أبوعائشة
عضو مشاغب
- سجل
- 26 ديسمبر 2020
- المشاركات
- 11,044
- الحلول
- 8
- التفاعل
- 6,904
- الإقامة
- دولة الإمارات العربية المتحدة
- الجنس
- ذكر
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
إنَّ الأَخلاقَ والإِيمانَ قَرينانِ لا يَنفصِلانِ، فلا دِينَ مِن غَيرِ أَخلاقٍ ولا أَخلاقَ مِن غَيرِ دِينٍ، وإِصلاحُ الأَخلاقِ مَقْصِدٌ أَسَاسٌ مِن مَقاصِدِ البِعثَةِ النَّبويّةِ، فعَن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: ((إنّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَّ صالحَ الأخلاقِ))[1].
والعدلُ من أمّهاتِ الأخلاقِ التي حَثَّ عَلَيها الإسلامُ، قالَ تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾[النحل: 90] وبالعَدلِ قامَتِ السَّمَاواتُ والأرضُ، وبِهِ تَنصَلِحُ أَحوالُ البِلادِ والعِبادِ.
والمسلِمُ مُطالَبٌ بِمرَاعَاةِ العَدلِ في كُلِّ أَقوالِهِ وتَصَرُّفاتِهِ، وفي كُلِّ جَوانِبِ حَياتِهِ، حَتَّى في عَلاقَاتِهِ مَعَ غَيرِ المسلمِينَ، قالَ تَعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾[المائدة: 8] وهذه الآيةُ نَصٌّ في مُراعاةِ العَدلِ مَعَ القَريبِ والبَعيدِ، والصَّديقِ والعَدوِّ، والمسلمِ وغَيرِ المسلمِ.
ومِن مجالاتِ العَدلِ: العَدْلُ بَينَ الزّوجاتِ، وبَينَ الأبناءِ، مما يُقِيمُ الأُسرةَ على أَسَاسٍ مَتَينٍ، ويُوفِّرُ لها الأمنَ والاستقرارَ فيَنزِعُ مِن القُلوبِ الحِقدَ والحَسَدَ والضَّغائنَ التي تَنجُمُ عن التَّمْييزِ والجَوْرِ.
وقَد ضَرَبَ النبيُّ ﷺ الـمَثَلَ الأعلى في العَدلِ بَينَ النِّساءِ فكَان يُسوِّي بَينَهُنَّ في الـمَبيتِ والنَّفقةِ، وكان إذا أرادَ سَفَراً أقْرَعَ بَينَهنَّ، فأيّتُهُنَّ خَرَجَ سَهمُها صَحِبَها في السَّفرِ، كَمَا حَذَّرَ ﷺ مِنَ التَّمْييزِ والتَّفرقَةِ بَينَ الزَّوجاتِ في المعامَلةِ؛ فعَن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: (( مَن كانَ له امرَأتانِ فمَالَ إلى إِحْداهُما جاءَ يومَ القِيامةِ وشِقُّهُ مائلٌ))[2].
والعدلُ بَينَ الأَبناءِ فَريضةُ شَرعِيَّةٌ كذلِكَ، فعَنِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قالَ: تَصَدّقَ عليَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فقَالَت أُمِّي عَمرَةُ بِنتُ رَواحةَ: لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللهِ ﷺ. فانطَلقَ أَبِي إلى النَّبيِّ ﷺ لِيُشهِدَه على صَدَقَتِي، فقَالَ لَهُ رسولُ اللهِ ﷺ: «أَفَعَلْتَ هذا بِوَلَدِكَ كُلِّهِم؟» قَال: لا، قال: «اتَّقُوا اللهَ، واعْدِلُوا في أوْلادِكُم»، فَرَجَعَ أبي، فَرَدَّ تلكَ الصّدَقَةَ[3]، وفي روايةٍ أُخرى قالَ النبيُّ ﷺ لِبَشيرٍ والِدِ النُّعمانِ ((فلا تُشْهِدني إذاً فإنّي لا أَشْهَدُ على جَوْرٍ))[4].
ومِنْ هذا يَتَبَيَّنُ لنا ضَرورةُ العدلِ بَينَ الأبناءِ في كلِّ شَيءٍ، حَتَّى في القُبلةِ، مما يُسْهِمُ في تَنْشِئَتِهِمْ بِشَكْلٍ سَوِيٍّ، ويكونُ عَوْناً لهم على الأُلْفةِ والمحَبّةِ وبِرِّ آبائِهم وأُمّهاتِهم.
