من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
المسح على الخفين
تعريف المسح على الخفين:
هو إصابة اليد المبتلة بالماء لخف ساتر الكعبين فأكثره من جلد ونحوه ظاهر الخفين لا باطنهما ليوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمالكية، ولم يحدد المالكية مدة المسح.
حكم المسح على الخفين:
هو رخصة، وجائز في المذاهب الإسلامية الأربعة، في الحضر والسفر للرجال والنساء.
شروط المسح على الخفين:
هناك شروط ثلاثة متفق عليها فقهاً، وشروط مختلف فيها بين الفقهاء، ومن المعلوم أنها جميعاً شروط في المسح لأجل الوضوء، أما من أجل الجنابة فلا يجوز المسح، أي فلا يجوز المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل، لحديث صفوان بن عسال المتقدم: "أمرنا النبي ﷺ أن نمسح على الخفين، إذا نحن أدخلناهما على طهر، ثلاثاً إذا سافرنا، ويوماً وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم، ولا نخلعهما إلا من جنابة".
الشروط المتفق عليها: اتفق الفقهاء على اشتراط شروط ثلاثة في المسح على الخفين لأجل الوضوء وهي ما يأتي:
1- لبسهما على طهارة كاملة: لحديث المغيرة السابق، قال: "كنت مع النبي ﷺ في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما" متفق عليه، واشترط الجمهور أن تكون تلك الطهارة بالماء، وأجاز الشافعية: أن تكون الطهارة بالماء من وضوء أو غسل، أو بالتيمم لا لفقد الماء.
وقد جعل المالكية هذا الشرط مشتملاً على شروط خمسة في الماسح هي:
الأول- أن يلبس الخف على طهارة، فإن لبسه محدثاً، لم يصح المسح عليه.
الثاني- أن تكون الطهارة مائية، لا ترابية، وهذا شرط عند الجمهور غير الشافعية فإن تيمم ثم لبس الخف، لم يكن له المسح عند الجمهور، لأنه لبسه على طهارة غير كاملة، ولأنها طهارة ضرورة بطلت من أصلها، ولأن التيمم لا يرفع الحدث، فقد لبسه وهو محدث.
وقال الشافعية: إن كان التيمم لفقد الماء فلا يجوز المسح بعد وجود الماء، وإنما يلزمه إذا وجد الماء نزع الخفين والوضوء الكامل. أما إن كان التيمم لمرض ونحوه، فأحدث فله أن يمسح على الخف.
الثالث- أن تكون تلك الطهارة كاملة، بأن يلبسه بعد تمام الوضوء أو الغسل، الذي لم ينتقض فيه وضوءه. فإن أحدث قبل غسل الرجل، لم يجز له المسح، لأن الرِجْل حدثت في مقرها، وهو محدث، فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث.
والشرط عند الشافعية والحنابلة: أن تكون طهارة كاملة عند اللبس، أي لا بد من كمال الطهارة جميعها وأما عند الحنفية: فالطهارة عند الحدث بعد اللبس أي لا يشترط كمال الطهارة، وإنما المطلوب إكمال الطهارة. ويظهر أثر الخلاف فيما لو غسل المحدث رجليه أولاً، ولبس خفيه، ثم أتم الوضوء قبل أن يحدث، ثم أحدث، جاز له أن يمسح على الخفين عند الحنفية، لوجود الشرط: وهو (لبس الخفين على طهارة كاملة وقت الحدث بعد اللبس). وعند الشافعية والحنابلة: لا يجوز لعدم الطهارة الكاملة وقت اللبس، لأن الترتيب شرط عندهم، فكأن غسل الرجلين مقدماً على الأعضاء الأُخرى، كأن لم يكن.
الرابع- ألا يكون الماسح مترفهاً بلبسه، كمن لبسه لخوف على حناء برجليه، أو لمجرد النوم به، أو لكونه حاكماً، أو لقصد مجرد المسح، أو لخوف برغوث مثلاً، فلا يجوز له المسح. لكن لو لبسه لحر أو برد أو وعر، أو خوف عقرب، ونحو ذلك، فيجوز له المسح.
الخامس- ألا يكون عاصياً بلبسه، كمُحرم بحج أو عمرة، لم يضطر للبسه، فلا يجوز له المسح. أما المضطر للبسه، والمرأة، فيجوز لها المسح. والمعتمد عند المالكية والحنابلة والشافعية: أنه يجوز المسح للعاصي بالسفر كالعاق والديه وقاطع الطريق. والضابط عند المالكية: أن كل رخصة جازت في الحضر، كمسح خف وتيمم وأكل ميتة، تفعل في السفر، وكل رخصة تختص بالسفر كقصر الصلاة وفطر رمضان تجوز في السفر لغير العاصي بسفره، أما هو فلا يجوز له ذلك.
2- أن يكون الخف طاهراً، ساتراً المحل المفروض غسله في الوضوء: وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب، لا من الأعلى، فلا يجوز المسح على خف غير ساتر الكعبين مع القدم، كما لا يجوز المسح على خف نجس، كجلد الميتة قبل الدباغ عند الحنفية والشافعية، وكذلك بعد الدباغ عند المالكية والحنابلة، لأن الدباغ عندهم غير مطهر، والنجس منهي عنه.
3- إمكان متابعة المشي فيه بحسب المعتاد: وتقدير ذلك محل خلاف، فقال الحنفية: أن يكون الخف مما يمكن متابعة المشي المعتاد فيه فرسخاً فأكثر، فلا يجوز المسح على خف متخذ من زجاج أو خشب أو حديد، أو خف رقيق يتخرق بالمشي. واشترطوا في الخفين: استمساكهما على الرجلين من غير شد.
والمعتبر عند المالكية: أن يمكن تتابع المشي فيه عادة، فلا يجوز المسح على خف واسع لا تستقر القدم أو أكثرها فيه، وإنما ينسلت من الرجل عند المشي فيه.
والمقرر عند الأكثرين من الشافعية: أن يمكن التردد فيه لقضاء الحاجات، للمقيم سفر يوم وليلة، وللمسافر: سفر ثلاثة أيام ولياليهن، وهو سفر القصر، لأنه بعد انقضاء المدة يجب نزعه.
وانفرد الحنابلة برأي خاص هنا، فقالوا: إمكان المشي فيه عرفاً، ولو لم يكن معتاداً، فجاز المسح على الخف من جلد ولبود وخشب، وزجاج وحديد ونحوها، لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه، فأشبه الجلود، وذلك بشرط ألا يكون واسعاً يرى منه محل الفرض، أي كما قال الحنفية والمالكية.
الشروط المختلف فيها بين الفقهاء:
هناك شروط أخرى مقررة في المذاهب مختلف فيها وهي:
1- أن يكون الخف صحيحاً سليماً من الخروق: هذا شرط مفرع على الشرط الثالث السابق، مشروط عند الفقهاء، لكنهم اختلفوا في مقدار الخرق اليسير المتسامح فيه.
فالشافعية والحنابلة: لم يجيزوا المسح على خف فيه خرق، ولو كان يسيراً، لأنه غير ساتر للقدم، ولو كان الخرق من موضع الخرز، لأن ما انكشف حكمه حكم الغسل، وما استتر حكمه المسح، والجمع بينهما لا يجوز، فغلب حكم الغسل، أي أن حكم ما ظهر الغسل، وما استتر المسح، فإذا اجتمعا غلب حكم الغسل، كما لو انكشفت إحدى قدميه.
والمالكية والحنفية: أجازوا استحساناً ورفعاً للحرج المسح على خف فيه خرق يسير، لأن الخفاف لا تخلو عن خرق في العادة، فيمسح عليه دفعاً للحرج. أما الخرق الكبير فيمنع صحة المسح، وهو عند المالكية: ما لا يمكن به متابعة المشي، وهو الخرق الذي يكون بمقدار ثلث القدم، سواء أكان منفتحاً أم ملتصقاً بعضه ببعض، كالشق وفتق خياطته، مع التصاق الجلد بعضه ببعض. وإن كان الخرق دون الثلث ضر أيضاً إن انفتح، بأن ظهرت الرجل منه، لا إن التصق. ويغتفر الخرق اليسير جداً بحيث لا يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من الرجل.
والخرق الكبير عند الحنفية: هو بمقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع القدم.
2- أن يكون الخف من الجلد: هذا شرط عند المالكية، فلا يصح المسح عندهم على خف متخذ من القماش، كما لا يصح عندهم المسح على الجورب: وهو ما صنع من قطن أو كتان أو صوف، إلا إذا كسي بالجلد، فإن لم يجلَّد، فلا يصح المسح عليه. وكذلك قال الشافعية : لا يجزئ المسح على منسوج لا يمنع نفوذ الماء إلى الرجل من غير محل الخرز، لو صب عليه لعدم صفاقته.
واشترط المالكية أيضاً أن يكون الخف مخروزاً، لا إن لزق بنحو رسراس قصراً للرخصة على الوارد.
وأجاز الجمهور غير المالكية: المسح على الخف المصنوع من الجلود، أو اللبود، أو الخِرَق، أو غيرها، فلم يشترطوا هذا الشرط.
واشترط الحنفية والشافعية: أن يكون الخف مانعاً من وصول الماء إلى الجسد، لأن الغالب في الخفاف أنها تمنع نفوذ الماء، فتنصرف إليها النصوص الدالة على مشروعية المسح.
المسح على الجوارب: أجاز الحنفية: المسح على الجوربين الثخينين بحيث يمشي به اللابس فرسخاً فأكثر، ويثبت الجورب على الساق بنفسه، ولا يرى ما تحته، ولا يشف (يرق حتى يرى ما وراءه).
وأجاز الحنابلة أيضاً المسح على الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه، أي بشرطين:
أحدهما- أن يكون صفيقاً لا يبدو منه شيء من القدم.
الثاني- أن يمكن متابعة المشي فيه.
ويجب أن يمسح علن الجوربين وعلى سيور النعلين قدر الواجب.
وأجاز الشافعية والحنابلة المسح على الخف المشقوق القدم كالزربول الذي له ساق إذا شد في الأصح بواسطة العرا، بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض إذا مشى عليه.
3- أن يكون الخف مفرداً: وهذا شرط عند الشافعية فلا يجوز المسح على الجرموقين (وهو ما يلبس فوق الخف).
