من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
شروط الوضوء :
سبب وجوب الوضوء: هو الحدث، ودخول وقت الصلاة، والقيام إليها ونحوها.
وأما شروط الوضوء فنوعان: شروط وجوب، وشروط صحة.
وشرائط الوجوب: هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على الشخص. وشرائط الصحة : ما لا تصح الطهارة إلا بها.
أولاً- شروط الوجوب:
وهي قدرة المكلف بالطهارة.
شروط الصحة:
يشترط لصحة الوضوء شروط ثلاثة عند الحنفية، وأربعة عند الجمهور:
1- عموم البشرة بالماء الطهور: أي أن يعم الماء جميع أجزاء العضو المغسول، بحيث لا يبقى منه شيء، إلا وقد غسل، لكي يغمر الماء جميع أجزاء البشرة، حتى لو بقي مقدار مغرز إبرة لم يصبه الماء من المفروض غسله، لم يصح الوضوء.
وبناء عليه يجب تحريك الخاتم الضيق عند الجمهور غير المالكية، أما المالكية فقالوا : لا يجب تحريك الخاتم المأذون فيه لرجل أو امرأة ولو ضيقاً لا يدخل الماء تحته، ولا يعد حائلاً بخلاف غير المأذون فيه، كالذهب للرجل أو المتعدد أكثر من واحد، فلا بد من نزعه ما لم يكن واسعاً يدخل الماء تحته، فيكفي تحريكه، لأنه بمنزلة الدلك بالخرقة.
ولا يصح الوضوء باتفاق الفقهاء بغير الماء من المائعات كالخل والعصير واللبن ونحو ذلك، كما لا يصح التوضؤ بالماء النجس، إذ لا صلاة إلا بطهور أو لا صلاة إلا بطهارة.
2- إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو: أي ألا يكون على العضو الواجب غسله حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة، كشمع وشحم ودهن ودهان، ومنه عماص العين، والحبر الصيني المتجسم، وطلاء الأظافر للنساء. أما الزيت ونحوه فلا يمنع نفوذ الماء للبشرة.
3- عدم المنافي للوضوء أو انقطاع الناقض من خارج أو غيره: أي انقطاع كل ما ينقض الوضوء قبل البدء به، لغير المعذور، من دم حيض ونفاس وبول ونحوهما، وانقطاع حدث حال التوضئ، لأنه بظهور بول وسيلان ناقض، لا يصح الوضوء.
والخلاصة: أنه لا يصح الوضوء لغير المعذور حال خروج الحدث أو وجود ناقض للوضوء.
4- دخول الوقت للتيمم عند الجمهور غير الحنفية، ولمن حدثه دائم كسلس البول عند الشافعية والحنابلة، لأن طهارته طهارة عذر وضرورة، فتقيدت بالوقت.
وقال الشافعية: شروط الوضوء والغسل ثلاثة عشر: الإسلام، والتمييز، والنقاء من الحيض والنفاس، وعما يمنع وصول الماء إلى البشرة، والعلم بفرضيته، وألا يعتقد فرضاً معيناً من فروضه سنة، والماء الطهور، وإزالة النجاسة العينية، وألا يكون على العضو ما يغير الماء، وألا يعلق نيته، وأن يجري الماء على العضو، ودخول الوقت لدائم الحدث، والموالاة (أي فقد الصارف).
سنن الوضوء:
ميز الحنفية بين السنة والمندوب، فقالوا: السنة: هي المؤكدة وهي الطريقة المسلوكة في الدين من غير لزوم، على سبيل المواظبة، أي أنها التي واظب عليها النبي ﷺ وتركها أحياناً بلا عذر. وحكمها الثواب على الفعل والعقاب على الترك.
وأما المندوب أو المستحب: فهو ما لم يواظب عليه النبي ﷺ . ويعرف هنا بآداب الوضوء. وحكمه الثواب على فعله وعدم اللوم على تركه.
وأهم سنن الوضوء عند الحنفية: ثمانية عشر شيئاً، وعند المالكية ثمان، وعند الشافعية حوالي ثلاثين، إذ لم يفرقوا بين السنة والمندوب، وعند الحنابلة: حوالي عشرين مطلوباً.
1- النية سنة عند الحنفية، ووقتها قبل الاستنجاء، وكيفيتها: أن ينوي رفع الحدث أو إقامة الصلاة أو ينوي الوضوء أو امتثال الأمر. ومحلها القلب، واستحب المشايخ النطق بها. وهي فرض عند الجمهور غير الحنفية، كما بينا في بحث فرائض الوضوء.
2- غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، سواء قام من النوم أم لم يقم، لأنهما آلة التطهير، ولقول النبي ﷺ: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده، قبل أن يدخلها في الإناء، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" متفق عليه. وفي لفظ: "حتى يغسلها ثلاثاً" والأرجح الاكتفاء بمرة كبقية أفعال الوضوء، والتثليث مستحب. وقال الحنابلة: يكون الغسل ثلاثاً، سنة لغير المستيقظ من النوم ليلاً، وواجباً على المستيقظ من نومه ليلاً.
3- التسمية في بدء الوضوء: بأن يقول عند غسل يديه إلى كوعيه : بسم الله، والوارد عنه عليه السلام -فيما رواه الطبراني عن أبي هريرة بإسناد حسن - باسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام. وقيل: الأفضل: "بسم الله الرحمن الرحيم".
وقد اعتبر المالكية التسمية من فضائل (آداب) الوضوء. وأوجب الحنابلة التسمية عند الوضوء.
4- المضمضة والاستنشاق: والمضمضة: هي إدخال الماء في الفم وخضخضته وطرحه، أو استيعاب جميع الفم بالماء. والاستنشاق: إدخال الماء في الأنف وجذبه بنفسه إلى داخل أنفه.
ويلحق بهما سنة الاستنثار: وهو دفع الماء بنفسه مع وضع أصبعيه (السبابة والإبهام من يده اليسرى) على أنفه، كما يفعل في امتخاطه. وهي كلها سنة مؤكدة عند الجمهور غير الحنابلة لحديث مسلم: "ما منكم من أحد يقرب وضوءه، ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر، إلا خرَّت خطايا فيه، وخياشيمه مع الماء".
صفة وضوء رسول الله ﷺ في المضمضة والاستنشاق:
وتسن المضمضة والاستنشاق ثلاثاً للحديث المتفق عليه من عثمان بن عفان رضي الله عنه : أنه دعا بإناء، فأفرغ على كفّيه ثلاث مرات، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل رِجْليه ثلاث مرات إلى الكعبين. ثم قال: "رأيت رسول الله صلى الله توضأ نحو وُضوئي هذا، ثم قال: من توضأ نحو وُضوئي هذا، ثم صلى ركعتين، لا يُحدِّث فيهما نفسه، غفَر الله له ما تقدم من ذنبه" ولقوله عليه السلام فيما روى أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن عائشة: "عشر من الفطرة" وذكر منها "المضمضة والاستنشاق" والفطرة: السنة، ولأن الفم والأنف عضوان باطنان، فلا يجب غسلهما كباطن اللحية وداخل العينين، ولأن الوجه : ما تحصل به المواجهة ولا تحصل المواجهة بهما.
