الغريبة
عضو مشاغب
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
القرب من الله - 1 -
قال التلميذ :
شيخي ، عرفت أن الركون إلى القرب بُعد ، وأن استشعار التقريب هو بداية الإبعاد ، وأن الذي فُتح له الباب ، وخطا على بساط القرب = يجب أن يبقى راغبا في مزيد من التقرب ، وأنه من حين الفرح باقترابه ، سيجد نفسه خارج باب القرب ( وليس باب الإيمان والإسلام) ، وسيجد نفسه (كما كان) يقرع الباب من جديد ! يسأل الدخول والقرب !! وكأنه ما فُتح له الباب يوما ، ولا شَرُفَ بالمشي على بساط القُرب لحظة !!
فهمت يا شيخي معنى قوله تعالى
{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } ،
كما فهمه بعض السلف
(ويُروى مرفوعا ، على خلاف في صحته) :
أن هؤلاء الذين ذكرتهم الآية ليسوا هم الذين يعصون ،
فيخافون عقوبة عصيانهم ، وإنما هم الذين يعملون الطاعات ،
ويتقربون بأنواع القربات ، ولكنهم (مع ذلك) ما يزالون خائفين من الطرد والإبعاد : فقلوبهم وجلة من يوم اللقاء { وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }،
حيث سيعلمون يومها علم اليقين ،
ويومها فقط : هل اقتربوا ؟ أم ابتعدوا ؟!
وفهمت أخيرًا يا شيخي أن هذا الخوف هو نفسه طاعة وقُربى ،
تزيد من القُرب والحب !!
لكن الذي أفزعني يا شيخي :
هو كيف أفرّق بين خوف الطائعين وخوف العاصين ؟
كيف أفرق بين خوفي من عدم اقترابي وخوفي من ابتعادي ؟
كيف أعرف أني على درجات الصعود أعلو أم إلى دركات الهبوط أهوي ؟!!
فقال الشيخ (وقد علاه الكرب) : يا بني ، لو عرفتَ ما سألت !!
هذا محط الابتلاء ، وحقيقة التمحيص ، وهو ما سقط فيه إبليس ،
وسما فيه محمد ﷺ ،
فكان سيدَ الخلق وأفضلَ الأولين والآخرين !
يا بني : عِ عنّي ما أقول !
لو عرف المتقربون أنهم قريبون لكان هذا نعيمًا لا يسألون عليه نعيما ،
لكان نعيما يقطع التكليف ، وينقلهم من دار الاختبار إلى دار الجزاء ،
فلا يبقى ليوم الحساب والثواب والعقاب حكمة !
فماذا يريد العبد أكثر من الجلوس على بساط الرضوان !!
تذكّر يا بنيّ أن بساط الرضوان أعظم من نعيم الجنة ،
قال تعالى
{ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال :
(( إنَّ الله يقول لأَهْلِ الجَنَّةِ : يا أَهلَ الجَنَّةِ .
فَيَقولُونَ : لبيك ربَّنَا وَسَعدَيْكَ ، وَالخَيْرُ في يَدَيكَ !
فيقول : هل رَضِيتمْ ؟
فَيَقولُونَ : وما لنا لا نَرضَى يا ربِّ ؟!
وقد أَعطَيْتَنَا ما لم تعْطِ أحَدًا من خَلْقكَ !!
فيقول : ألا أُعْطيكُمْ أفْضَلَ من ذلك ؟
فيَقُولُونَ : يا ربِّ ، وأَيُّ شيْءٍ أفْضَلُ من ذلك ؟!
فيقول : أُحلُّ علَيْكُمْ رضْوَانِي ، فلا أسْخَطُ علَيْكُمْ بعْدَهُ أبَدًا )) .
فقاطع التلميذ الشيخ قائلا :
فكيف النجاة يا شيخ ؟! كيف أعرف أني لست مطرودا ؟
فقد يئست من أن أعرف أني لست قريبًا !!
بعد أن فقدت الطمع في معرفة القُرب !!
فقال الشيخ :
لو صبرتَ ، لأخبرتك . وتمام الأدب شرطُ تمام الفهم ،
فالمعاني العالية لا تثبت إلا في النفوس الزاكية ،
كالشجرة الطيبة ، لا تنمو إلا في الأرض الطيبة !!