وقال الحنفية والحنابلة والمالكية: يجزئ المسح على الجرموق فوق الخف، لقول بلال: "رأيت النبي ﷺ يمسح على الجُرموق" رواه أبو داود وأحمد.
ولكن اشترط الحنفية لصحة المسح على الجرموق شروطاً ثلاثة هي:
الأول- أن يكون الأعلى جلداً، فإن كان غير جلد يصح المسح على الأعلى إن وصل الماء إلى الأسفل.
الثاني- أن يكون الأعلى صالحاً للمشي عليه منفرداً، فإن لم يكن صالحاً لم يصح المسح عليه إلا بوصول الماء إلى الأسفل.
الثالث- أن يلبس الأعلى على الطهارة التي لبس عليها الأسفل.
وأجاز الحنابلة المسح على الخف الأعلى قبل أن يحدث، ولو كان أحدهما مخروقاً، لا إن كانا مخروقين.
4- أن يكون لبس الخف مباحاً: هذا شرط عند المالكية والحنابلة، فلا يصح المسح على خف مغصوب، ولا على محرم الاستعمال كالحرير، وأضاف الحنابلة: ولو في ضرورة، كمن هو في بلد ثلج، وخاف سقوط أصابعه بخلع الخف المغصوب أو الحرير، فلا يستبيح المسح عليه، لأنه منهي عنه في الأصل، وهذه ضرورة نادرة، فلا حكم لها. ولا يجوز عند الحنابلة للمحرم المسح على الخفين ولو لحاجة. وعند الشافعية: لا يشترط هذا الشرط، فيكفي المسح على المغصوب، والديباج الصفيق، والمتخذ من فضة أو ذهب، للرجل وغيره، كالتيمم بتراب مغصوب. ويستثنى من ذلك المحرم بنسك اللابس للخف، لأن المحرم منهي عن اللبس من حيث هو لبس، أما النهي عن لبس المغصوب ونحوه فلأنه متعدٍ في استعمال مال الغير.
5- ألا يصف الخف القدم لصفائه أو لخفته: هذا شرط عند الحنابلة، فلا يصح المسح على الزجاج الرقيق، لأنه غير ساتر لمحل الفرض، ولا على ما يصف البشرة لخفته.
والمطلوب عند المالكية أن يكون الخف من جلد كما بيّنا، وعند الحنفية والشافعية: أن يكون مانعاً من نفوذ الماء إلى الرِجْل من غير محل الخرز، لو صب عليه، لعدم صفاقته، وبناء عليه يصح المسح على خف مصنوع من "نايلون" سميك، ونحوه من كل شفاف، لأن القصد هو منع نفوذ الماء.
6- أن يبقى من مقدم القدم قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد: اشترط الحنفية هذا الشرط في حالة قطع شيء من الرجل، ليوجد المقدار المفروض من محل المسح. فإذا قطعت رجل من فوق الكعب سقط غسلها ولا حاجة للمسح على خفها، ويمسح خف القدم الأخرى الباقية. وإن بقي من دون الكعب أقل من ثلاث أصابع، لا يمسح لافتراض غسل الجزء الباقي. وعليه فمن كان فاقداً مقدم قدمه لا يمسح على خفه ولو كان عقب القدم موجوداً، لأنه ليس محلاً لفرض المسح، ويفترض غسله.
ويصح عند الفقهاء الآخرين المسح على خف أي جزء باق من القدم مفروض غسله، فإذا لم يبق من محل الغسل شيء من الرجل، وصار برجل واحدة، مسح على خف الرجل الأخرى. ولا يجوز بحال أن يمسح على رجل أو ما بقي منها، ويغسل الأخرى، لئلا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد.
مدة المسح على الخفين:
للفقهاء رأيان في توقيت مدة المسح، المالكية لم يؤقتوا، والجمهور أقتوا مدة.
أما المالكية فقالوا: يجوز المسح على الخف من غير توقيت بزمان، ما لم يخلعه، أو تصبه جنابة، فيجب حينئذ خلعه للاغتسال، وإن خلعه انتقض المسح، ووجب غسل الرجل، وإن وجب الاغتسال لم يمسح، لأن المسح إنما هو في الوضوء. وبالرغم من عدم وجوب نزع الخف في مدة معينة، فإنهم قالوا: يندب نزع الخف كل أسبوع مرة في مثل اليوم الذي لبسه فيه.
واستدلوا بما يأتي:
أما الجمهور فقالوا: مدة المسح للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، ويرى الحنفية أن المسافر العاصي بسفره كغيره من المسافرين، وأما الشافعية والحنابلة فيجعلون مدة المسح له كالمقيم.
بدء المدة: وتبدأ عند الجمهور مدة المسح المقررة من تمام الحدث بعد لبس الخف إلى مثله من اليوم الثاني للمقيم، ومن اليوم الرابع للمسافر.
وعلى هذا: من توضأ عند طلوع الفجر، ولبس الخف، ثم أحدث بعد طلوع الشمس، ثم توضأ ومسح بعد الزوال، فيمسح المقيم إلى وقت الحدث من اليوم الثاني: وهو ما بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني، ويمسح المسافر إلى ما بعد طلوع شمس اليوم الرابع.
وإذا مسح خفيه مقيماً حالة الحضر، ثم سافر، أو عكس بأن مسح مسافراً ثم أقام، أتم الشافعية والحنابلة مسح مقيم، تغليباً للحضر، لأنه الأصل، فيقتصر في الحالتين على يوم وليلة. وعند الحنفية: من ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليلة، مسح ثلاثة أيام ولياليها، لأنه صار مسافراً، والمسافر يمسح مدة ثلاثة أيام، ولو أقام مسافر إن استكمل مدة الإقامة، نزع الخف، لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه، وإن لم يستكمل أتمها لأن هذه مدة الإقامة، وهو مقيم.
وإن شك، هل ابتدأ المسح في السفر أو الحضر، بنى عند الحنابلة على المتيقن وهو مسح حاضر (مقيم)، لأنه لا يجوز المسح مع الشك في إباحته.
وقال الشافعية: ولا مسح لشاكّ في بقاء المدة، انقضت أو لا، أو شك المسافر هل ابتدأ في السفر أو في الحضر، لأن المسح رخصة بشروط، منها المدة، فإذا شك فيها رجع إلى الأصل وهو الغسل.
مبطلات (أو نواقض) المسح على الخفين:
يبطل المسح على الخف بالحالات الآتية:
1- نواقض الوضوء: ينتقض المسح على الخف بكل ناقض للوضوء، لأنه بعض الوضوء، ولأنه بدل فينقضه ناقض الأصل. وحينئذ يتوضأ، ويمسح، إذا كانت مدة المسح باقية. فإن انتهت المدة يعاد الوضوء وغسل الرجلين.
2- الجنابة ونحوها: إن أجنب لابس الخف، أو حدث منه موجب غسل كحيض في أثناء المدة، بطل المسح، ووجب غسل الرجلين. فإن أراد المسح على الخف بعد الغسل، جدد لبسه، لحديث صفوان بن عسال السابق: "كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سَفْراً (أي مسافرين)، ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن، إلا من جنابة" وقيس بالجنابة غيرها، مما هو في معناها، كالحيض والنفاس والولادة.
3- نزع أحد الخفين أو كليهما، ولو كان النزع بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف، ينتقض بذلك، لمفارقة محل المسح مكانه، وللأكثر حكم الكل.
وفي هذه الحالة: يغسل عند الجمهور غير الحنابلة قدميه، لبطلان طهرهما، لأن الأصل غسلهما، والمسح بدل، فإذا زال حكم البدل، رجع إلى الأصل، كالتيمم بعد وجود الماء.
ولا يكتفى بغسل الرجل المنزوع خفها، وإنما لا بد من غسل الرجلين، إذ لا يجوز الجمع بين غسل ومسح.
وفي حالة نزع الخف الأعلى (الجرموق) قال المالكية : تجب المبادرة لمسح الأسفلين، كما هو المقرر في الموالاة، وكما بينا سابقاً.
4- ظهور بعض الرجل بتخرق أو غيره كانحلال العرا ونحو ذلك: ينتقض الوضوء بذلك عند الشافعية والحنابلة، وبظهور قدر ثلاث أصابع من أصابع الرجل عند الحنفية، أو بقدر ثلث القدم عند المالكية، سواء أكان منفتحاً أم ملتصقاً بعضه ببعض، كالشق وفتق الخياطة مع التصاق الجلد بعضه ببعض، أم أقل من الثلث أيضاً إن انفتح بأن ظهرت الرجل منه، لا إن التصق. فإن كان المنفتح يسيراً جداً، بحيث لا يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من الرجل، فلا يضر.
5- إصابة الماء أكثر إحدى القدمين في الخف، هذا ناقض للمسح على الصحيح عند الحنفية، كما لو ابتل جميع القدم، فيجب قلع الخف وغسل الرجلين، تحرزاً عن الجمع بين الغسل والمسح، فلا يغسل قدماً ويمسح على الأخرى إذ هو لا يجوز.
6- مضي المدة: وهي اليوم والليلة للمقيم، والثلاثة الأيام بلياليها للمسافر.
والواجب في هذه الحالة والأحوال الثلاثة السابقة عند الحنفية، والمالكية، والشافعية : غسل الرجلين فقط، دون تجديد الوضوء كله، إذا ظل متوضئاً.
واستثنى الحنفية هنا حالة الضرورة: وهي الخوف من ذهاب رجله من البرد، فلا يقلع الخفين، وإنما يجوز له المسح حتى يأمن، أي بدون توقيت ويلزمه استيعاب المسح جميع الخف، لمسح الجبائر.
والواجب بعد مضي المدة أو خلع الخف عند الحنابلة: هو استئناف الطهارة (تجديد الوضوء كله).
والخلاصة: أن نواقض المسح عند الحنفية أربعة أشياء.
كل ناقض للوضوء، ونزع الخف ولو بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف، وإصابة الماء أكثر إحدى القدمين في الخف، ومضي المدة إن لم يخف ذهاب رجله من البرد، فيجوز له المسح حينئذ حتى يأمن الضرر.
المسح على العمامة:
قال الحنفية: لا يصح المسح على عِمامة وقَلنسُوة، وبُرْقع وقُفَّازين، لأن المسح ثبت بخلاف القياس، فلا يلحق به غيره.