واتفق الفقهاء على أنه تسن المبالغة فيهما للمفطر غير الصائم، لقوله ﷺ - في رواية صحح ابن القطان إسنادها -: "إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائماً" ولحديث لَقِيط بن صَبْرة: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً" رواه الترمذي، ولا تسن المبالغة للصائم، بل تكره لخوف الإفطار.
والمبالغة في المضمضة: أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات. ويسن إمرار أصبع يده اليسرى على ذلك، وفي الاستنشاق: أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم. ويسن إدارة الماء في الفم ومجه.
ويسن الاستنثار للأمر به في خبر ابن عباس عن النبي ﷺ: "استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثاً". رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والحاكم.
وعبارة الحنفية في المضمضة والاستنشاق: وهما سنتان مؤكدتان مشتملتان على سنن خمسة: الترتيب، والتثليث، وتجديد الماء، وفعلهما باليمنى، والمبالغة فيهما بالغرغرة ومجاورة المارن لغير الصائم، لاحتمال الفساد أي الإفطار.
وقال المالكية: يندب فعل المضمضة والاستنشاق، بثلاث غرفات لكل منهما، ومبالغة مفطر.
وقال الشافعية: والترتيب فيهما مستحق لا مستحب، عكس تقديم اليمنى على اليسرى.
وقال الحنابلة: إن المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين جميعاً: الوضوء والغسل، لأن غسل الوجه واجب فيهما، والفم والأنف من الوجه، ولحديث عائشة: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه" رواه الدارقطني، ولمداومته ﷺ في كل حديث ذكر فيه صفة وضوء رسول الله ﷺ، مثل حديث عثمان السابق، وحديث علي: "أنه دعا بوَضُوء، فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثاً، ثم قال: هذا طَهُور نبي الله ﷺ" رواه النسائي وأحمد وحديثي أبي هريرة: "أن النبي ﷺ قال: إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر" متفق عليه. "أمر رسول الله ﷺ بالمضمضة والاستنشاق". رواه الدارقطني.
5- السواك سنة باتفاق الفقهاء ماعدا المالكية الذين عدوه من الفضائل، وسنخصص له مبحثاً مستقلاً.
6- تخليل اللحية الكثة والأصابع: يسن تخليل اللحية الكثة بكف ماء من أسفلها، وتخليل أصابع اليدين والرجلين باتفاق الفقهاء، لما روى ابن ماجه والترمذي وصححه: أنه ﷺ كان يخلل لحيته، ولما روى أبو داود: "أنه ﷺ كان إذا توضأ، أخذ كفاً من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي".
ولحديث لَقيط بن صَبْرَة في المبالغة في الاستنشاق السابق: "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه الترمذي. وحديث ابن عباس : "أن رسول الله ﷺ قال: إذا توضأت فخلِّل أصابع يديك ورجليك" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وحديث المُسْتَورِد بن شدَّاد قال: "رأيت رسول الله ﷺ إذا توضأ خلل أصابع رجليه بخنصره". رواه أبو داود والترمذي.
7- تثليث الغسل: اتفق الفقهاء على أنه يسن تثليث الغسل واعتبره المالكية من فضائل الوضوء، لما ثبت في السنة كحديث عمرو بن شعيب من تثليث غسل الكفين والوجه والذراعين. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وإنما لم يجب، لأنه ﷺ توضأ مرة مرة، وقال: "هذا الذي لا يقبل الله العمل إلا به"، وتوضأ مرتين مرتين، وقال: "هذا يضاعف الله به الأجر مرتين" وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي". رواه الدارقطني.
وأما المسح فلا يسن تكراره عند الجمهور وأكثر أهل العلم من الصحابة، لحديث عبد الله بن زيد في وصف وضوء رسول الله ﷺ، قال : "ومسح برأسه مرة واحدة" متفق عليه، ولما روي عن علي رضي الله عنه "أنه توضأ ومسح برأسه مرة واحدة" ثم قال: "هذا وضوء النبي ﷺ، من أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله ﷺ فلينظر إلى هذا" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الشافعية: ويسن أيضاً تثليث المسح، لما روي عن أنس: "الثلاث أفضل"، ولحديث شقيق بن سلمة عند أبي داود قال: "رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ فعل مثل هذا، وروي مثل ذلك من غير واحد من أصحاب رسول الله ﷺ.
وروى عثمان وعلي وابن عمر وأبو هريرة وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو مالك والرُّبيع، وأبي بن كعب: "أن رسول الله ﷺ توضأ ثلاثاً ثلاثاً".
8- استيعاب كل الرأس بالمسح: يسن الاستيعاب بالمسح عند الحنفية والشافعية اتباعاً للسنة فيما رواه الشيخان، مرة واحدة عند الحنفية، وثلاثاً عند الشافعية، وخروجاً من خلاف من أوجبه، لأن مسح الرأس كله واجب عند المالكية والحنابلة كما بينا.
والسنة في كيفيته: أن يضع يديه على مقدمة رأسه ويلصق سبابته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي ذهب منه إذا كان له شعر ينقلب، فإن لم يقلب شعره لقصره أو عدمه لم يردّ لعدم الفائدة.
وقال المالكية: يسن رد مسح الرأس وإن لم يكن له شعر بأن يعمه بالمسح ثانياً إن بقي بيده بلل من المسح الواجب، وإلا سقطت سنة الرد.
ودليل الحنفية حديث عمرو بن شعيب وحديث عثمان السابقين وفيهما: "ثم مسح برأسه" ولم يذكرا عدداً. ومثله حديث أبي حَبَّة في صفة وضوء علي وفيه: "ومسح برأسه مرة" رواه الترمذي ودليل الشافعية: حديث عثمان السابق فيما رواه أبو داود بإسناد حسن: أنه توضأ، فمسح رأسه ثلاثاً، وقال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ هكذا. وحديث علي عند البيهقي: "توضأ، فمسح رأسه ثلاثاً، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ فعل".
وأجاز الشافعية والحنابلة مسح بعض الرأس والإكمال على العمامة إن عسر رفعهما، لأنه ﷺ "مسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين". رواه مسلم.
9- مسح الأذنين ظاهراً وباطناً بماء جديد: يسن مسح الأذنين ظاهراً وباطناً بماء جديد عند الجمهور، لأنه ﷺ مسح في وضوئه برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه، ويأخذ لصماخيه أيضاً ماء جديداً.
روي عن عبد الله بن زيد: "أنه رأى رسول الله ﷺ يتوضأ، فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذه لرأسه" رواه الحاكم والبيهقي، وكان ابن عمر إذا توضأ يأخذ الماء بإصبعيه لأذنيه.
