صلاة الجمعة
فرضية الجمعة:
صلاة الجمعة فرض عين، يكفر جاحدها لثبوتها بالدليل القطعي، وهي فرض مستقل ليست بدلاً عن الظهر، لعدم انعقادها بنية الظهر ممن لا تجب الجمعة عليه كالمسافر والمرأة، وهي آكد من الظهر، بل هي أفضل الصلوات، ويومها أفضل الأيام، وخير يوم طلعت فيه الشمس.
قال: رسول الله ﷺ: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".
وأدلة فرضيتها القرآن: وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] أي امضوا إلى ذكر الله.
وتاركها يستحق العقاب، لقوله ﷺ لقوم يتخلفون عن الجمعة : "لقد همت أن آمرُ رجلاً يُصلّي بالناس، ثم أحّرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم" رواه أحمد ومسلم.
وأجمع المسلمون على وجوب الجمعة.
متى ساعة الإجابة يوم الجمعة؟: وفيها ساعة يستجاب الدعاء فيها، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ ذكر يوم الجمعة، فقال : فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه، وأشار - أي النبي ﷺ - بيده يقللها"، وفي تحديد وقت هذه الساعة أقوال أصحها - كما ثبت عن أبي بردة في صحيح مسلم - : أنها فيما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن يقضي الصلاة.
حكم البيع وقت النداء لصلاة الجمعة: يجب السعي لأداء الجمعة كما بينا عند الجمهور عند الأذان الثاني الذي يكون بين يدي الخطيب على المنبر.
وقال الحنفية في الأصح: يجب السعي بعد الأذان الأول، وإن لم يكن في زمن الرسول ﷺ، بل في زمن عثمان رضي الله عنه.
من تجب عليه الجمعة؟: تجب الجمعة على كل مكلف (بالغ عاقل) حر، ذكر، مقيم غير مسافر، بلا مرض ونحوه من الأعذار، سمع النداء، فلا تجب على صبي ومجنون ونحوه، وعبد، وامرأة، ومسافر، ومريض. وخائف وأعمى وإن وجد قائداً عند الحنفية، ويجب عليه إن وجد من يقوده عند المالكية والشافعية، ولو لم يجد قائداً عند الحنابلة، ومن لم يسمع النداء، على تفصيل آتٍ، ولا على معذور بمشقة مطر ووَحَل وثلج. لكن إن حضر هؤلاء وصلوا مع الناس، أجزأهم ذلك عن فرض الوقت، لأنهم تحملوا المشقة، فصاروا كالمسافر إذا صام، ولأن كل من صحت ظهره ممن لا تلزمه الجمعة صحت جمعته بالإجماع، لأنها إذا أجزأت عمن لا عذر له، فصاحب العذر أولى، وإنما سقطت عنه رفقاً به، فترك الجمعة للمعذور رخصة، فلو أدى الجمعة سقط عنه الظهر، وتقع الجمعة فرضاً، وترك الترخص يعيد الأمر إلى العزيمة، أي أنه إن تكلف حضورها وجبت عليه، وانعقدت به، ويصح أن يكون إماماً فيها.
الشروع بالسفر يوم الجمعة: ذهب الحنفية إلى أنه: لا بأس بالسفر يوم الجمعة إذا خرج عن عمران المصر قبل دخول وقت الظهر، والصحيح أنه يكره السفر بعد الزوال وقبل أن يصلي الجمعة، ولا يكره قبل الزوال.
وذهب المالكية إلى أنه: يجوز السفر يوم الجمعة قبل الزوال، ولكنه يكره لمن لا يدركها في طريقه ويحرم ويمنع بعد الزوال وقبل الصلاة اتفاقاً.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: يحرم على من تجب عليه الجمعة السفر قبل الزوال وبعده، إلا أن تمكنه الجمعة في طريقه أو يتضرر بتخلفه عن الرفقة أو كان السفر واجباً كالسفر لحج ضاق وقته وخاف فوته.
كذلك كره الشافعية السفر ليلة الجمعة.
تجب الجمعة على من اتصف سلامة الأعذار: فلا بد لمن تجب عليه الجمعة من الصحة، والأمن، والحرية، والبصر، والقدرة على المشي، وعدم الحبس، وعدم المطر الشديد والوحل والثلج ونحوها، كما بينا في بحث أعذار مسقطات الجماعة والجمعة.
فلا تجب الجمعة على مريض لعجزه عن ذلك، وممرِّض إن بقي المريض ضائعاً، وشيخ فانٍ، وخائف على نفسه أو ماله أو لخوف غريم أو ظالم أو فتنة، وعبد، لأنه مشغول بخدمة مولاه، وأعمى عند أبي حنيفة، ويجب عليه عند الحنابلة والصاحبين إذا وجد أي الأعمى قائداً، ولا تجب على مفلوج الرِّجل ومقطوعها وزَمِن، ومحبوس، ومعذور بمشقة مطر ووحل وثلج. ولا تجب على قروي عند الحنفية.
الجمعة كيفيتها ومقدارها:
الجمعة: ركعتان وخطبتان قبلها ولها ركنان: الصلاة والخطبة، والصلاة ركعتان بقراءة جهرية إجماعاً.
والخطبة: فرض وهي خطبتان قبل الصلاة، وشرط في صحة الجمعة، وأقل ما يسمى خطبة عند العرب، تشتمل على حمد لله تعالى وصلاة على رسوله، ووعظ في أمور الدين والدنيا، وقرآن. ويسن قبلها أربع ركعات اتفاقاً، وبعدها عند الجمهور غير المالكية أربع أيضاً.
شروط صحة الجمعة:
الشرط الأول: وقت الظهر:
فتصح فيه فقط، ولا تصح بعده، ولا تقضى جمعة، فلو ضاق الوقت، أحرموا بالظهر، ولا تصح عند الجمهور غير الحنابلة قبله أي قبل وقت الزوال.
وآخر وقت الجمعة: آخر وقت الظهر بغير خلاف، ولأنها بدل منها، أو واقعة موقعها، فوجب الإلحاق بها، لما بينهما من المشابهة.
إدراك الصلاة جمعة:
ذهب الحنفية إلى أنَّ: من أدرك الإمام يوم الجمعة في أي جزء من صلاته، صلى معه ما أدرك، وأكمل الجمعة، وأدرك الجمعة، حتى وإن أدركه في التشهد أو في سجود السهو.
وذهب الجمهور إلى أنه: إذا أدرك الركعة الثانية مع الإمام، فقد أدرك الجمعة، وأتمها جمعة، وإن لم يدرك معه الركعة الثانية، أتمها ظهراً.
الشرط الثاني: البلد
ذهب الحنفية إلى أنَّ كون البلد في مصر جامع، أو في مصلى المصر عند الحنفية وهو ما لا يسع أكبر مساجدها أهلها المكلفين بالجمعة. وهذا شرط وجوب وصحة، فلا يصح أداء الجمعة إلا في المصر وتوابعه، ولا تجب على أهل القرى التي ليست من توابع المصر، ولا يصح أداء الجمعة فيها.
وذهب المالكية إلى كونها في موضع الاستيطان، وهو إما بلد أو قرية، مبنية بأحجار ونحوها، أو بأخصاص من قصب أو أعواد شجر، لا خيم من شعر أو قماش، لأن الغالب على أهلها الارتحال، فأشبهوا المسافرين. وهذا شرط صحة ووجوب عند المالكية، لأن الصحيح عندهم أن الشروط الأربعة وهي الإمام والجماعة والمسجد وموضع الاستيطان هي شروط وجوب وصحة معاً، ولابد أن تستغني القرية بأهلها عادة، بالأمن على أنفسهم، والاكتفاء في معاشهم عن غيرهم. ولا يحدون بحد كمائة أو أقل أو أكثر.
وذهب المالكية إلى أنه: أن تقام الجمعة في بلد أو قرية، وإن لم تكن في مسجد.
ولا تلزم الجمعة أهل الخيام وإن استقروا في الصحراء أبداً، لأنهم على هيئة المسافرين أو المستوفزين للسفر، وليس لهم أبنية المستوطنين، ولأن قبائل العرب الذين كانوا مقيمين حول المدينة ما كانوا يصلونها، وما أمرهم النبي ﷺ.