وقال الحنابلة: من توضأ من الذكور ثم لبس عمامة، ثم أحدث وتوضأ، جاز له المسح على العمامة أي عمامة الذكور، لقول عمرو بن أمية الضَّمْري: " رأيت رسول الله ﷺ يمسح على عمامته وخفيه" رواه البخاري وابن ماجه وأحمد، وقال المغيرة بن شعبة: "توضأ رسول الله ﷺ ومسح على الخفين، والعمامة" رواه مسلم والترمذي، وعن بلال قال: "مسح رسول الله ﷺ على الخفين والخمار". رواه مسلم.
والواجب مسح أكثر العمامة، لأنها بدل كالخف، وتمسح دوائرها دون وسطها لأنه يشبه أسفل الخف، ولا يجب أن يمسح معها ما جرت العادة بكشفه، لأن العمامة نابتْ عن الرأس، فانتقل الفرض إليها، وتعلق الحكم بها، ولا يجوز المسح على القلنسوة.
ويصح المسح على العمامة بشروط:
1- إذا كانت مباحة بألا تكون محرمة كمغصوبة أو كانت مصنوعة حرير.
2- أن تكون محنَّكة: وهي التي يدار منها تحت الحنك كَوْر، أو كَوران، سواء أكان لها ذؤابة أم لا، لأنها عمامة العرب، ويشق نزعها، وهي أكثر ستراً.
أو تكون ذات ذؤابة: وهي طرف العمامة المرخي، لأن إرخاء الذؤابة من السنة، قال ابن عمر: "عمَّ النبي ﷺ عبد الرحمن بعمامة سوداء، وأرخاها من خلفه، قدر أربع أصابع". فلا يجوز المسح على العمامة الصماء، لأنها لم تكن عمامة المسلمين، ولا يشق نزعها، فهي كالطاقية.
3- أن تكون لذكر، لا أنثى، لأنها منهية عن التشبه بالرجال، فلا تمسح أنثى على عمامة، ولو لبستها لضرورة برد وغيره.
4- أن تكون ساترة لما لم تجْرِ العدة بكشفه، كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس.
وقال المالكية: يجوز المسح على عمامة خيف بنزعها ضرر، ولم يقدر على مسح ما تحتها مما هي ملفوفة عليه كالقلنسوة. فإن قدر على مسح بعض الرأس، أتى به وكمل على العمامة.
وقال الشافعية: لا يجوز الاقتصار على مسح العمامة، لحديث أنس السابق: "رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ، وعليه عمامة قِطْرية (من صنع قَطَر)، فأدخل يده تحت العمامة، فمسح مقدَّم رأسه، ولم ينقض العمامة". رواه أبو داود.
المسح على الجوارب:
اتفق الفقهاء على جواز المسح على الجوربين إذا كانا مجلدين أو منعلين، واختلفوا في الجوربين العاديين على اتجاهين:
اتجاه يمثله جماعة: وهم المالكية والشافعية: لا يجوز، واتجاه آخر يمثله الحنابلة، والحنفية: بأنه يجوز.
وأجاز الشافعية المسح على الجورب بشرطين:
أحدهما- أن يكون صفيقاً لا يشف بحيث يمكن متابعة المشي عليه.
والثاني- أن يكون منعلاً.
فإن اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه، لأنه لا يمكن متابعة المشي عليه حينئذ كالخرقة.
وأباح الحنابلة المسح على الجورب بالشرطين المذكورين في الخف وهما:
الأول- أن يكون صفيقاً لا يبدو منه شيء من القدم.
الثاني- أن يمكن متابعة المشي فيه، وأن يثبت بنفسه.
وقد ثبت في السنة النبوية المسح على الجوربين منها:
حديث المغيرة: "أن رسول الله ﷺ توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين". رواه الترمذي.
وحديث بلال: "رأيت رسول الله ﷺ يمسح على المُوقَين والخمار". رواه الترمذي وأحمد.
ويمسح على الجوربين إلى خلعهما مدة يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، ويجب عند الحنابلة أن يمسح على الجوربين، وعلى سيور النعلين، قدر الواجب.
المسح على الجبائر:
معنى الجبيرة، مشروعية المسح عليها، حكمه، شرائط جواز المسح على الجبيرة، القدر المطلوب مسحه، هل يجمع بين المسح والتيمم؟ هل تجب إعادة الصلاة بعده؟ نواقض المسح على الجبيرة، الفوارق بينه وبين المسح على الخفين.
معنى الجبيرة: الجبيرة والجِبارة: خشب أو قصب يسوّى ويشد على موضع الكسر أو الخلع لينجبر. وفي معناها: جبر الكسور بالجِبْس، وفي حكمها: عصابة الجراحة ولو بالرأس، وموضع الفصد والكي، وخرقة القرحة، ونحو ذلك من مواضع العمليات الجراحية.
مشروعية المسح على الجبيرة: المسح على الجبائر جائز شرعاً بالسنة والمعقول.
أما السنة: فأحاديث منها: حديث علي بن أبي طالب، قال: "انكسرت إحدى زندي، فسألت النبي ﷺ، فأمرني أن أمسح على الجبائر". رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي.
ومنها حديث جابر في الرجل الذي شُجَّ (كسر) فاغتسل، فمات، فقال النبي ﷺ: "إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويَعْصِب على جُرْحه خِرْقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده". رواه أبو داود.
وأما المعقول: فهو أن الحاجة تدعو إلى المسح على الجبائر، لأن في نزعها حرجاً وضرراً.
حكمه- هل المسح على الجبيرة واجب أم سنة؟
قال أبو حنيفة: المسح على الجبائر واجب، وليس بفرض، وإذا كان المسح على الجبيرة يضره سقط عنه المسح، لأن الغسل يسقط بالعذر، فالمسح أولى.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): المسح على الجبائر بماء واجب أي فرض استعمالاً للماء ما أمكن.
ولا يجوز اتفاقاً المسح على جبيرة رِجْل مع مسح خف الأخرى الصحيحة، وإنما يجمع بين المسح والغسل.
شرائط المسح على الجبيرة: يشترط لجوازه ما يأتي:
1- ألا يمكن نزع الجبيرة، أو يخاف من نزعها بسبب الغسل حدوث مرض، أو زيادته، أو تأخر البرء كما في التيمم. قال المالكية: يجب المسح إن خيف هلاك أو شدة ضرر أو أذى، كتعطيل منفعة من ذهاب سمع أو بصر مثلاً، ويجوز إن خيف شدة الألم أو تأخره بلا شين، أو رمد أو دمل أو نحوها.
وذلك إذا كان الجرح ونحوه في أعضاء الوضوء في حالة الحدث الأصغر، أو في الجسد في حالة الحدث الأكبر.
2- ألا يمكن غسل أو مسح نفس الموضع بسبب الضرر، فإن قدر عليه فلا مسح على الجبيرة، وإنما يمسح على عين الجراحة إن لم يضر المسح بها، ولا يجزئه المسح على الجبيرة، وإن لم يستطع مسح على الجبيرة. قال المالكية: والأرمد الذي لا يستطيع المسح على عينه أو جبهته إن خاف الضرر، يضع خرقة على العين أو الجبهة ويمسح عليها.
وقال الحنفية: يترك المسح كالغسل إن ضر، وإلا لا يترك.
وقال الشافعية: لا يمسح على محل المرض بالماء، وإنما يغسل الجزء الصحيح ويتيمم عن الجزء العليل، ويمسح على الجبيرة إن وجدت.
3- ألا تتجاوز الجبيرة محل الحاجة، فإن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة: وهو ما لا بد منه للاستمساك، وجب نزعها، ليغسل الجزء الصحيح من غير ضرر لأنها طهارة ضرورة، فتقدر بقدرها، فإن خاف من نزعها تلفاً أو ضرراً، تيمم لزائد على قدر الحاجة، ومسح ما حاذى محل الحاجة، وغسل ما سوى ذلك، فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم، ولا يجب مسح موضع العلة بالماء، وإن لم يخف منه، لأن الواجب إنما هو الغسل، لكن يستحب المسح، ولا يجب عليه وضع ساتر على العليل ليمسح على الساتر، لأن المسح رخصة، فلا يليق بها وجوب المسح.
وهذا شرط ذكره الشافعية والحنابلة. وأوجب الشافعية أيضاً التيمم مطلقاً كما سيأتي.
وقال الحنفية: إن كان حل الخرقة، وغسل ما تحتها من حوالى الجراحة، مما يضر بالجرح، يجوز المسح على الخرقة الزائدة، ويقوم المسح عليها مقام غسل ما تحتها، كالمسح على الخرقة التي تلاصق الجراحة. وإن كان ذلك لا يضر بها، لا يجوز المسح إلا على نفس الجراحة، ولا يجوز على الجبيرة، لأن الجواز على الجبيرة للعذر، ولا عذر. وهذا هو المقرر أيضاً عند المالكية، وبه يتبين أن الحنفية والمالكية لم يفرقوا بين ما إذا كانت الجبيرة قدر المحل المألوم أو زادت عنه للضرورة.
4ً- أن توضع الجبيرة على طهارة مائية: وإلا وجبت إعادة الصلاة: هذا شرط عند الشافعية والحنابلة، لأن المسح على الجبيرة أولى من المسح على الخف، للضرورة فيها، ويشترط لبس الخف على طهارة (وضوء أو غسل). ولا تعاد الصلاة إن كانت الجبيرة بقدر الاستمساك، ووضعت على طهر، وغسل الصحيح، وتيمم عن الجريح، ومسح على الجبيرة. ولو شد الجبيرة على غير طهارة، نزعها إن لم يتضرر، ليغسل ما تحتها، فإن خاف من نزعها تلفاً أو ضرراً، تيمم لغسل ما تحتها، ولو عمت الجبيرة فرض التيمم (الوجه واليدين) كفى مسحها بالماء عند الحنابلة، وسقط التيمم، ويعيد الصلاة عند الشافعية لأنه كفاقد الطهورين.
ولم يشترط الحنفية والمالكية: وضع الجبيرة على طهارة، فسواء وضعها وهو متطهر أو بلا طهر، جاز المسح عليها ولا يعيد الصلاة إذا صح، دفعاً للحرج. وهذا هو المعقول، لأنه يغلب في وضعها عنصر المفاجأة، فاشتراط الطهارة وقتئذ فيه حرج وعسر.