وقال الحنابلة: يجب مسح الأذنين، لأن الأذنين من الرأس لحديث "الأذنان من الرأس" رواه ابن ماجه، ولأن النبي ﷺ مسحهما مع رأسه، كما هو الثابت في أحاديث متعددة.
ومسح الأذنين: ثلاث مرات عند الشافعية ومرة عند الجمهور.
10- البداءة بالميامن في غسل اليدين والرجلين: واعتبره المالكية من الفضائل. ودليل السنية: حديث عائشة قالت: "كان رسول الله ﷺ يحب التيامُن في تنعله وترجُّله وطَهوره، وفي شأنه كله" متفق عليه. وهو دليل على مشروعية الابتداء باليمين في لبس النعال، وفي ترجيل الشعر (أي تسريحه) وفي الطهور، فيبدأ بيده اليمنى قبل اليسرى، وبالجانب الأيمن من سائر البدن في الغسل قبل الأيسر، والتيامن سنة في جميع الأشياء.
ويؤيده حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: "إذا لبستم، وإذا توضأتم فابدءوا بأيامنكم". رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
وأضاف الحنفية والشافعية لهذه السنة: البداءة برؤوس الأصابع ومقدم الرأس، كما أن الشافعية أضافوا: البدء بأعلى الوجه. وقال المالكية: يندب البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو أي في الوجه واليدين والرأس والرجلين.
11- الترتيب والموالاة والدلك عند من لا يرى فرضيتها، كما قدمنا في بحث فرائض الوضوء.
آداب الوضوء:
عبَّر الحنفية عن ذلك بالآداب جمع أدب: وهو ما فعله النبي ﷺ مرة أو مرتين ولم يواظب عليه. وحكمه الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه. وآداب الوضوء عندهم أربعة عشر.
وعبر عنها المالكية بالفضائل أي الخصال والأفعال المستحبة، وهي عندهم عشر، والفرق بينها وبين السنة: ما أكد الشارع أمرها، وعظم قدرها، وأما المندوب أو المستحب: فهو ما طلبه الشارع طلباً غير جازم، وخفف أمره، وكل منهما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه.
وأهم هذه الآداب ما يأتي:
1- استقبال القبلة، لأنها أشرف الجهات ولأنها حالة أرجى لقبول الدعاء، واعتبره الحنابلة والشافعية سنة، إذ لم يفرقوا بين السنة والأدب.
2- الجلوس في مكان مرتفع، تحرزاً عن الغسالة.
وقال المالكية: يستحب إيقاع الوضوء في محل طاهر بالفعل، وشأنه الطهارة، فيكره الوضوء في بيت الخلاء أو الكنيف (دورة المياه) قبل استعماله، كما يكره الوضوء في غيره من المواضع المتنجسة بالفعل.
3- عدم التكلم بكلام الناس، بلا ضرورة، لأنه يشغله عن الدعاء المأثور.
4- عدم الاستعانة بغيره إلا لعذر، كالصب ونحوه، لأنه الأكثر من فعله ﷺ ، ولأنها نوع من الترفه والتكبر، وذلك لا يليق بالمتعبد، والأجر على قدر النَّصَب، وهي خلاف الأولى، وقيل: تكره. فإن كان ذلك لعذر كمرض فلا بأس، وقد أجازها النبيّ ﷺ، بدليل حديث المغيرة بن شعبة: "أنه كان مع رسول الله ﷺ في سفر، وأنه ذهب لحاجة له، وأن مُغيرة جعل يصب الماء عليه وهو يتوضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين" متفق عليه، وقال صفوان بن عَسال: "صببت الماء على النبي ﷺ في السفر والحضر في الوضوء" رواه ابن ماجه وقد دل هذان الحديثان على جواز الاستعانة بالغير، وبهما أخذ الحنابلة فقالوا بالإباحة.
5- تحريك الخاتم الواسع، مبالغة في الغسل، وروي عن أبي رافع: "أن رسول الله ﷺ كان إذا توضأ حرَّك خاتمه" رواه ابن ماجه والدارقطني. ويندب أيضاً تحريك الخاتم الضيق إن علم وصول الماء، وإلا فيفرض تحريكه. وقد بينا أنه عند المالكية : لا يجب تحريك الخاتم الضيق المأذون فيه.
6- كون المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى لشرفها، والامتخاط باليسرى لامتهانها.
7- التوضؤ قبل دخول الوقت مبادرة للطاعة، لغير المعذور.
أما المعذور أو المتيمم فلا يندب له تعجيل الطهارة عند الحنفية، ويجب تأخيرها لما بعد دخول الوقت عند الجمهور.
8- إدخال الخنصر المبلولة في صماخ الأذنين، مبالغة في التنظيف.
9- مسح الرقبة بظهر يديه، لا الحلقوم عند الحنفية، لما روي عن ليث عن طلحة بن مُصرِّف عن أبيه عن جده أنه رأى رسول الله ﷺ يمسح رأسه حتى بلغ القَذَال، وما يليه من مُقَدَّم العنق". رواه أحمد.
وقال جمهور الفقهاء: لا يندب مسح الرقبة، بل يكره، لأنه من الغلو في الدين.
10- إطالة الغرة والتحجيل:
إطالة الغرة: بغسل زائد على الواجب من الوجه من جميع جوانبه، وغايتها : غسل صفحة العنق مع مقدمات الرأس.
والتحجيل: بغسل زائد على الواجب من اليدين والرجلين من جميع الجوانب، وغايته استيعاب العضدين والساقين.
وهذا مندوب عند الجمهور، لخبر الصحيحين: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غُرَّته فليفعل". وخبر مسلم: "أنتم الغُرُّ المحجَّلُون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غُرَّته وتحجيله".
وقال المالكية: لا تندب إطالة الغرة: وهي الزيادة في غسل أعضاء الوضوء على محل الفرض، بل يكره، لأنه من الغلو في الدين، وإنما يندب دوام الطهارة والتجديد، ويسمى ذلك أيضاً إطالة الغرة، كما حمل عليه الحديث السابق: "من استطاع منكم أن يطيل غرته" فقد حملوا الإطالة على الدوام، والغرة على الوضوء. فيتخلص أن إطالة الغرة لها معنيان: الزيادة على المغسول، وإدامة الوضوء، الأول مكروه، والثاني مطلوب عندهم.
11- الأَوْلَى ترك التنشيف بالمنديل، إبقاء لأثر العبادة، ولأنه ﷺ "بعد غسله من الجنابة أتته ميمونة بمنديل، فرده، وجعل يقول بالماء: هكذا، ينفضه" متفق عليه.
والمسح بالمنديل جائز، لحديث قيس بن سعد، قال "زارنا رسول الله ﷺ في منزلنا، فأمر له سعد بغُسْل، فوُضع له فاغتسل، ثم ناوله مِلْحفة مصبوغة بزعفران، أو وَرَس، فاشتمل بها". رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وأحمد.
