الغريبة
عضو مشاغب
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
هبي يا ريح الإيمان - النسمة الأولى: الذنوب جراحات وآلام (1)
كيف لا تكره ذنوبا كانت سبب سقوطك في عين الله وكراهية الناس لك،
وحاجبة التوفيق عنك، ومانعة الإحسان إليك، وفاتحة الأحزان عليك؟
ومن كره شيئًا هرب منه.
هذه الرسالة لإيقاظ النائمين من أهل المعاصي،
الغافلين من أصحاب الذنوب، حتى يهجروا الخطايا
قبل حلول المنايا، ويبعثوا الأمل قبل دنو الأجل.
هذه رسالة للمؤمنين من أهل التقوى،
والصالحين من إخوان الفلاح
حتى يتجنبوا السقوط في مهاوي الذنوب.
عرضت فيها إلى آثار الذنوب القبيحة
فاقرؤوها بقلبكم قبل عيونكم،
ولا تنسونا من صالح دعائكم.
1. حرمان العلم والرزق:
جلس الشافعي إلى الإمام مالك يوما، فأُعجب به مالك وقال له:
إن الله قد قذف في قلبك نورًا فلا تطفئه بظلمة المعصية.
لكن الشافعي خالف وصية مالك يومًا، فنظر إلى كعب امرأة في طريق
ذهابه إلى شيخه وكيع بن الجراح فنسى وتعثر حفظه
(كان الشافعي يحفظ طبعًا، بل كان يضع يده على الصفحة المقابلة حتى لا يختلط حفظه)،
فأكد وكيع نصيحة مالك بترك الذنوب دواء ناجعًا للحفظ.
شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلمَ نورٌ *** ونورُ الله لا يُهدى لعاصي
وهذا المعنى هو الذي أبكى أبو الدرداء
لما فتح المسلمون قبرص قيل له:
ما يبكيك في يومٍ أعز الله فيه الإسلام وأذل الشرك وأهله؟!
فقال: ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره،
بينما هم أمة قاهرة قادرة إذا تركوا أمر الله عز وجل.
إذا كنت في نعمةٍ فارعها *** فإن الذنوبَ تُزيل النِعم
وحُطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد شديد النقم
عجيبة:
وقد تسأل وتقول:
كيف أصبح اليوم أهل الفسق والعصيان في المعالي،
وكثير من أهل الحق والتمسك بالإسلام
يعانون الفقر والضعف والذل؟!
ويرد عليك رسول الله ﷺ فيقول:
"إذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه
ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا:
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى? إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}
[الأنعام:44]،
والحديث في ص ج ص رقم ( 561)).
أخي الغافل..
إذا رأيت الله يوالي عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره،
وإذا رزقك بمال أو عيال أو صحة أو جمال
ثم رددت عليه النعمة بالمعصية فاحذره؛
بل خاف على نفسك من زوال نعمته
وفجاءة نقمته وعظيم سخطه وتحول عافيته.
أتريدني أن أثبت لك هذه السنة الربانية من كتاب الله عز وجل؟!
اسمع إلى قول الله عز وجل يصف الكافرين:
{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَ?نِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا
مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ.
وَزُخْرُفًا ? وَإِن كُلُّ ذَ?لِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ? وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}
[الزخرف:33- 35].
?2. القلب المستوحش:
فإن الذنوب تورث القلب وحشة وحزنًا يلقيان ظلالهما على القلب
فور اقتراف الذنب ومقارفة الخطيئة، ونحن نتحدث هناك عن من عمر
بالإيمان قلبه، فمثل هذا لا تتم له لذة المعصية أبدًا
ولا يكتمل بها فرحة، بل لا يباشرها إلا والحزن يخالط قلبه،
ولكن سكر الشهوة يحجبه عن الشعور به،
فمن خلال قلبه من هذا الحزن فليتهم إيمانه،
وليبك على موت قلبه...
إنا لله وإنا إليه راجعون.
خراب الديار:
قال مالك بن دينار:
"إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب، كما أن البيت إذا لم يسكن خرب".
ليس الحزن ضمانًا لعدم خراب القلب، بل سبب من أسباب دخول الجنة
عند الحسن البصري، الذي قال:
"إن المؤمن ليذنب الذنب فما يزال به كئيبًا حتى يدخل الجنة".
يا أخي ..
يا مدعي الحزن بالقول، وأفعالك تكذب لسانك،
لو كان في قلبك حزن، لبدا أثره على جسدك،
لظهر بكاء من خشية الله، لظهر إتباعًا للسيئات بالحسنات،
لظهر دفنًا للنفس في أحضان الصالحين،
لظهر هجرانًا لأهل المعاصي،
لظهر توبة صادقة وعبرة نادمة وعزمًا حديداً.
3. وحشة مع الصالحين:
قال أبو الدرداء:
ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر،
ثم قال: أتدرون مم هذا؟
قال: إن العبد ليخلو بمعاصي الله،
فيلقي الله ببغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.
إذا وجدت من إخوانك جفاء فذلك ذنب أحدثته، فتب إلى الله عز وجل،
وإذا وجدت منهم زيادة محبة فذلك لطاعة أحدثتها فاشكر الله عز وجل.
