• أعضاء وزوار منتديات المشاغب ، نود أن نعلمكم أن المنتدى سيشهد في الفترة القادمة الكثير من التغيرات سواءاً على المستوى الإداري او مستوى الاقسام، لذا نرجو منكم التعاون، وأي ملاحظات او استفسارات يرجى التواصل معنا عبر قسم الشكاوي و الإقتراحات ونشكركم على حسن تفهمكم وتعاونكم ،مع خالص الشكر والتقدير والاحترام من إدارة منتديات المشاغب.

سورة الكهف: قصة الصراع بين الإيمان والمادية "الدجلية"

الغريبة

عضو مشاغب
سجل
15 يوليو 2021
المشاركات
4,145
التفاعل
3,402
الإقامة
الاسكندرية
الجنس






سورة الكهف: قصة الصراع بين الإيمان والمادية "الدجلية"
د.أمين الدميري


تَرتبِط سورة الكهف ارتباطًا وثيقًا بأحداثِ آخِر الزمان؛ ومنها ظهور الدجال الأكبر الذى يُمهِّد له دجالون صغار؛ صناعتهم الكذب، وبضاعتهم التمويه وقلب الحقائق، وغاياتهم الدنيئة تُبرِّر وسائلهم وأساليبهم التي لا تَعرِف صِدقًا ولا رحمةً ولا عدلاً؛ لتُحقِّق منافع وقتية، وتُشبِع رغبات مادية خاصة على حساب العامة وجماهير البشر.


أولاً: موقع السورة ودلالته:
• من حيث ترتيب المصحف (والنزول):


فإن سورة الكهف نزلت بعد "الإسراء" في فترة تتابُع الوحي في مكة قبيل الهِجرة، وقد جاءت بعد سورة الإسراء (وقد التقى النبي ﷺ بعيسى عليه السلام كما سيأتي في الحديث)، ثم جاء بعدها سورة مريَم (وفيها الحديث عن عيسى عليه السلام)؛ فهل لذلك من دلالة؟ نعم؛ فقد روى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال: ((لقيتُ ليلةَ أُسريَ بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكَروا أمر الساعة، قال: فرَدُّوا أمرَهم إلى إبراهيم عليه السلام، فقال: لا عِلم لي بها، فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى عيسى فقال عيسى: أما وجْبتُها فلم يعلم بها أحد إلا الله - عز وجل - وفيما عهدَ إليَّ ربي - عز وجل - أن الدجال خارج، قال: ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يَذوب الرَّصاص، وقال: فيُهلكه الله - عز وجل - ثم يَرجِع الناس إلى بلادهم وأوطانِهم، قال: فعند ذلك يَخرُج يأجوج ومأجوج، وهم مِن كل حدَبٍ يَنسِلون، فيَطؤون بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلَكوه، ولا يمرُّون على ماءٍ إلا شَرِبوه، قال: ثم يَرجع الناس إليَّ فيَشكونهم، فأدعو الله - عز وجل - عليهم فيُهلِكهم ويُميتهم، فيُنزِل الله تعالى المطر فيَجترِف أجسادهم حتى يقذفَهم في البحر، ففيمَ عهد إليَّ ربي - عز وجل - أن ذلك إذا كان كذلك؛ فإن الساعة كالحامل المتمِّ لا يَدري أهلها متى تَفجُؤهم بولادتها ليلاً أو نهارًا.. ))؛ رواه أحمد (1/ 375) وابن ماجه (2/ 1365/ ح4081)، والحاكم في المُستدرَك (4/ 488)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرِجاه، ووافَقَه الذهبي، وقال الهيثمي: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.



ففي مطلع هذا الحديث: جاء ذكر الإسراء؛ ((لقيتُ ليلةَ أُسري بي... ))، ثم جاء ذِكر عيسى عليه السلام، والدجَّال، ومأجوج ويَأجوج، وقيام الساعة، فقد أثبَت الحديث تلك الدلالة والتناسُب والربط بين السور الثلاث (الإسراء، ثم الكهْف، ثم مريم)، فقد استُهلَّت سورة الإسراء بذِكر الإسراء ثم جاءت سورة الكهف وفيها ذكر يأجوج ومأجوج والساعة؛ ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الكهف: 94]، ثم قوله تعالى عن الساعة: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي... ﴾ [الكهف: 98].



كما جاء الربط بين السورة الكريمة والدجال في السنَّة الصحيحة، وهو ما يؤكد العلاقة بين السورة وأحداث آخر الزمان؛ فقد روى مسلم - رحمه الله - في صحيحِه عن أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال: ((مَن حَفِظَ عشر آيات من أول الكهف عُصمَ من الدجال))، وفي رواية: ((مِن آخِرِ الكهف))، وفي مسلم - أيضًا - من حديث النواس بن سمعان: ((فمَن أدركه - يعني الدجال - فليقرأ عليه فواتِحَ سورة الكهف)) برقم (809)؛ ومِن هنا تأتي أهمية دراسة هذه السورة لما فيها مِن ربط وعلاقة بين موضوعاتها وأحداث آخِرِ الزمان، ويُمكِن بيان ذلك من خلال الحديث عن أمور خمسة:

1- لماذا افتُتحت السورة بالحمد.