12- ترك النفض للماء عند الشافعية والحنابلة.
13- تقليل الماء الذي يرفعه للأعضاء حال الوضوء، لأن الإسراف في الماء مكروه.
14- جعل الإناء المفتوح كالقَصْعة والطَّست عن يمين المتطهر، لأنه أعون في التناول.
15- الإتيان بالشهادتين والدعاء بعد الوضوء.
قال الحنابلة: وكذا بعد الغسل.
وهو أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. ويسن الصلاة والسلام بعد الوضوء على النبي ﷺ، فيقول: اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد.
والنطق بالشهادتين لخبر مسلم وأبي داود وابن ماجه عن عمر مرفوعاً: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلِّغ، أو فيسبغ الوضوء (أي يتمه)، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".
وزاد الترمذي على مسلم: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" وزاد فيه أيضاً: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين" ورواه أحمد وأبو داود.
وروى النسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري من توضأ ثم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رَقّ ثم طبع بطابَع (خاتم)، فلم يكسر إلى يوم القيامة" أي لم يتطرق إليه إبطال.
وأما الدعاء عند غسل الأعضاء فلا أصل له في كتب الحديث. واستحبه الحنفية، والمالكية، وأباحه بعض الشافعية.
فيقول عند غسل الكفين: "اللهم احفظ يدي من معاصيك كلها"، وعند المضمضة: "اللهم أعني على تلاوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وعند الاستنشاق: "بسم الله، اللهم أرحني رائحة الجنة ولا ترحني رائحة النار" وعند غسل الوجه: "اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" وعند غسل اليد اليمنى: "اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً" وعند اليسرى: "اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري" وعند مسح الرأس: "اللهم حرم شعري وبشري على النار" وعند مسح الأذنين: "اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" وعند غسل الرجلين: "اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام" وأباح بعض الشافعية الدعاء بهذه الأدعية.
وقالوا: يكره الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى، وورد أن النبي ﷺ كان يقول حال الوضوء: اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي، وقنعني بما رزقتني، ولا تفتني بما زويت عني "رواه الترمذي.
مكروهات الوضوء:
المكروه عند الحنفية نوعان: مكروه تحريماً: وهو ما كان إلى الحرام أقرب، وتركه واجب. وهو المراد عندهم حالة الإطلاق.
ومكروه تنزيهاً: وهو ما كان تركه أولى من فعله ، أي خلاف الأولى. وكثيراً ما يطلقونه.
ولم يفرق الجمهور غير الحنفية بين نوعي الكراهة، ويراد بها عندهم التنزيهية. ويكره للمتوضئ ضد ما يستحب من الآداب وأهمها ما يأتي:
1- الإسراف في صب الماء: بأن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية أو ما يزيد عن الكفاية. وهذا إذا كان الماء مباحاً أو مملوكاً للمتوضئ، فإن كان موقوفاً على الوضوء منه كالماء المعد للوضوء في المساجد، فالإسراف فيه حرام.
ودليل الكراهة: ما أخرج ابن ماجه وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ مرَّ بسعد، وهو يتوضأ، فقال: "ما هذا السَّرَف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال: نعم، وإن كنت على نهر جار" ومن الإسراف: الزيادة على الثلاث في الغسلات وعلى المرة الواحدة في المسح عند الجمهور غير الشافعية لحديث عمرو بن شعيب السابق: "فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم".
والكراهة تنزيهية حتى عند الحنفية إلا إذا اعتقد أن ما زاد على الغسلات الثلاث من أعمال الوضوء، فتكون الكراهة حينئذ تحريمية عندهم.
وكذا يكره تنزيهاً التقتير بجعل الغسل مثل المسح: (وهو أن يكون تقاطر الماء عن العضو المغسول غير ظاهر) لأن السنة إسباغ الوضوء، والتقتير ينافيه.
2- لطم الوجه أو غيره بالماء: والكراهة تنزيهية، لأنه يوجب انتضاح الماء المستعمل على ثيابه، وتركه أولى، وهو أيضاً خلاف التؤدة والوقار، فالنهي عنه من الآداب.
3- التكلم بكلام الناس: والكراهة تنزيهية، لأنه يشغله عن الأدعية. وعند الشافعية: خلاف الأولى.
4- الاستعانة بالغير بلا عذر: لحديث ابن عباس السابق: "كان النبي ﷺ لا يكل طهوره إلى أحد ..." رواه ابن ماجه والدارقطني. وقد عرفنا أن الثابت في السنة جواز المعاونة في الوضوء، لكن قد حمل ذلك على حالة العذر، ولأن الضرورات تبيح المحظورات.
5- التوضؤ في موضع نجس: لئلا يتنجس منه، وزاد الحنفية: التوضؤ بفضل ماء المرأة، أو في المسجد إلا في إناء أو في موضع أعد لذلك خشية تلويث المسجد بآثار الماء. وقال الحنابلة : تكره إراقة ماء الوضوء وماء الغسل في المسجد، أو في مكان يداس فيه كالطريق تنزيهاً لماء الوضوء، لأن له حرمة وأنه أثر عبادة. ويباح الوضوء والغسل في المسجد إذا لم يؤذ به أحداً ولم يؤذ المسجد، لأن المنفصل منه طاهر.
6- مسح الرقبة بالماء: عند الجمهور غير الحنفية.
7- مبالغة الصائم في المضمضة والاستنشاق مخافة أن يفسد صومه.
8- ترك سنة من سنن الوضوء، السابق بيانها في المذاهب. قال الحنابلة مثلاً: يكره لكل أحد ينتثر وينقي أنفه ووسخه ودرنه ويخلع نعله ويتناول الشيء من يد غيره، ونحو ذلك بيمينه، مع القدرة على ذلك بيساره، مطلقاً.
9- الوضوء بفضل طهور المرأة إذا استقلت به: وقال الحنابلة: يكره ولا يجوز وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خَلَت به (استقلت)، فإن اشترك الرجل معها فلا بأس. بدليل "أن النبي ﷺ نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" رواه أبو داود والترمذي ولأن جماعة من الصحابة كرهوا ذلك، فقالوا: إذا خلت بالماء فلا يتوضأ منه.
وقال أكثر العلماء: يجوز الوضوء به للرجال والنساء، لما روى مسلم في صحيحه وأحمد عن ابن عباس، قال: "كان النبي ﷺ يغتسل بفضل وضوء ميمونة" رواه مسلم وقالت ميمونة: "اغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي ﷺ يغتسل، فقلت: إني قد اغتسلت منه، فقال: الماء ليس عليه جنابة" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد ولأنه ماء طهور جاز للمرأة الوضوء به، فجاز للرجل كفضل الرجل. وهذا هو الأصح، ويحمل النهي على الكراهة التنزيهية بقرينة أحاديث الجواز.
10- الماء الساخن والماء المشمس: قال الشافعية: يكره تنزيهاً التطهير بماء شديد السخونة وشديد البرودة.