5- ألا يكون الجبر بمغصوب، ولا بحرير محرم على الذكر، ولا بنجس كجلد الميتة والخرقة النجسة، فيكون المسح حينئذ باطلاً، وتبطل الصلاة أيضاً. وهذا شرط عند الحنابلة.
القدر المطلوب مسحه على الجبيرة:
المفتى به عند الحنفية: أنه يكفي مسح أكثر الجبيرة مرة، فلا يشترط استيعاب وتكرار ونية اتفاقاً، كما لا تطلب النية في مسح الخف والرأس أو العمامة.
والواجب عند الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): مسح الجبيرة كلها بالماء، استعمالاً للماء ما أمكن، ولأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، وما تحت الجبيرة كان يجب استيعابه بالغسل، فكذا المسح، ولا ضرر في تعميمها بالمسح، بخلاف الخف يشق تعميم جميعه، ويتلفه المسح.
وأوضح المالكية والحنفية أن الواجب الأصلي هو غسل أو مسح المحل المجروح مباشرة إن أمكن بلا ضرر، فإن لم يستطع المسح عليه، مسح جبيرة الجرح: وهي اللزقة التي فيها الدواء الذي يوضع على الجرح ونحوه، أو على العين الرمداء، فإن لم يقدر على مسح الجبيرة أو تعذر حلها، مسحت عصابته التي تربط فوق الجبيرة، ولو تعددت العصائب، فإنه يمسح عليها. ولا يجزيه المسح على ما فوق العصائب إن أمكنه المسح على ما تحتها أو مسح أسفلها.
ولا يقدر المسح بمدة، بل له الاستدامة إلى الشفاء (الاندمال)، لأنه لم يرد فيه تأقيت، ولأن الساتر لا ينزع للجنابة، بخلاف الخف، ولأن مسحها للضرورة، فيقدر بقدرها، والضرورة قائمة إلى حلِّها أو برء الجرح عند الجمهور، وإلى البرء عند الحنفية.
ويمسح الجنب ونحوه متى شاء. ويمسح المحدث عند الشافعية والحنابلة وقت غسل الجزء العليل، عملاً بمبدأ الترتيب المطلوب عندهم، وله تقديم التيمم على المسح والغسل وهو أولى.
ويجب مسح الساتر، ولو كان به دم، لأنه يعفى عن ماء الطهارة، ومسحه بدل عما أخذه من الجزء الصحيح. فلو لم يأخذ الساتر شيئاً، أو أخذ شيئاً وغسله، لم يجب مسحه على المعتمد عند الشافعية.
وذكر الشافعية: أنه لو برأ وهو على طهارة، بطل تيممه لزوال علته، ووجب غسل موضع العذر، جنباً كان أو محدثاً.
هل يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم؟
يرى الحنفية والمالكية: الاكتفاء بالمسح على الجبيرة، فهو بدل لغسل ما تحتها، ولا يضم إليه التيمم، إذ لا يجمع بين طهارتين.
ويرى الشافعية: أنه يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم، فيغسل الجزء الصحيح، ويمسح على الجبيرة، ويتيمم وجوباً، لما روى أبو داود والدارقطني بإسناد كل رجاله ثقات عن جابر في المشجوج الذي احتلم واغتسل، فدخل الماء شجته، فمات: أن النبي ﷺ قال: "إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على رأسه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده".
ولو كان في بدنه جبائر كثيرة وأجنب وأراد الغسل، كفاه تيمم واحد عن الجميع، لأن بدنه كعضو واحد. وفي حالة الحدث الأصغر (الوضوء) يتعدد التيمم بعدد الأعضاء المريضة على الأصح، كما يتعدد مسح الجبيرة بتعددها. وعليه : إن كانت الجراحة في أعضاء الوضوء الأربعة ولم تعمها فلا بد من ثلاثة تيممات: الأول للوجه، والثاني لليدين، والثالث للرجلين، أما الرأس فيكفي فيه مسح ما قل منه فإن عمت الجراحة الرأس فأربعة تيممات. وإن عمت الأعضاء كلها فتيمم واحد عن الجميع لسقوط الترتيب بسقوط الغسل.
وتوسط الحنابلة فرأوا أنه يجزئ المسح على الجبيرة، من غير تيمم، إذا لم تجاوز الجبيرة قد الحاجة.
ويمسح ويتيمم إن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة، أو خيف الضرر من نزعها، ويكون التيمم للزائد على قدر الحاجة، والمسح لم يحاذ محل الحاجة، والغسل لِمَ سوى ذلك، فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم. وإذا لم يكن على الجرح عصاب، يغسل الصحيح ويتيمم للجرح.
هل تجب إعادة الصلاة بعد البرء؟
الذين لم يشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم المالكية والحنفية، ورأيهم هو الحق، لم يوجبوا إعادة الصلاة بعد الصحة من الجرح، لإجماع العلماء على جواز الصلاة، وإذا جازت الصلاة، لم تجب إعادتها.
أما الذين اشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم الشافعية والحنابلة، فقد أوجبوا إعادة الصلاة، لفوات شرط الوضع على طهارة.
وتعاد الصلاة عند الشافعية في الأحوال الثلاثة التالية:
1- إذا كانت الجبيرة في أعضاء التيمم (الوجه واليدين) مطلقاً، سواء على طهر أو حدث.
2- إذا وضعت الجبيرة على غير طهر (حدث) سواء في أعضاء التيمم أو في غيرها.
3- إذا زادت الجبيرة على قدر الحاجة أو الاستمساك مطلقاً، سواء على طهر أو حدث.
ولا تعاد الصلاة عندهم في حالتين وهما:
1- إذا كانت في غير أعضاء التيمم، ولم تأخذ من الصحيح شيئاً، ولو على حدث.
2- إذا كانت في غير أعضاء التيمم، ووضعها على طهر، ولو زادت على قدر الحاجة.
نواقض المسح على الجبيرة:
يبطل المسح على الجبيرة في حالتين هما:
1- نزعها وسقوطها: قال الحنفية: يبطل المسح على الجبيرة إن سقطت عن برء، لزوال العذر، وإن كان في الصلاة، استأنف الصلاة بعد الوضوء الكامل، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل.
وإن سقطت عن غير برء لم يبطل المسح، لأن العذر قائم، والمسح عليها كالغَسْل لِما تحتها ما دام العذر قائماً: أي أن بطلان المسح على الجبيرة في الحقيقة يكون بالبرء ويجوز تبديلها بغيرها ولا يجب إعادة المسح عليها، والأفضل إعادته.
وإذا رمد، وأَمَره طبيب مسلم حاذق ألا يغسل عينه، أو انكسر ظفره، أو حصل به داء، وجعل عليه دواء، جاز له المسح للضرورة، وإن ضره المسح تركه، لأن الضرورة تقدر بقدرها.
وقال المالكية: يبطل المسح بنزع الجبيرة أو سقوطها للمداواة أو غيرها، فإذا صح غسل الموضع على الفور، وإن لم يصح وبدَّلها للمداواة، أعاد المسح، وإن سقطت الجبيرة وهو في الصلاة، بطلت الصلاة، وأعاد الجبيرة في محلها، وأعاد المسح عليها، إن لم يطل الفاصل، ثم ابتدأ صلاته، لأن طهارة الموضع قد انتقضت بظهوره.
ويمسح المتوضئ رأسه إن سقط الساتر، الذي كان قد مسح عليه من الجبيرة أو العصابة أو العمامة، ثم صلى إن طال فاصل سقوط الساتر نسياناً، وإلا ابتدأ طهارة جديدة أي أعاد الوضوء.
وقال الشافعية: لو سقطت جبيرته في الصلاة، بطلت صلاته، سواء أكان قد برئ، أم لا، كانقلاع الخف. وفي حالة البرء تبطل الطهارة أيضاً، فإن لم يبرأ رد الجبيرة إلى موضعها ومسح عليها فقط.
وقال الحنابلة: زوال الجبيرة كالبرء، ولو قبل برء الكسر أو الجرح وبرؤها كخلع الخف، يبطل المسح والطهارة والصلاة كلها، وتستأنف من جديد، لأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، إلا أنه في الطهارة الكبرى من الجنابة يكفي بزوال الجبيرة غسل ما تحتها فقط. وفي الطهارة الصغرى (الوضوء) إن كان سقوطها عن برء توضأ فقط، وإن كان سقوطها عن غير برء، أعاد الوضوء والتيمم.
وهكذا يتبين أن الجمهور غير الحنفية يقررون بطلان المسح على الجبيرة بنزعها أو سقوطها.
2- الحدث: يبطل المسح على الجبيرة بالاتفاق بالحدث. لكن إذا أحدث صاحب الجبيرة يعيد عند الشافعية ثلاثة أمور: يغسل الصحيح، ويمسح على الجبيرة، ويتيمم. فإن لم يحدث وأراد صلاة فرض آخر، تيمم فقط، ولم يعد غسلاً ولا مسحاً، لأن الواجب عندهم إعادة التيمم لكل فريضة.
أهم الفروق بين المسح على الخفين والمسح على الجبيرة:
ذكر الحنفية فروقاً بين هذين النوعين من المسح، أهمها ما يأتي:
1- المسح على الجبائر غير مؤقت بالأيام، بل هو موقت بالبرء، أما المسح على الخفين فهو بالشرع موقت بالأيام، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها.
2- لا تشترط الطهارة لوضع الجبائر، فيجوز المسح عليها للمحدث. وتشترط الطهارة للبس الخفين، فلا يجوز المسح عليهما للمحدث.
3- إذا سقطت الجبائر لا عن برء لا ينتقض المسح، وسقوط الخفين أو أحدهما يوجب انتقاض المسح.
4- المسح على الجبائر جائز إذا كان يضره المسح على الجراحة، فإن لم يضره فلا يمسح على الجبائر. أما المسح على الخفين فهو جائز ولو لم يعجز عن غسل الرجلين.
5- المسح على الجبائر جائز ولو كانت في غير الرجلين. أما المسح على الخفين فمحصور في الرجلين.
وذكر الحنابلة خمسة فروق بين نوعي المسح المذكورين، وافقوا الحنفية في الفرق الأول والثاني والرابع، أما الفرقان الآخران فهما: أنه يمسح على الجبيرة في الطهارة الكبرى، لأن الضرر يلحق بنزعها فيها، بخلاف الخف، ويجب عندهم استيعابها بالمسح لأنه لا ضرر في تعميمها، بخلاف الخف فإنه يشق تعميم جميعه ويتلفه المسح.