وذهب الحنابلة إلى كون إلى كون المكلفين: أن يكون المكلفون بالجمعة وهو أربعون فأكثر مستوطنين أي مقيمين بقرية مجتمعة البناء، بما جرت العادة بالبناء به، من حجر أو لبن أو طين أو قصب أو شجر، ولا جمعة على أهل الخيام وبيوت الشعر، ولا تصح منهم، لأن ذلك لا ينصب للاستيطان غالباً.
الشرط الثالث: الجماعة
وذهب أبو حنيفة إلى أن: أقلَّ الجماعة ثلاثة رجال سوى الإمام، ولو كانوا مسافرين أو مرضى، لأن أقل الجمع الصحيح إنما هو الثلاث، والجماعة شرط مستقل في الجمعة. ولابد من مذكر وهو الخطيب ويشترط بقاء المصلين الثلاثة مع الإمام حتى انتهاء الصلاة، فإن تركوا وجاء غيرهم صحت الصلاة وإلا فلا.
وذهب المالكية إلى أنه: يشترط حضور اثني عشر رجلاً للصلاة والخطبة.
ولا بد- أن يكون العدد من أهل البلد، فلا تصح من المقيمين به لنحو تجارة، إذا لم يحضرها العدد المذكور من المستوطنين بالبلد.
ولا بدَّ أيضاً أن يكونوا باقين مع الإمام من أول الخطبة حتى السلام من صلاتها، فلو فسدت صلاة واحد منهم، ولو بعد سلام الإمام، بطلت الجمعة، أي أن بقاء الجماعة إلى كمال الصلاة شرط.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: تقام الجمعة بحضور أربعين فأكثر بالإمام من أهل القرية المكلفين الأحرار الذكور المستوطنين، بحيث لا يظعن منه أحدهم شتاءً ولا صيفاً إلا لحاجة، ولو كانوا مرضى أو خرساً أو صماً، لا مسافرين، لكن يجوز كون الإمام مسافراً إن زاد العدد عن الأربعين، ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين
الشرط الرابع: وهذا الشرط عند الحنفية ولم يشترطه الجمهور وهو أن يكون السلطان ولو متغلباً أو نائبه، أو من يأذن له بإقامة الجمعة كوزارة الأوقاف الآن هو إمام الجمعة وخطيبها، لأنها تقام بجمع عظيم، وقد تقع منازعة في شؤون الجمعة، فلابد منه تتميماً لأمره، ومنعاً من تقدم أحد.
والشرط الخامس: وهو عند الحنفية ولم يشترطه الجمهور: وهو الإذن العام: وهو أن تفتح أبواب الجامع ويؤذن للناس بالدخول إذناً عاماً، بأن لا يمنع أحد ممن تصح الجمعة عن دخول الموضع الذي تصلى فيه، لأن كل تجمع يتطلب الإذن بالحضور، ولأنه لا يحصل معنى الاجتماع إلا بالإذن، ولأنها من شعائر الإسلام، وخصائص الدين فلزم إقامتها على سبيل الاشتهار والعموم.
الشرط السادس: وهو عند المالكية: وهو أن تصلى بإمام مقيم، فلا تصح أفراداً، وأن يكون مقيماً غير مسافر، ولو لم يكن متوطناً، وأن يكون هو الخطيب إلا لعذر يبيح الاستخلاف كرعاف ونقض وضوء. ولا يشترط أن يكون الإمام والياً.
وأن تكون الصلاة بجامع يجمع فيه على الدوام، فلا تصح في البيوت ولا في رحبة دار، ولا في خان، ولا في ساحة من الأرض.
الشرط السابع: عدم تعدد الجمع لغير حاجة:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة لصحة الجمعة ألا يسبقها ولا يقارنها جمعة في البلد أو القرية، إلا لكبر وعسر اجتماع الناس في مكان، وتعسر الاجتماع: إما لكثرة الناس، أو لقتال بينهم، أو لبعد أطراف البلد، بأن يكون من بطرفها لا يبلغهم صوت المؤذن بالشروط السابقة في وجوب الجمعة.
فإن سبقت إحدى الجمع غيرها فهي الصحيحة، وما بعدها باطل.
وقال الشافعية والاحتياط لمن صلى ببلد تعددت فيه الجمعة لحاجة، ولم يعلم سبق جمعته: أن يعيدها ظهراً، خروجاً من خلاف من منع التعدد، ولو لحاجة. وينوي آخر ظهر بعد صلاة الجمعة أو ينوي الظهر احتياطاً، خروجاً عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر.
ذهب الحنفية إلى أنه: يؤدى أكثر من جمعة في مصر واحد بمواضع كثيرة دفعاً للحرج، لأن في إلزام اتحاد الموضع حرجاً بيناً، لتطويل المسافة على أكثر الحاضرين، ولم يوجد دليل على عدم جواز التعدد، والضرورة أو الحاجة تقضي بعدم اشتراطه، لا سيما في المدن الكبرى.
الشرط الثامن الخطبة قبل الصلاة:
ذهب الفقهاء إلى الاتفاق على أن الخطبة شرط في الجمعة، لا تصح بدونها ولأن النبي ﷺ لم يصل الجمعة بدون الخطبة وتكون خطبتين قبل الصلاة.
شروط الخطبة عند الفقهاء:
ذهب الحنفية إلى أنه: يخطب الإمام بعد الزوال قبل الصلاة خطبتين خفيفتين بقدر سورة من طوال المفصل، يفصل بينهما بقَعْدة قدر قراءة ثلاث آيات، ويخفض جهره بالثانية عن الأولى، ويخطب قائماً، مستقبل الناس، على طهارة من الحدثين، وستر عورة، ولو كان الحاضرون صُمَّاً أو نياماً.
ولو خطب قاعداً أو على غير طهارة، جاز، لحصول المقصود، إلا أنه يكره لمخالفته الموروث، وللفصل بينها وبين الصلاة لتجديد طهارته، فالطهارة والقيام سنة عندهم، والسبب في ذلك أنها لا تقوم مقام الركعتين، لأنها تنافي الصلاة، لما فيها من استدبار القبلة والكلام، فلا يشترط لها شرائط الصلاة.
ولو اقتصر الخطيب على ذكر الله تعالى كتحميدة أو كتهليلة أو تسبيحة، فقال: الحمد لله، أو سبحان الله، أو لا إله إلا الله، جاز عند أبي حنيفة مع الكراهة.
شروط الخطبة عند الحنفية:
وشروط الخطبة عند الحنفية ستة: أن تكون قبل الصلاة، وبقصد الخطبة، وفي الوقت، وأن يسمعها واحد ممن تنعقد بهم الجمعة على الأقل في الصحيح، فيكفي حضور عبد أو مريض أو مسافر ولو جنباً، ولا تصح بحضور صبي أو امرأة فقط، ولا يشترط سماع جماعة.
وأجازوا الخطبة، بغير العربية ولو لقادر عليها، سواء أكان القوم عرباً أم غيرهم.
ويبدأ قبل الخطبة الثانية بالتعوذ سراً، ثم يحمد الله تعالى والثناء عليه، ويأتي بالشهادتين، والصلاة على النبي ﷺ، والعظة والتذكير، ويندب ذكر الخلفاء الراشدين والعمين (حمزة والعباس)، ولا يندب الدعاء للسلطان، وجوزه بعضهم، ويكره تحريماً وصفه بما ليس فيه.
شروط الخطبة عند المالكية: تسعة شروط لخطبتي الجمعة وهي:
- يجب أن يكون الخطيب قائماً.
- أن تكون الخطبتان بعد الزوال، فإن تقدمتا عليه، لم يجز.
- أن يكونا مما تسميه العرب خطبة، ولو سجعتين نحو: اتقوا الله فيما أمر، وانتهوا عما عنه نهى وزجر، فإن سبح أو هلل أو كبر، لم يجزه. وندب ثناء على الله، وصلاة على نبيه، وأمر بتقوى، ودعاء بمغفرة وقراءة شيء من القرآن. ثم يجلس ويقول بعد قيامه بعد الثناء والصلاة على النبي ﷺ: أما بعد، فاتقوا الله فيما أمر، وانتهوا عما نهى وزجر، يغفر الله لنا ولكم، لكان آتياً بالخطبة على الوجه الأكمل باتفاق العلماء.