إنَّ الأصلَ هُوَ العدلُ بينَ الأبناءِ في الهِباتِ والعطايا التي ليسَ لها سَبَبٌ، وقد ذَهَبَ بعضُ أَهلِ العلمِ إلى تَوزيعِ الهدايا على الأبناءِ حَسَبَ الـمُتَّبعِ في الميراثِ: أي: للذكرِ مِثلُ حظِّ الأُنثَيَينِ؛ وذلِكَ قِياساً لحالِ الحياةِ على حالِ المماتِ.
أما العطايا التي لها سَبَبٌ، فهي تَندرِجُ تحتَ بابِ النَّفقةِ، فالأصلُ فيها مراعاةُ الحاجَةِ؛ لأنَّ التّسويةَ تُنافي العدلَ والمصلحَةَ؛ فحاجةُ المريضِ الذي يحتاجُ إلى الدواءِ والعِلاجِ ليسَت كحاجةِ السَّليمِ، وطالبُ الجامعةِ ليسَ مِثلَ أَخيهِ الطِّفلِ في دُورِ الحضانةِ، ومِن ثَمَّ فلا يَجِبُ على الوَالِدَينِ التسويةُ بينَ الأبناءِ في النَّفقةِ؛ لأنَّ النفقَةَ تَتبَعُ الحاجةَ، وحاجاتُ الأبناءِ مُتبايِنةٌ، وكذلِكَ لا يَجِبُ التسويةُ في النَّفقَةِ بينَ الزوجاتِ؛ لأنَّ نفقةَ المريضةِ ليسَت كالسَّليمةِ، ومَن معَها ولَدٌ واحدٌ نَفقتُها ليسَتْ كمَن معَها خمسَةٌ مِنَ الأولادِ، فالأصلُ الـمُتَقَرِّرُ في الشريعةِ أَنَّ النفقةَ الوَاجِبةَ تَابِعةٌ للحاجةِ، أَمَّا العطايا التي ليس لها سبَبٌ فهذهِ هِيَ التي يَجِبُ التَّسويةُ فيها بينَ الأبناءِ وكذلِكَ بينَ الزوجاتِ؛ وهذا هو مُقتضَى العدلِ.
نسألُ اللهَ أَنْ يُصلِحَ لنا أزواجَنا وذُرِّياتِنا، وأَنْ يَجعلَنا مِمَّنْ يَتقُونَ اللهَ ويَعدلِونَ بينَ أَولادِهم كما يَعدلِونَ بينَ زوجاتِهم.
[1] رواه البخاري في الأدب المفرد، والحاكم والبيهقي.
[2] رواه الإمام أحمد وأبوداود.
[3] متفق عليه، واللفظ لمسلم ح 1623.
[4] رواه مسلم، ح 4158.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والعدلُ من أمّهاتِ الأخلاقِ التي حَثَّ عَلَيها الإسلامُ، قالَ تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾[النحل: 90] وبالعَدلِ قامَتِ السَّمَاواتُ والأرضُ، وبِهِ تَنصَلِحُ أَحوالُ البِلادِ والعِبادِ.
والمسلِمُ مُطالَبٌ بِمرَاعَاةِ العَدلِ في كُلِّ أَقوالِهِ وتَصَرُّفاتِهِ، وفي كُلِّ جَوانِبِ حَياتِهِ، حَتَّى في عَلاقَاتِهِ مَعَ غَيرِ المسلمِينَ، قالَ تَعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾[المائدة: 8] وهذه الآيةُ نَصٌّ في مُراعاةِ العَدلِ مَعَ القَريبِ والبَعيدِ، والصَّديقِ والعَدوِّ، والمسلمِ وغَيرِ المسلمِ.
ومِن مجالاتِ العَدلِ: العَدْلُ بَينَ الزّوجاتِ، وبَينَ الأبناءِ، مما يُقِيمُ الأُسرةَ على أَسَاسٍ مَتَينٍ، ويُوفِّرُ لها الأمنَ والاستقرارَ فيَنزِعُ مِن القُلوبِ الحِقدَ والحَسَدَ والضَّغائنَ التي تَنجُمُ عن التَّمْييزِ والجَوْرِ.
وقَد ضَرَبَ النبيُّ ﷺ الـمَثَلَ الأعلى في العَدلِ بَينَ النِّساءِ فكَان يُسوِّي بَينَهُنَّ في الـمَبيتِ والنَّفقةِ، وكان إذا أرادَ سَفَراً أقْرَعَ بَينَهنَّ، فأيّتُهُنَّ خَرَجَ سَهمُها صَحِبَها في السَّفرِ، كَمَا حَذَّرَ ﷺ مِنَ التَّمْييزِ والتَّفرقَةِ بَينَ الزَّوجاتِ في المعامَلةِ؛ فعَن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: (( مَن كانَ له امرَأتانِ فمَالَ إلى إِحْداهُما جاءَ يومَ القِيامةِ وشِقُّهُ مائلٌ))[2].
