• أعضاء وزوار منتديات المشاغب ، نود أن نعلمكم أن المنتدى سيشهد في الفترة القادمة الكثير من التغيرات سواءاً على المستوى الإداري او مستوى الاقسام، لذا نرجو منكم التعاون، وأي ملاحظات او استفسارات يرجى التواصل معنا عبر قسم الشكاوي و الإقتراحات ونشكركم على حسن تفهمكم وتعاونكم ،مع خالص الشكر والتقدير والاحترام من إدارة منتديات المشاغب.
اعلان اعلان 1 اعلان 2

سورة الكهف: قصة الصراع بين الإيمان والمادية "الدجلية" د.أمين الدميري

الغريبة

عضو مشاغب
سجل
15 يوليو 2021
المشاركات
4,145
التفاعل
3,402
الإقامة
الاسكندرية
الجنس
أنثى

سورة الكهف: قصة الصراع بين الإيمان والمادية "الدجلية"
د.أمين الدميري






تَرتبِط سورة الكهف ارتباطًا وثيقًا بأحداثِ آخِر الزمان؛ ومنها ظهور الدجال الأكبر الذى يُمهِّد له دجالون صغار؛ صناعتهم الكذب، وبضاعتهم التمويه وقلب الحقائق، وغاياتهم الدنيئة تُبرِّر وسائلهم وأساليبهم التي لا تَعرِف صِدقًا ولا رحمةً ولا عدلاً؛ لتُحقِّق منافع وقتية، وتُشبِع رغبات مادية خاصة على حساب العامة وجماهير البشر.

أولاً: موقع السورة ودلالته:
• من حيث ترتيب المصحف (والنزول):


فإن سورة الكهف نزلت بعد "الإسراء" في فترة تتابُع الوحي في مكة قبيل الهِجرة، وقد جاءت بعد سورة الإسراء (وقد التقى النبي ﷺ بعيسى عليه السلام كما سيأتي في الحديث)، ثم جاء بعدها سورة مريَم (وفيها الحديث عن عيسى عليه السلام)؛ فهل لذلك من دلالة؟ نعم؛ فقد روى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال: ((لقيتُ ليلةَ أُسريَ بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكَروا أمر الساعة، قال: فرَدُّوا أمرَهم إلى إبراهيم عليه السلام، فقال: لا عِلم لي بها، فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى عيسى فقال عيسى: أما وجْبتُها فلم يعلم بها أحد إلا الله - عز وجل - وفيما عهدَ إليَّ ربي - عز وجل - أن الدجال خارج، قال: ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يَذوب الرَّصاص، وقال: فيُهلكه الله - عز وجل - ثم يَرجِع الناس إلى بلادهم وأوطانِهم، قال: فعند ذلك يَخرُج يأجوج ومأجوج، وهم مِن كل حدَبٍ يَنسِلون، فيَطؤون بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلَكوه، ولا يمرُّون على ماءٍ إلا شَرِبوه، قال: ثم يَرجع الناس إليَّ فيَشكونهم، فأدعو الله - عز وجل - عليهم فيُهلِكهم ويُميتهم، فيُنزِل الله تعالى المطر فيَجترِف أجسادهم حتى يقذفَهم في البحر، ففيمَ عهد إليَّ ربي - عز وجل - أن ذلك إذا كان كذلك؛ فإن الساعة كالحامل المتمِّ لا يَدري أهلها متى تَفجُؤهم بولادتها ليلاً أو نهارًا.. ))؛ رواه أحمد (1/ 375) وابن ماجه (2/ 1365/ ح4081)، والحاكم في المُستدرَك (4/ 488)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرِجاه، ووافَقَه الذهبي، وقال الهيثمي: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.