- كونهما داخل المسجد كالصلاة، فلو خطبهما خارجه، لم يصحا.
- أن يكونا قبل الصلاة، فلا تصح الصلاة قبلهما، فإن أخرهما عنهما، أعيدت الصلاة إن قرب الزمن عرفاً، ولم يخرج من المسجد، فإن طال الزمن أعيدتا، لأنهما مع الصلاة كركعتين من الظهر.
- أن يحضرهما الجماعة: الإثنا عشر، فإن لم يحضروا من أولها، لم يجزيا، لأنهما كركعتين.
- أن يجهر بهما، وأن يكونا بالعربية، ولو للأعاجم، واتصال أجزائهما ببعض وأن تتصل الصلاة بهما وليس من شرط الخطبتين الطهارة، لكن كره فيهما ترك الطهر من الحدثين الأصغر والأكبر، ووجب انتظاره لعذر قرب زواله بالعرف كحدث حصل بعد الخطبة، أو رعاف يسير والماء قريب.
ولا يصلي غير من يخطب إلا لعذر، فيشترط اتحاد الإمام والخطيب إلا لعذر طرأ عليه كجنون ورعاف مع بعد الماء.
الخطبة عند الشافعية:
للخطبة خمسة أركان: الأول: حمد الله تعالى، والثاني الصلاة على رسول الله ﷺ، والثالث الوصية بالتقوى، وتجب هذه الثلاثة في كل من الخطبتين، والرابع قراءة آية مفهمة في إحدى الخطبتين، والخامس الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بأمر أخروي.
والأصح أن ترتيب الأركان ليس بشرط، وإنما هو سنة.
-شروط الخطبة عند الشافعية:
-كونهما قبل الصلاة، عدم الانصراف عنهما بصارف، القيام لمن قدر عليه اتباعاً للسنة، وكونهما بالعربية، وفي الوقت بعد الزوال، والجلوس بينهما بالطمأنينة كالجلوس بين السجدتين بقدر سورة الإخلاص استحباباً، أما القاعد فيفصل بسكتة، وإسماع العدد الذي تنعقد به الجمعة: بأن يرفع الخطيب صوته بأركانهما حتى يسمعها تسعة وثلاثون غيره كاملون.
الموالاة بين كلمات كل من الخطبتين، وبينهما وبين الصلاة اتباعاً للسنة، فلا يجوز الفصل الطويل بين الخطبة والصلاة.
وطهارة الحدثين وطهارة النجس في الثوب والبدن والمكان، وستر العورة، اتباعاً للسنة، لأن الخطبة قائمة مقام الركعتين، فتكون بمنزلة الصلاة، حتى يشترط لها دخول الوقت، فيشترط لها سائر شروط الصلاة من ستر العورة وطهارة الثوب والبدن والمكان.
وأن تقع الخطبتان في مكان تصح فيه الجمعة، وأن يكون الخطيب ذكراً، وأن تصح إمامته بالقوم، وأن يعتقد العالم الركن ركناً والسنة سنة، وغير العالم ألا يعتقد الفرض سنة.
شروط الخطبة عند الحنابلة:
يشترط للجمعة أن يتقدمها خطبتان، للأدلة السابقة، وهما بدل ركعتين لما تقدم عن عمر وعائشة، ولا يقال: إنهما بدل ركعتين من الظهر، لأن الجمعة ليست بدلاً عن الظهر، بل الظهر بدل عنها إذا فاتت.
ويشترط لصحة كل من الخطبتين ما يأتي: حمد الله بلفظ: الحمد لله، فلا يجزئ غيره.
والصلاة على رسول الله ﷺ بلفظ الصلاة، لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى، افتقرت إلى ذكر رسوله، كالأذان. ولا يجب السلام عليه مع الصلاة عليه ﷺ.
وقراءة آية كاملة، ولأن الخطبتين أقيمتا مقام ركعتين، والخطبة فرض، فوجبت فيها القراءة كالصلاة، ولا تتعين آية، وإنما اشترطوا عدم الصارف، فلو حمد الله للعطاس لم يكف للخطبة.
ورفع الصوت بحيث يسمع العدد المعتبر وهو أربعون، إن لم يعرض مانع من السماع، كنوم أو غفلة أو صمم بعضهم، فإن لم يسمعوا الخطبة لخفض صوت الخطيب أو بعده عنهم، لم تصح الخطبة لعدم حصول المقصود بها. فإن كان عدم السماع لنوم أو غفلة أو مطر ونحوه كصمم وطرش أو كان أعاجم والخطيب سميع عربي، صحت الخطبة والصلاة.
وأن تكون بالعربية، فلا تصح الخطبة بغير العربية مع القدرة عليها، كقراءة القرآن، فإنها لا تجزئ بغير العربية، وتصح الخطبة لا القراءة بغير العربية مع العجز عنها.
وإسماع العدد المعتبر للجمعة: وهو أربعون فأكثر، لسماع القدر الواجب، لأنه ذكر اشترط للصلاة، فاشترط العدد كتكبيرة الإحرام.
وإن تكون الخطبة في الوقت، وأن يكون الخطيب ممن تجب عليه الجمعة، فلا تجزئ خطبة عبد أو مسافر.
ولا تشترط للخطبتين الطهارة عن الحدثين: الأصغر والأكبر، ولا ستر العورة وإزالة النجاسة، وإنما السنة أن يخطب متطهراً مزيلاً النجاسة ساتراً العورة.
ولا يتشرط أن يتولى الخطبتين من يتولى الصلاة، لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة، وإنما السنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة، لأن النبي ﷺ كان يتولاهما بنفسه، وكذلك خلفاؤه من بعده. وإن خطب رجل، وصلى آخر لعذر جاز.
كما لا يشترط أن يتولى الخطبتين رجل واحد، لأن كلاً منهما منفصلة عن الأخرى، بل يستحب ذلك، خروجاً من الخلاف في كل ما ذكر.
ويسن أن يستقبل الخطيب الناس بوجهه: لأن النبي ﷺ كان يفعل ذلك، ولأنه أبلغ في سماع الناس، وأعدل بينهم. ولو خالف هذا واستدبر الناس واستقبل القبلة، صحت الخطبة لحصول المقصود بدونه.
سنن الخطبة:
الطهارة وستر العورة سنة عند الجمهور، شرط لصحة الخطبة عند الشافعية كما بينا.
كونها على منبر، بالاتفاق، اتباعاً للسنة، ويسن أن يكون المنبر على يمين المحراب (أي مصلى الإمام) إذ هكذا وضع منبره ﷺ، وينبغي أن يكون بين المنبر والقبلة قدر ذراع أو ذراعين.
فإن لم يتيسر المنبر فعلى موضع مرتفع، لأنه أبلغ في الإعلام، فإن تعذر استند إلى نحو خشبة كما كان يفعل ﷺ قبل إيجاد المنبر، وكان النبي قد خطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع، فأتاه النبي ﷺ فالتزمه أو مسحه.
وكان منبره ﷺ ثلاث درجات غير درجة المستراح. ويستحب أن يقف على الدرجة التي تليها، كما كان يفعل النبي عليه السلام.
-الجلوس على المنبر قبل الشروع في الخطبة.
-استقبال القوم بوجهه دون التفات يميناً وشمالاً، سنة بالاتفاق.
-ولا يسلم على القوم عند الحنفية، لأنه يلجئهم إلى ما نهوا عنه من الكلام.
-ويسلم على الناس إذا صعد المنبر، اتباعاً للسنة، عند الشافعية والحنابلة، وحال خروجه للخطبة عند المالكية، ويجب رد السلام.
- أن يؤذن مؤذن واحد، لا جماعة، بين يدي الخطيب، إذا جلس على المنبر وهذا هو الأذان الذي كان على عهد رسول الله ﷺ.