سبب وجوب الوضوء: هو الحدث، ودخول وقت الصلاة، والقيام إليها ونحوها.
وأما شروط الوضوء فنوعان: شروط وجوب، وشروط صحة.
وشرائط الوجوب: هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على الشخص. وشرائط الصحة : ما لا تصح الطهارة إلا بها.
أولاً- شروط الوجوب:
وهي قدرة المكلف بالطهارة.
شروط الصحة:
يشترط لصحة الوضوء شروط ثلاثة عند الحنفية، وأربعة عند الجمهور:
1- عموم البشرة بالماء الطهور: أي أن يعم الماء جميع أجزاء العضو المغسول، بحيث لا يبقى منه شيء، إلا وقد غسل، لكي يغمر الماء جميع أجزاء البشرة، حتى لو بقي مقدار مغرز إبرة لم يصبه الماء من المفروض غسله، لم يصح الوضوء.
وبناء عليه يجب تحريك الخاتم الضيق عند الجمهور غير المالكية، أما المالكية فقالوا : لا يجب تحريك الخاتم المأذون فيه لرجل أو امرأة ولو ضيقاً لا يدخل الماء تحته، ولا يعد حائلاً بخلاف غير المأذون فيه، كالذهب للرجل أو المتعدد أكثر من واحد، فلا بد من نزعه ما لم يكن واسعاً يدخل الماء تحته، فيكفي تحريكه، لأنه بمنزلة الدلك بالخرقة.
ولا يصح الوضوء باتفاق الفقهاء بغير الماء من المائعات كالخل والعصير واللبن ونحو ذلك، كما لا يصح التوضؤ بالماء النجس، إذ لا صلاة إلا بطهور أو لا صلاة إلا بطهارة.
2- إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو: أي ألا يكون على العضو الواجب غسله حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة، كشمع وشحم ودهن ودهان، ومنه عماص العين، والحبر الصيني المتجسم، وطلاء الأظافر للنساء. أما الزيت ونحوه فلا يمنع نفوذ الماء للبشرة.
3- عدم المنافي للوضوء أو انقطاع الناقض من خارج أو غيره: أي انقطاع كل ما ينقض الوضوء قبل البدء به، لغير المعذور، من دم حيض ونفاس وبول ونحوهما، وانقطاع حدث حال التوضئ، لأنه بظهور بول وسيلان ناقض، لا يصح الوضوء.
والخلاصة: أنه لا يصح الوضوء لغير المعذور حال خروج الحدث أو وجود ناقض للوضوء.
4- دخول الوقت للتيمم عند الجمهور غير الحنفية، ولمن حدثه دائم كسلس البول عند الشافعية والحنابلة، لأن طهارته طهارة عذر وضرورة، فتقيدت بالوقت.
وقال الشافعية: شروط الوضوء والغسل ثلاثة عشر: الإسلام، والتمييز، والنقاء من الحيض والنفاس، وعما يمنع وصول الماء إلى البشرة، والعلم بفرضيته، وألا يعتقد فرضاً معيناً من فروضه سنة، والماء الطهور، وإزالة النجاسة العينية، وألا يكون على العضو ما يغير الماء، وألا يعلق نيته، وأن يجري الماء على العضو، ودخول الوقت لدائم الحدث، والموالاة (أي فقد الصارف).
سنن الوضوء:
ميز الحنفية بين السنة والمندوب، فقالوا: السنة: هي المؤكدة وهي الطريقة المسلوكة في الدين من غير لزوم، على سبيل المواظبة، أي أنها التي واظب عليها النبي ﷺ وتركها أحياناً بلا عذر. وحكمها الثواب على الفعل والعقاب على الترك.
وأما المندوب أو المستحب: فهو ما لم يواظب عليه النبي ﷺ . ويعرف هنا بآداب الوضوء. وحكمه الثواب على فعله وعدم اللوم على تركه.
وأهم سنن الوضوء عند الحنفية: ثمانية عشر شيئاً، وعند المالكية ثمان، وعند الشافعية حوالي ثلاثين، إذ لم يفرقوا بين السنة والمندوب، وعند الحنابلة: حوالي عشرين مطلوباً.
1- النية سنة عند الحنفية، ووقتها قبل الاستنجاء، وكيفيتها: أن ينوي رفع الحدث أو إقامة الصلاة أو ينوي الوضوء أو امتثال الأمر. ومحلها القلب، واستحب المشايخ النطق بها. وهي فرض عند الجمهور غير الحنفية، كما بينا في بحث فرائض الوضوء.
2- غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، سواء قام من النوم أم لم يقم، لأنهما آلة التطهير، ولقول النبي ﷺ: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده، قبل أن يدخلها في الإناء، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" متفق عليه. وفي لفظ: "حتى يغسلها ثلاثاً" والأرجح الاكتفاء بمرة كبقية أفعال الوضوء، والتثليث مستحب. وقال الحنابلة: يكون الغسل ثلاثاً، سنة لغير المستيقظ من النوم ليلاً، وواجباً على المستيقظ من نومه ليلاً.
3- التسمية في بدء الوضوء: بأن يقول عند غسل يديه إلى كوعيه : بسم الله، والوارد عنه عليه السلام -فيما رواه الطبراني عن أبي هريرة بإسناد حسن - باسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام. وقيل: الأفضل: "بسم الله الرحمن الرحيم".
وقد اعتبر المالكية التسمية من فضائل (آداب) الوضوء. وأوجب الحنابلة التسمية عند الوضوء.
4- المضمضة والاستنشاق: والمضمضة: هي إدخال الماء في الفم وخضخضته وطرحه، أو استيعاب جميع الفم بالماء. والاستنشاق: إدخال الماء في الأنف وجذبه بنفسه إلى داخل أنفه.
ويلحق بهما سنة الاستنثار: وهو دفع الماء بنفسه مع وضع أصبعيه (السبابة والإبهام من يده اليسرى) على أنفه، كما يفعل في امتخاطه. وهي كلها سنة مؤكدة عند الجمهور غير الحنابلة لحديث مسلم: "ما منكم من أحد يقرب وضوءه، ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر، إلا خرَّت خطايا فيه، وخياشيمه مع الماء".
صفة وضوء رسول الله ﷺ في المضمضة والاستنشاق:
وتسن المضمضة والاستنشاق ثلاثاً للحديث المتفق عليه من عثمان بن عفان رضي الله عنه : أنه دعا بإناء، فأفرغ على كفّيه ثلاث مرات، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل رِجْليه ثلاث مرات إلى الكعبين. ثم قال: "رأيت رسول الله صلى الله توضأ نحو وُضوئي هذا، ثم قال: من توضأ نحو وُضوئي هذا، ثم صلى ركعتين، لا يُحدِّث فيهما نفسه، غفَر الله له ما تقدم من ذنبه" ولقوله عليه السلام فيما روى أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن عائشة: "عشر من الفطرة" وذكر منها "المضمضة والاستنشاق" والفطرة: السنة، ولأن الفم والأنف عضوان باطنان، فلا يجب غسلهما كباطن اللحية وداخل العينين، ولأن الوجه : ما تحصل به المواجهة ولا تحصل المواجهة بهما.