والعدلُ بَينَ الأَبناءِ فَريضةُ شَرعِيَّةٌ كذلِكَ، فعَنِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قالَ: تَصَدّقَ عليَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فقَالَت أُمِّي عَمرَةُ بِنتُ رَواحةَ: لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللهِ ﷺ. فانطَلقَ أَبِي إلى النَّبيِّ ﷺ لِيُشهِدَه على صَدَقَتِي، فقَالَ لَهُ رسولُ اللهِ ﷺ: «أَفَعَلْتَ هذا بِوَلَدِكَ كُلِّهِم؟» قَال: لا، قال: «اتَّقُوا اللهَ، واعْدِلُوا في أوْلادِكُم»، فَرَجَعَ أبي، فَرَدَّ تلكَ الصّدَقَةَ[3]، وفي روايةٍ أُخرى قالَ النبيُّ ﷺ لِبَشيرٍ والِدِ النُّعمانِ ((فلا تُشْهِدني إذاً فإنّي لا أَشْهَدُ على جَوْرٍ))[4].
ومِنْ هذا يَتَبَيَّنُ لنا ضَرورةُ العدلِ بَينَ الأبناءِ في كلِّ شَيءٍ، حَتَّى في القُبلةِ، مما يُسْهِمُ في تَنْشِئَتِهِمْ بِشَكْلٍ سَوِيٍّ، ويكونُ عَوْناً لهم على الأُلْفةِ والمحَبّةِ وبِرِّ آبائِهم وأُمّهاتِهم.
إنَّ الأصلَ هُوَ العدلُ بينَ الأبناءِ في الهِباتِ والعطايا التي ليسَ لها سَبَبٌ، وقد ذَهَبَ بعضُ أَهلِ العلمِ إلى تَوزيعِ الهدايا على الأبناءِ حَسَبَ الـمُتَّبعِ في الميراثِ: أي: للذكرِ مِثلُ حظِّ الأُنثَيَينِ؛ وذلِكَ قِياساً لحالِ الحياةِ على حالِ المماتِ.
أما العطايا التي لها سَبَبٌ، فهي تَندرِجُ تحتَ بابِ النَّفقةِ، فالأصلُ فيها مراعاةُ الحاجَةِ؛ لأنَّ التّسويةَ تُنافي العدلَ والمصلحَةَ؛ فحاجةُ المريضِ الذي يحتاجُ إلى الدواءِ والعِلاجِ ليسَت كحاجةِ السَّليمِ، وطالبُ الجامعةِ ليسَ مِثلَ أَخيهِ الطِّفلِ في دُورِ الحضانةِ، ومِن ثَمَّ فلا يَجِبُ على الوَالِدَينِ التسويةُ بينَ الأبناءِ في النَّفقةِ؛ لأنَّ النفقَةَ تَتبَعُ الحاجةَ، وحاجاتُ الأبناءِ مُتبايِنةٌ، وكذلِكَ لا يَجِبُ التسويةُ في النَّفقَةِ بينَ الزوجاتِ؛ لأنَّ نفقةَ المريضةِ ليسَت كالسَّليمةِ، ومَن معَها ولَدٌ واحدٌ نَفقتُها ليسَتْ كمَن معَها خمسَةٌ مِنَ الأولادِ، فالأصلُ الـمُتَقَرِّرُ في الشريعةِ أَنَّ النفقةَ الوَاجِبةَ تَابِعةٌ للحاجةِ، أَمَّا العطايا التي ليس لها سبَبٌ فهذهِ هِيَ التي يَجِبُ التَّسويةُ فيها بينَ الأبناءِ وكذلِكَ بينَ الزوجاتِ؛ وهذا هو مُقتضَى العدلِ.
نسألُ اللهَ أَنْ يُصلِحَ لنا أزواجَنا وذُرِّياتِنا، وأَنْ يَجعلَنا مِمَّنْ يَتقُونَ اللهَ ويَعدلِونَ بينَ أَولادِهم كما يَعدلِونَ بينَ زوجاتِهم.
[1] رواه البخاري في الأدب المفرد، والحاكم والبيهقي.
[2] رواه الإمام أحمد وأبوداود.
[3] متفق عليه، واللفظ لمسلم ح 1623.
[4] رواه مسلم، ح 4158.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