- البداءة بحمد الله والثناء عليه، والشهادتان، والصلاة على النبي ﷺ، والعظة والتذكير، وقراءة آية من القرآن، وخطبتان، والجلوس بين الخطبتين. وإعادة الحمد والثناء، والصلاة على النبي ﷺ في ابتداء الخطبة الثانية، والدعاء فيها للمؤمنين والمؤمنات بالمغفرة لهم وإجراء النعم ودفع النقم، والنصر على الأعداء، والمعافاة من الأمراض والأدواء، والاستغفار.
ويندب عند المالكية ختم الخطبة الأولى بشيء من القرآن، وختم الثانية بقول: يغفر الله لنا ولكم. كما يندب الترضي على الصحابة، والدعاء لولي الأمر بالنصر على الأعداء وإعزاز الإسلام به.
وقال الشافعية: يسن أن يختم الخطبة الثانية بقوله : أستغفر الله لي ولكم.
- إسماع القوم الخطبة، ورفع الصوت بها : سنة عند الجمهور، مندوب عند المالكية، لأنه أبلغ في الإعلام.
- اعتماد الخطيب بيساره أثناء قيامه على نحو عصا أو سيف أو قوس : سنة عند الجمهور، مندوب عند المالكية.
- تقصير الخطبتين، وكون الثانية أقصر من الأولى: سنة عند الجمهور، مندوب عند المالكية، لما روى مسلم عن عمار مرفوعاً: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة فقهه، فأطيلوا الصلاة، وقصروا الخطبة".
-ويسن أيضاً كون الخطبة بليغة مفهومة بلا تمطيط كالأذان، وأن يتعظ الخطيب بما يعظ به الناس، ليحصل الانتفاع بوعظه.
-الإنصات أثناء الخطبة: سنة عند الشافعية للحاضرين، ويكره لهم الكلام فيها.
- ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة عند المالكية والحنابلة، وبمجرد صعود الإمام المنبر عند أبي حنفية، ويحرم الكلام عند المالكية والحنابلة من غير الخطيب، ولا يسلم ولا يرد السلام ولا يشمت العاطس عند المالكية، ويكره تحريماً عند الحنفية الكلام من قريب أو بعيد، ورد السلام، وتشميت العاطس، وكل ما حرم في الصلاة حرم في الخطبة، فيحرم أكل وشرب وكلام ولو تسبيحاً أو أمراً بمعروف، بل يجب عليه أن يستمع ويسكت. وإشارة الأخرس المفهومة ككلام لقيامها مقامه في البيع وغيره.
- ويباح الكلام قبل البدء في الخطبة وبعد الفراغ منها اتفاقاً، وفي أثناء الجلوس بين الخطبتين عند الحنابلة والشافعية، ويحرم في أثناء الجلوس المذكور عند المالكية.
ويندب عند المالكية حمد الله تعالى سراً لعاطس حال الخطبة، ويجوز عندهم مع خلاف الأولى ذكر الله تعالى كتسبيح وتهليل سراً إذا قل، حال الخطبة، ومنع الكثير جهراً، لأنه يؤدي إلى ترك واجب، وهو الاستماع.
ولا يحرم الكلام على الخطيب، ولا على من سأله الخطيب، كأن يأمر إنساناً لغا أو خالف السنة أو ينهاه، فيقول: أنصت، أو لا تتكلم، أو لا تتخط أعناق الناس ونحو ذلك، وجاز للمأمور إجابته إظهاراً لعذره. ولأن تحريم الكلام علته الاشتغال عن الإنصات الواجب وسماع الخطبة، ولا يحصل ههنا. وكذلك من كلم الإمام لحاجة، أو سأله عن مسألة.
مكروهات الخطبة:
مكروهات الخطبة: عند الحنفية والمالكية: هي ترك سنة من السنن المتقدمة، ومن أهمها تطويل الخطبة وترك الطهارة، فكلاهما مكروه، ومنها عند الحنفية: أن يسلم الخطيب على القوم إذا استوى على المنبر.
ويكره باتفاق العلماء تخطي الرقاب أثناء الخطبة لغير الإمام ولغير فرجة، لأنه يؤذي الجالسين، ولنهي النبي ﷺ عنه والكراهة تحريمية عند الحنفية والشافعية، ويجوز إن كان هناك فُرْجة لتقصير القوم بإخلاء فرجة، مع كونه خلاف الأولى عند المالكية،
وليس ترك السنن المتقدمة عند الشافعية والحنابلة مكروهاً على إطلاقه، بل منه ما هو مكروه، ومنه ما هو خلاف الأولى.
ويكره العبث حال الخطبة، لقول النبي ﷺ:"من مس الحصى فقد لغا"، ويكره الشرب ما لم يشتد عطشه.
سنن الجمعة:
يسن لصلاة الجمعة:
- الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب لمن يأتي الجمعة: سنة عند الجمهور، مستحب عند المالكية.
ووقت الغسل من فجر الجمعة إلى النزول، وتقريبه من ذهابه للصلاة أفضل، لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة.
- والتطيب ولبس أحسن الثياب أو التجمل والمندوب لبس الأبيض يوم الجمعة، فالثياب البيض أفضل الثياب.
- التبكير للجمعة ماشياً بسكينة ووقار والاقتراب من الإمام، والاشتغال في طريقه بقراءة أو ذكر.
- تنظيف الجسد وتحسين الهيئة قبل الصلاة: بتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة ونحو ذلك كإزالة الرائحة الكريهة بالسواك للفم وغيره من مواطن الرائحة في الجسم. ويسن للإمام أن يزيد في حسن الهيئة والعمة والارتداء، اتباعاً للسنة، ولأنه منظور إليه.
قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها.
- الإكثار من الدعاء يومها وليلتها.
- الإكثار من الصلاة على رسول الله ﷺ يومها وليلتها.
- يقرأ الإمام جهراً بعد الفاتحة في الركعة الأولى "الجمعة" وفي الثانية "المنافقون" اتباعاً.
- قراءة: آلم. السجدة، و هل أتى على الإنسان: سنة في صلاة الصبح يوم الجمعة.
- صلاة أربع ركعات قبل الجمعة، وأربع بعدها، كالظهر مستحب عند الجمهور.
وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان.
- قراءة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين بعد الجمعة.
- يستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول عن موضعه.
السجود على الظهر ونحوه في الزحمة:
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه: متى قدر المزحوم على السجود على ظهر إنسان أو قدمه، لزمه ذلك وأجزأه.
ولا يحتاج هنا إلى إذنه، لأن الأمر فيه يسير.
وذهب المالكية إلى بطلان الصلاة.
- مفسدات الجمعة:
تفسد الجمعة بما تفسد به سائر الصلوات الأخرى، ويضاف إليها مفسدات أخرى خاصة بها هي ما يلي:
- خروج وقت الظهر في خلال الصلاة عند الجمهور، وقال المالكية: لا تفسد، لأن الجمعة كغيرها فرض مؤقت بوقت، وهو وقت الظهر، وخروج الوقت لا يفسد الصلاة.
وكذا تفسد عند أبي حنيفة بخروج الوقت بعدما قعد قدر التشهد.
- فوت الجماعة الجمعة قبل أن يقيد الإمام الركعة بالسجدة، بأن نفر الناس عنه عند أبي حنيفة. أما فوت الجماعة أي انفضاضها بعد تقييد الركعة بالسجدة، فلا تفسد.
فإن فسدت الجمعة بسبب خروج الوقت أو بفوت الجماعة، تصلى ظهراً.
وإن فسدت بما تفسد به عامة الصلوات من الحدث العمد والكلام وغير ذلك، تصلى جمعة عند وجود شرائطها.
صلاة الظهر بسبب خروج وقت الظهر:
إذا انتهى وقت الظهر أو ضاق عن الجمعة بأن لم يبق منه ما يسع الخطبة والركعتين، سقطت الجمعة، فلا تقضى جمعة باتفاق العلماء، وإنما تصلى ظهراً، لأن القضاء على حسب الأداء، والأداء فات بشرائط مخصوصة، يتعذر تحصليها على فرد، فتسقط، بخلاف سائر المكتوبات إذا فاتت عن أوقاتها.