2- مُناسَبة السورة للسورة التي قبلها (وهي سورة الإسراء).

3- موضوعات السورة.

4- علاقة السورة بالدجال وأحداث آخِر الزمان.

5- التوحيد في السورة الكريمة.



أولاً: لماذا افتُتحت السورة الكريمة بالحمد؛ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ... ﴾ [الكهف: 1، 2]؟ إن خلْقَ الكون وإحكامه وتَسخيره، وخلْق الإنسان وتكوينه وإتقانه، وما منَّ الله تعالى وتفضَّل به من نعم لا تُحصى - أمورٌ تَستحِقُّ الشكر والثناء على الله بما هو أهله، لكن النعمة العُظمى والمنَّة الكبرى هي نعمة الوحي، نِعمة القرآن، نعمة النبي المُرسَل، فتلك نعمة لا تعدلها ولا ترقى إليها نعمة؛ لذا كان هذا الاستهلال بالحمد لله ﴿ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ... ﴾، ووصَف الكتاب بأنه ﴿ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾؛ ليُؤكِّد هذا الاستهلال أن القرآن يقاوم الاعوجاج في كل زمان، ويُقيم قيَمَ الحق والصدق والعدل إذا اختلت موازينها، وفي قوله: ﴿ عَبْدِهِ ﴾ إشارة إلى تشريف الله تعالى لنبيه ﷺ بإضافة ضمير العزة؛ فهو عليه الصلاة والسلام أعبَدُ الخَلق وأحمدهم وأكملهم عبودية لله - عز وجل.


ثانيًا: مناسبة السورة لسورة الإسراء:

استُهلَّت سورة الإسراء بقوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ ﴾؛ والتسبيح يتبعه تحميد، فكان الحمد فاتحة الكهف، كما خُتمت سورة الإسراء بقوله تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا... ﴾ [الإسراء: 111]، وفيها توحيد الله تعالى وتنزيهٌ له عن الولد؛ فعيسى عليه السلام عبدٌ، ومحمد عليه الصلاة والسلام عبد؛ لذا كان افتتاح الكهف ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ... ﴾ [الكهف: 1] ومقام العبودية هو أشرف وأسمى مقام يُنسَب إليه بشَر.


مناسبة أخرى:

إذا كان الإسراء برسول الله ﷺ معجزة - أي أمرًا خارقًا للعادة وأمرًا خطيرًا - فإن ما سيُتلى عليك - يا محمد - في سورة الكهف من الأمور العجيبة - أيضًا - والتي تتجلى فيها سعة علم الله وحكمته وقدرته.


مناسبة أخرى:

لما قصَّ عليهم عليه الصلاة والسلام أنه أُسري به إلى بيت المَقدِس كذبوه واشتد أذاهُم له ولأصحابه، وتآمَروا على إخراجه، قصَّ عليه القرآن قصة فِتية مؤمنين آذاهم قومُهم حتى ترَكوا لهم بيوتهم وفروا بدينِهم ولجؤوا إلى كهف يَأويهم بعيدًا عن عيون القوم؛ ليتصبَّر المؤمنون، وليتأسوا بمَن كان قبلهم.


ثالثًا: موضوعات السورة:

اشتملت السورة على أربع قصص متَّفقة في أغراضها ومدلولاتها؛ وهي: (قصة الفِتية المؤمنين - قصة صاحب الجنتين - قصة موسى والخضِر - قصة ذي القرنين) وكلها تُعالج قضية الصراع بين الإيمان والمادية، بين الحقيقة والزَّيف، بين العلم بظواهر الأمور وبواطنِها وما تؤول إليه، بين راغبي الدنيا المُغترِّين بزينتها، وبين طالبي الآخرة الذين يَزِنون الأمور بميزان العدل والخير.

وفى آخِر الزمان يختلُّ ميزان العدل، ويعلو أهل الزيف والباطل، ويتسلَّط أهل الفِسْق والإفساد، وتَنقلِب الحقائق، ويُؤتمَن الخائن، ويُخوَّن الأمين، وتَضيع الأمانة، ويُرفَع العِلم، ويَفشو الجهل؛ كما وردَت بذلك الأحاديث.



وفى قصة الفتية نجد أنهم رفضوا حياة الترف وما كان عليه أهلوهم وقومُهم من عبادة غير الله، وهم لا زالوا في مرحلة الشباب والفُتوَّة، والآمال في الحياة عريضة، ومَجالات الانطلاق نحو الشهوات سهلة مُيسَّرة؛ لكنهم رفضوا وأنكروا ما كان عليه قومهم، وقرَّروا العزلة وترك الإقامة بين ظهراني أهل الشرك والترف، الذين لا يعرفون لهم ربًّا ولا إلهًا حقًّا يعبدونه؛ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16].



