الغريبة
عضو مشاغب
المرأة التي نريد
بثينة محمد علي الصابوني
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
"نِعْمَ النساءُ نساءُ الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"[1].
إن هذه الكلمة الوصفيَّة التقريرية؛ إذ صَدَرَتْ مِن أم المؤمنين رضي الله عنها زوج رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنها تضعُ لنا أصول حياة المرأة المسلمة وأُسُس واجباتها في الحياة، وفلسفة سلوكها (حياء لا يمنع مِن القيام بالحقوق والواجبات).
وإننا الآن نتساءل:
ما الذي يجب علينا أن نُرَبِّي عليه المرأة في عصرنا الحاضر؟
وما الذي نريده من المرأة؟
أو: مَن المرأة التي نريد؟
في عصرٍ كثُرَتْ فيه فِتَن وامتحانات، في عصرٍ أضحى المنزل أساسَ التربية بعد أن تشتَّتت وسائلُ التأثير على الأبناء بين الفضائيات وشبكة المعلومات، والمدرسة والرفاق.
إنَّ مسؤولية المرأة في المجتمع المسلم بِناءُ الحياة السعيدة في ذاتها، المُسعِدة لكلِّ فرد في المجتمع، ابِتداءً من الزوجة ربة المنزل، ومرورًا بالأبناء، وانتهاءً بالواجب المَنُوط بها، وتحقيقًا لواجب الاستِخْلاف في الأرض، (إقامة شرع الله ونصرة دينه في الأرض).
ولعلنا نتساءل الآن: مَن المرأة التي نريد؟
لا شك أننا في إجابتنا لهذا السؤال لن ننظر إلى الوسائل قبل تحديد الهدف، فإذا كان هدفُنا تحقيقَ المجتمع المليء بالحيوية والنشاط، المتفاعل فيما بينه، الصامد أمام عقبات الحياة وعراقيل الأعداء وخططه المدمرة لكِيان الأمة، فليس مُهمًّا بعدَ ذلك ما الوسائل التي يجب أن نتبعها لتحقيق ذلك الهدف ما دامتْ لا تتعارض مع شرع الله تعالى؛ لأنَّ كل فرد يختلف عن الآخر وله ظروفه الخاصة؛ وعليه فليس المُهمُّ: ما الوسائل التي نحتاجها لتحقيق ذلك الهدف؟، ما دامت كلها تصبُّ في دائرة الهدف الأسمى (أمة قوية، ومجتمع متماسك، وصمود في وجه الزلازل والمِحَن).
إننا نُريد المرأة التي تجعل دينَها أساس وجودها وأصل حياتها، ومِفتاحَ كلِّ باب، ثم تُمارِس في المجتمع مربِّيةً إن لَزِم الأمر، ومعلمة، ومجاهدة، وممرضة ومداوية للجرحى، دون أن تفقد حجابها الذي هو مِن أصل دينها، أو تفقد حياءها أو عِفَّتها، أو تخسر أنوثتها، ودون أن تُستغلَّ بترهات الأمور، عارضةً لفتنتها، أو مُتبذلة ميوعة وتسكعًا.
تلك المرأة التي نريدها مقتدية بأمهات المؤمنين ونساء الصحابة والتابعين رضي الله عنهن أجمعين؛ كخديجة الزوجة المثالية، عونِ الشدة، ومُثبِّتة العزائم، التي أمدت زوجَها ﷺ بالعونِ المادي والنفسي المعنوي، وأم البنات الطاهرات المُربَّيات أحسن التربية وأزكاها، رضي الله عنهن.
نريد المرأة اليوم امرأةً فاضلة؛ كأسماء أهم جندية من جنود الهجرة (الراعي والدليل وعبدالله بن أبي بكر).
ونريدها كالشفاء بنت عبدالله المهاجر، التي وقفَتْ بجانب الدعوة في المدينة المنورة تُعلِّم الكتابة والطب، وتشارك في السياسة والإدارة في عهد عمر رضي الله عنه.
نُريدها كآلاف النساء عبر التاريخ الإسلامي اللاتي حمَلنَ رايةَ العلم والدعوة والإصلاح في المجتمع خلال العصور المختلفة.
نريد المرأة التي لا تُخدع بدِعاياتِ التحرُّر والتفرنُج، تلك الدِّعايات التي تجعل المرأةَ سلعةً رخيصةً في يد أرباب الاقتصاد والسياسة، وتريد منها أن تُقلِّد المرأة الغربية التي تُعانِي من الويلات والآهات، وتعَضُّ أصابعَ الندم؛ لتمرُّدها على الأخلاق، وفقدانها روح الأسرة وكيان الأسرة وسعادة الأسرة.
نريد المرأة التي تُمارِس كلَّ نشاطاتها دون أن تُقصِّر في حق بيتها وأسرتها، ولا في حق دينها وآخرتها.
نريدُ المرأة التي تَعِي معنى العطاء الذي جُبِلتْ عليه، فهي المِعطاءَة لجنينِها دون حدود، ولوليدِها مِن عاطفتها دون حقوق، ولزوجِها مِن نفسها دون ميزان.
نريد المرأة التي تسمو وترتقي فوقَ ما يُسمَّى حقوق المرأة؛ لتجعلها عطاءً بلا حدود؛ لأنَّ المرأة والبنت والزوجة لا تعرف إلا العطاء، والعطاء بلا حدود.
وإذا كنا نريد المرأة كذلك، فنحن نريد الرجل أن يعطي أمته بلا حدود.
نريد الرجل الذي يقتدي بجيلِ الصحابة والتابعين الذين أعطَوا أمتهم مِن جهدهم وجهادهم العسكري والفكري والحضاري بلا حدود.
فلننتقل من مستوى الحقوق إلى مستوى العطاء.
فبدلًا من أن نطالب بحقوقنا نُطالب أنفسنا بالعطاء الذي ورثناه عن أجدادنا رجالًا ونساءً ممن حمل الإسلام وحمل العلم والحضارة ما أبهر به العالم ودانتْ له الدنيا.
فلتكن كلُّ امرأةٍ قويةً فاضلة معطاءة، وليكن كلُّ رجل مؤمنًا ومسؤولًا باذلًا، ولنتحلَّ جميعًا بالعطاء للدين والأسرة والأمة.
ونسأل الله رضاه، ونعوذ به من سخطه وغضبه وعذابه.
[1] ذكره البخاري تعليقًا تحت ب: «الحياء في العلم» ك: «العلم» وأخرجه مسلم ك: «الحيض»، ب: «استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك» ح: (332).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/spotlight/0/123479/#ixzz7EGVetQEe