فرضية الجمعة:
صلاة الجمعة فرض عين، يكفر جاحدها لثبوتها بالدليل القطعي، وهي فرض مستقل ليست بدلاً عن الظهر، لعدم انعقادها بنية الظهر ممن لا تجب الجمعة عليه كالمسافر والمرأة، وهي آكد من الظهر، بل هي أفضل الصلوات، ويومها أفضل الأيام، وخير يوم طلعت فيه الشمس.
قال: رسول الله ﷺ: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".
وأدلة فرضيتها القرآن: وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] أي امضوا إلى ذكر الله.
وتاركها يستحق العقاب، لقوله ﷺ لقوم يتخلفون عن الجمعة : "لقد همت أن آمرُ رجلاً يُصلّي بالناس، ثم أحّرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم" رواه أحمد ومسلم.
وأجمع المسلمون على وجوب الجمعة.
متى ساعة الإجابة يوم الجمعة؟: وفيها ساعة يستجاب الدعاء فيها، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ ذكر يوم الجمعة، فقال : فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه، وأشار - أي النبي ﷺ - بيده يقللها"، وفي تحديد وقت هذه الساعة أقوال أصحها - كما ثبت عن أبي بردة في صحيح مسلم - : أنها فيما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن يقضي الصلاة.
حكم البيع وقت النداء لصلاة الجمعة: يجب السعي لأداء الجمعة كما بينا عند الجمهور عند الأذان الثاني الذي يكون بين يدي الخطيب على المنبر.
وقال الحنفية في الأصح: يجب السعي بعد الأذان الأول، وإن لم يكن في زمن الرسول ﷺ، بل في زمن عثمان رضي الله عنه.
من تجب عليه الجمعة؟: تجب الجمعة على كل مكلف (بالغ عاقل) حر، ذكر، مقيم غير مسافر، بلا مرض ونحوه من الأعذار، سمع النداء، فلا تجب على صبي ومجنون ونحوه، وعبد، وامرأة، ومسافر، ومريض. وخائف وأعمى وإن وجد قائداً عند الحنفية، ويجب عليه إن وجد من يقوده عند المالكية والشافعية، ولو لم يجد قائداً عند الحنابلة، ومن لم يسمع النداء، على تفصيل آتٍ، ولا على معذور بمشقة مطر ووَحَل وثلج. لكن إن حضر هؤلاء وصلوا مع الناس، أجزأهم ذلك عن فرض الوقت، لأنهم تحملوا المشقة، فصاروا كالمسافر إذا صام، ولأن كل من صحت ظهره ممن لا تلزمه الجمعة صحت جمعته بالإجماع، لأنها إذا أجزأت عمن لا عذر له، فصاحب العذر أولى، وإنما سقطت عنه رفقاً به، فترك الجمعة للمعذور رخصة، فلو أدى الجمعة سقط عنه الظهر، وتقع الجمعة فرضاً، وترك الترخص يعيد الأمر إلى العزيمة، أي أنه إن تكلف حضورها وجبت عليه، وانعقدت به، ويصح أن يكون إماماً فيها.
الشروع بالسفر يوم الجمعة: ذهب الحنفية إلى أنه: لا بأس بالسفر يوم الجمعة إذا خرج عن عمران المصر قبل دخول وقت الظهر، والصحيح أنه يكره السفر بعد الزوال وقبل أن يصلي الجمعة، ولا يكره قبل الزوال.
وذهب المالكية إلى أنه: يجوز السفر يوم الجمعة قبل الزوال، ولكنه يكره لمن لا يدركها في طريقه ويحرم ويمنع بعد الزوال وقبل الصلاة اتفاقاً.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: يحرم على من تجب عليه الجمعة السفر قبل الزوال وبعده، إلا أن تمكنه الجمعة في طريقه أو يتضرر بتخلفه عن الرفقة أو كان السفر واجباً كالسفر لحج ضاق وقته وخاف فوته.
كذلك كره الشافعية السفر ليلة الجمعة.
تجب الجمعة على من اتصف سلامة الأعذار: فلا بد لمن تجب عليه الجمعة من الصحة، والأمن، والحرية، والبصر، والقدرة على المشي، وعدم الحبس، وعدم المطر الشديد والوحل والثلج ونحوها، كما بينا في بحث أعذار مسقطات الجماعة والجمعة.
فلا تجب الجمعة على مريض لعجزه عن ذلك، وممرِّض إن بقي المريض ضائعاً، وشيخ فانٍ، وخائف على نفسه أو ماله أو لخوف غريم أو ظالم أو فتنة، وعبد، لأنه مشغول بخدمة مولاه، وأعمى عند أبي حنيفة، ويجب عليه عند الحنابلة والصاحبين إذا وجد أي الأعمى قائداً، ولا تجب على مفلوج الرِّجل ومقطوعها وزَمِن، ومحبوس، ومعذور بمشقة مطر ووحل وثلج. ولا تجب على قروي عند الحنفية.
الجمعة كيفيتها ومقدارها:
الجمعة: ركعتان وخطبتان قبلها ولها ركنان: الصلاة والخطبة، والصلاة ركعتان بقراءة جهرية إجماعاً.
والخطبة: فرض وهي خطبتان قبل الصلاة، وشرط في صحة الجمعة، وأقل ما يسمى خطبة عند العرب، تشتمل على حمد لله تعالى وصلاة على رسوله، ووعظ في أمور الدين والدنيا، وقرآن. ويسن قبلها أربع ركعات اتفاقاً، وبعدها عند الجمهور غير المالكية أربع أيضاً.
شروط صحة الجمعة:
الشرط الأول: وقت الظهر:
فتصح فيه فقط، ولا تصح بعده، ولا تقضى جمعة، فلو ضاق الوقت، أحرموا بالظهر، ولا تصح عند الجمهور غير الحنابلة قبله أي قبل وقت الزوال.
وآخر وقت الجمعة: آخر وقت الظهر بغير خلاف، ولأنها بدل منها، أو واقعة موقعها، فوجب الإلحاق بها، لما بينهما من المشابهة.
إدراك الصلاة جمعة:
ذهب الحنفية إلى أنَّ: من أدرك الإمام يوم الجمعة في أي جزء من صلاته، صلى معه ما أدرك، وأكمل الجمعة، وأدرك الجمعة، حتى وإن أدركه في التشهد أو في سجود السهو.
وذهب الجمهور إلى أنه: إذا أدرك الركعة الثانية مع الإمام، فقد أدرك الجمعة، وأتمها جمعة، وإن لم يدرك معه الركعة الثانية، أتمها ظهراً.
الشرط الثاني: البلد
ذهب الحنفية إلى أنَّ كون البلد في مصر جامع، أو في مصلى المصر عند الحنفية وهو ما لا يسع أكبر مساجدها أهلها المكلفين بالجمعة. وهذا شرط وجوب وصحة، فلا يصح أداء الجمعة إلا في المصر وتوابعه، ولا تجب على أهل القرى التي ليست من توابع المصر، ولا يصح أداء الجمعة فيها.
وذهب المالكية إلى كونها في موضع الاستيطان، وهو إما بلد أو قرية، مبنية بأحجار ونحوها، أو بأخصاص من قصب أو أعواد شجر، لا خيم من شعر أو قماش، لأن الغالب على أهلها الارتحال، فأشبهوا المسافرين. وهذا شرط صحة ووجوب عند المالكية، لأن الصحيح عندهم أن الشروط الأربعة وهي الإمام والجماعة والمسجد وموضع الاستيطان هي شروط وجوب وصحة معاً، ولابد أن تستغني القرية بأهلها عادة، بالأمن على أنفسهم، والاكتفاء في معاشهم عن غيرهم. ولا يحدون بحد كمائة أو أقل أو أكثر.
وذهب المالكية إلى أنه: أن تقام الجمعة في بلد أو قرية، وإن لم تكن في مسجد.
ولا تلزم الجمعة أهل الخيام وإن استقروا في الصحراء أبداً، لأنهم على هيئة المسافرين أو المستوفزين للسفر، وليس لهم أبنية المستوطنين، ولأن قبائل العرب الذين كانوا مقيمين حول المدينة ما كانوا يصلونها، وما أمرهم النبي ﷺ.