واتفق الفقهاء على أنه تسن المبالغة فيهما للمفطر غير الصائم، لقوله ﷺ - في رواية صحح ابن القطان إسنادها -: "إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائماً" ولحديث لَقِيط بن صَبْرة: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً" رواه الترمذي، ولا تسن المبالغة للصائم، بل تكره لخوف الإفطار.
والمبالغة في المضمضة: أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات. ويسن إمرار أصبع يده اليسرى على ذلك، وفي الاستنشاق: أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم. ويسن إدارة الماء في الفم ومجه.
ويسن الاستنثار للأمر به في خبر ابن عباس عن النبي ﷺ: "استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثاً". رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والحاكم.
وعبارة الحنفية في المضمضة والاستنشاق: وهما سنتان مؤكدتان مشتملتان على سنن خمسة: الترتيب، والتثليث، وتجديد الماء، وفعلهما باليمنى، والمبالغة فيهما بالغرغرة ومجاورة المارن لغير الصائم، لاحتمال الفساد أي الإفطار.
وقال المالكية: يندب فعل المضمضة والاستنشاق، بثلاث غرفات لكل منهما، ومبالغة مفطر.
وقال الشافعية: والترتيب فيهما مستحق لا مستحب، عكس تقديم اليمنى على اليسرى.
وقال الحنابلة: إن المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين جميعاً: الوضوء والغسل، لأن غسل الوجه واجب فيهما، والفم والأنف من الوجه، ولحديث عائشة: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه" رواه الدارقطني، ولمداومته ﷺ في كل حديث ذكر فيه صفة وضوء رسول الله ﷺ، مثل حديث عثمان السابق، وحديث علي: "أنه دعا بوَضُوء، فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثاً، ثم قال: هذا طَهُور نبي الله ﷺ" رواه النسائي وأحمد وحديثي أبي هريرة: "أن النبي ﷺ قال: إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر" متفق عليه. "أمر رسول الله ﷺ بالمضمضة والاستنشاق". رواه الدارقطني.
5- السواك سنة باتفاق الفقهاء ماعدا المالكية الذين عدوه من الفضائل، وسنخصص له مبحثاً مستقلاً.
6- تخليل اللحية الكثة والأصابع: يسن تخليل اللحية الكثة بكف ماء من أسفلها، وتخليل أصابع اليدين والرجلين باتفاق الفقهاء، لما روى ابن ماجه والترمذي وصححه: أنه ﷺ كان يخلل لحيته، ولما روى أبو داود: "أنه ﷺ كان إذا توضأ، أخذ كفاً من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي".
ولحديث لَقيط بن صَبْرَة في المبالغة في الاستنشاق السابق: "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه الترمذي. وحديث ابن عباس : "أن رسول الله ﷺ قال: إذا توضأت فخلِّل أصابع يديك ورجليك" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وحديث المُسْتَورِد بن شدَّاد قال: "رأيت رسول الله ﷺ إذا توضأ خلل أصابع رجليه بخنصره". رواه أبو داود والترمذي.
7- تثليث الغسل: اتفق الفقهاء على أنه يسن تثليث الغسل واعتبره المالكية من فضائل الوضوء، لما ثبت في السنة كحديث عمرو بن شعيب من تثليث غسل الكفين والوجه والذراعين. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وإنما لم يجب، لأنه ﷺ توضأ مرة مرة، وقال: "هذا الذي لا يقبل الله العمل إلا به"، وتوضأ مرتين مرتين، وقال: "هذا يضاعف الله به الأجر مرتين" وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي". رواه الدارقطني.
وأما المسح فلا يسن تكراره عند الجمهور وأكثر أهل العلم من الصحابة، لحديث عبد الله بن زيد في وصف وضوء رسول الله ﷺ، قال : "ومسح برأسه مرة واحدة" متفق عليه، ولما روي عن علي رضي الله عنه "أنه توضأ ومسح برأسه مرة واحدة" ثم قال: "هذا وضوء النبي ﷺ، من أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله ﷺ فلينظر إلى هذا" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الشافعية: ويسن أيضاً تثليث المسح، لما روي عن أنس: "الثلاث أفضل"، ولحديث شقيق بن سلمة عند أبي داود قال: "رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ فعل مثل هذا، وروي مثل ذلك من غير واحد من أصحاب رسول الله ﷺ.
وروى عثمان وعلي وابن عمر وأبو هريرة وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو مالك والرُّبيع، وأبي بن كعب: "أن رسول الله ﷺ توضأ ثلاثاً ثلاثاً".
8- استيعاب كل الرأس بالمسح: يسن الاستيعاب بالمسح عند الحنفية والشافعية اتباعاً للسنة فيما رواه الشيخان، مرة واحدة عند الحنفية، وثلاثاً عند الشافعية، وخروجاً من خلاف من أوجبه، لأن مسح الرأس كله واجب عند المالكية والحنابلة كما بينا.
والسنة في كيفيته: أن يضع يديه على مقدمة رأسه ويلصق سبابته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي ذهب منه إذا كان له شعر ينقلب، فإن لم يقلب شعره لقصره أو عدمه لم يردّ لعدم الفائدة.
وقال المالكية: يسن رد مسح الرأس وإن لم يكن له شعر بأن يعمه بالمسح ثانياً إن بقي بيده بلل من المسح الواجب، وإلا سقطت سنة الرد.
ودليل الحنفية حديث عمرو بن شعيب وحديث عثمان السابقين وفيهما: "ثم مسح برأسه" ولم يذكرا عدداً. ومثله حديث أبي حَبَّة في صفة وضوء علي وفيه: "ومسح برأسه مرة" رواه الترمذي ودليل الشافعية: حديث عثمان السابق فيما رواه أبو داود بإسناد حسن: أنه توضأ، فمسح رأسه ثلاثاً، وقال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ هكذا. وحديث علي عند البيهقي: "توضأ، فمسح رأسه ثلاثاً، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ فعل".
وأجاز الشافعية والحنابلة مسح بعض الرأس والإكمال على العمامة إن عسر رفعهما، لأنه ﷺ "مسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين". رواه مسلم.
9- مسح الأذنين ظاهراً وباطناً بماء جديد: يسن مسح الأذنين ظاهراً وباطناً بماء جديد عند الجمهور، لأنه ﷺ مسح في وضوئه برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه، ويأخذ لصماخيه أيضاً ماء جديداً.
روي عن عبد الله بن زيد: "أنه رأى رسول الله ﷺ يتوضأ، فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذه لرأسه" رواه الحاكم والبيهقي، وكان ابن عمر إذا توضأ يأخذ الماء بإصبعيه لأذنيه.