تعريف المسح على الخفين:
هو إصابة اليد المبتلة بالماء لخف ساتر الكعبين فأكثره من جلد ونحوه ظاهر الخفين لا باطنهما ليوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمالكية، ولم يحدد المالكية مدة المسح.
حكم المسح على الخفين:
هو رخصة، وجائز في المذاهب الإسلامية الأربعة، في الحضر والسفر للرجال والنساء.
شروط المسح على الخفين:
هناك شروط ثلاثة متفق عليها فقهاً، وشروط مختلف فيها بين الفقهاء، ومن المعلوم أنها جميعاً شروط في المسح لأجل الوضوء، أما من أجل الجنابة فلا يجوز المسح، أي فلا يجوز المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل، لحديث صفوان بن عسال المتقدم: "أمرنا النبي ﷺ أن نمسح على الخفين، إذا نحن أدخلناهما على طهر، ثلاثاً إذا سافرنا، ويوماً وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم، ولا نخلعهما إلا من جنابة".
الشروط المتفق عليها: اتفق الفقهاء على اشتراط شروط ثلاثة في المسح على الخفين لأجل الوضوء وهي ما يأتي:
1- لبسهما على طهارة كاملة: لحديث المغيرة السابق، قال: "كنت مع النبي ﷺ في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما" متفق عليه، واشترط الجمهور أن تكون تلك الطهارة بالماء، وأجاز الشافعية: أن تكون الطهارة بالماء من وضوء أو غسل، أو بالتيمم لا لفقد الماء.
وقد جعل المالكية هذا الشرط مشتملاً على شروط خمسة في الماسح هي:
الأول- أن يلبس الخف على طهارة، فإن لبسه محدثاً، لم يصح المسح عليه.
الثاني- أن تكون الطهارة مائية، لا ترابية، وهذا شرط عند الجمهور غير الشافعية فإن تيمم ثم لبس الخف، لم يكن له المسح عند الجمهور، لأنه لبسه على طهارة غير كاملة، ولأنها طهارة ضرورة بطلت من أصلها، ولأن التيمم لا يرفع الحدث، فقد لبسه وهو محدث.
وقال الشافعية: إن كان التيمم لفقد الماء فلا يجوز المسح بعد وجود الماء، وإنما يلزمه إذا وجد الماء نزع الخفين والوضوء الكامل. أما إن كان التيمم لمرض ونحوه، فأحدث فله أن يمسح على الخف.
الثالث- أن تكون تلك الطهارة كاملة، بأن يلبسه بعد تمام الوضوء أو الغسل، الذي لم ينتقض فيه وضوءه. فإن أحدث قبل غسل الرجل، لم يجز له المسح، لأن الرِجْل حدثت في مقرها، وهو محدث، فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث.
والشرط عند الشافعية والحنابلة: أن تكون طهارة كاملة عند اللبس، أي لا بد من كمال الطهارة جميعها وأما عند الحنفية: فالطهارة عند الحدث بعد اللبس أي لا يشترط كمال الطهارة، وإنما المطلوب إكمال الطهارة. ويظهر أثر الخلاف فيما لو غسل المحدث رجليه أولاً، ولبس خفيه، ثم أتم الوضوء قبل أن يحدث، ثم أحدث، جاز له أن يمسح على الخفين عند الحنفية، لوجود الشرط: وهو (لبس الخفين على طهارة كاملة وقت الحدث بعد اللبس). وعند الشافعية والحنابلة: لا يجوز لعدم الطهارة الكاملة وقت اللبس، لأن الترتيب شرط عندهم، فكأن غسل الرجلين مقدماً على الأعضاء الأُخرى، كأن لم يكن.
الرابع- ألا يكون الماسح مترفهاً بلبسه، كمن لبسه لخوف على حناء برجليه، أو لمجرد النوم به، أو لكونه حاكماً، أو لقصد مجرد المسح، أو لخوف برغوث مثلاً، فلا يجوز له المسح. لكن لو لبسه لحر أو برد أو وعر، أو خوف عقرب، ونحو ذلك، فيجوز له المسح.
الخامس- ألا يكون عاصياً بلبسه، كمُحرم بحج أو عمرة، لم يضطر للبسه، فلا يجوز له المسح. أما المضطر للبسه، والمرأة، فيجوز لها المسح. والمعتمد عند المالكية والحنابلة والشافعية: أنه يجوز المسح للعاصي بالسفر كالعاق والديه وقاطع الطريق. والضابط عند المالكية: أن كل رخصة جازت في الحضر، كمسح خف وتيمم وأكل ميتة، تفعل في السفر، وكل رخصة تختص بالسفر كقصر الصلاة وفطر رمضان تجوز في السفر لغير العاصي بسفره، أما هو فلا يجوز له ذلك.
2- أن يكون الخف طاهراً، ساتراً المحل المفروض غسله في الوضوء: وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب، لا من الأعلى، فلا يجوز المسح على خف غير ساتر الكعبين مع القدم، كما لا يجوز المسح على خف نجس، كجلد الميتة قبل الدباغ عند الحنفية والشافعية، وكذلك بعد الدباغ عند المالكية والحنابلة، لأن الدباغ عندهم غير مطهر، والنجس منهي عنه.
3- إمكان متابعة المشي فيه بحسب المعتاد: وتقدير ذلك محل خلاف، فقال الحنفية: أن يكون الخف مما يمكن متابعة المشي المعتاد فيه فرسخاً فأكثر، فلا يجوز المسح على خف متخذ من زجاج أو خشب أو حديد، أو خف رقيق يتخرق بالمشي. واشترطوا في الخفين: استمساكهما على الرجلين من غير شد.
والمعتبر عند المالكية: أن يمكن تتابع المشي فيه عادة، فلا يجوز المسح على خف واسع لا تستقر القدم أو أكثرها فيه، وإنما ينسلت من الرجل عند المشي فيه.
والمقرر عند الأكثرين من الشافعية: أن يمكن التردد فيه لقضاء الحاجات، للمقيم سفر يوم وليلة، وللمسافر: سفر ثلاثة أيام ولياليهن، وهو سفر القصر، لأنه بعد انقضاء المدة يجب نزعه.
وانفرد الحنابلة برأي خاص هنا، فقالوا: إمكان المشي فيه عرفاً، ولو لم يكن معتاداً، فجاز المسح على الخف من جلد ولبود وخشب، وزجاج وحديد ونحوها، لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه، فأشبه الجلود، وذلك بشرط ألا يكون واسعاً يرى منه محل الفرض، أي كما قال الحنفية والمالكية.
الشروط المختلف فيها بين الفقهاء:
هناك شروط أخرى مقررة في المذاهب مختلف فيها وهي:
1- أن يكون الخف صحيحاً سليماً من الخروق: هذا شرط مفرع على الشرط الثالث السابق، مشروط عند الفقهاء، لكنهم اختلفوا في مقدار الخرق اليسير المتسامح فيه.
فالشافعية والحنابلة: لم يجيزوا المسح على خف فيه خرق، ولو كان يسيراً، لأنه غير ساتر للقدم، ولو كان الخرق من موضع الخرز، لأن ما انكشف حكمه حكم الغسل، وما استتر حكمه المسح، والجمع بينهما لا يجوز، فغلب حكم الغسل، أي أن حكم ما ظهر الغسل، وما استتر المسح، فإذا اجتمعا غلب حكم الغسل، كما لو انكشفت إحدى قدميه.
والمالكية والحنفية: أجازوا استحساناً ورفعاً للحرج المسح على خف فيه خرق يسير، لأن الخفاف لا تخلو عن خرق في العادة، فيمسح عليه دفعاً للحرج. أما الخرق الكبير فيمنع صحة المسح، وهو عند المالكية: ما لا يمكن به متابعة المشي، وهو الخرق الذي يكون بمقدار ثلث القدم، سواء أكان منفتحاً أم ملتصقاً بعضه ببعض، كالشق وفتق خياطته، مع التصاق الجلد بعضه ببعض. وإن كان الخرق دون الثلث ضر أيضاً إن انفتح، بأن ظهرت الرجل منه، لا إن التصق. ويغتفر الخرق اليسير جداً بحيث لا يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من الرجل.
والخرق الكبير عند الحنفية: هو بمقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع القدم.
2- أن يكون الخف من الجلد: هذا شرط عند المالكية، فلا يصح المسح عندهم على خف متخذ من القماش، كما لا يصح عندهم المسح على الجورب: وهو ما صنع من قطن أو كتان أو صوف، إلا إذا كسي بالجلد، فإن لم يجلَّد، فلا يصح المسح عليه. وكذلك قال الشافعية : لا يجزئ المسح على منسوج لا يمنع نفوذ الماء إلى الرجل من غير محل الخرز، لو صب عليه لعدم صفاقته.
واشترط المالكية أيضاً أن يكون الخف مخروزاً، لا إن لزق بنحو رسراس قصراً للرخصة على الوارد.
وأجاز الجمهور غير المالكية: المسح على الخف المصنوع من الجلود، أو اللبود، أو الخِرَق، أو غيرها، فلم يشترطوا هذا الشرط.
واشترط الحنفية والشافعية: أن يكون الخف مانعاً من وصول الماء إلى الجسد، لأن الغالب في الخفاف أنها تمنع نفوذ الماء، فتنصرف إليها النصوص الدالة على مشروعية المسح.
المسح على الجوارب: أجاز الحنفية: المسح على الجوربين الثخينين بحيث يمشي به اللابس فرسخاً فأكثر، ويثبت الجورب على الساق بنفسه، ولا يرى ما تحته، ولا يشف (يرق حتى يرى ما وراءه).
وأجاز الحنابلة أيضاً المسح على الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه، أي بشرطين:
أحدهما- أن يكون صفيقاً لا يبدو منه شيء من القدم.
الثاني- أن يمكن متابعة المشي فيه.
ويجب أن يمسح علن الجوربين وعلى سيور النعلين قدر الواجب.
وأجاز الشافعية والحنابلة المسح على الخف المشقوق القدم كالزربول الذي له ساق إذا شد في الأصح بواسطة العرا، بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض إذا مشى عليه.
3- أن يكون الخف مفرداً: وهذا شرط عند الشافعية فلا يجوز المسح على الجرموقين (وهو ما يلبس فوق الخف).
