الغريبة
عضو مشاغب
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سورة الإخلاص
الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذي اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فإن الله أنزل هذا القرآن؛ لتدبُّره والعمل به؛ قال سبحانه: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ } [ص: 29]، وجعل فيه الشفاء والنور والهداية؛ قال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا } [الإسراء: 82]، وقال تعالى: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ } [فصلت: 44].
ومن السور التي تتكرَّرُ على أسماعنا، وتحتاج منا إلى وقفة تأمل وتدبُّر: سورة الإخلاص، قال تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: 1: 4].
عن أنس رضي الله عنه: كان رجلٌ من الأنصار يؤمُّهم في مسجد قُباء، وكان كُلَّما افتتح سورةً يقرأ بها لهم في الصلاة، مما يقرأ به افتتح بِـ{ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورةً أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كلِّ ركعة، فكلَّمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتحُ بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تُجْزِئُكَ حتى تقرأ بأخرى! فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إنْ أَحْبَبْتُمْ أن أؤمَّكم بذلك فعلتُ، وإنْ كَرِهْتُم تَرَكْتُكُم - وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمَّهم غيره - فلما أتاهم النبيُّ ﷺ أخبروه الخبر، فقال: ((يا فلان، ما يَمْنَعُكَ أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟))، فقال: إني أحبُّها - وفي رواية: "لأنها صفة الرحمن عزَّ وجل[1] - فقال: ((حُبُّكَ إياها أدخلكَ الجنَّة))[2].
وعن أبي سعيد الخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ لأصحابه: ((أيعجِزُ أحدكم أن يقرأ ثُلُثَ القرآن في ليلةٍ؟))، فشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يطيق ذلك يا رسول الله؟! فقال: ((الله الواحد الصمد ثُلُثُ القرآن))[3].
وكان النبيُّ ﷺ يستشفي بهذه السورة مع غيرها من السور، والقرآن كله شفاءٌ.عن عائشة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كَفَّيْه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: ? قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ? [الإخلاص: 1]، و{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } [الفلق: 1]، و{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } [الناس: 1]، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يَفْعَلُ ذلك ثلاث مَرَّاتٍ[4].
قوله تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1]:
قال ابْنُ كثيرٍ: "أي: هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له، ولا وزير، ولا نديد، ولا شبيه، ولا عديل، ولا يُطْلَقُ هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلاَّ على الله عز وجل لأنه الكامل في جميع صِفاتِه وأفعالِه"[5]. اهـ.
وقوله: { اللَّهُ الصَّمَدُ } [الإخلاص: 2]: قال عكرمة عن ابن عباس: "الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، والعرب تسمِّي أشرافها الصَّمَد"، وقال أبو وائل: "هو السيد الذي انتهى سؤدده".
وقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: 3، 4]؛ أي: ليس له والد، ولا ولد، ولا صاحبة.
قال مجاهد: "{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: 4]؛ أي: صاحبة". اهـ.
والمراد بالصاحبة: الزوجة، كما قال تعالى: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الأنعام: 101]؛ أي: هو مالك كلِّ شيءٍ وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريبٌ يدانيه - تعالى وتقدَّس؟!
قال تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا } [مريم: 88 - 94].
عن أبي موسى الأشعريّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: ((ما أحدٌ أصْبَر على أذًى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم))[6].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: ((قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشَتَمَنِي ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أوَّل الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحدٌ))[7].
ومن فوائد هذه السورة الكريمة:
أوَّلا: إثبات وحدانية الله جلَّ وعلا والردُّ على اليهود، والنصارى الذين يجعلون له الوَلَدَ؛ قال تعالى: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة: 30].
ثانيًا: أن هذه السورة اشتملت على اسم الله الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب.
فعن عبدالله بن بُرَيْدَة، عن أبيه رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم سمع رجلاً يقول: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ أنِّي أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُوًا أحد، فقال: ((لقد سألتَ الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعيَ به أجاب))[8].
ثالثًا: استحباب قراءتها عند المبيت؛ كما تقدم من فعله عليه الصلاة والسلام وقراءتها أيضًا صباحًا ومساءً ثلاث مرات.
عن عبدالله بن خُبَيْب رضي الله عنه أنه قال: خرجنا في ليلةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شديدةٍ، نطلب رسولَ الله ﷺ ليصلِّيَ لنا، فأدركناهُ، فقال: ((أَصَلَّيْتُمْ؟)) فلم أَقُلْ شيئًا، فقال: ((قُلْ))، فلم أَقُلْ شيئًا، ثم قال: ((قُلْ))، فلم أَقُلْ شيئًا، ثم قال: ((قُلْ))، فقلت: يا رسول الله، ما أقولُ؟ قال: ((قل هو الله أحد، والمعوِّذتين، حين تُمْسي وحين تُصبِح، ثلاثَ مرَّاتٍ، تكفيكَ من كلِّ شيءٍ))[9].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
------------------------------
[1] صحيح البخاري (4/ 379) برقم (7375).
[2] صحيح البخاري (1/ 252) برقم (774).
[3] صحيح البخاري (3/ 344) برقم (5015)، ورواه مسلم من طريق أبي الدرداء (1/ 556) برقم (811).
[4] صحيح البخاري (3/ 344) برقم (5017).
[5] تفسير ابن كثير (4/ 570).
[6] صحيح البخاري (4/ 379) برقم (7378).
[7] صحيح البخاري (3/ 334) برقم (4974).
[8] سنن أبي داود (2/ 79) برقم (1493).
[9] سنن أبي داود (4/ 322) برقم (5082).
رابط الموضوع:
يجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل لمشاهدة الرابط المخفي
[/color]