وقال الحنابلة: يجب مسح الأذنين، لأن الأذنين من الرأس لحديث "الأذنان من الرأس" رواه ابن ماجه، ولأن النبي ﷺ مسحهما مع رأسه، كما هو الثابت في أحاديث متعددة.
ومسح الأذنين: ثلاث مرات عند الشافعية ومرة عند الجمهور.
10- البداءة بالميامن في غسل اليدين والرجلين: واعتبره المالكية من الفضائل. ودليل السنية: حديث عائشة قالت: "كان رسول الله ﷺ يحب التيامُن في تنعله وترجُّله وطَهوره، وفي شأنه كله" متفق عليه. وهو دليل على مشروعية الابتداء باليمين في لبس النعال، وفي ترجيل الشعر (أي تسريحه) وفي الطهور، فيبدأ بيده اليمنى قبل اليسرى، وبالجانب الأيمن من سائر البدن في الغسل قبل الأيسر، والتيامن سنة في جميع الأشياء.
ويؤيده حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: "إذا لبستم، وإذا توضأتم فابدءوا بأيامنكم". رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
وأضاف الحنفية والشافعية لهذه السنة: البداءة برؤوس الأصابع ومقدم الرأس، كما أن الشافعية أضافوا: البدء بأعلى الوجه. وقال المالكية: يندب البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو أي في الوجه واليدين والرأس والرجلين.
11- الترتيب والموالاة والدلك عند من لا يرى فرضيتها، كما قدمنا في بحث فرائض الوضوء.
آداب الوضوء:
عبَّر الحنفية عن ذلك بالآداب جمع أدب: وهو ما فعله النبي ﷺ مرة أو مرتين ولم يواظب عليه. وحكمه الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه. وآداب الوضوء عندهم أربعة عشر.
وعبر عنها المالكية بالفضائل أي الخصال والأفعال المستحبة، وهي عندهم عشر، والفرق بينها وبين السنة: ما أكد الشارع أمرها، وعظم قدرها، وأما المندوب أو المستحب: فهو ما طلبه الشارع طلباً غير جازم، وخفف أمره، وكل منهما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه.
وأهم هذه الآداب ما يأتي:
1- استقبال القبلة، لأنها أشرف الجهات ولأنها حالة أرجى لقبول الدعاء، واعتبره الحنابلة والشافعية سنة، إذ لم يفرقوا بين السنة والأدب.
2- الجلوس في مكان مرتفع، تحرزاً عن الغسالة.
وقال المالكية: يستحب إيقاع الوضوء في محل طاهر بالفعل، وشأنه الطهارة، فيكره الوضوء في بيت الخلاء أو الكنيف (دورة المياه) قبل استعماله، كما يكره الوضوء في غيره من المواضع المتنجسة بالفعل.
3- عدم التكلم بكلام الناس، بلا ضرورة، لأنه يشغله عن الدعاء المأثور.
4- عدم الاستعانة بغيره إلا لعذر، كالصب ونحوه، لأنه الأكثر من فعله ﷺ ، ولأنها نوع من الترفه والتكبر، وذلك لا يليق بالمتعبد، والأجر على قدر النَّصَب، وهي خلاف الأولى، وقيل: تكره. فإن كان ذلك لعذر كمرض فلا بأس، وقد أجازها النبيّ ﷺ، بدليل حديث المغيرة بن شعبة: "أنه كان مع رسول الله ﷺ في سفر، وأنه ذهب لحاجة له، وأن مُغيرة جعل يصب الماء عليه وهو يتوضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين" متفق عليه، وقال صفوان بن عَسال: "صببت الماء على النبي ﷺ في السفر والحضر في الوضوء" رواه ابن ماجه وقد دل هذان الحديثان على جواز الاستعانة بالغير، وبهما أخذ الحنابلة فقالوا بالإباحة.
5- تحريك الخاتم الواسع، مبالغة في الغسل، وروي عن أبي رافع: "أن رسول الله ﷺ كان إذا توضأ حرَّك خاتمه" رواه ابن ماجه والدارقطني. ويندب أيضاً تحريك الخاتم الضيق إن علم وصول الماء، وإلا فيفرض تحريكه. وقد بينا أنه عند المالكية : لا يجب تحريك الخاتم الضيق المأذون فيه.
6- كون المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى لشرفها، والامتخاط باليسرى لامتهانها.
7- التوضؤ قبل دخول الوقت مبادرة للطاعة، لغير المعذور.
أما المعذور أو المتيمم فلا يندب له تعجيل الطهارة عند الحنفية، ويجب تأخيرها لما بعد دخول الوقت عند الجمهور.
8- إدخال الخنصر المبلولة في صماخ الأذنين، مبالغة في التنظيف.
9- مسح الرقبة بظهر يديه، لا الحلقوم عند الحنفية، لما روي عن ليث عن طلحة بن مُصرِّف عن أبيه عن جده أنه رأى رسول الله ﷺ يمسح رأسه حتى بلغ القَذَال، وما يليه من مُقَدَّم العنق". رواه أحمد.
وقال جمهور الفقهاء: لا يندب مسح الرقبة، بل يكره، لأنه من الغلو في الدين.
10- إطالة الغرة والتحجيل:
إطالة الغرة: بغسل زائد على الواجب من الوجه من جميع جوانبه، وغايتها : غسل صفحة العنق مع مقدمات الرأس.
والتحجيل: بغسل زائد على الواجب من اليدين والرجلين من جميع الجوانب، وغايته استيعاب العضدين والساقين.
وهذا مندوب عند الجمهور، لخبر الصحيحين: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غُرَّته فليفعل". وخبر مسلم: "أنتم الغُرُّ المحجَّلُون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غُرَّته وتحجيله".
وقال المالكية: لا تندب إطالة الغرة: وهي الزيادة في غسل أعضاء الوضوء على محل الفرض، بل يكره، لأنه من الغلو في الدين، وإنما يندب دوام الطهارة والتجديد، ويسمى ذلك أيضاً إطالة الغرة، كما حمل عليه الحديث السابق: "من استطاع منكم أن يطيل غرته" فقد حملوا الإطالة على الدوام، والغرة على الوضوء. فيتخلص أن إطالة الغرة لها معنيان: الزيادة على المغسول، وإدامة الوضوء، الأول مكروه، والثاني مطلوب عندهم.
11- الأَوْلَى ترك التنشيف بالمنديل، إبقاء لأثر العبادة، ولأنه ﷺ "بعد غسله من الجنابة أتته ميمونة بمنديل، فرده، وجعل يقول بالماء: هكذا، ينفضه" متفق عليه.
والمسح بالمنديل جائز، لحديث قيس بن سعد، قال "زارنا رسول الله ﷺ في منزلنا، فأمر له سعد بغُسْل، فوُضع له فاغتسل، ثم ناوله مِلْحفة مصبوغة بزعفران، أو وَرَس، فاشتمل بها". رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وأحمد.