وفى قصة صاحب الجنتَين كان الحوار بين مؤمن بالله واليوم الآخر وبين كافر بالذي خلقه من تراب ثم من نطفة ثم سواه رجلاً، فنسي أصله ومادته، ونسي مآله وأنه مُجازى على كفره بالله واليوم الآخر؛ ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37].



وفى قصة موسى بيان أن علم الإنسان مهما بلغ لن يَبلُغ قدر ما يأخذ عصفور من ماء البحر، وأن عِلم الإنسان قليل، وفَهمَه قاصر، فلا يَحكُم إلا على ما يُشاهد ويسمَع، ومجاله هو عالَم الشهادة، وما وراء ذلك فلا عِلم له به، وأن علم الله لا نهاية له، وعلمُه سبحانه يشمَل الغيب والشهادة، وأن علم البشر إنما هو من علم الله وبأمره - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82].



وفى قصة ذي القرنين بيان لنُموذج المؤمن المُمكَّن له؛ ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84، 85]، فهو يتعبد لله تعالى بالأسباب الصحيحة؛ ليُسخِّرها في قضاء مصالح العباد ونشْر الخير والأمان، ويُعلِّمهم ما علمه الله، ويُساعدهم على مَعايشِهم، ويرفَع عنهم العنت والمشقَّة، ولا يستغلُّ ما آتاه الله من علم وسلطان في جلب منفعة خاصة، أو أخذ خرج أو تحقيق رغبة أو مطمَع دُنيويٍّ، كما أنه يقيم العدل ولا يُساوي بين المُحسِن والمُسيء؛ ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87، 88]، ولما طلبوا بناء السد علَّمهم كيف يبنون السد، وأعانهم بما لديهم من خامات وإمكانات حسب المثل القائل: "بدل أن تُعطيني السمك علمني كيف أصطاد السمك"، وهذا ما حظره علينا الغرب صاحب حضارة الزيف والدجل، التي لا تعرف الرحمة ولا العدل، والتي تُسخِّر علومها وقوتها في نهب الثروات وإذلال الضعفاء، وتضليل الشعوب وتزييف الحقائق، مُسخِّرة إعلامها وعملاءها!


رابعًا: علاقة السورة بالدجال:
للسورة الكريمة علاقة بالدجال من ناحيتَين:

الأولى: أثبتت السنَّة الصحيحة تلك العلاقة؛ كما جاء في حديث مسلم - السابق - عن أبي الدرداء وغيره من الأحاديث المتواترة، كما أشارت الأحاديث - أيضًا - إلى أنَّ خروج الدجال سيكون في آخر الزمان، وأن خُروجه مُرتبِط بشيوع الفتن وكثرة الدجل وعموم الكذب والخداع؛ وتلك سمات الحضارة المادية الراهنة!



كما يُشير - أيضًا - حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي رواه الإمام أحمد: ((لقيت ليلة أسري بي...)) إلى بقاء أصحاب الديانات الثلاث إلى آخر الزمان؛ فالدجال سيَخرُج من اليهود وهم أكثر أتباعه، وعيسى عليه السلام سيَنزِل آخر الزمان ويقتل الدجال وذلك ساعة أن يكون للمسلمين إمام وسيُصلي وراءه عيسى عليه السلام؛ مما يدل على أن طبيعة الصراع في آخر الزمان هو صِراع ديني؛ وهو ما يُعرف الآن بصدام الحضارات أو صراع الأديان؛ لنفهَم الدوافع الحقيقية للحرب على الإسلام تحت شعار "الحرب على الإرهاب"،

مع أن قادة الغرب ورؤساء النظام العالي الجديد قد صرَّحوا بوضوح أنها حرب صليبية جديدة ضد الإسلام [صرَّحت بذلك تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا سابقًا، وخلفها توني بلير بعد ذلك، وصرَّح بذلك ريجان وبوش وهما من الحزب الجمهوري الأمريكي الأكثر عداوة للإسلام والمسلمين، وغيرهما...]
ولنفهمَ - أيضًا - حقيقة الصراع المُحتدِم بين أنصار التيار المدني المتجذِّر
وبين أنصار المشروع الإسلامي المتعثِّر في هذه المرحلة الفارقة
في دول ما يُسمى بالربيع العربي، فلم يعُد ربيعًا!



والثانية: ارتباط موضوعات السورة بحقيقة الصراع الدائر الآن، فهو صراع بين الإيمان والمادية، بين الحضارة الغربية التي قامت على الكفر بالله وإبعاد الدين والاستهانة بقيَم العدل والرحمة والمساواة وتقديس المادة والأسباب والمنفعَة الشخصية (البراجماتية) وبين قيَم الإسلام وحضارته وتُراثه وأتباعه المُخلصين!