وقال الحنفية والحنابلة والمالكية: يجزئ المسح على الجرموق فوق الخف، لقول بلال: "رأيت النبي ﷺ يمسح على الجُرموق" رواه أبو داود وأحمد.
ولكن اشترط الحنفية لصحة المسح على الجرموق شروطاً ثلاثة هي:
الأول- أن يكون الأعلى جلداً، فإن كان غير جلد يصح المسح على الأعلى إن وصل الماء إلى الأسفل.
الثاني- أن يكون الأعلى صالحاً للمشي عليه منفرداً، فإن لم يكن صالحاً لم يصح المسح عليه إلا بوصول الماء إلى الأسفل.
الثالث- أن يلبس الأعلى على الطهارة التي لبس عليها الأسفل.
وأجاز الحنابلة المسح على الخف الأعلى قبل أن يحدث، ولو كان أحدهما مخروقاً، لا إن كانا مخروقين.
4- أن يكون لبس الخف مباحاً: هذا شرط عند المالكية والحنابلة، فلا يصح المسح على خف مغصوب، ولا على محرم الاستعمال كالحرير، وأضاف الحنابلة: ولو في ضرورة، كمن هو في بلد ثلج، وخاف سقوط أصابعه بخلع الخف المغصوب أو الحرير، فلا يستبيح المسح عليه، لأنه منهي عنه في الأصل، وهذه ضرورة نادرة، فلا حكم لها. ولا يجوز عند الحنابلة للمحرم المسح على الخفين ولو لحاجة. وعند الشافعية: لا يشترط هذا الشرط، فيكفي المسح على المغصوب، والديباج الصفيق، والمتخذ من فضة أو ذهب، للرجل وغيره، كالتيمم بتراب مغصوب. ويستثنى من ذلك المحرم بنسك اللابس للخف، لأن المحرم منهي عن اللبس من حيث هو لبس، أما النهي عن لبس المغصوب ونحوه فلأنه متعدٍ في استعمال مال الغير.
5- ألا يصف الخف القدم لصفائه أو لخفته: هذا شرط عند الحنابلة، فلا يصح المسح على الزجاج الرقيق، لأنه غير ساتر لمحل الفرض، ولا على ما يصف البشرة لخفته.
والمطلوب عند المالكية أن يكون الخف من جلد كما بيّنا، وعند الحنفية والشافعية: أن يكون مانعاً من نفوذ الماء إلى الرِجْل من غير محل الخرز، لو صب عليه، لعدم صفاقته، وبناء عليه يصح المسح على خف مصنوع من "نايلون" سميك، ونحوه من كل شفاف، لأن القصد هو منع نفوذ الماء.
6- أن يبقى من مقدم القدم قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد: اشترط الحنفية هذا الشرط في حالة قطع شيء من الرجل، ليوجد المقدار المفروض من محل المسح. فإذا قطعت رجل من فوق الكعب سقط غسلها ولا حاجة للمسح على خفها، ويمسح خف القدم الأخرى الباقية. وإن بقي من دون الكعب أقل من ثلاث أصابع، لا يمسح لافتراض غسل الجزء الباقي. وعليه فمن كان فاقداً مقدم قدمه لا يمسح على خفه ولو كان عقب القدم موجوداً، لأنه ليس محلاً لفرض المسح، ويفترض غسله.
ويصح عند الفقهاء الآخرين المسح على خف أي جزء باق من القدم مفروض غسله، فإذا لم يبق من محل الغسل شيء من الرجل، وصار برجل واحدة، مسح على خف الرجل الأخرى. ولا يجوز بحال أن يمسح على رجل أو ما بقي منها، ويغسل الأخرى، لئلا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد.
مدة المسح على الخفين:
للفقهاء رأيان في توقيت مدة المسح، المالكية لم يؤقتوا، والجمهور أقتوا مدة.
أما المالكية فقالوا: يجوز المسح على الخف من غير توقيت بزمان، ما لم يخلعه، أو تصبه جنابة، فيجب حينئذ خلعه للاغتسال، وإن خلعه انتقض المسح، ووجب غسل الرجل، وإن وجب الاغتسال لم يمسح، لأن المسح إنما هو في الوضوء. وبالرغم من عدم وجوب نزع الخف في مدة معينة، فإنهم قالوا: يندب نزع الخف كل أسبوع مرة في مثل اليوم الذي لبسه فيه.
واستدلوا بما يأتي:
أما الجمهور فقالوا: مدة المسح للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، ويرى الحنفية أن المسافر العاصي بسفره كغيره من المسافرين، وأما الشافعية والحنابلة فيجعلون مدة المسح له كالمقيم.
بدء المدة: وتبدأ عند الجمهور مدة المسح المقررة من تمام الحدث بعد لبس الخف إلى مثله من اليوم الثاني للمقيم، ومن اليوم الرابع للمسافر.
وعلى هذا: من توضأ عند طلوع الفجر، ولبس الخف، ثم أحدث بعد طلوع الشمس، ثم توضأ ومسح بعد الزوال، فيمسح المقيم إلى وقت الحدث من اليوم الثاني: وهو ما بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني، ويمسح المسافر إلى ما بعد طلوع شمس اليوم الرابع.
وإذا مسح خفيه مقيماً حالة الحضر، ثم سافر، أو عكس بأن مسح مسافراً ثم أقام، أتم الشافعية والحنابلة مسح مقيم، تغليباً للحضر، لأنه الأصل، فيقتصر في الحالتين على يوم وليلة. وعند الحنفية: من ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليلة، مسح ثلاثة أيام ولياليها، لأنه صار مسافراً، والمسافر يمسح مدة ثلاثة أيام، ولو أقام مسافر إن استكمل مدة الإقامة، نزع الخف، لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه، وإن لم يستكمل أتمها لأن هذه مدة الإقامة، وهو مقيم.
وإن شك، هل ابتدأ المسح في السفر أو الحضر، بنى عند الحنابلة على المتيقن وهو مسح حاضر (مقيم)، لأنه لا يجوز المسح مع الشك في إباحته.
وقال الشافعية: ولا مسح لشاكّ في بقاء المدة، انقضت أو لا، أو شك المسافر هل ابتدأ في السفر أو في الحضر، لأن المسح رخصة بشروط، منها المدة، فإذا شك فيها رجع إلى الأصل وهو الغسل.
مبطلات (أو نواقض) المسح على الخفين:
يبطل المسح على الخف بالحالات الآتية:
1- نواقض الوضوء: ينتقض المسح على الخف بكل ناقض للوضوء، لأنه بعض الوضوء، ولأنه بدل فينقضه ناقض الأصل. وحينئذ يتوضأ، ويمسح، إذا كانت مدة المسح باقية. فإن انتهت المدة يعاد الوضوء وغسل الرجلين.
2- الجنابة ونحوها: إن أجنب لابس الخف، أو حدث منه موجب غسل كحيض في أثناء المدة، بطل المسح، ووجب غسل الرجلين. فإن أراد المسح على الخف بعد الغسل، جدد لبسه، لحديث صفوان بن عسال السابق: "كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سَفْراً (أي مسافرين)، ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن، إلا من جنابة" وقيس بالجنابة غيرها، مما هو في معناها، كالحيض والنفاس والولادة.
3- نزع أحد الخفين أو كليهما، ولو كان النزع بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف، ينتقض بذلك، لمفارقة محل المسح مكانه، وللأكثر حكم الكل.
وفي هذه الحالة: يغسل عند الجمهور غير الحنابلة قدميه، لبطلان طهرهما، لأن الأصل غسلهما، والمسح بدل، فإذا زال حكم البدل، رجع إلى الأصل، كالتيمم بعد وجود الماء.
ولا يكتفى بغسل الرجل المنزوع خفها، وإنما لا بد من غسل الرجلين، إذ لا يجوز الجمع بين غسل ومسح.
وفي حالة نزع الخف الأعلى (الجرموق) قال المالكية : تجب المبادرة لمسح الأسفلين، كما هو المقرر في الموالاة، وكما بينا سابقاً.
4- ظهور بعض الرجل بتخرق أو غيره كانحلال العرا ونحو ذلك: ينتقض الوضوء بذلك عند الشافعية والحنابلة، وبظهور قدر ثلاث أصابع من أصابع الرجل عند الحنفية، أو بقدر ثلث القدم عند المالكية، سواء أكان منفتحاً أم ملتصقاً بعضه ببعض، كالشق وفتق الخياطة مع التصاق الجلد بعضه ببعض، أم أقل من الثلث أيضاً إن انفتح بأن ظهرت الرجل منه، لا إن التصق. فإن كان المنفتح يسيراً جداً، بحيث لا يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من الرجل، فلا يضر.
5- إصابة الماء أكثر إحدى القدمين في الخف، هذا ناقض للمسح على الصحيح عند الحنفية، كما لو ابتل جميع القدم، فيجب قلع الخف وغسل الرجلين، تحرزاً عن الجمع بين الغسل والمسح، فلا يغسل قدماً ويمسح على الأخرى إذ هو لا يجوز.
6- مضي المدة: وهي اليوم والليلة للمقيم، والثلاثة الأيام بلياليها للمسافر.
والواجب في هذه الحالة والأحوال الثلاثة السابقة عند الحنفية، والمالكية، والشافعية : غسل الرجلين فقط، دون تجديد الوضوء كله، إذا ظل متوضئاً.
واستثنى الحنفية هنا حالة الضرورة: وهي الخوف من ذهاب رجله من البرد، فلا يقلع الخفين، وإنما يجوز له المسح حتى يأمن، أي بدون توقيت ويلزمه استيعاب المسح جميع الخف، لمسح الجبائر.
والواجب بعد مضي المدة أو خلع الخف عند الحنابلة: هو استئناف الطهارة (تجديد الوضوء كله).
والخلاصة: أن نواقض المسح عند الحنفية أربعة أشياء.
كل ناقض للوضوء، ونزع الخف ولو بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف، وإصابة الماء أكثر إحدى القدمين في الخف، ومضي المدة إن لم يخف ذهاب رجله من البرد، فيجوز له المسح حينئذ حتى يأمن الضرر.
المسح على العمامة:
قال الحنفية: لا يصح المسح على عِمامة وقَلنسُوة، وبُرْقع وقُفَّازين، لأن المسح ثبت بخلاف القياس، فلا يلحق به غيره.