ففي مطلع هذا الحديث: جاء ذكر الإسراء؛ ((لقيتُ ليلةَ أُسري بي... ))، ثم جاء ذِكر عيسى عليه السلام، والدجَّال، ومأجوج ويَأجوج، وقيام الساعة، فقد أثبَت الحديث تلك الدلالة والتناسُب والربط بين السور الثلاث (الإسراء، ثم الكهْف، ثم مريم)، فقد استُهلَّت سورة الإسراء بذِكر الإسراء ثم جاءت سورة الكهف وفيها ذكر يأجوج ومأجوج والساعة؛ ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الكهف: 94]، ثم قوله تعالى عن الساعة: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي... ﴾ [الكهف: 98].


كما جاء الربط بين السورة الكريمة والدجال في السنَّة الصحيحة، وهو ما يؤكد العلاقة بين السورة وأحداث آخر الزمان؛ فقد روى مسلم - رحمه الله - في صحيحِه عن أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال: ((مَن حَفِظَ عشر آيات من أول الكهف عُصمَ من الدجال))، وفي رواية: ((مِن آخِرِ الكهف))، وفي مسلم - أيضًا - من حديث النواس بن سمعان: ((فمَن أدركه - يعني الدجال - فليقرأ عليه فواتِحَ سورة الكهف)) برقم (809)؛ ومِن هنا تأتي أهمية دراسة هذه السورة لما فيها مِن ربط وعلاقة بين موضوعاتها وأحداث آخِرِ الزمان، ويُمكِن بيان ذلك من خلال الحديث عن أمور خمسة:
1- لماذا افتُتحت السورة بالحمد.

2- مُناسَبة السورة للسورة التي قبلها (وهي سورة الإسراء).
3- موضوعات السورة.
4- علاقة السورة بالدجال وأحداث آخِر الزمان.

5- التوحيد في السورة الكريمة.

أولاً: لماذا افتُتحت السورة الكريمة بالحمد؛ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ... ﴾ [الكهف: 1، 2]؟ إن خلْقَ الكون وإحكامه وتَسخيره، وخلْق الإنسان وتكوينه وإتقانه، وما منَّ الله تعالى وتفضَّل به من نعم لا تُحصى - أمورٌ تَستحِقُّ الشكر والثناء على الله بما هو أهله، لكن النعمة العُظمى والمنَّة الكبرى هي نعمة الوحي، نِعمة القرآن، نعمة النبي المُرسَل، فتلك نعمة لا تعدلها ولا ترقى إليها نعمة؛ لذا كان هذا الاستهلال بالحمد لله ﴿ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ... ﴾، ووصَف الكتاب بأنه ﴿ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾؛ ليُؤكِّد هذا الاستهلال أن القرآن يقاوم الاعوجاج في كل زمان، ويُقيم قيَمَ الحق والصدق والعدل إذا اختلت موازينها، وفي قوله: ﴿ عَبْدِهِ ﴾ إشارة إلى تشريف الله تعالى لنبيه ﷺ بإضافة ضمير العزة؛ فهو عليه الصلاة والسلام أعبَدُ الخَلق وأحمدهم وأكملهم عبودية لله - عز وجل.


ثانيًا: مناسبة السورة لسورة الإسراء:
استُهلَّت سورة الإسراء بقوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ ﴾؛ والتسبيح يتبعه تحميد، فكان الحمد فاتحة الكهف، كما خُتمت سورة الإسراء بقوله تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا... ﴾ [الإسراء: 111]، وفيها توحيد الله تعالى وتنزيهٌ له عن الولد؛ فعيسى عليه السلام عبدٌ، ومحمد عليه الصلاة والسلام عبد؛ لذا كان افتتاح الكهف ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ... ﴾ [الكهف: 1] ومقام العبودية هو أشرف وأسمى مقام يُنسَب إليه بشَر.


مناسبة أخرى:

إذا كان الإسراء برسول الله ﷺ معجزة - أي أمرًا خارقًا للعادة وأمرًا خطيرًا - فإن ما سيُتلى عليك - يا محمد - في سورة الكهف من الأمور العجيبة - أيضًا - والتي تتجلى فيها سعة علم الله وحكمته وقدرته.