12- ترك النفض للماء عند الشافعية والحنابلة.
13- تقليل الماء الذي يرفعه للأعضاء حال الوضوء، لأن الإسراف في الماء مكروه.
14- جعل الإناء المفتوح كالقَصْعة والطَّست عن يمين المتطهر، لأنه أعون في التناول.
15- الإتيان بالشهادتين والدعاء بعد الوضوء.
قال الحنابلة: وكذا بعد الغسل.
وهو أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. ويسن الصلاة والسلام بعد الوضوء على النبي ﷺ، فيقول: اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد.
والنطق بالشهادتين لخبر مسلم وأبي داود وابن ماجه عن عمر مرفوعاً: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلِّغ، أو فيسبغ الوضوء (أي يتمه)، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".
وزاد الترمذي على مسلم: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" وزاد فيه أيضاً: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين" ورواه أحمد وأبو داود.
وروى النسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري من توضأ ثم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رَقّ ثم طبع بطابَع (خاتم)، فلم يكسر إلى يوم القيامة" أي لم يتطرق إليه إبطال.
وأما الدعاء عند غسل الأعضاء فلا أصل له في كتب الحديث. واستحبه الحنفية، والمالكية، وأباحه بعض الشافعية.
فيقول عند غسل الكفين: "اللهم احفظ يدي من معاصيك كلها"، وعند المضمضة: "اللهم أعني على تلاوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وعند الاستنشاق: "بسم الله، اللهم أرحني رائحة الجنة ولا ترحني رائحة النار" وعند غسل الوجه: "اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" وعند غسل اليد اليمنى: "اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً" وعند اليسرى: "اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري" وعند مسح الرأس: "اللهم حرم شعري وبشري على النار" وعند مسح الأذنين: "اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" وعند غسل الرجلين: "اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام" وأباح بعض الشافعية الدعاء بهذه الأدعية.
وقالوا: يكره الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى، وورد أن النبي ﷺ كان يقول حال الوضوء: اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي، وقنعني بما رزقتني، ولا تفتني بما زويت عني "رواه الترمذي.
مكروهات الوضوء:
المكروه عند الحنفية نوعان: مكروه تحريماً: وهو ما كان إلى الحرام أقرب، وتركه واجب. وهو المراد عندهم حالة الإطلاق.
ومكروه تنزيهاً: وهو ما كان تركه أولى من فعله ، أي خلاف الأولى. وكثيراً ما يطلقونه.
ولم يفرق الجمهور غير الحنفية بين نوعي الكراهة، ويراد بها عندهم التنزيهية. ويكره للمتوضئ ضد ما يستحب من الآداب وأهمها ما يأتي:
1- الإسراف في صب الماء: بأن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية أو ما يزيد عن الكفاية. وهذا إذا كان الماء مباحاً أو مملوكاً للمتوضئ، فإن كان موقوفاً على الوضوء منه كالماء المعد للوضوء في المساجد، فالإسراف فيه حرام.
ودليل الكراهة: ما أخرج ابن ماجه وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ مرَّ بسعد، وهو يتوضأ، فقال: "ما هذا السَّرَف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال: نعم، وإن كنت على نهر جار" ومن الإسراف: الزيادة على الثلاث في الغسلات وعلى المرة الواحدة في المسح عند الجمهور غير الشافعية لحديث عمرو بن شعيب السابق: "فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم".
والكراهة تنزيهية حتى عند الحنفية إلا إذا اعتقد أن ما زاد على الغسلات الثلاث من أعمال الوضوء، فتكون الكراهة حينئذ تحريمية عندهم.
وكذا يكره تنزيهاً التقتير بجعل الغسل مثل المسح: (وهو أن يكون تقاطر الماء عن العضو المغسول غير ظاهر) لأن السنة إسباغ الوضوء، والتقتير ينافيه.
2- لطم الوجه أو غيره بالماء: والكراهة تنزيهية، لأنه يوجب انتضاح الماء المستعمل على ثيابه، وتركه أولى، وهو أيضاً خلاف التؤدة والوقار، فالنهي عنه من الآداب.
3- التكلم بكلام الناس: والكراهة تنزيهية، لأنه يشغله عن الأدعية. وعند الشافعية: خلاف الأولى.
4- الاستعانة بالغير بلا عذر: لحديث ابن عباس السابق: "كان النبي ﷺ لا يكل طهوره إلى أحد ..." رواه ابن ماجه والدارقطني. وقد عرفنا أن الثابت في السنة جواز المعاونة في الوضوء، لكن قد حمل ذلك على حالة العذر، ولأن الضرورات تبيح المحظورات.
5- التوضؤ في موضع نجس: لئلا يتنجس منه، وزاد الحنفية: التوضؤ بفضل ماء المرأة، أو في المسجد إلا في إناء أو في موضع أعد لذلك خشية تلويث المسجد بآثار الماء. وقال الحنابلة : تكره إراقة ماء الوضوء وماء الغسل في المسجد، أو في مكان يداس فيه كالطريق تنزيهاً لماء الوضوء، لأن له حرمة وأنه أثر عبادة. ويباح الوضوء والغسل في المسجد إذا لم يؤذ به أحداً ولم يؤذ المسجد، لأن المنفصل منه طاهر.
6- مسح الرقبة بالماء: عند الجمهور غير الحنفية.
7- مبالغة الصائم في المضمضة والاستنشاق مخافة أن يفسد صومه.
8- ترك سنة من سنن الوضوء، السابق بيانها في المذاهب. قال الحنابلة مثلاً: يكره لكل أحد ينتثر وينقي أنفه ووسخه ودرنه ويخلع نعله ويتناول الشيء من يد غيره، ونحو ذلك بيمينه، مع القدرة على ذلك بيساره، مطلقاً.
9- الوضوء بفضل طهور المرأة إذا استقلت به: وقال الحنابلة: يكره ولا يجوز وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خَلَت به (استقلت)، فإن اشترك الرجل معها فلا بأس. بدليل "أن النبي ﷺ نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" رواه أبو داود والترمذي ولأن جماعة من الصحابة كرهوا ذلك، فقالوا: إذا خلت بالماء فلا يتوضأ منه.
وقال أكثر العلماء: يجوز الوضوء به للرجال والنساء، لما روى مسلم في صحيحه وأحمد عن ابن عباس، قال: "كان النبي ﷺ يغتسل بفضل وضوء ميمونة" رواه مسلم وقالت ميمونة: "اغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي ﷺ يغتسل، فقلت: إني قد اغتسلت منه، فقال: الماء ليس عليه جنابة" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد ولأنه ماء طهور جاز للمرأة الوضوء به، فجاز للرجل كفضل الرجل. وهذا هو الأصح، ويحمل النهي على الكراهة التنزيهية بقرينة أحاديث الجواز.
10- الماء الساخن والماء المشمس: قال الشافعية: يكره تنزيهاً التطهير بماء شديد السخونة وشديد البرودة.