاهم يوم النحر في زيارته والدخول إلى بيته، فيوم عرفة كالطهور بين يدي يوم النحر، وفي الحديث أن النبي - ﷺ - قال لبلال : أنصت الناس ثم قال لهم: ( إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطي محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم الله ) رواه ابن ماجه وصححه بعض العلماء.

فعلى كل من يطمع في العتق من النار، ومغفرة ذنوبه في هذا اليوم العظيم أن يحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة، وأول هذه الأسباب:

حفظ الجوارح عن المحرمات فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان فلان رديف رسول الله ﷺ يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل رسول الله ﷺ يصرف وجهه بيده من خلفه مرارا، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له رسول الله ﷺ: (ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفِر له) رواه أحمد ، وفي إسناده مقال.

ومنها الصيام، قال - ﷺ -: ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده ) رواه مسلم .

وصيام يوم عرفة إنما يشرع لغير الحاج، أما الحاج فلا يشرع له ذلك اقتداءً بالنبي ﷺ، فقد شرب ﷺ بعرفة والناس ينظرون إليه، وما ذلك إلا ليتقوى الحاج على الذكر والدعاء عشية عرفة.

ومن أسباب الرحمة والمغفرة في يوم عرفة الإكثار من الذكر والدعاء، وخصوصاً شهادة التوحيد؛ فإنها أصل دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى في هذا اليوم، قال - ﷺ -: ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) رواه الترمذي .

فعلى الحاج أن يكثر من الدعاء بالمغفرة والعتق من النار في ذلك الموقف؛ فإنه من أرجى مواطن الإجابة، وعليه أن يلتزم بآداب الدعاء وأن يستقبل القبلة في دعائه رافعاً يديه متضرعاً مبتهلاً مقتدياً بأفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، الذي ما إن فرغ من الصلاة حتى أتى الموقف، فوقف عند الصخرات، واستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع والابتهال إلى أن غربت الشمس.

ولتحذر أخي الحاج من الذنوب والمعاصي التي تحول بينك وبين المغفرة كالكبر والاختيال والإصرار على الكبائر، وادخل على مولاك من باب الذل والانكسار والإخبات حتى يقبلك، فإنه خير مأمول، وأكرم مسؤول سبحانه وتعالى.

أخي الحاج: موقف عرفة موقف مهيب عظيم تنوعت فيه مشاعر الصالحين، وتعددت فيه مواقفهم، فمنهم من غلب عليه الخوف والحياء، كما فعل مطرف بن عبد الله بن الشخير و بكر المزني حين وقفا بعرفة فقال أحدهما: "اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي"، وقال الآخر: "ما أشرفه من موقف وأرجاه لولا أني فيه"، ووقف الفضيل بن عياض بعرفة والناس يدعون، وهو يبكي بكاء الثكلى، قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: "واسوأتاه منك وإن عفوت".

ومنهم من تعلق بأذيال الرجاء طمعاً في رحمة الله وكرمه، يقول ابن المبارك : جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً ؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له، ونظر الفضيل بن عياض إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً، يعني سدس درهم، أكان يردهم ؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.

فينبغي عليك أخي الحاج أن تجمع في هذا الموقف العظيم بين الخوف والرجاء، فتخاف من عقاب الله وعذابه، وترجو مغفرته وثوابه.

ولتتذكر بوقوفك في عرفات يوماً تشيب لهوله الولدان، يوم يقف العباد بين يدي الله حفاة عراة غرلاً لتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون، فاحرص على ما ينجيك من هول ذلك الموقف، واستعد له ما دمت في زمن الإمكان، وقبل فوات الأوان.

المصدر / موقع اسلام ويب
 

أبوعائشة

درع التفوق

معلومات العضو

إنضم
26 ديسمبر 2020
المشاركات
11,758
الحلول
8
مستوى التفاعل
7,121
الأوسمة
4
الإقامة
دولة الإمارات العربية المتحدة
الجنس
ذكر
الله يجزاك كل خير على هذه المشاركة الطيبة والمفيدة والله يعطيك العافية.

مشاركاتك الجديدة بكل ماهو جديد ومفيد تسرنا دائما.

يامرحبابك وحياك الله............
 
توقيع أبوعائشة

«اللَّهُمَّ اكْفِنِي بحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ»


المنتدى غير مسؤول عن أي اتفاق تجاري أو تعاوني بين الأعضاء.
فعلى كل شخص تحمل مسؤولية نفسه تجاه ما يقوم به من بيع وشراء واتفاق واعطاء معلومات موقعه.
المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتديات المشاغب ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)
عودة
أعلى