وقال الحنابلة: من توضأ من الذكور ثم لبس عمامة، ثم أحدث وتوضأ، جاز له المسح على العمامة أي عمامة الذكور، لقول عمرو بن أمية الضَّمْري: " رأيت رسول الله ﷺ يمسح على عمامته وخفيه" رواه البخاري وابن ماجه وأحمد، وقال المغيرة بن شعبة: "توضأ رسول الله ﷺ ومسح على الخفين، والعمامة" رواه مسلم والترمذي، وعن بلال قال: "مسح رسول الله ﷺ على الخفين والخمار". رواه مسلم.
والواجب مسح أكثر العمامة، لأنها بدل كالخف، وتمسح دوائرها دون وسطها لأنه يشبه أسفل الخف، ولا يجب أن يمسح معها ما جرت العادة بكشفه، لأن العمامة نابتْ عن الرأس، فانتقل الفرض إليها، وتعلق الحكم بها، ولا يجوز المسح على القلنسوة.
ويصح المسح على العمامة بشروط:
1- إذا كانت مباحة بألا تكون محرمة كمغصوبة أو كانت مصنوعة حرير.
2- أن تكون محنَّكة: وهي التي يدار منها تحت الحنك كَوْر، أو كَوران، سواء أكان لها ذؤابة أم لا، لأنها عمامة العرب، ويشق نزعها، وهي أكثر ستراً.
أو تكون ذات ذؤابة: وهي طرف العمامة المرخي، لأن إرخاء الذؤابة من السنة، قال ابن عمر: "عمَّ النبي ﷺ عبد الرحمن بعمامة سوداء، وأرخاها من خلفه، قدر أربع أصابع". فلا يجوز المسح على العمامة الصماء، لأنها لم تكن عمامة المسلمين، ولا يشق نزعها، فهي كالطاقية.
3- أن تكون لذكر، لا أنثى، لأنها منهية عن التشبه بالرجال، فلا تمسح أنثى على عمامة، ولو لبستها لضرورة برد وغيره.
4- أن تكون ساترة لما لم تجْرِ العدة بكشفه، كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس.
وقال المالكية: يجوز المسح على عمامة خيف بنزعها ضرر، ولم يقدر على مسح ما تحتها مما هي ملفوفة عليه كالقلنسوة. فإن قدر على مسح بعض الرأس، أتى به وكمل على العمامة.
وقال الشافعية: لا يجوز الاقتصار على مسح العمامة، لحديث أنس السابق: "رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ، وعليه عمامة قِطْرية (من صنع قَطَر)، فأدخل يده تحت العمامة، فمسح مقدَّم رأسه، ولم ينقض العمامة". رواه أبو داود.
المسح على الجوارب:
اتفق الفقهاء على جواز المسح على الجوربين إذا كانا مجلدين أو منعلين، واختلفوا في الجوربين العاديين على اتجاهين:
اتجاه يمثله جماعة: وهم المالكية والشافعية: لا يجوز، واتجاه آخر يمثله الحنابلة، والحنفية: بأنه يجوز.
وأجاز الشافعية المسح على الجورب بشرطين:
أحدهما- أن يكون صفيقاً لا يشف بحيث يمكن متابعة المشي عليه.
والثاني- أن يكون منعلاً.
فإن اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه، لأنه لا يمكن متابعة المشي عليه حينئذ كالخرقة.
وأباح الحنابلة المسح على الجورب بالشرطين المذكورين في الخف وهما:
الأول- أن يكون صفيقاً لا يبدو منه شيء من القدم.
الثاني- أن يمكن متابعة المشي فيه، وأن يثبت بنفسه.
وقد ثبت في السنة النبوية المسح على الجوربين منها:
حديث المغيرة: "أن رسول الله ﷺ توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين". رواه الترمذي.
وحديث بلال: "رأيت رسول الله ﷺ يمسح على المُوقَين والخمار". رواه الترمذي وأحمد.
ويمسح على الجوربين إلى خلعهما مدة يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، ويجب عند الحنابلة أن يمسح على الجوربين، وعلى سيور النعلين، قدر الواجب.
المسح على الجبائر:
معنى الجبيرة، مشروعية المسح عليها، حكمه، شرائط جواز المسح على الجبيرة، القدر المطلوب مسحه، هل يجمع بين المسح والتيمم؟ هل تجب إعادة الصلاة بعده؟ نواقض المسح على الجبيرة، الفوارق بينه وبين المسح على الخفين.
معنى الجبيرة: الجبيرة والجِبارة: خشب أو قصب يسوّى ويشد على موضع الكسر أو الخلع لينجبر. وفي معناها: جبر الكسور بالجِبْس، وفي حكمها: عصابة الجراحة ولو بالرأس، وموضع الفصد والكي، وخرقة القرحة، ونحو ذلك من مواضع العمليات الجراحية.
مشروعية المسح على الجبيرة: المسح على الجبائر جائز شرعاً بالسنة والمعقول.
أما السنة: فأحاديث منها: حديث علي بن أبي طالب، قال: "انكسرت إحدى زندي، فسألت النبي ﷺ، فأمرني أن أمسح على الجبائر". رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي.
ومنها حديث جابر في الرجل الذي شُجَّ (كسر) فاغتسل، فمات، فقال النبي ﷺ: "إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويَعْصِب على جُرْحه خِرْقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده". رواه أبو داود.
وأما المعقول: فهو أن الحاجة تدعو إلى المسح على الجبائر، لأن في نزعها حرجاً وضرراً.
حكمه- هل المسح على الجبيرة واجب أم سنة؟
قال أبو حنيفة: المسح على الجبائر واجب، وليس بفرض، وإذا كان المسح على الجبيرة يضره سقط عنه المسح، لأن الغسل يسقط بالعذر، فالمسح أولى.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): المسح على الجبائر بماء واجب أي فرض استعمالاً للماء ما أمكن.
ولا يجوز اتفاقاً المسح على جبيرة رِجْل مع مسح خف الأخرى الصحيحة، وإنما يجمع بين المسح والغسل.
شرائط المسح على الجبيرة: يشترط لجوازه ما يأتي:
1- ألا يمكن نزع الجبيرة، أو يخاف من نزعها بسبب الغسل حدوث مرض، أو زيادته، أو تأخر البرء كما في التيمم. قال المالكية: يجب المسح إن خيف هلاك أو شدة ضرر أو أذى، كتعطيل منفعة من ذهاب سمع أو بصر مثلاً، ويجوز إن خيف شدة الألم أو تأخره بلا شين، أو رمد أو دمل أو نحوها.
وذلك إذا كان الجرح ونحوه في أعضاء الوضوء في حالة الحدث الأصغر، أو في الجسد في حالة الحدث الأكبر.
2- ألا يمكن غسل أو مسح نفس الموضع بسبب الضرر، فإن قدر عليه فلا مسح على الجبيرة، وإنما يمسح على عين الجراحة إن لم يضر المسح بها، ولا يجزئه المسح على الجبيرة، وإن لم يستطع مسح على الجبيرة. قال المالكية: والأرمد الذي لا يستطيع المسح على عينه أو جبهته إن خاف الضرر، يضع خرقة على العين أو الجبهة ويمسح عليها.
وقال الحنفية: يترك المسح كالغسل إن ضر، وإلا لا يترك.
وقال الشافعية: لا يمسح على محل المرض بالماء، وإنما يغسل الجزء الصحيح ويتيمم عن الجزء العليل، ويمسح على الجبيرة إن وجدت.
3- ألا تتجاوز الجبيرة محل الحاجة، فإن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة: وهو ما لا بد منه للاستمساك، وجب نزعها، ليغسل الجزء الصحيح من غير ضرر لأنها طهارة ضرورة، فتقدر بقدرها، فإن خاف من نزعها تلفاً أو ضرراً، تيمم لزائد على قدر الحاجة، ومسح ما حاذى محل الحاجة، وغسل ما سوى ذلك، فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم، ولا يجب مسح موضع العلة بالماء، وإن لم يخف منه، لأن الواجب إنما هو الغسل، لكن يستحب المسح، ولا يجب عليه وضع ساتر على العليل ليمسح على الساتر، لأن المسح رخصة، فلا يليق بها وجوب المسح.
وهذا شرط ذكره الشافعية والحنابلة. وأوجب الشافعية أيضاً التيمم مطلقاً كما سيأتي.
وقال الحنفية: إن كان حل الخرقة، وغسل ما تحتها من حوالى الجراحة، مما يضر بالجرح، يجوز المسح على الخرقة الزائدة، ويقوم المسح عليها مقام غسل ما تحتها، كالمسح على الخرقة التي تلاصق الجراحة. وإن كان ذلك لا يضر بها، لا يجوز المسح إلا على نفس الجراحة، ولا يجوز على الجبيرة، لأن الجواز على الجبيرة للعذر، ولا عذر. وهذا هو المقرر أيضاً عند المالكية، وبه يتبين أن الحنفية والمالكية لم يفرقوا بين ما إذا كانت الجبيرة قدر المحل المألوم أو زادت عنه للضرورة.
4ً- أن توضع الجبيرة على طهارة مائية: وإلا وجبت إعادة الصلاة: هذا شرط عند الشافعية والحنابلة، لأن المسح على الجبيرة أولى من المسح على الخف، للضرورة فيها، ويشترط لبس الخف على طهارة (وضوء أو غسل). ولا تعاد الصلاة إن كانت الجبيرة بقدر الاستمساك، ووضعت على طهر، وغسل الصحيح، وتيمم عن الجريح، ومسح على الجبيرة. ولو شد الجبيرة على غير طهارة، نزعها إن لم يتضرر، ليغسل ما تحتها، فإن خاف من نزعها تلفاً أو ضرراً، تيمم لغسل ما تحتها، ولو عمت الجبيرة فرض التيمم (الوجه واليدين) كفى مسحها بالماء عند الحنابلة، وسقط التيمم، ويعيد الصلاة عند الشافعية لأنه كفاقد الطهورين.
ولم يشترط الحنفية والمالكية: وضع الجبيرة على طهارة، فسواء وضعها وهو متطهر أو بلا طهر، جاز المسح عليها ولا يعيد الصلاة إذا صح، دفعاً للحرج. وهذا هو المعقول، لأنه يغلب في وضعها عنصر المفاجأة، فاشتراط الطهارة وقتئذ فيه حرج وعسر.