إن هذه الحضارة ستَسقُط وهي الآن تسقُط؛ لأنها حملَت في طياتها عوامل هدمِها؛ فهم يَحسبون أنهم يُحسِنون ويَكسبون، وفى الحقيقة هم يُسيئون لأنفسهم وللبشرية ويَخسرون، ومن العوامل التي قامت عليها هذه الحضارة وهي في ذات الوقت العوامل التي ستُؤدي إلى هدمها وسقوطها ما يلي:


1- الكفر بالله وباليوم الآخر؛ فتلك المُفرَدات لا وجود لها في هذه الحضارة، وهذا العامل تحدَّثت عنه السورة في قصة صاحب الجنتين حين قال: ﴿ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ﴾ [الكهف: 36، 37]، وكان من نتائج هذا الكفر بقيام الساعة وبالخالق سبحانه أن دمَّر الله - عز وجل - الجنتَين [بعذاب من السماء اقتلَع فروعها وأشجارها، ولهذا قال: ﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴾؛ أي مُلصقًا ترابًا أملس لا يَثبُت فيه قدم، وقيل: كالجرْز لا ينبت شيئًا، وأصبح الماء ﴿ غَوْرًا ﴾؛ أي: غائرًا في الأرض لا يَسقي زرعًا ولا شجرًا (قاله ابن كثير)]، وكان الندم والحسرة لكن بعد الهلاك لا ينفع الندم، ولا تُعيد الحسرة ما انهدم!



2- الزينة الكاذبة والغرور والتسلط وتحقيق المنفعة الذاتية واللذة العاجلة، وهذه أمور وإن أقامت دولة وأنشأت حضارة فإنها سرعان ما تسقُط وتذبل وتزول، وفي هذا يقول تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴾ [الكهف: 7، 8]
قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الدنيا خضرة حُلوة، وإن الله مستخلفكم
فيها فناظر كيف تعملون، فاتَّقوا الدنيا واتقوا النساء))
؛ أخرجه مسلم (2742) من حديث أبي سعيد الخدري والبخاري في كتاب الزكاة باب الاستعفاف عن المسألة من حديث حكيم بن حزام، وقوله: ((وإنا لجاعلون ما عليها صعيدًا جُرزًا))، يقول الطبري: "وإنا لمُخربوها بعد عمارتنا لها بما جعلنا عليها من الزينة، فمُصيِّروها صعيدًا جرزًا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس، وعن ابن عباس: "يُهلك كل شيء فيها ويُبيده".



إن هذه الحضارة كالزرع الخبيث الذي تغذى بالنجاسات؛ يَبْهر العيون لكنه يَحمِل القذر والكدر، يَهدم ولا يبني، يُمرض ولا يَشفي، يضر ولا ينفع، وسرعان ما تهلكه الجراثيم والآفات الكامنة فيه؛ قال تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ... ﴾ [الكهف: 45].



3- الخداع والدجل وقلب الحقائق والتزوير والتضليل، وهذه الأمور كما أنها سمة الحضارة الغربية فهي سمات الدجال، وأغلب ظني أن الدجل الذي نراه الآن سيَنمو ويكبر ويزداد، تمهيدًا لخُروج الدجال الأكبر، ويُمهِّد له أيضًا دجالون صغار، والعجيب أنهم يَحسبون أنهم يُحسنون صنعًا لأنفسهم وللبشرية؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ [الكهف: 103 - 105]،
يقول الطبري في الذين عُنوا بذلك: "الرهبان والقساوسة،
وقيل: أهل الكتاب، وقيل - وهو الصواب -: كل عاملٍ عملاً يحسبه فيه مُصيبًا، وأنه لله بفعله ذلك مُطيع مُرضٍ، وهو بفعله ذلك لله مُسخِط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر من أهل أي دين كانوا!".


خامسًا: التوحيد في السورة الكريمة:

وكما بدأت السورة بالحمد وهو الثناء الجميل لمن استحق الشكر والثناء لما تفضَّل به من نعم، وأعظمها نعمة الوحي المنزل مُقرِّرًا أن الله واحد لا شريك له ولا ولد، فقد خُتمت - أيضًا - بتأكيد هذا التقرير، وأن الوحي أنزله الله تعالى على عبده ورسوله محمد ﷺ ليُقرِّر أن الإله المعبود هو إله واحد؛ "فمَن كان يرجو لقاء ربه (أي: ثوابه وجزاءه الصالح) فليعمَل عملاً صالحًا (أي: ما كان مُوافقًا لشَرعِ الله)، ولا يُشرك بعبادة ربه أحدًا (وهو الذي يُراد به وجه الله وحده لا شريك له)، وهذان هما ركنا العمل المُتقبَّل، لا بدَّ أن يكون خالصًا لله، صوابًا؛ أي: على شريعة رسول الله ﷺ"؛ تفسير ابن كثير.


http://www.tafsir.net/article/4889
logo.png



 

بارك الله فيكم
أن دكرتمونا بالمعاني الرائعة لهده السورة التي تضم عبرا كثيرة ومفيدة


فكلما تدكرت هده السورة أتصور من أي موقع كان موسى مع الخضر ينظران الى الملك اللص في موقفه مع الصياديين المستضعفين المساكين اد يبدو أنهما تراجعا لخلف الصورة العامة للمنظر قبل خيبة الملك اللص الدي يسرق جهد الصيادين المساكين فأتصور أن موسى والخضر كانا يترقبان خيبته حقيرا خائبا في سعيه رأووه كيف تراجع بخفي حنين أظنهما ابتعدا عن المكان قليلا يراقبون الملك والصياديين والله أعلم



