الغريبة
عضو مشاغب
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
هبي يا ريح الإيمان - كم تزن عند الله ؟!
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أمير المجاهدين
وقائد الغر المحجلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبة وسلم،
أما بعد:
أرسل إليكم هذه الكلمات على ذبذبة طولها الحق،
وعرضها الصدق عبر أثير الأشواق وفي أجواء المحبة
لتستقيها أطباق القلوب الحائرة عبر موجات الإيمان.
أبثها إليكم في هذا الوقت العصيب الذي استأسد فيه الباطل،
وتكالبت علينا الأمم، وضاقت بنا السبل، ودب فينا الوهن،
فإذا بعذابات المؤمن لا حد لها، وإذا بكل جرح من جراحاتنا
لا يكاد يندمل إلا وفي الجعبة عشر جراحات،
وانتشرت ظاهرة الغثائية في عموم المسلمين،
وعمت مجتمعاتنا الشخوص الخاوية والرموز التافهة،
وقلم الأصفار مقام الرجال، وأفتى التافه في أمر العامة،
حتى صح فينا وصف العشماوي:
ملياركم لا خير فيه كأنما *** خطت وراء الواحد الأصفار
والدليل: انظر حولك وفتش عن شبابنا فأين تجدهم؟!
ستجدهم إما في النوادي
وإما في الأسواق يبحثون عن صيد ثمين ويتلهفون على فريسة جديدة،
وإما على المدرجات الرياضية يشاهدون معارك وهمية ويحتفون بأبطال مزيفين،
وإما على الأرصفة في الشوارع يقتلون الأوقات ويقتلون معها الشهامة والنخوة والمروءات.
فهل هذه أمة تستحق النصر ؟!
فيا لها من حسرة لامست أفئدة المخلصين
فأطارت النوم من أجفانهم
وغرست الهم في أعماقهم،
ننتسب لرسول على قمة أولي العزم من الرسل ثم يكون هذا حالنا؟!
ننتمي إلى رسول كان من عزمه أنه إذا نامت عيناه
لم ينم قلبه ثم نغرق في سباتنا!!
رسولنا الذي كان من عزمه أنه لم يتثاءب في حياته قط،
رسولنا الذي كان من عزمه أنه كان
إذا عمل عملا أثبته وظل مواظبا عليه حتى الممات،
رسولنا كان من عزمه أن وزنه في الميزان
أثقل من أمة بأسرها
كما ورد في الحديث:
"يا أبا ذر! أتاني ملكا وأنا ببعض بطحاء مكة،
فوقع أحدهما على الأرض،
وكان الأخر بين السماء والأرض،
فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟
قال نعم،: قال فزنه برجل فوزنت به، فوزنته،
ثم قال: فزنه بعشرة، فوزنت بهم؛ فرجحتهم،
ثم قال: زنه بألف فوزنت بهم، فرجحتهم،
كأني أنظر إليهم ينتشرون على من خفة الميزان،
قال أحدهما لصاحبه: لو وزنته بأمة لرجحها "
حسنة الألباني في الصحيحة رقم (2529).
وورثة هذا النبي على دربه سائرون، ومن شعلة عزمه يقبسون،
لذا فالواحد منهم بعشرة أو بمائة أو بألف أو بأكثر من ذلك أو بأقل،
كل بحسب علو همته وإخلاص نيته وصدق عزيمته وشدة بأسه،
وصدق ربنا القائل:
{إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين
وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا}
[الأنفال: 65].
لذا كانت تربية الله للمؤمنين مبنية علي هذا الأساس:
التطلع إلى أعلى المقامات والوصول إلى أشرف المنازل.
قال سبحانه وتعالى على لسانهم:
{ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}
[الفرقان: 74]،
ولم يقل واجعلنا من المتقين، لأن إمامة المتقين هي قدر الصالحين
وأمنية المؤمنين وأمل الأمة إن هي أرادت التخلص من حالة الضعف والذل المهين.
وهذا النوع من الخلق ما رجح في الميزان إلا لعلو إيمانه
وشدة يقينه وعمق تربيته ومتانة رصيده، ولأنه
سما حتى جاوز السما
وعلا كي ما يدرك العلا
فقد أثار إعجاب النبي ﷺ
حتى فاض إعجابه على من حوله من أصحابه فقال مفاخراً:
«أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟
قالوا: الملائكة.
قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟
قالوا: فالنبيون.
قال: وما لهم لايؤمنون والوحى ينزل عليهم؟
قالوا: فنحن.
قال: ومالكم لاتؤمنون وأنا بين أظهركم؟
قالوا: فمن يارسول الله ؟
قال: ألا إن أعجب الخلق إلي إيماناً لقوم يكونو
من بعدكم يجدون صحفاً فيها كتاب يؤمنون بما فيها»
(حسنه الألباني في الصحيحة رقم (3215)).
