الغريبة
عضو مشاغب
رمضان شهر الحب
د.محمد بن سرّار اليامي
تقارب القلوب يدل على فضيلتها، وعلو شمائلها.
ولا يتقارب قلب مع قلب إلا بموجب ومن الموجبات للتقارب
التشاكل والتماثل، في بعض المناحي المعيشية
ولذا تجد بعض أهل الإحسان مثلاً يعتني بالفقراء،
وبالمعاقين منهم خاصة، لأنه يعاني من هذه المعاناة مع قريب،
أو حبيب، أو الأيتام خاصة، لأنه قرّ بفترة يتم في حياته وهلم جرا.
والمقصود يا سادة أننا في رمضان الكريم نعيش شيئاً
من توحد الأفعال والمقاصد، فهذا صائم، وهذا صائم،
وهذا قائم، وهذا قائم، وهذا ظامئ وهذا ظامئ ،
فهي منظومة موحدة من الافعال التربوية
التي يمارسها المجتمع تعبداً لله رب العالمين.
وإذا خليت البطون رقت القلوب، وذلك وإذا شبعت،
قد تتعرض للقسوة أحياناً ولذا قال بعضهم:
البطنة نعوذ بالله منها، تذهب الفطنة، ورقة القلب من رقة الطبع.
ولذا عاش المجتمع قرباً معنوياً بين أفراده
كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
والقلب إذا اقترب من القلوب، أحبها وعذرها، وسترها،
وحلم عليها، ورفق بها، ورحمها، وسعى فيما يصلحها.
لأن بضاعة القلوب يا سادة شعار الكبار،
ولأنهم يعلمون أن القلب محط نظر الرب ما في الحديث
ويعلمون أنه ملك الجوارح كما في الحديث أيضاً،
فإذا صح القلب صحت الجوارح، وإذا سلم القلب سلم البدن.
أرأيتم يا سادة، إلى هذا التشبيه البديع، القلب ملك الجوارح.
وتأملوا قوله جل وعز [ ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب].
فما أحوجنا إلى تقوى القلوب..
فإن الأبدان وإن أظهرت التقوى والصلاح،
إلا أن المعول على القلوب وما فيها،
ورمضان دعوة للخروج من ضجيج الدنيا.
وصخبها إلى روحانية حانية، وصفاء، ووفاء،
ونقد للذات، وتطوير للقدرات، وتحسين للعلاقات
مع رب الأرض والسموات.
والقلب يا سادة إذا اقترب من القلب شاع الحب،
ونمى الود وزاد الصفاء، وانتعشت معاني الوفاء،
فرجع الوفاء إلى الميادين العلمية الحياتية،
بعد أن كنا نقرأ عنه في التواريخ.
ثم إن أحب القلوب، وأقربها قلب الأم، وما أدراكم ما قلب الأم،
قلب فاض حناناً ، وعاطفة.
قلب حمل هماً ولوعة.
قلب تعلق بك، وبمحبوباتك، من أجلك، كأنه ما خُلق إلا لك.
آه يا قلب الأم. ثم إن الكل من حولك لو تأملت يعطونك،
ليأخذوا منك ويأخذوا منك إلا قلب أمك،
يعطيك ويعطيك ويعطيك، ليعطيك، فيا له من قلب.
يا سادة لو اقتربت قلوبنا من بعض لزادت معدلات الشفقة،
ولافضيلة والولاء، وقلت نسب الجلافة، والبغضاء، والبراء.
ولكان الانتفاع بهذا القرب أعظم المخلصات،
لمجتمعات غرفت في التقاليد، والمجاملات، والمظاهر اللامعة.
ثم أن حديث الروح للأرواح لذيذ، ولذا كانت المناجات بين المحبين
من أمتع القرب فكيف بحديث القلوب للقلوب.
إنه الطرب الأصيل، والخلق الجميل إنه السحر الحلال.
وأمارات القلب القريب، وعلاماته كثيرة منها:
التواضع: ومنهجهم في ذلك:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على فصفحات الماء وهو بعيد
فهو قريب من الصغير قبل الكبير، ومن الفقير قبل الغني.
وظاهرة التواضع القلبي لو فشت في الناس
آذنت بحب جماعي عارم لا حد له ولا عد.