مناسبة أخرى:
لما قصَّ عليهم عليه الصلاة والسلام أنه أُسري به إلى بيت المَقدِس كذبوه واشتد أذاهُم له ولأصحابه، وتآمَروا على إخراجه، قصَّ عليه القرآن قصة فِتية مؤمنين آذاهم قومُهم حتى ترَكوا لهم بيوتهم وفروا بدينِهم ولجؤوا إلى كهف يَأويهم بعيدًا عن عيون القوم؛ ليتصبَّر المؤمنون، وليتأسوا بمَن كان قبلهم.

ثالثًا: موضوعات السورة:



اشتملت السورة على أربع قصص متَّفقة في أغراضها ومدلولاتها؛ وهي: (قصة الفِتية المؤمنين - قصة صاحب الجنتين - قصة موسى والخضِر - قصة ذي القرنين) وكلها تُعالج قضية الصراع بين الإيمان والمادية، بين الحقيقة والزَّيف، بين العلم بظواهر الأمور وبواطنِها وما تؤول إليه، بين راغبي الدنيا المُغترِّين بزينتها، وبين طالبي الآخرة الذين يَزِنون الأمور بميزان العدل والخير.

وفى آخِر الزمان يختلُّ ميزان العدل، ويعلو أهل الزيف والباطل، ويتسلَّط أهل الفِسْق والإفساد، وتَنقلِب الحقائق، ويُؤتمَن الخائن، ويُخوَّن الأمين، وتَضيع الأمانة، ويُرفَع العِلم، ويَفشو الجهل؛ كما وردَت بذلك الأحاديث.

وفى قصة الفتية نجد أنهم رفضوا حياة الترف وما كان عليه أهلوهم وقومُهم من عبادة غير الله، وهم لا زالوا في مرحلة الشباب والفُتوَّة، والآمال في الحياة عريضة، ومَجالات الانطلاق نحو الشهوات سهلة مُيسَّرة؛ لكنهم رفضوا وأنكروا ما كان عليه قومهم، وقرَّروا العزلة وترك الإقامة بين ظهراني أهل الشرك والترف، الذين لا يعرفون لهم ربًّا ولا إلهًا حقًّا يعبدونه؛ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16].

وفى قصة صاحب الجنتَين كان الحوار بين مؤمن بالله واليوم الآخر وبين كافر بالذي خلقه من تراب ثم من نطفة ثم سواه رجلاً، فنسي أصله ومادته، ونسي مآله وأنه مُجازى على كفره بالله واليوم الآخر؛ ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37].


وفى قصة موسى بيان أن علم الإنسان مهما بلغ لن يَبلُغ قدر ما يأخذ عصفور من ماء البحر، وأن عِلم الإنسان قليل، وفَهمَه قاصر، فلا يَحكُم إلا على ما يُشاهد ويسمَع، ومجاله هو عالَم الشهادة، وما وراء ذلك فلا عِلم له به، وأن علم الله لا نهاية له، وعلمُه سبحانه يشمَل الغيب والشهادة، وأن علم البشر إنما هو من علم الله وبأمره - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82].

وفى قصة ذي القرنين بيان لنُموذج المؤمن المُمكَّن له؛ ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84، 85]، فهو يتعبد لله تعالى بالأسباب الصحيحة؛ ليُسخِّرها في قضاء مصالح العباد ونشْر الخير والأمان، ويُعلِّمهم ما علمه الله، ويُساعدهم على مَعايشِهم، ويرفَع عنهم العنت والمشقَّة، ولا يستغلُّ ما آتاه الله من علم وسلطان في جلب منفعة خاصة، أو أخذ خرج أو تحقيق رغبة أو مطمَع دُنيويٍّ، كما أنه يقيم العدل ولا يُساوي بين المُحسِن والمُسيء؛ ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87، 88]، ولما طلبوا بناء السد علَّمهم كيف يبنون السد، وأعانهم بما لديهم من خامات وإمكانات حسب المثل القائل: "بدل أن تُعطيني السمك علمني كيف أصطاد السمك"، وهذا ما حظره علينا الغرب صاحب حضارة الزيف والدجل، التي لا تعرف الرحمة ولا العدل، والتي تُسخِّر علومها وقوتها في نهب الثروات وإذلال الضعفاء، وتضليل الشعوب وتزييف الحقائق، مُسخِّرة إعلامها وعملاءها!