سورة الكهف فيها مما فيها من العبر الجمة (وعد مستقبلي) وجانب غيبي ولأجل دلك أشعر الله رسوله ألا يماري فيها ليثير فيها جدل اليهود والمنافقين فيبدي فيها فقط ظاهر ما يجادل به السائلون من اليهود والمنافقين اد منها مما سيأتي من الغيب مستقبلا ولا زال لم يقع حتى يومنا لكنه واقع لا محالة
( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا )
وفيها كدلك أن دي القرنين الدي بنى السد والدي أوتي مما أوتي قطر تدويب المعادن والحديد...رآى كيف سيدك الله السد الدي بناه بسواعد القوم المستضعفين فرآى المنظر المهول لخروج يأجوج ومأجوج فكان منظر الوعد الحق وصورته الحقيقية فيما سيكون واقعا رآاه رأي العين وصدق به بأنه واقع مستقبلا....رآى كيف أن السد سيدك وكيف سيخرج من فجوته القوم المفسدون ...فكان هدا من الغيب الدي أطلع الله عليه دي القرنين كدلك...

﴿ قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا

_________________________________________________________________________________________

قصتي الواقعية مع سورة الكهف

لي تجربة واقعية مع هده السورة سأقصها لكل مؤمن مصدق بكتاب الله المجيد العزيز
كان في المدينة التي درست بها الثانوي لما يقارب 7 سنوات اعدادي وثانوي كان بها أحياء تتواجد فيها أسواق تقليدية عادة يتواجد بها السحرة الدجالين اللدين تستهوي وتغري عروضهم وحلقاتهم شبابا لا عقل لهم ولا نقل على فتوتهم وسنهم وما يفترض فيهم ومنهم من يدرسون بالثانوية....

وأثناء فترة مرضي مررت بسوق من تلك الأسواق التقليدية وكانت نيتي العبور ولا غير بدون تبضع ولا شيء انما بغاية ونية دكر الله خصيصا اثناء دخول اي سوق او لمكان ما....
وكان مما قرأت ...أن من حفظ الخمس أو العشر آيات الاوائل او الأواخر لسورة الكهف

عصمه الله في فثنة الدجال
(ومن فثنة الدجالين وهنا محور قصتي) لم أتأكد من صحة عدد الآيات ادداك...

قرأت أواخر سورة الكهف سرا ودخلت باب السوق...وفهمت أن سورة الكهف كلها عصمة من الدجال والدجالين


في صحيح مسلم مرفوعاً: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال

وفي حديث آخر الخمس الأواخر فانها أحاديث كثيرة مختلفة بعضها صحيح والبعض ضعيف...
الدي استنتجت مقارنة بالحديث الصحيح والضعيف في هدا وبين واقعي مع السورة أن سورة الكهف كلها عصمة من الدجال ...


قبل الدخول مباشرة الى السوق الدي عادة تكون فيه حلقة من حلقات أولئك قرأت خمس أواخر سورة الكهف سرا فلم يسمع مني أحد من البشر انما اتضح فيما بعد أن الدجال سمع الآيات وبيني وبين حلقته ما يزيد عن 300 متر فكيف ومن أخبره : بسيطة انهم أولياؤه وأعوانه الملاعين...فلن يسمع منك بشر كلاما أسررته على بعد 300 متر...

اقتربت من الساحر الدي تجمع حوله شباب يافع فادا به يصيح حقيقة وواقعا بأعلى صوته رافعا يده وهو ينعتني ويصيح ( عدو قادم عدو قادم عدو قادم وهو يشير بيده الي ) كان يريد الايعاز لمن في الحلقة الاساءة الي و أديتي ...ربما بضربي أو تعنيفي أو سبي...


والغريب المدهش أن لا احد منهم أعار لاشارته وصيحاته العالية انتباها ففهمت أن دلك من ثمرة سورة الكهف وأنها تقصم السحرة ...


فحمدت الله على نعمة كوني عدوا للسحرة ولو أنهم عدو لي لان الله ينصرني عليهم بالقرآن وقد يكون دلك بأخف كلمة _ بكلمة واحدة ولي معها قصة أعجب مما قصصت هنا وهي كلمة :



في موقف السوق هدا مررت بسلام متجها نحو الغاية الى مكان آخر...


...
 