وذهب الحنابلة إلى كون إلى كون المكلفين: أن يكون المكلفون بالجمعة وهو أربعون فأكثر مستوطنين أي مقيمين بقرية مجتمعة البناء، بما جرت العادة بالبناء به، من حجر أو لبن أو طين أو قصب أو شجر، ولا جمعة على أهل الخيام وبيوت الشعر، ولا تصح منهم، لأن ذلك لا ينصب للاستيطان غالباً.
الشرط الثالث: الجماعة
وذهب أبو حنيفة إلى أن: أقلَّ الجماعة ثلاثة رجال سوى الإمام، ولو كانوا مسافرين أو مرضى، لأن أقل الجمع الصحيح إنما هو الثلاث، والجماعة شرط مستقل في الجمعة. ولابد من مذكر وهو الخطيب ويشترط بقاء المصلين الثلاثة مع الإمام حتى انتهاء الصلاة، فإن تركوا وجاء غيرهم صحت الصلاة وإلا فلا.
وذهب المالكية إلى أنه: يشترط حضور اثني عشر رجلاً للصلاة والخطبة.
ولا بد- أن يكون العدد من أهل البلد، فلا تصح من المقيمين به لنحو تجارة، إذا لم يحضرها العدد المذكور من المستوطنين بالبلد.
ولا بدَّ أيضاً أن يكونوا باقين مع الإمام من أول الخطبة حتى السلام من صلاتها، فلو فسدت صلاة واحد منهم، ولو بعد سلام الإمام، بطلت الجمعة، أي أن بقاء الجماعة إلى كمال الصلاة شرط.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: تقام الجمعة بحضور أربعين فأكثر بالإمام من أهل القرية المكلفين الأحرار الذكور المستوطنين، بحيث لا يظعن منه أحدهم شتاءً ولا صيفاً إلا لحاجة، ولو كانوا مرضى أو خرساً أو صماً، لا مسافرين، لكن يجوز كون الإمام مسافراً إن زاد العدد عن الأربعين، ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين
الشرط الرابع: وهذا الشرط عند الحنفية ولم يشترطه الجمهور وهو أن يكون السلطان ولو متغلباً أو نائبه، أو من يأذن له بإقامة الجمعة كوزارة الأوقاف الآن هو إمام الجمعة وخطيبها، لأنها تقام بجمع عظيم، وقد تقع منازعة في شؤون الجمعة، فلابد منه تتميماً لأمره، ومنعاً من تقدم أحد.
والشرط الخامس: وهو عند الحنفية ولم يشترطه الجمهور: وهو الإذن العام: وهو أن تفتح أبواب الجامع ويؤذن للناس بالدخول إذناً عاماً، بأن لا يمنع أحد ممن تصح الجمعة عن دخول الموضع الذي تصلى فيه، لأن كل تجمع يتطلب الإذن بالحضور، ولأنه لا يحصل معنى الاجتماع إلا بالإذن، ولأنها من شعائر الإسلام، وخصائص الدين فلزم إقامتها على سبيل الاشتهار والعموم.
الشرط السادس: وهو عند المالكية: وهو أن تصلى بإمام مقيم، فلا تصح أفراداً، وأن يكون مقيماً غير مسافر، ولو لم يكن متوطناً، وأن يكون هو الخطيب إلا لعذر يبيح الاستخلاف كرعاف ونقض وضوء. ولا يشترط أن يكون الإمام والياً.
وأن تكون الصلاة بجامع يجمع فيه على الدوام، فلا تصح في البيوت ولا في رحبة دار، ولا في خان، ولا في ساحة من الأرض.
الشرط السابع: عدم تعدد الجمع لغير حاجة:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة لصحة الجمعة ألا يسبقها ولا يقارنها جمعة في البلد أو القرية، إلا لكبر وعسر اجتماع الناس في مكان، وتعسر الاجتماع: إما لكثرة الناس، أو لقتال بينهم، أو لبعد أطراف البلد، بأن يكون من بطرفها لا يبلغهم صوت المؤذن بالشروط السابقة في وجوب الجمعة.
فإن سبقت إحدى الجمع غيرها فهي الصحيحة، وما بعدها باطل.
وقال الشافعية والاحتياط لمن صلى ببلد تعددت فيه الجمعة لحاجة، ولم يعلم سبق جمعته: أن يعيدها ظهراً، خروجاً من خلاف من منع التعدد، ولو لحاجة. وينوي آخر ظهر بعد صلاة الجمعة أو ينوي الظهر احتياطاً، خروجاً عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر.
ذهب الحنفية إلى أنه: يؤدى أكثر من جمعة في مصر واحد بمواضع كثيرة دفعاً للحرج، لأن في إلزام اتحاد الموضع حرجاً بيناً، لتطويل المسافة على أكثر الحاضرين، ولم يوجد دليل على عدم جواز التعدد، والضرورة أو الحاجة تقضي بعدم اشتراطه، لا سيما في المدن الكبرى.
الشرط الثامن الخطبة قبل الصلاة:
ذهب الفقهاء إلى الاتفاق على أن الخطبة شرط في الجمعة، لا تصح بدونها ولأن النبي ﷺ لم يصل الجمعة بدون الخطبة وتكون خطبتين قبل الصلاة.
شروط الخطبة عند الفقهاء:
ذهب الحنفية إلى أنه: يخطب الإمام بعد الزوال قبل الصلاة خطبتين خفيفتين بقدر سورة من طوال المفصل، يفصل بينهما بقَعْدة قدر قراءة ثلاث آيات، ويخفض جهره بالثانية عن الأولى، ويخطب قائماً، مستقبل الناس، على طهارة من الحدثين، وستر عورة، ولو كان الحاضرون صُمَّاً أو نياماً.
ولو خطب قاعداً أو على غير طهارة، جاز، لحصول المقصود، إلا أنه يكره لمخالفته الموروث، وللفصل بينها وبين الصلاة لتجديد طهارته، فالطهارة والقيام سنة عندهم، والسبب في ذلك أنها لا تقوم مقام الركعتين، لأنها تنافي الصلاة، لما فيها من استدبار القبلة والكلام، فلا يشترط لها شرائط الصلاة.
ولو اقتصر الخطيب على ذكر الله تعالى كتحميدة أو كتهليلة أو تسبيحة، فقال: الحمد لله، أو سبحان الله، أو لا إله إلا الله، جاز عند أبي حنيفة مع الكراهة.
شروط الخطبة عند الحنفية:
وشروط الخطبة عند الحنفية ستة: أن تكون قبل الصلاة، وبقصد الخطبة، وفي الوقت، وأن يسمعها واحد ممن تنعقد بهم الجمعة على الأقل في الصحيح، فيكفي حضور عبد أو مريض أو مسافر ولو جنباً، ولا تصح بحضور صبي أو امرأة فقط، ولا يشترط سماع جماعة.
وأجازوا الخطبة، بغير العربية ولو لقادر عليها، سواء أكان القوم عرباً أم غيرهم.
ويبدأ قبل الخطبة الثانية بالتعوذ سراً، ثم يحمد الله تعالى والثناء عليه، ويأتي بالشهادتين، والصلاة على النبي ﷺ، والعظة والتذكير، ويندب ذكر الخلفاء الراشدين والعمين (حمزة والعباس)، ولا يندب الدعاء للسلطان، وجوزه بعضهم، ويكره تحريماً وصفه بما ليس فيه.
شروط الخطبة عند المالكية: تسعة شروط لخطبتي الجمعة وهي:
- يجب أن يكون الخطيب قائماً.
- أن تكون الخطبتان بعد الزوال، فإن تقدمتا عليه، لم يجز.
- أن يكونا مما تسميه العرب خطبة، ولو سجعتين نحو: اتقوا الله فيما أمر، وانتهوا عما عنه نهى وزجر، فإن سبح أو هلل أو كبر، لم يجزه. وندب ثناء على الله، وصلاة على نبيه، وأمر بتقوى، ودعاء بمغفرة وقراءة شيء من القرآن. ثم يجلس ويقول بعد قيامه بعد الثناء والصلاة على النبي ﷺ: أما بعد، فاتقوا الله فيما أمر، وانتهوا عما نهى وزجر، يغفر الله لنا ولكم، لكان آتياً بالخطبة على الوجه الأكمل باتفاق العلماء.