رابعًا: علاقة السورة بالدجال:



للسورة الكريمة علاقة بالدجال من ناحيتَين:


الأولى: أثبتت السنَّة الصحيحة تلك العلاقة؛ كما جاء في حديث مسلم - السابق - عن أبي الدرداء وغيره من الأحاديث المتواترة، كما أشارت الأحاديث - أيضًا - إلى أنَّ خروج الدجال سيكون في آخر الزمان، وأن خُروجه مُرتبِط بشيوع الفتن وكثرة الدجل وعموم الكذب والخداع؛ وتلك سمات الحضارة المادية الراهنة!

كما يُشير - أيضًا - حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي رواه الإمام أحمد: ((لقيت ليلة أسري بي...)) إلى بقاء أصحاب الديانات الثلاث إلى آخر الزمان؛ فالدجال سيَخرُج من اليهود وهم أكثر أتباعه، وعيسى عليه السلام سيَنزِل آخر الزمان ويقتل الدجال وذلك ساعة أن يكون للمسلمين إمام وسيُصلي وراءه عيسى عليه السلام؛ مما يدل على أن طبيعة الصراع في آخر الزمان هو صِراع ديني؛ وهو ما يُعرف الآن بصدام الحضارات أو صراع الأديان؛ لنفهَم الدوافع الحقيقية للحرب على الإسلام تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، مع أن قادة الغرب ورؤساء النظام العالي الجديد قد صرَّحوا بوضوح أنها حرب صليبية جديدة ضد الإسلام [صرَّحت بذلك تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا سابقًا، وخلفها توني بلير بعد ذلك، وصرَّح بذلك ريجان وبوش وهما من الحزب الجمهوري الأمريكي الأكثر عداوة للإسلام والمسلمين، وغيرهما...] ولنفهمَ - أيضًا - حقيقة الصراع المُحتدِم بين أنصار التيار المدني المتجذِّر وبين أنصار المشروع الإسلامي المتعثِّر في هذه المرحلة الفارقة في دول ما يُسمى بالربيع العربي، فلم يعُد ربيعًا!

والثانية: ارتباط موضوعات السورة بحقيقة الصراع الدائر الآن، فهو صراع بين الإيمان والمادية، بين الحضارة الغربية التي قامت على الكفر بالله وإبعاد الدين والاستهانة بقيَم العدل والرحمة والمساواة وتقديس المادة والأسباب والمنفعَة الشخصية (البراجماتية) وبين قيَم الإسلام وحضارته وتُراثه وأتباعه المُخلصين!


إن هذه الحضارة ستَسقُط وهي الآن تسقُط؛ لأنها حملَت في طياتها عوامل هدمِها؛ فهم يَحسبون أنهم يُحسِنون ويَكسبون، وفى الحقيقة هم يُسيئون لأنفسهم وللبشرية ويَخسرون، ومن العوامل التي قامت عليها هذه الحضارة وهي في ذات الوقت العوامل التي ستُؤدي إلى هدمها وسقوطها ما يلي:


1- الكفر بالله وباليوم الآخر؛ فتلك المُفرَدات لا وجود لها في هذه الحضارة، وهذا العامل تحدَّثت عنه السورة في قصة صاحب الجنتين حين قال: ﴿ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ﴾ [الكهف: 36، 37]، وكان من نتائج هذا الكفر بقيام الساعة وبالخالق سبحانه أن دمَّر الله - عز وجل - الجنتَين [بعذاب من السماء اقتلَع فروعها وأشجارها، ولهذا قال: ﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾؛ أي مُلصقًا ترابًا أملس لا يَثبُت فيه قدم، وقيل: كالجرْز لا ينبت شيئًا، وأصبح الماء ﴿ غَوْرًا ﴾؛ أي: غائرًا في الأرض لا يَسقي زرعًا ولا شجرًا (قاله ابن كثير)]، وكان الندم والحسرة لكن بعد الهلاك لا ينفع الندم، ولا تُعيد الحسرة ما انهدم!