فبكى التلميذ ، وهم بالخروج من مجلس الشيخ ،
يشعر بالحرمان والطرد !!
القرب من الله -2-
نظر إليه الشيخ وقال :
امكُثْ بني ، فإنما أردت نفعَك ،
وما أردت إيلامك إلا بقصد الإحسان إليك .
فعاد التلميذ ، وجلس ، يُـكَفْكِفُ دمعته ، في أدبٍ تامّ ،
وإنصاتٍ كامل ، لا تطرف عينه ، ولا يلفت قلبُه .
فعرف الشيخ أنه أصبح مستعدًّا لفهم الجواب !
فقال الشيخ :
يا بُني ، هناك ثلاث علامات أعرفها ، وقد يعرف غيري غيرها ،
تعينك على النجاح في الاختبار ، بعد أن عرفتَ أنه لا سبيل
إلى معرفة النجاح إلا بالانتقال إلى الدار الآخرة ،
ولا طمع لنا باستشعار يقين القرب إلا برفع الحجاب يوم القيامة !
فارتجف التلميذ ، ووضع الشيخ يده على قلبه ، وقال :
العلامة الأولى : ازدياد الحب في القلب ، انشغالُ القلب بواجبات التعظيم ،
فلا يرى في طاعته إلا نعمة الله عليه ، ولا يرى في غفلته إلا حلم الله عنه ،
ولا يرى في معصيته له إلا تدارك رحمته وإسبال ستره وحبه
= فهو في ازدياد من الحب .
ولا تقل لي : كيف أعرف الحب وازدياده ؟
فما عرف شيئًا مَن لم يتيقن من الحب !
وأي يقين أقوى من يقينك بحب من تحب ؟!
فكل مسلم حقيقي هو مُـحِبٌّ حقيقي ؛
لكنَّ الشيطانَ (وما أعظم كيده) ، وتخليطَ التعليم ،
وإساءةَ جهلةِ الوعاظ = كلَّ ذاك هو الذي يكاد يُفقد المسلمين
شعورَهم بيقين حبهم لله تعالى !
قال التلميذ :
شيخي ، عرفت أن الركون إلى القرب بُعد ، وأن استشعار التقريب هو بداية الإبعاد ، وأن الذي فُتح له الباب ، وخطا على بساط القرب = يجب أن يبقى راغبا في مزيد من التقرب ، وأنه من حين الفرح باقترابه ، سيجد نفسه خارج باب القرب ( وليس باب الإيمان والإسلام) ، وسيجد نفسه (كما كان) يقرع الباب من جديد ! يسأل الدخول والقرب !! وكأنه ما فُتح له الباب يوما ، ولا شَرُفَ بالمشي على بساط القُرب لحظة !!
فهمت يا شيخي معنى قوله تعالى
{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } ،
كما فهمه بعض السلف
(ويُروى مرفوعا ، على خلاف في صحته) :
أن هؤلاء الذين ذكرتهم الآية ليسوا هم الذين يعصون ،
فيخافون عقوبة عصيانهم ، وإنما هم الذين يعملون الطاعات ،
ويتقربون بأنواع القربات ، ولكنهم (مع ذلك) ما يزالون خائفين من الطرد والإبعاد : فقلوبهم وجلة من يوم اللقاء { وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }،
حيث سيعلمون يومها علم اليقين ،
ويومها فقط : هل اقتربوا ؟ أم ابتعدوا ؟!
وفهمت أخيرًا يا شيخي أن هذا الخوف هو نفسه طاعة وقُربى ،
تزيد من القُرب والحب !!
لكن الذي أفزعني يا شيخي :
هو كيف أفرّق بين خوف الطائعين وخوف العاصين ؟
كيف أفرق بين خوفي من عدم اقترابي وخوفي من ابتعادي ؟
كيف أعرف أني على درجات الصعود أعلو أم إلى دركات الهبوط أهوي ؟!!
فقال الشيخ (وقد علاه الكرب) : يا بني ، لو عرفتَ ما سألت !!
هذا محط الابتلاء ، وحقيقة التمحيص ، وهو ما سقط فيه إبليس ،
وسما فيه محمد ﷺ ،
فكان سيدَ الخلق وأفضلَ الأولين والآخرين !