- كونهما داخل المسجد كالصلاة، فلو خطبهما خارجه، لم يصحا.
- أن يكونا قبل الصلاة، فلا تصح الصلاة قبلهما، فإن أخرهما عنهما، أعيدت الصلاة إن قرب الزمن عرفاً، ولم يخرج من المسجد، فإن طال الزمن أعيدتا، لأنهما مع الصلاة كركعتين من الظهر.
- أن يحضرهما الجماعة: الإثنا عشر، فإن لم يحضروا من أولها، لم يجزيا، لأنهما كركعتين.
- أن يجهر بهما، وأن يكونا بالعربية، ولو للأعاجم، واتصال أجزائهما ببعض وأن تتصل الصلاة بهما وليس من شرط الخطبتين الطهارة، لكن كره فيهما ترك الطهر من الحدثين الأصغر والأكبر، ووجب انتظاره لعذر قرب زواله بالعرف كحدث حصل بعد الخطبة، أو رعاف يسير والماء قريب.
ولا يصلي غير من يخطب إلا لعذر، فيشترط اتحاد الإمام والخطيب إلا لعذر طرأ عليه كجنون ورعاف مع بعد الماء.
الخطبة عند الشافعية:
للخطبة خمسة أركان: الأول: حمد الله تعالى، والثاني الصلاة على رسول الله ﷺ، والثالث الوصية بالتقوى، وتجب هذه الثلاثة في كل من الخطبتين، والرابع قراءة آية مفهمة في إحدى الخطبتين، والخامس الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بأمر أخروي.
والأصح أن ترتيب الأركان ليس بشرط، وإنما هو سنة.
-شروط الخطبة عند الشافعية:
-كونهما قبل الصلاة، عدم الانصراف عنهما بصارف، القيام لمن قدر عليه اتباعاً للسنة، وكونهما بالعربية، وفي الوقت بعد الزوال، والجلوس بينهما بالطمأنينة كالجلوس بين السجدتين بقدر سورة الإخلاص استحباباً، أما القاعد فيفصل بسكتة، وإسماع العدد الذي تنعقد به الجمعة: بأن يرفع الخطيب صوته بأركانهما حتى يسمعها تسعة وثلاثون غيره كاملون.
الموالاة بين كلمات كل من الخطبتين، وبينهما وبين الصلاة اتباعاً للسنة، فلا يجوز الفصل الطويل بين الخطبة والصلاة.
وطهارة الحدثين وطهارة النجس في الثوب والبدن والمكان، وستر العورة، اتباعاً للسنة، لأن الخطبة قائمة مقام الركعتين، فتكون بمنزلة الصلاة، حتى يشترط لها دخول الوقت، فيشترط لها سائر شروط الصلاة من ستر العورة وطهارة الثوب والبدن والمكان.
وأن تقع الخطبتان في مكان تصح فيه الجمعة، وأن يكون الخطيب ذكراً، وأن تصح إمامته بالقوم، وأن يعتقد العالم الركن ركناً والسنة سنة، وغير العالم ألا يعتقد الفرض سنة.
شروط الخطبة عند الحنابلة:
يشترط للجمعة أن يتقدمها خطبتان، للأدلة السابقة، وهما بدل ركعتين لما تقدم عن عمر وعائشة، ولا يقال: إنهما بدل ركعتين من الظهر، لأن الجمعة ليست بدلاً عن الظهر، بل الظهر بدل عنها إذا فاتت.
ويشترط لصحة كل من الخطبتين ما يأتي: حمد الله بلفظ: الحمد لله، فلا يجزئ غيره.
والصلاة على رسول الله ﷺ بلفظ الصلاة، لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى، افتقرت إلى ذكر رسوله، كالأذان. ولا يجب السلام عليه مع الصلاة عليه ﷺ.
وقراءة آية كاملة، ولأن الخطبتين أقيمتا مقام ركعتين، والخطبة فرض، فوجبت فيها القراءة كالصلاة، ولا تتعين آية، وإنما اشترطوا عدم الصارف، فلو حمد الله للعطاس لم يكف للخطبة.
ورفع الصوت بحيث يسمع العدد المعتبر وهو أربعون، إن لم يعرض مانع من السماع، كنوم أو غفلة أو صمم بعضهم، فإن لم يسمعوا الخطبة لخفض صوت الخطيب أو بعده عنهم، لم تصح الخطبة لعدم حصول المقصود بها. فإن كان عدم السماع لنوم أو غفلة أو مطر ونحوه كصمم وطرش أو كان أعاجم والخطيب سميع عربي، صحت الخطبة والصلاة.
وأن تكون بالعربية، فلا تصح الخطبة بغير العربية مع القدرة عليها، كقراءة القرآن، فإنها لا تجزئ بغير العربية، وتصح الخطبة لا القراءة بغير العربية مع العجز عنها.
وإسماع العدد المعتبر للجمعة: وهو أربعون فأكثر، لسماع القدر الواجب، لأنه ذكر اشترط للصلاة، فاشترط العدد كتكبيرة الإحرام.
وإن تكون الخطبة في الوقت، وأن يكون الخطيب ممن تجب عليه الجمعة، فلا تجزئ خطبة عبد أو مسافر.
ولا تشترط للخطبتين الطهارة عن الحدثين: الأصغر والأكبر، ولا ستر العورة وإزالة النجاسة، وإنما السنة أن يخطب متطهراً مزيلاً النجاسة ساتراً العورة.
ولا يتشرط أن يتولى الخطبتين من يتولى الصلاة، لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة، وإنما السنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة، لأن النبي ﷺ كان يتولاهما بنفسه، وكذلك خلفاؤه من بعده. وإن خطب رجل، وصلى آخر لعذر جاز.
كما لا يشترط أن يتولى الخطبتين رجل واحد، لأن كلاً منهما منفصلة عن الأخرى، بل يستحب ذلك، خروجاً من الخلاف في كل ما ذكر.
ويسن أن يستقبل الخطيب الناس بوجهه: لأن النبي ﷺ كان يفعل ذلك، ولأنه أبلغ في سماع الناس، وأعدل بينهم. ولو خالف هذا واستدبر الناس واستقبل القبلة، صحت الخطبة لحصول المقصود بدونه.
سنن الخطبة:
الطهارة وستر العورة سنة عند الجمهور، شرط لصحة الخطبة عند الشافعية كما بينا.
كونها على منبر، بالاتفاق، اتباعاً للسنة، ويسن أن يكون المنبر على يمين المحراب (أي مصلى الإمام) إذ هكذا وضع منبره ﷺ، وينبغي أن يكون بين المنبر والقبلة قدر ذراع أو ذراعين.
فإن لم يتيسر المنبر فعلى موضع مرتفع، لأنه أبلغ في الإعلام، فإن تعذر استند إلى نحو خشبة كما كان يفعل ﷺ قبل إيجاد المنبر، وكان النبي قد خطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع، فأتاه النبي ﷺ فالتزمه أو مسحه.
وكان منبره ﷺ ثلاث درجات غير درجة المستراح. ويستحب أن يقف على الدرجة التي تليها، كما كان يفعل النبي عليه السلام.
-الجلوس على المنبر قبل الشروع في الخطبة.
-استقبال القوم بوجهه دون التفات يميناً وشمالاً، سنة بالاتفاق.
-ولا يسلم على القوم عند الحنفية، لأنه يلجئهم إلى ما نهوا عنه من الكلام.
-ويسلم على الناس إذا صعد المنبر، اتباعاً للسنة، عند الشافعية والحنابلة، وحال خروجه للخطبة عند المالكية، ويجب رد السلام.
- أن يؤذن مؤذن واحد، لا جماعة، بين يدي الخطيب، إذا جلس على المنبر وهذا هو الأذان الذي كان على عهد رسول الله ﷺ.