5- ألا يكون الجبر بمغصوب، ولا بحرير محرم على الذكر، ولا بنجس كجلد الميتة والخرقة النجسة، فيكون المسح حينئذ باطلاً، وتبطل الصلاة أيضاً. وهذا شرط عند الحنابلة.
القدر المطلوب مسحه على الجبيرة:
المفتى به عند الحنفية: أنه يكفي مسح أكثر الجبيرة مرة، فلا يشترط استيعاب وتكرار ونية اتفاقاً، كما لا تطلب النية في مسح الخف والرأس أو العمامة.
والواجب عند الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): مسح الجبيرة كلها بالماء، استعمالاً للماء ما أمكن، ولأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، وما تحت الجبيرة كان يجب استيعابه بالغسل، فكذا المسح، ولا ضرر في تعميمها بالمسح، بخلاف الخف يشق تعميم جميعه، ويتلفه المسح.
وأوضح المالكية والحنفية أن الواجب الأصلي هو غسل أو مسح المحل المجروح مباشرة إن أمكن بلا ضرر، فإن لم يستطع المسح عليه، مسح جبيرة الجرح: وهي اللزقة التي فيها الدواء الذي يوضع على الجرح ونحوه، أو على العين الرمداء، فإن لم يقدر على مسح الجبيرة أو تعذر حلها، مسحت عصابته التي تربط فوق الجبيرة، ولو تعددت العصائب، فإنه يمسح عليها. ولا يجزيه المسح على ما فوق العصائب إن أمكنه المسح على ما تحتها أو مسح أسفلها.
ولا يقدر المسح بمدة، بل له الاستدامة إلى الشفاء (الاندمال)، لأنه لم يرد فيه تأقيت، ولأن الساتر لا ينزع للجنابة، بخلاف الخف، ولأن مسحها للضرورة، فيقدر بقدرها، والضرورة قائمة إلى حلِّها أو برء الجرح عند الجمهور، وإلى البرء عند الحنفية.
ويمسح الجنب ونحوه متى شاء. ويمسح المحدث عند الشافعية والحنابلة وقت غسل الجزء العليل، عملاً بمبدأ الترتيب المطلوب عندهم، وله تقديم التيمم على المسح والغسل وهو أولى.
ويجب مسح الساتر، ولو كان به دم، لأنه يعفى عن ماء الطهارة، ومسحه بدل عما أخذه من الجزء الصحيح. فلو لم يأخذ الساتر شيئاً، أو أخذ شيئاً وغسله، لم يجب مسحه على المعتمد عند الشافعية.
وذكر الشافعية: أنه لو برأ وهو على طهارة، بطل تيممه لزوال علته، ووجب غسل موضع العذر، جنباً كان أو محدثاً.
هل يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم؟
يرى الحنفية والمالكية: الاكتفاء بالمسح على الجبيرة، فهو بدل لغسل ما تحتها، ولا يضم إليه التيمم، إذ لا يجمع بين طهارتين.
ويرى الشافعية: أنه يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم، فيغسل الجزء الصحيح، ويمسح على الجبيرة، ويتيمم وجوباً، لما روى أبو داود والدارقطني بإسناد كل رجاله ثقات عن جابر في المشجوج الذي احتلم واغتسل، فدخل الماء شجته، فمات: أن النبي ﷺ قال: "إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على رأسه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده".
ولو كان في بدنه جبائر كثيرة وأجنب وأراد الغسل، كفاه تيمم واحد عن الجميع، لأن بدنه كعضو واحد. وفي حالة الحدث الأصغر (الوضوء) يتعدد التيمم بعدد الأعضاء المريضة على الأصح، كما يتعدد مسح الجبيرة بتعددها. وعليه : إن كانت الجراحة في أعضاء الوضوء الأربعة ولم تعمها فلا بد من ثلاثة تيممات: الأول للوجه، والثاني لليدين، والثالث للرجلين، أما الرأس فيكفي فيه مسح ما قل منه فإن عمت الجراحة الرأس فأربعة تيممات. وإن عمت الأعضاء كلها فتيمم واحد عن الجميع لسقوط الترتيب بسقوط الغسل.
وتوسط الحنابلة فرأوا أنه يجزئ المسح على الجبيرة، من غير تيمم، إذا لم تجاوز الجبيرة قد الحاجة.
ويمسح ويتيمم إن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة، أو خيف الضرر من نزعها، ويكون التيمم للزائد على قدر الحاجة، والمسح لم يحاذ محل الحاجة، والغسل لِمَ سوى ذلك، فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم. وإذا لم يكن على الجرح عصاب، يغسل الصحيح ويتيمم للجرح.
هل تجب إعادة الصلاة بعد البرء؟
الذين لم يشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم المالكية والحنفية، ورأيهم هو الحق، لم يوجبوا إعادة الصلاة بعد الصحة من الجرح، لإجماع العلماء على جواز الصلاة، وإذا جازت الصلاة، لم تجب إعادتها.
أما الذين اشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم الشافعية والحنابلة، فقد أوجبوا إعادة الصلاة، لفوات شرط الوضع على طهارة.
وتعاد الصلاة عند الشافعية في الأحوال الثلاثة التالية:
1- إذا كانت الجبيرة في أعضاء التيمم (الوجه واليدين) مطلقاً، سواء على طهر أو حدث.
2- إذا وضعت الجبيرة على غير طهر (حدث) سواء في أعضاء التيمم أو في غيرها.
3- إذا زادت الجبيرة على قدر الحاجة أو الاستمساك مطلقاً، سواء على طهر أو حدث.
ولا تعاد الصلاة عندهم في حالتين وهما:
1- إذا كانت في غير أعضاء التيمم، ولم تأخذ من الصحيح شيئاً، ولو على حدث.
2- إذا كانت في غير أعضاء التيمم، ووضعها على طهر، ولو زادت على قدر الحاجة.
نواقض المسح على الجبيرة:
يبطل المسح على الجبيرة في حالتين هما:
1- نزعها وسقوطها: قال الحنفية: يبطل المسح على الجبيرة إن سقطت عن برء، لزوال العذر، وإن كان في الصلاة، استأنف الصلاة بعد الوضوء الكامل، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل.
وإن سقطت عن غير برء لم يبطل المسح، لأن العذر قائم، والمسح عليها كالغَسْل لِما تحتها ما دام العذر قائماً: أي أن بطلان المسح على الجبيرة في الحقيقة يكون بالبرء ويجوز تبديلها بغيرها ولا يجب إعادة المسح عليها، والأفضل إعادته.
وإذا رمد، وأَمَره طبيب مسلم حاذق ألا يغسل عينه، أو انكسر ظفره، أو حصل به داء، وجعل عليه دواء، جاز له المسح للضرورة، وإن ضره المسح تركه، لأن الضرورة تقدر بقدرها.
وقال المالكية: يبطل المسح بنزع الجبيرة أو سقوطها للمداواة أو غيرها، فإذا صح غسل الموضع على الفور، وإن لم يصح وبدَّلها للمداواة، أعاد المسح، وإن سقطت الجبيرة وهو في الصلاة، بطلت الصلاة، وأعاد الجبيرة في محلها، وأعاد المسح عليها، إن لم يطل الفاصل، ثم ابتدأ صلاته، لأن طهارة الموضع قد انتقضت بظهوره.
ويمسح المتوضئ رأسه إن سقط الساتر، الذي كان قد مسح عليه من الجبيرة أو العصابة أو العمامة، ثم صلى إن طال فاصل سقوط الساتر نسياناً، وإلا ابتدأ طهارة جديدة أي أعاد الوضوء.
وقال الشافعية: لو سقطت جبيرته في الصلاة، بطلت صلاته، سواء أكان قد برئ، أم لا، كانقلاع الخف. وفي حالة البرء تبطل الطهارة أيضاً، فإن لم يبرأ رد الجبيرة إلى موضعها ومسح عليها فقط.
وقال الحنابلة: زوال الجبيرة كالبرء، ولو قبل برء الكسر أو الجرح وبرؤها كخلع الخف، يبطل المسح والطهارة والصلاة كلها، وتستأنف من جديد، لأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، إلا أنه في الطهارة الكبرى من الجنابة يكفي بزوال الجبيرة غسل ما تحتها فقط. وفي الطهارة الصغرى (الوضوء) إن كان سقوطها عن برء توضأ فقط، وإن كان سقوطها عن غير برء، أعاد الوضوء والتيمم.
وهكذا يتبين أن الجمهور غير الحنفية يقررون بطلان المسح على الجبيرة بنزعها أو سقوطها.
2- الحدث: يبطل المسح على الجبيرة بالاتفاق بالحدث. لكن إذا أحدث صاحب الجبيرة يعيد عند الشافعية ثلاثة أمور: يغسل الصحيح، ويمسح على الجبيرة، ويتيمم. فإن لم يحدث وأراد صلاة فرض آخر، تيمم فقط، ولم يعد غسلاً ولا مسحاً، لأن الواجب عندهم إعادة التيمم لكل فريضة.
أهم الفروق بين المسح على الخفين والمسح على الجبيرة:
ذكر الحنفية فروقاً بين هذين النوعين من المسح، أهمها ما يأتي:
1- المسح على الجبائر غير مؤقت بالأيام، بل هو موقت بالبرء، أما المسح على الخفين فهو بالشرع موقت بالأيام، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها.
2- لا تشترط الطهارة لوضع الجبائر، فيجوز المسح عليها للمحدث. وتشترط الطهارة للبس الخفين، فلا يجوز المسح عليهما للمحدث.
3- إذا سقطت الجبائر لا عن برء لا ينتقض المسح، وسقوط الخفين أو أحدهما يوجب انتقاض المسح.
4- المسح على الجبائر جائز إذا كان يضره المسح على الجراحة، فإن لم يضره فلا يمسح على الجبائر. أما المسح على الخفين فهو جائز ولو لم يعجز عن غسل الرجلين.
5- المسح على الجبائر جائز ولو كانت في غير الرجلين. أما المسح على الخفين فمحصور في الرجلين.
وذكر الحنابلة خمسة فروق بين نوعي المسح المذكورين، وافقوا الحنفية في الفرق الأول والثاني والرابع، أما الفرقان الآخران فهما: أنه يمسح على الجبيرة في الطهارة الكبرى، لأن الضرر يلحق بنزعها فيها، بخلاف الخف، ويجب عندهم استيعابها بالمسح لأنه لا ضرر في تعميمها، بخلاف الخف فإنه يشق تعميم جميعه ويتلفه المسح.