يا بني : عِ عنّي ما أقول !
لو عرف المتقربون أنهم قريبون لكان هذا نعيمًا لا يسألون عليه نعيما ،
لكان نعيما يقطع التكليف ، وينقلهم من دار الاختبار إلى دار الجزاء ،
فلا يبقى ليوم الحساب والثواب والعقاب حكمة !
فماذا يريد العبد أكثر من الجلوس على بساط الرضوان !!
تذكّر يا بنيّ أن بساط الرضوان أعظم من نعيم الجنة ،
قال تعالى
{ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال :
(( إنَّ الله يقول لأَهْلِ الجَنَّةِ : يا أَهلَ الجَنَّةِ .
فَيَقولُونَ : لبيك ربَّنَا وَسَعدَيْكَ ، وَالخَيْرُ في يَدَيكَ !
فيقول : هل رَضِيتمْ ؟
فَيَقولُونَ : وما لنا لا نَرضَى يا ربِّ ؟!
وقد أَعطَيْتَنَا ما لم تعْطِ أحَدًا من خَلْقكَ !!
فيقول : ألا أُعْطيكُمْ أفْضَلَ من ذلك ؟
فيَقُولُونَ : يا ربِّ ، وأَيُّ شيْءٍ أفْضَلُ من ذلك ؟!
فيقول : أُحلُّ علَيْكُمْ رضْوَانِي ، فلا أسْخَطُ علَيْكُمْ بعْدَهُ أبَدًا )) .
فقاطع التلميذ الشيخ قائلا :
فكيف النجاة يا شيخ ؟! كيف أعرف أني لست مطرودا ؟
فقد يئست من أن أعرف أني لست قريبًا !!
بعد أن فقدت الطمع في معرفة القُرب !!
فقال الشيخ :
لو صبرتَ ، لأخبرتك . وتمام الأدب شرطُ تمام الفهم ،
فالمعاني العالية لا تثبت إلا في النفوس الزاكية ،
كالشجرة الطيبة ، لا تنمو إلا في الأرض الطيبة !!
فبكى التلميذ ، وهم بالخروج من مجلس الشيخ ،
يشعر بالحرمان والطرد !!
القرب من الله -2-
نظر إليه الشيخ وقال :
امكُثْ بني ، فإنما أردت نفعَك ،
وما أردت إيلامك إلا بقصد الإحسان إليك .
فعاد التلميذ ، وجلس ، يُـكَفْكِفُ دمعته ، في أدبٍ تامّ ،
وإنصاتٍ كامل ، لا تطرف عينه ، ولا يلفت قلبُه .
فعرف الشيخ أنه أصبح مستعدًّا لفهم الجواب !
فقال الشيخ :
يا بُني ، هناك ثلاث علامات أعرفها ، وقد يعرف غيري غيرها ،
تعينك على النجاح في الاختبار ، بعد أن عرفتَ أنه لا سبيل
إلى معرفة النجاح إلا بالانتقال إلى الدار الآخرة ،
ولا طمع لنا باستشعار يقين القرب إلا برفع الحجاب يوم القيامة !
فارتجف التلميذ ، ووضع الشيخ يده على قلبه ، وقال :
العلامة الأولى : ازدياد الحب في القلب ، انشغالُ القلب بواجبات التعظيم ،
فلا يرى في طاعته إلا نعمة الله عليه ، ولا يرى في غفلته إلا حلم الله عنه ،
ولا يرى في معصيته له إلا تدارك رحمته وإسبال ستره وحبه
= فهو في ازدياد من الحب .
ولا تقل لي : كيف أعرف الحب وازدياده ؟
فما عرف شيئًا مَن لم يتيقن من الحب !
وأي يقين أقوى من يقينك بحب من تحب ؟!
فكل مسلم حقيقي هو مُـحِبٌّ حقيقي ؛
لكنَّ الشيطانَ (وما أعظم كيده) ، وتخليطَ التعليم ،
وإساءةَ جهلةِ الوعاظ = كلَّ ذاك هو الذي يكاد يُفقد المسلمين
شعورَهم بيقين حبهم لله تعالى !