وأعجب معي من خبر أحدهم وهو شيخ الإسلام ابن تيمية لما قيل له:
قد أمر السلطان بنفيك إلى قبرص أو قتلك أو سجنك فقال:
"والله إن بي من الفرح والسرور
ما لو قسم على أهل الشام لوسعهم،
والله إني كالغنمة ما تنام إلا على صوف،
إن نفيت إلى قبرص دعوت أهلها إلى الإسلام،
وإن سجنت خلوت بعبادة ربي،
وإن قتلت فأنا شهيد،"
وما أحوجنا اليوم من هذا الصنف من الرجال، ليثقلوا ميزان الأمة
ويرجحوا كفتها ويصدوا عدوها ويعيدوها ويعيدوا كرامتها،
وليس بضارهم أن كانوا ندرة في هذا الزمن
فإنها ندرة الجوهر فى سوق الطلب، ولمعة الذهب تستحق التعب،
وليس من وصول هذا الصنف من الأبطال الأفذاذ
إلا عن طريق انتفاضة إيمانية تزيل ما تراكم فوقنا
من غبار الذلة ودثار الضعف، ونهضة ربانية تعب من الينابيع الأولى،
وليس والله من أمل ولا سبيل إلا بالاتصال بمصدر الطاقة
الذي ينضب أبداً؛ والمعين الذي لاينفي على مدار الزمن،
ومن هنا جاءت هذه السلسلة (هبى يا ريح الإيمان)
لتساهم ولو بكلمات والأسطر في صناعة هذا الجيل الربانى الفريد،
وتختم عليه بخاتم (صنع على عين الله)، وتقتلع من قلبه
حشائش الشهوات وبذور الملهيات، لتغرس بدلا منها بذور الإيمان
وزهور اليناعات، وتروي بدمع الخشية شجرة الشجاعة ونبتة المكرمات،
وسبيلها فى ذلك: ترغيب قبل ترهيب،
وشوق يصحبه رجاء، وحياء يحذوه دعاء،
لنجني من وراء ذلك كله ثمرة النصر في نهاية الطريق
حلوة هنية دانية شهية فاح عبيرها وحان قطفها،
وليس من وراء ذلك من سبيل
إلى النصر سوى الأحلام.
نعم .. هبت ريح الإيمان على الأمة اليوم لتعصف بالجبن وتطيح بالخور وتذهب بالسكون،
هبت لتقتلع آثار الشيطان وأركان الشهوات ولعاعات الدنيا وسفالات النفوس،
هبت من عمق الألم وشدة المعاناة
لتعلن أن الروح الجديده قد ولدت والفجر الوليد قد بدا
وأنوار الطريق علت في الأفق تهدينا السبيل،
هبت لتكون ثورة على كل بخيل منا بدمة ليستشهد
وكسول بجهده ليبذل وضنين بوقتة ليضحى وخوار بقوته لينتفض.
وهى مع هبوبها تسألك:
أتدري ما سر المشكلة ومفتاح الحل وروح القضية وأصل المعاناة؟!
ثم تقوم بالإجابة عليك عاصفة قوية:
إنه أنت.. لو صح دينك وقوي إيمانك .. لو علت همتك وخنس شيطانك ..
لو عاشت مروءتك ومات عجزك ..
لرأيت العجب، ولكنكم قوم تستعجلون!!
الأمة تحتضر وبيدك قارورة الدواء، تموت أسباب الشفاء،
فهلا انتفضت انتفاضة الريح وقمت قومة الأسد الجريح؟!
لتصح ما فسد وتبني ما انهدم، وتبعث الحياة في قلبك
ثم في قلب من حولك، وتستقيم على الجادة
ثم تدعو غيرك إلى الاستقامة وتنقذ نفسك
ثم تمديد المساعدة إلى كل محتاج،
وإلا .. فالهوان في الدنيا والهلاك في الآخرة.
ولا نملك في هذا المقام
إلا التوجه إلى ذي الجلال والإكرام بخاشع الدعوات وأسمى الأمنيات:
"اللهم يا موضع كل شكوى،
ويا سامع كل نجوى،
ويا شاهد كل بلوى،
ياعالم كل خفية،
ويا كاشف كل بلية،
اللهم اجعل مكان الدمعة فرحة،
وبعد الخوف أمنا، وجزاء الحزن سرورا،
اللهم اهد حيارى البصائر إلى نورك،
وضعاف الهمم إلى صراطك، والزائغين عن سبيلك إلى هداك،
اللهم بلغ رسولنا أنا على طريقه سائرون ولنهجة مقتفون،
اللهم اجمعنا به على ضفاف الكوثر
حيث مراح المؤمنين ومستراح الصابرين ..
اللهم آمين".
خالد أبو شادي
طريق الاسلام