الداعية أبوعبدالله
عضو مميز
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
كم شخصًا ردّد هذه العبارة؟ بل كم شخصًا قال أنّ رمضان القادم سيكون بدايةً وتجديد عهدٍ بينه وبين الله، ليحافظ على صلاته لكن الله توفاه قبل مجيء رمضان فلا هو صام رمضان ولا صلّى؟ كثيرون هم من تماطلوا وكانوا يعيشون منتظرين يوما ما ليبدؤوا الصلاة ويداوموا عليها لكن الموت سبقهم، هي أمثلة كثيرة تحيط بنا من كل جانب يضعون لأنفسهم الأعذار الواهية التي يحاولون من خلالها إسكات نفسهم اللوامة التي تجلدهم في كل يوم يمر عليهم دون أن يركعوا ركعة واحدة. أتصدقون أن هنالك أشخاصا يعيشون بشكل طبيعي يقومون بكل شيء إلاّ أمر واحد فقط؟!، نعم... الصلاة!
تلك العبادة التي لا تأخذ منّا سوى دقائق معدودات، وإن سألتهم لمَ لا تصلون يخبرونك أنهم كل يوم يرددون نفس العبارة "غدا سأصلي" أو "يوما ما سأصبح من المصلين القانتين"، والعجيب في ذلك أنهم يدركون أن في الصلاة سكينة وراحة لهم وأنها ترتّب دواخلهم قبل حياتهم التي كانت ستصبح أفضل إن هم حافظوا عليها وأن أبواب الرزق ستفتح في وجوههم بفضلها.. لكن هَيْهاتَ هَيْهَات! يعيشون داخل غرفة مظلمة كُتِب على بابها "يوما ما سأصلي
الصلاة فرضت علينا بعد إثني عشر عاما من نزول الوحي، وهذا التأخير كان لحكمة من الله عز وجل ليتعرف عباده على دين الإسلام، ويحببهم فيه الخالق البارئ وفي الإسلام ويستوطن الإيمان وحب الله في قلوبهم
كيف لهذه النفوس أن تتذوّق طعم الراحة وهي تاركة للصلاة عماد الدين لأسباب واهية لا معنى لها، فهناك من يتحجج بأنه لا يخشع في صلاته، أو بعمله فلا يجد وقت للصلاة، وإذا ما اجتمعت عليه الصلوات عجز وتكاسل عن أدائها كلها؛ فينتهي به الأمر لتركها كليًا. ومِن الناس مَن يصيبه الإحباط لعدم التزامه عليها في وقتها فيتملكه القنوط من نفسه فيعرض عنها... هي الكثير من الأعذار التي يوهِم بها تارك الصلاة نفسه ليُسكت ضميره ويعيش بشكل طبيعي من دونها. لكن لو أنهم علموا أثرها وشأنها فعلا لما تركوا منها فرضا واحدا، ولسارعوا إلى الله هرولة بالنوافل، يبتغون رضاه.
أولئك الذين يتحججون بحججهم الواهية إلى متى سيخدعون أنفسهم؟ ألم يتساءلوا يوما عن سبب وجود أشخاص يحافظون على صلاتهم ولا يتركون منها فرضا؟ أم أن هؤلاء المصلين لهم دعم إلهي يجعلهم يحافظون على صلاتهم على غرار غيرهم؟! فلنكن على يقين أننا وحدنا من نصنع ذلك اليوم الذي ننتظره لنحافظ على صلاتنا فإن انتظرنا "يوما ما" فسنبلغ أجلنا ولن نصل إلى ذلك اليوم، فالخروج من عالم التأجيل والانتظار وحده ما سيجعلنا نحافظ على صلاتنا ونعيش السكينة والطمأنينة، لأن أول أسباب ترك الصلاة هي التأجيل ومحاكاة العقل قبل النهوض لأدائها، لذا وجب علينا ألاّ نتشاور مع عقلنا لأنه أحد أهم أسباب التكاسل بل علينا النهوض للصلاة مباشرة فلو استشرنا عقلنا قبل ذلك لسوّلت لنا أنفسنا ألف سببٍ وسببٍ للتماطل، مما ينتهي بنا لتأخيرها فتركها. وهو تأخير الصلاة أوّل خطوات العبد نحو تركها والإعراض عن أدائها نهائيا
.
ثم ماذا؟ ثم إن الصلاة فرضت علينا بعد إثني عشر عاما من نزول الوحي، وهذا التأخير كان لحكمة من الله عز وجل ليتعرف عباده على دين الإسلام، ويحببهم فيه الخالق البارئ وفي الإسلام ويستوطن الإيمان وحب الله في قلوبهم فيعرفوه حق المعرفة، ممّا يجعل إقبالهم على الصلاة يكون بكل حب وشوق ليختلوا بالله تعالى ويتواصلوا معه، فلا تكون بذلك مجرد فرض وأمر منه تعالى بل وسيلة تواصل بينه وبين عباده ليناجوه ويدعوه لتملأ السكينة والطمأنينة قلوبهم، فكيف لمن لا يعرف الله أن يحب الصلاة ويحافظ عليها وهو يراها مجرد أمر منه تعالى وما عليه إلاّ الطاعة فيرى نفسه مرغما عليها ليؤديها مكرها فلو عرف الله حقا وأدرك قيمة الصلاة لما تركها بل ولسارع لأدائها شوقا للحديث معه تعالى، حاله كحال المتيم الولهان يشتاق لحديث محبوبه فينتهز أيّ فرصة ليدقّ باب السماء ويناجيه، وهذا حال أغلب تاركي الصلاة فجهلهم بالله تعالى وظنهم أن العلاقة التي تربط بينهم وبينه مجرد علاقة أمر ونهي تجعلهم يتثاقلون عن أدائها والمحافظة عليها. فمن وجد الله وعرفه حقًا فلن يترك الصلاة يومًا.
ثم إن الكثيرين منا من يعيشوا في ضيق وإحباط لتركهم الصلاة وشعورهم بتأنيب الضمير يمنعهم من العيش بسلام فيصاحبهم دائما شعور غريب وكأن شيئا ناقصًا في حياتهم أو أن شيئا ضائعا منهم، والغريب أنهم يعلمون أن هذا النقص سببه ترك الصلاة، فتارك الصلاة يحس دائما بفراغ رهيب يجتاحه ولا يستطيع التخلص منه مهما فعل لأن هذا الفراغ لا يملؤه سوى الصلاة، فلا مهرب منها إلاّ لها فهي منبع الراحة والسكينة ومن المستحيل أن يشعر تاركها بهذه الراحة دونها مهما فعل. فوحده أداء الصلاة ما يجعل صدورنا تنشرح لذا علينا أن نجاهد أنفسنا للمحافظة عليها. وكل هذا الجهاد سيمضي، فلن يطول الوقت لتحافظ على صلاتك وأن هذا الجهاد لن يلازمك ما حييت، بل سيمضي فقط تحلى بالصبر، وانظر لقوله تعالى في فاتحة كتابه: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ"، فاستعن به سبحانه على عبادته، وتوكّل عليه واعبده واصطبر لعبادته حتى يأتيك اليقين