التعديل الأخير:

بارك الله فيكم
أن دكرتمونا بالمعاني الرائعة لهده السورة التي تضم عبرا كثيرة ومفيدة
وفيك يبارك الرحمن أخي الكريم
صدقت تضم السورة عبرا وقصصا كثيرة

فكلما تدكرت هده السورة أتصور من أي موقع كان موسى مع الخضر ينظران الى الملك اللص في موقفه مع الصياديين المستضعفين المساكين اد يبدو أنهما تراجعا لخلف الصورة العامة للمنظر قبل خيبة الملك اللص الدي يسرق جهد الصيادين المساكين فأتصور أن موسى والخضر كانا يترقبان خيبته حقيرا خائبا في سعيه رأووه كيف تراجع بخفي حنين أظنهما ابتعدا عن المكان قليلا يراقبون الملك والصياديين والله أعلم
...
قال تعالى :

( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً{60} فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً{61} فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً{62} قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً{63} قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً{64} فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} ) [ الكهف (60 : 66) ]

أي أن موسى عليه السلام لم يكن يعرف الخضر من قبل
ولا علم له بأمر الملك غاصب السفن ولا بأمر الغلام وأهل المدينة .. لذا فتصورك انهما كان يترقبان خيبته اعتقد لا يصح فالعبد الصالح الخضر آتاه الله من العلم وأطلعه على أمور لم يكن يعلمها موسى عليه السلام
وللقاء موسى مع الخضر قصة يرويها حديث أبي بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ

تبدأ القصة حين خطب موسى عليه السلام في بني إسرائيل فسأله أحدهم عن أعلم الناس ، فظن موسى عليه السلام - لكونه رسولَ رب العالمين - أنه أعلم أهل الأرض ، فأجاب ذلك السائل بقوله : أنا . وقد كان الأَوْلى به عليه السلام أن يقول : " الله أعلم " ، لأن مبلغ علم الرسل والأنبياء لا يبلغ أن يحيط بكل شيء ، فالإحاطة بالعلم كله من صفات الله عز وجل وحده لا شريك له ، فأراد الله عز وجل أن يبين لموسى عليه السلام أن هناك مِن العباد مَن هو أعلم منه ، ولذلك أمره أن يسير إلى مكان معين يلتقي فيه مع ذلك العبد العالم .

عن أبي بن كعب رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ . فَقَالَ : أَنَا . فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ )

فقرر موسى عليه السلام أن يسير إلى " مجمع البحرين " للقاء ذلك العبد الذي هو أعلم من موسى عليه السلام ، والأقوال في تحديد مكان " مجمع البحرين " كثيرة، ليس لأي منها دليل معتمد.

يقول الله عز وجل : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) الكهف/60.

قال العلامة السعدي رحمه الله :

" يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام ، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم ، أنه قال لفتاه – أي : خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره ، وهو " يوشع بن نون " الذي نبَّأه الله بعد ذلك : ( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ) أي : لا أزال مسافرا وإن طالت عليَّ الشُّقَّةُ ، ولحقتني المشقة ، حتى أصل إلى مجمع البحرين ، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدا من عباد الله العالمين ، عنده من العلم ما ليس عندك .

( أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) أي : مسافة طويلة ، المعنى : أن الشوق والرغبة ، حمل موسى أن قال لفتاه هذه المقالة ، وهذا عزم منه جازم ، فلذلك أمضاه " انتهى.

" تيسير الكريم الرحمن " (ص/481)

وقد أوحى الله عز وجل إلى موسى علامة يعرف بها مكان ذلك العبد .

ففي حديث أبي بن كعب :
( قَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ ! فَكَيْفَ لِي بِهِ ؟ قَالَ : تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ ، وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا ، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ ، فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ ( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ )

وفي رواية أخرى للبخاري : ( وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ ، فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ ، قَالَ : فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنْ الْمِكْتَلِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ )

وفي ذلك يقول الله عز وجل :
( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) أي : مثل السَرَب في الأرض .

قال ابن جريح : قال ابن عباس : صار أثره كأنه حَجَر .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : جعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (5/174)

وبعد ذلك يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا . قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا . قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا )

قال العلامة السعدي رحمه الله :

" ( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ) أي : نطلب . ( فَارْتَدَّا ) أي : رجعا ( عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) أي : رجعا يقصان أثرهما إلى المكان الذي نسيا فيه الحوت "

" تيسير الكريم الرحمن " (ص/481)

وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه :
( فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : ( آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ) قَالَ : وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَا الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ : ( أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) قَالَ : فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا ، وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا . فَقَالَ مُوسَى : ( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) قَالَ : رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ )

يقول العلامة السعدي رحمه الله :

" وهذا من الآيات ، قال المفسرون : إن ذلك الحوت الذي كانا يتزودان منه ، لما وصلا إلى ذلك المكان ، أصابه بلل البحر ، فانسرب بإذن الله في البحر ، وصار مع حيواناته حيا " انتهى.

" تيسير الكريم الرحمن " (ص/481)

وهناك التقى موسى عليه السلام بالخضر ، ودار حوار بينه وبينه ، طلب فيه موسى أن يرافق الخضر كي يتعلم من علمه ، وفي هذا تواضع شديد منه عليه الصلاة والسلام .