وليس فقط الجفاء بل الاستهانة والاستخفاف
من كل من دب فوق الأرض
صغيرًا كان أم كبيرًا، حقيرًا كان أم جليلًا،
دل ذلك حديث حذيفة بن اليمان الذي نص على أنه:
"ما استخف قوم بحق الله عز وجل إلا بعث الله عليهم من يستخف بحقهم.
وما أصدق قول العمري الزاهد حين برهن على صحة قانون حذيفة فقال:
"من ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من مخافة المخلوقين،
نزعت منه هيبته الطاعة، فلو أمر ولده أو بعض مواليه لاستخف به".
4. تعسير الأمور:
قال عز وجل:
{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}
[الشورى: من الآية 30].
وقال النبي ﷺ:
«إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه»
(حسن كما في صحيح ابن ماجة رقم [3248]).
فالمؤمن الذي يقيس أُموره بمقياس الإيمان
على يقين بأنه لا يقع بلاء إلا بذنب، ولا تنزل محنة إلا بإثم.
أما الماديون الغارقون في بحر الشهوات
فيتبرمون ويضجرون إذا وقعوا في شدة،
أو واجهتهم محنة دون أن يعلموا أنهم السبب؛
لأنهم بدؤوا بالعداء أولاً واقترفوا الذنب.
فعوقبوا، والبادىء أظلم.
قال سفيان الثوري:
"إني لأعرف ذنبي في خلق امرأتي ودابتي وفأرة بيتي".
وهذه معرفة لا ينالها إلا من نور الله قلبه وأضاء بصيرته وهداه سواء السبيل،
نسأل الله أن نكون منهم.
5. حرمان الطاعة:
يقول سفيان: حرمت قيام الليل أربعة أشهر بذنب،
وابن سيرين يعير رجلا بالفقر فيحبس في دين،
ومكحول يعير آخر بالرياء في البكاء
فيحرم البكاء من خشية الله سنة.
والحقيقة أن تعجيل هذه العقوبات
هو من علامات حب الله للعبد
فإنها محتملة تمر سريعاً وتنقضي،
أما عقوبة الآخرة فما لا عين رأت
ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.
قال رسول الله ﷺ:
«إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا،
وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه
حتى يوافى به يوم القيامة»
(صحيح كما في ص ج ص رقم (307)).
فالمقرب عند الله هو المعاقب،
والمطرود من رحمة الله هو المسكوت عنه
في الدنيا ليدخر له العقاب في الآخرة.
لحظة من فضلك!!!
قد يذنب العبد ولا يشعر أن الله عاقبه،
ولا يحس أن نعم الله عليه تغيرت،
فما تفسير ذلك؟!
أقول:
فقدان حلاوة الخشوع ولذة المناجاة حرمان،
الزهد في الازدياد من الطاعات حرمان،
إغلاق باب القبول حرمان،
قحط العين وعدم بكائها حرمان،
قسوة القلب وعدم تأثره عند سماع الموعظة،
والمحرومون كثير ولكن لا يشعرون.
أخي العاصي...
كم نظرت عينك إلى الحرام فقل بكاؤها،
وكم غبت عن صلاة الفجر فانطمس نور وجهك،
وكم رتعت في المال الحرام فمحقت بركته،
وكم مرة استمتعت بلذاذة الألحان فحرمت تلاوة القرآن،
وغزا حب الدنيا قلبك فخرجت الآخرة منه، لأن الآخرة عزيزة لا تقبل الشركة.
لطيفة:
قال إبراهيم بن أدهم:
"كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب".
6. المعاصي تزرع المعاصي:
ومناط ذلك هو أن الرجل إذا عمل بمعصية الله ابتدره الشيطان وابتعد عنه الملك،
فلا يدل الشيطان إلا على شر ومعصية وإثم ومهلكة،
لذلك صدق سهل بن عاصم حين قال:
"عقوبة الذنب الذنب".
تماماً كحلقات السلسلة يشد بعضها بعضًا،
أو كحبات العقد الواحد إذا سقط منه حبة
انفرط العقد وسقطت باقي الحبات.
وقد كان ابن القيم موفقًا حين أقسم فقال:
"تالله ما عدا عليك العدو (الشيطان) إلا بعد أن تولى (الملك)،
فلا تظن الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض".
والطاعات مثل ذلك؛ وإذا عمل العبد بطاعة الله ابتدره الملك
وابتعد عنه الشيطان فلا يذهب الملك إلا على طاعة وخير وتزكية وبر،
ولذلك قالوا: "الطاعة ولود، وثواب الطاعة... الطاعة".
فإذا رأيت الرجل يعمل الطاعة فاعلم أن لهذه الطاعة عنده أخوات،
واسمع إلى انتباه خليد العصري إلى هذا المعنى
واغتنامه لاقتراب الملائكة عقب طاعته،
فيشهدهم على صالح عمله ليرفعوه إلى الله مباشرة.
كان خليد العصرى يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم يغلق بابه
وقد اطمأن على الملائكة ابتدرته، والشياطين اجتنبته،
فينادي على الملائكة المقربين ويقول: مرحباً بملائكة ربي،
والله لأشهدكم اليوم من نفسي خيراً... خذوا:
بسم الله..
سبحان الله
والحمد لله
ولا إله إلا الله
والله أكبر،
ولا يزال كذلك حتى تغلبه عيناه، أو يخرج للصلاة!!
خالد أبو شادي
طريق الاسلام