2- الزينة الكاذبة والغرور والتسلط وتحقيق المنفعة الذاتية واللذة العاجلة، وهذه أمور وإن أقامت دولة وأنشأت حضارة فإنها سرعان ما تسقُط وتذبل وتزول، وفي هذا يقول تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴾ [الكهف: 7، 8] قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الدنيا خضرة حُلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتَّقوا الدنيا واتقوا النساء))؛ أخرجه مسلم (2742) من حديث أبي سعيد الخدري والبخاري في كتاب الزكاة باب الاستعفاف عن المسألة من حديث حكيم بن حزام، وقوله: ((وإنا لجاعلون ما عليها صعيدًا جُرزًا))، يقول الطبري: "وإنا لمُخربوها بعد عمارتنا لها بما جعلنا عليها من الزينة، فمُصيِّروها صعيدًا جرزًا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس، وعن ابن عباس: "يُهلك كل شيء فيها ويُبيده".


إن هذه الحضارة كالزرع الخبيث الذي تغذى بالنجاسات؛ يَبْهر العيون لكنه يَحمِل القذر والكدر، يَهدم ولا يبني، يُمرض ولا يَشفي، يضر ولا ينفع، وسرعان ما تهلكه الجراثيم والآفات الكامنة فيه؛ قال تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ... ﴾ [الكهف: 45].


3- الخداع والدجل وقلب الحقائق والتزوير والتضليل، وهذه الأمور كما أنها سمة الحضارة الغربية فهي سمات الدجال، وأغلب ظني أن الدجل الذي نراه الآن سيَنمو ويكبر ويزداد، تمهيدًا لخُروج الدجال الأكبر، ويُمهِّد له أيضًا دجالون صغار، والعجيب أنهم يَحسبون أنهم يُحسنون صنعًا لأنفسهم وللبشرية؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ [الكهف: 103 - 105]، يقول الطبري في الذين عُنوا بذلك: "الرهبان والقسوس، وقيل: أهل الكتاب، وقيل - وهو الصواب -: كل عاملٍ عملاً يحسبه فيه مُصيبًا، وأنه لله بفعله ذلك مُطيع مُرضٍ، وهو بفعله ذلك لله مُسخِط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر من أهل أي دين كانوا!".

خامسًا: التوحيد في السورة الكريمة:



وكما بدأت السورة بالحمد وهو الثناء الجميل لمن استحق الشكر والثناء لما تفضَّل به من نعم، وأعظمها نعمة الوحي المنزل مُقرِّرًا أن الله واحد لا شريك له ولا ولد، فقد خُتمت - أيضًا - بتأكيد هذا التقرير، وأن الوحي أنزله الله تعالى على عبده ورسوله محمد ﷺ ليُقرِّر أن الإله المعبود هو إله واحد؛ "فمَن كان يرجو لقاء ربه (أي: ثوابه وجزاءه الصالح) فليعمَل عملاً صالحًا (أي: ما كان مُوافقًا لشَرعِ الله)، ولا يُشرك بعبادة ربه أحدًا (وهو الذي يُراد به وجه الله وحده لا شريك له)، وهذان هما ركنا العمل المُتقبَّل، لا بدَّ أن يكون خالصًا لله، صوابًا؛ أي: على شريعة رسول الله ﷺ"؛ تفسير ابن كثير.


يجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لمشاهدة الرابط المخفي

logo.png



 
بارك الله فيك وجزاك خيرا
 
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا وأحسن الله إليك مشاركة متميزة وجهد متميز...

حياك الله .......
 
المنتدى غير مسؤول عن أي اتفاق تجاري أو تعاوني بين الأعضاء.
فعلى كل شخص تحمل مسؤولية نفسه إتجاه مايقوم به من بيع وشراء وإتفاق واعطاء معلومات موقعه.
المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتدى المشاغب ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)
عودة
أعلى