يقول عز وجل : ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا . قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا )

والخضر من بني آدم ، لكن كما قال الحافظ ابن حجر : " اختُلف في اسمه ، وفي اسم أبيه ، وفي نسبه ، وفي نبوته ، وفي تعميره " انتهى. " فتح الباري " (6/433)

وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه :

( فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى ، فَقَالَ الْخَضِرُ ، وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ ؟! قَالَ : أَنَا مُوسَى . قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا . قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ، يَا مُوسَى ! إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ . فَقَالَ مُوسَى : سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا )

وتبدأ الرحلة الغريبة العجيبة ههنا ، ويقص الله عز وجل علينا ما وقع فيها ثلاثة مواقف محيرة ، لم يستطع موسى عليه السلام أن يكتم استغرابه لها ، وأن يحافظ على عهده للخضر أن لا يسأله عن شيء يقع لهما أثناء صحبته له .

يقول الله عز وجل :

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا )

وفي الحديث الشريف :

( فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى : قَوْمٌ قَدْ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ؟! قَالَ : لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا .

قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا .

قَالَ : وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ )

ثم الموقف الثاني :

يقول الله عز وجل :

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )

وفي حديث أبي بن كعب :

( ثُمَّ خَرَجَا مِنْ السَّفِينَةِ ، فَبَيْنَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ .

فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ؟! قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا . قَالَ : وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنْ الْأُولَى . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )

ثم الموقف الثالث :

يقول الله سبحانه وتعالى :

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )

وفي حديث أبي بن كعب :

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مَائِلا ، فَقَامَ الْخَضِرُ فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ مُوسَى : قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ؟! قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ )

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا .

وأما تفسير سبب ما فعله الخضر عليه السلام في تلك المواقف العجيبة ، فقد بينه الخضر في حديثه لموسى ، وقد حكى ذلك القرآن الكريم مفصلا في ختام سياق القصة في سورة الكهف : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا . وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) الكهف/60-82.
 
وفيك يبارك الرحمن أخي الكريم
صدقت تضم السورة عبرا وقصصا كثيرة

قال تعالى :

( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً{60} فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً{61} فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً{62} قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً{63} قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً{64} فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} ) [ الكهف (60 : 66) ]

أي أن موسى عليه السلام لم يكن يعرف الخضر من قبل
ولا علم له بأمر الملك غاصب السفن ولا بأمر الغلام وأهل المدينة .. لذا فتصورك انهما كان يترقبان خيبته اعتقد لا يصح فالعبد الصالح الخضر آتاه الله من العلم وأطلعه على أمور لم يكن يعلمها موسى عليه السلام
وللقاء موسى مع الخضر قصة يرويها حديث أبي بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ

تبدأ القصة حين خطب موسى عليه السلام في بني إسرائيل فسأله أحدهم عن أعلم الناس ، فظن موسى عليه السلام - لكونه رسولَ رب العالمين - أنه أعلم أهل الأرض ، فأجاب ذلك السائل بقوله : أنا . وقد كان الأَوْلى به عليه السلام أن يقول : " الله أعلم " ، لأن مبلغ علم الرسل والأنبياء لا يبلغ أن يحيط بكل شيء ، فالإحاطة بالعلم كله من صفات الله عز وجل وحده لا شريك له ، فأراد الله عز وجل أن يبين لموسى عليه السلام أن هناك مِن العباد مَن هو أعلم منه ، ولذلك أمره أن يسير إلى مكان معين يلتقي فيه مع ذلك العبد العالم .

عن أبي بن كعب رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ . فَقَالَ : أَنَا . فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ )

فقرر موسى عليه السلام أن يسير إلى " مجمع البحرين " للقاء ذلك العبد الذي هو أعلم من موسى عليه السلام ، والأقوال في تحديد مكان " مجمع البحرين " كثيرة، ليس لأي منها دليل معتمد.

يقول الله عز وجل : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) الكهف/60.

قال العلامة السعدي رحمه الله :

" يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام ، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم ، أنه قال لفتاه – أي : خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره ، وهو " يوشع بن نون " الذي نبَّأه الله بعد ذلك : ( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ) أي : لا أزال مسافرا وإن طالت عليَّ الشُّقَّةُ ، ولحقتني المشقة ، حتى أصل إلى مجمع البحرين ، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدا من عباد الله العالمين ، عنده من العلم ما ليس عندك .

( أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) أي : مسافة طويلة ، المعنى : أن الشوق والرغبة ، حمل موسى أن قال لفتاه هذه المقالة ، وهذا عزم منه جازم ، فلذلك أمضاه " انتهى.

" تيسير الكريم الرحمن " (ص/481)

وقد أوحى الله عز وجل إلى موسى علامة يعرف بها مكان ذلك العبد .

ففي حديث أبي بن كعب :
( قَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ ! فَكَيْفَ لِي بِهِ ؟ قَالَ : تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ ، وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا ، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ ، فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ ( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ )

وفي رواية أخرى للبخاري : ( وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ ، فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ ، قَالَ : فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنْ الْمِكْتَلِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ )

وفي ذلك يقول الله عز وجل : ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) أي : مثل السَرَب في الأرض .