- البداءة بحمد الله والثناء عليه، والشهادتان، والصلاة على النبي ﷺ، والعظة والتذكير، وقراءة آية من القرآن، وخطبتان، والجلوس بين الخطبتين. وإعادة الحمد والثناء، والصلاة على النبي ﷺ في ابتداء الخطبة الثانية، والدعاء فيها للمؤمنين والمؤمنات بالمغفرة لهم وإجراء النعم ودفع النقم، والنصر على الأعداء، والمعافاة من الأمراض والأدواء، والاستغفار.
ويندب عند المالكية ختم الخطبة الأولى بشيء من القرآن، وختم الثانية بقول: يغفر الله لنا ولكم. كما يندب الترضي على الصحابة، والدعاء لولي الأمر بالنصر على الأعداء وإعزاز الإسلام به.
وقال الشافعية: يسن أن يختم الخطبة الثانية بقوله : أستغفر الله لي ولكم.
- إسماع القوم الخطبة، ورفع الصوت بها : سنة عند الجمهور، مندوب عند المالكية، لأنه أبلغ في الإعلام.
- اعتماد الخطيب بيساره أثناء قيامه على نحو عصا أو سيف أو قوس : سنة عند الجمهور، مندوب عند المالكية.
- تقصير الخطبتين، وكون الثانية أقصر من الأولى: سنة عند الجمهور، مندوب عند المالكية، لما روى مسلم عن عمار مرفوعاً: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة فقهه، فأطيلوا الصلاة، وقصروا الخطبة".
-ويسن أيضاً كون الخطبة بليغة مفهومة بلا تمطيط كالأذان، وأن يتعظ الخطيب بما يعظ به الناس، ليحصل الانتفاع بوعظه.
-الإنصات أثناء الخطبة: سنة عند الشافعية للحاضرين، ويكره لهم الكلام فيها.
- ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة عند المالكية والحنابلة، وبمجرد صعود الإمام المنبر عند أبي حنفية، ويحرم الكلام عند المالكية والحنابلة من غير الخطيب، ولا يسلم ولا يرد السلام ولا يشمت العاطس عند المالكية، ويكره تحريماً عند الحنفية الكلام من قريب أو بعيد، ورد السلام، وتشميت العاطس، وكل ما حرم في الصلاة حرم في الخطبة، فيحرم أكل وشرب وكلام ولو تسبيحاً أو أمراً بمعروف، بل يجب عليه أن يستمع ويسكت. وإشارة الأخرس المفهومة ككلام لقيامها مقامه في البيع وغيره.
- ويباح الكلام قبل البدء في الخطبة وبعد الفراغ منها اتفاقاً، وفي أثناء الجلوس بين الخطبتين عند الحنابلة والشافعية، ويحرم في أثناء الجلوس المذكور عند المالكية.
ويندب عند المالكية حمد الله تعالى سراً لعاطس حال الخطبة، ويجوز عندهم مع خلاف الأولى ذكر الله تعالى كتسبيح وتهليل سراً إذا قل، حال الخطبة، ومنع الكثير جهراً، لأنه يؤدي إلى ترك واجب، وهو الاستماع.
ولا يحرم الكلام على الخطيب، ولا على من سأله الخطيب، كأن يأمر إنساناً لغا أو خالف السنة أو ينهاه، فيقول: أنصت، أو لا تتكلم، أو لا تتخط أعناق الناس ونحو ذلك، وجاز للمأمور إجابته إظهاراً لعذره. ولأن تحريم الكلام علته الاشتغال عن الإنصات الواجب وسماع الخطبة، ولا يحصل ههنا. وكذلك من كلم الإمام لحاجة، أو سأله عن مسألة.
مكروهات الخطبة:
مكروهات الخطبة: عند الحنفية والمالكية: هي ترك سنة من السنن المتقدمة، ومن أهمها تطويل الخطبة وترك الطهارة، فكلاهما مكروه، ومنها عند الحنفية: أن يسلم الخطيب على القوم إذا استوى على المنبر.
ويكره باتفاق العلماء تخطي الرقاب أثناء الخطبة لغير الإمام ولغير فرجة، لأنه يؤذي الجالسين، ولنهي النبي ﷺ عنه والكراهة تحريمية عند الحنفية والشافعية، ويجوز إن كان هناك فُرْجة لتقصير القوم بإخلاء فرجة، مع كونه خلاف الأولى عند المالكية،
وليس ترك السنن المتقدمة عند الشافعية والحنابلة مكروهاً على إطلاقه، بل منه ما هو مكروه، ومنه ما هو خلاف الأولى.
ويكره العبث حال الخطبة، لقول النبي ﷺ:"من مس الحصى فقد لغا"، ويكره الشرب ما لم يشتد عطشه.
سنن الجمعة:
يسن لصلاة الجمعة:
- الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب لمن يأتي الجمعة: سنة عند الجمهور، مستحب عند المالكية.
ووقت الغسل من فجر الجمعة إلى النزول، وتقريبه من ذهابه للصلاة أفضل، لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة.
- والتطيب ولبس أحسن الثياب أو التجمل والمندوب لبس الأبيض يوم الجمعة، فالثياب البيض أفضل الثياب.
- التبكير للجمعة ماشياً بسكينة ووقار والاقتراب من الإمام، والاشتغال في طريقه بقراءة أو ذكر.
- تنظيف الجسد وتحسين الهيئة قبل الصلاة: بتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة ونحو ذلك كإزالة الرائحة الكريهة بالسواك للفم وغيره من مواطن الرائحة في الجسم. ويسن للإمام أن يزيد في حسن الهيئة والعمة والارتداء، اتباعاً للسنة، ولأنه منظور إليه.
قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها.
- الإكثار من الدعاء يومها وليلتها.
- الإكثار من الصلاة على رسول الله ﷺ يومها وليلتها.
- يقرأ الإمام جهراً بعد الفاتحة في الركعة الأولى "الجمعة" وفي الثانية "المنافقون" اتباعاً.
- قراءة: آلم. السجدة، و هل أتى على الإنسان: سنة في صلاة الصبح يوم الجمعة.
- صلاة أربع ركعات قبل الجمعة، وأربع بعدها، كالظهر مستحب عند الجمهور.
وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان.
- قراءة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين بعد الجمعة.
- يستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول عن موضعه.
السجود على الظهر ونحوه في الزحمة:
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه: متى قدر المزحوم على السجود على ظهر إنسان أو قدمه، لزمه ذلك وأجزأه.
ولا يحتاج هنا إلى إذنه، لأن الأمر فيه يسير.
وذهب المالكية إلى بطلان الصلاة.
- مفسدات الجمعة:
تفسد الجمعة بما تفسد به سائر الصلوات الأخرى، ويضاف إليها مفسدات أخرى خاصة بها هي ما يلي:
- خروج وقت الظهر في خلال الصلاة عند الجمهور، وقال المالكية: لا تفسد، لأن الجمعة كغيرها فرض مؤقت بوقت، وهو وقت الظهر، وخروج الوقت لا يفسد الصلاة.
وكذا تفسد عند أبي حنيفة بخروج الوقت بعدما قعد قدر التشهد.
- فوت الجماعة الجمعة قبل أن يقيد الإمام الركعة بالسجدة، بأن نفر الناس عنه عند أبي حنيفة. أما فوت الجماعة أي انفضاضها بعد تقييد الركعة بالسجدة، فلا تفسد.
فإن فسدت الجمعة بسبب خروج الوقت أو بفوت الجماعة، تصلى ظهراً.
وإن فسدت بما تفسد به عامة الصلوات من الحدث العمد والكلام وغير ذلك، تصلى جمعة عند وجود شرائطها.
صلاة الظهر بسبب خروج وقت الظهر:
إذا انتهى وقت الظهر أو ضاق عن الجمعة بأن لم يبق منه ما يسع الخطبة والركعتين، سقطت الجمعة، فلا تقضى جمعة باتفاق العلماء، وإنما تصلى ظهراً، لأن القضاء على حسب الأداء، والأداء فات بشرائط مخصوصة، يتعذر تحصليها على فرد، فتسقط، بخلاف سائر المكتوبات إذا فاتت عن أوقاتها.