قال ابن جريح : قال ابن عباس : صار أثره كأنه حَجَر .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : جعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (5/174)

وبعد ذلك يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا . قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا . قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا )

قال العلامة السعدي رحمه الله :

" ( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ) أي : نطلب . ( فَارْتَدَّا ) أي : رجعا ( عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) أي : رجعا يقصان أثرهما إلى المكان الذي نسيا فيه الحوت "

" تيسير الكريم الرحمن " (ص/481)

وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه :
( فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : ( آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ) قَالَ : وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَا الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ : ( أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) قَالَ : فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا ، وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا . فَقَالَ مُوسَى : ( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ) قَالَ : رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ )

يقول العلامة السعدي رحمه الله :

" وهذا من الآيات ، قال المفسرون : إن ذلك الحوت الذي كانا يتزودان منه ، لما وصلا إلى ذلك المكان ، أصابه بلل البحر ، فانسرب بإذن الله في البحر ، وصار مع حيواناته حيا " انتهى.

" تيسير الكريم الرحمن " (ص/481)

وهناك التقى موسى عليه السلام بالخضر ، ودار حوار بينه وبينه ، طلب فيه موسى أن يرافق الخضر كي يتعلم من علمه ، وفي هذا تواضع شديد منه عليه الصلاة والسلام .

يقول عز وجل : ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا . قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا )

والخضر من بني آدم ، لكن كما قال الحافظ ابن حجر : " اختُلف في اسمه ، وفي اسم أبيه ، وفي نسبه ، وفي نبوته ، وفي تعميره " انتهى. " فتح الباري " (6/433)

وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه :

( فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى ، فَقَالَ الْخَضِرُ ، وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ ؟! قَالَ : أَنَا مُوسَى . قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا . قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ، يَا مُوسَى ! إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ . فَقَالَ مُوسَى : سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا )

وتبدأ الرحلة الغريبة العجيبة ههنا ، ويقص الله عز وجل علينا ما وقع فيها ثلاثة مواقف محيرة ، لم يستطع موسى عليه السلام أن يكتم استغرابه لها ، وأن يحافظ على عهده للخضر أن لا يسأله عن شيء يقع لهما أثناء صحبته له .

يقول الله عز وجل :

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا )

وفي الحديث الشريف :

( فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى : قَوْمٌ قَدْ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ؟! قَالَ : لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا .

قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا .

قَالَ : وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً ، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ : مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ )

ثم الموقف الثاني :

يقول الله عز وجل :

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )

وفي حديث أبي بن كعب :

( ثُمَّ خَرَجَا مِنْ السَّفِينَةِ ، فَبَيْنَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ .

فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ؟! قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا . قَالَ : وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنْ الْأُولَى . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )

ثم الموقف الثالث :

يقول الله سبحانه وتعالى :

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )

وفي حديث أبي بن كعب :

( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مَائِلا ، فَقَامَ الْخَضِرُ فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ مُوسَى : قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ؟! قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ )

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا .

وأما تفسير سبب ما فعله الخضر عليه السلام في تلك المواقف العجيبة ، فقد بينه الخضر في حديثه لموسى ، وقد حكى ذلك القرآن الكريم مفصلا في ختام سياق القصة في سورة الكهف : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا . وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ) الكهف/60-82.
( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ )﷽

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا...
أجل أختنا الغريبة لقد أصبت الفهم السليم وهو من المغزى العام للسورة : اد يفهم من الآيات وسياقها اطلاع العبد الصالح بما سيقع مستقبلا قبل وقوعه في الثلاث وقائع و أن الخضر خرق السفينة وأوقع بها عيبا لكي لا تصلح بعد للصيد فيقتنع الملك ويتراجع عن الصيادين ويبدو جليا أن العبد الصالح عابها وتركها ولم يخبر موسى بمصير السفينة و الملك مع الصيادين الا في آخر رحلتهما بالتالي لم يكونا في المكان يترقبان تراجع الملك ....انما يبدو كدلك أن العبد الصالح رآى ما سيقع يصف له موقف تراجع الملك بعد خيبته...فان لم يكن علم بتراجع الملك ما كلف نفسه خرقها اد سيكون الامر كما لو انه لا فائدة من تصرفه باحقاقه حقا ورده لظلم وغصب الملك للصيادين....والله أعلم
 
التعديل الأخير:
الله يجزاك كل خير على هذه المشاركة الطيبة والمفيدة والله يعطيك العافية.

مشاركاتك الجديدة بكل ماهو جديد ومفيد تسرنا دائما.

يامرحبابك وحياك الله............
 
المنتدى غير مسؤول عن أي اتفاق تجاري أو تعاوني بين الأعضاء.
فعلى كل شخص تحمل مسؤولية نفسه إتجاه مايقوم به من بيع وشراء وإتفاق واعطاء معلومات موقعه.
المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتدى المشاغب ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)
عودة
أعلى