العبد الفقير إلى الله
عضو ذهبي
- سجل
- 20 أغسطس 2021
- المشاركات
- 2,811
- الحلول
- 10
- التفاعل
- 1,846
- الإقامة
- من أرض الله
- موقعي
- absba.cc
- الجنس
- ذكر
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إنْ فاتَك الاعْتِكافُ الكامِل، فلا تفُوتنَّك بعضُ فَضائلِه
فمع اقتراب العشر الأواخر من رمضان، يتجدد الحديث عن فضائل الاعتكاف، وأحكامه، بيد أن الأوضاع التي تمر بالعالم الآن بسبب فايروس كوفيد 19، والتي قررت كثير من البلدان إغلاق المساجد بسببها، سوف تحول بين جموع المسلمين وبين القيام بهذه العبادة العظيمة، التي قال عنها الإمام الزهري رحمه الله تعالى: "عجبا من الناس! كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله ﷺ كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قبض؟! (1) ".
وفي هذه المقالة، سأحاول ذكر بعض أسرار الاعتكاف وفضائله العظيمة، التي يمكن للمتسابقين إلى المعالي في هذا الشهر الكريم العمل بها، وهم في بيوتهم، إذا فاتهم الاعتكاف الشرعي في المساجد؛ إما بسبب هذه الجائحة، أو لأي سبب آخر: صحي، أو اجتماعي، أو نحو ذلك.
علما بأن الغالبية العظمى من المسلمين لا يستطيعون القيام بالاعتكاف الكامل حتى في الأحوال العادية؛ ولذا فإن معرفة هذه الفضائل ونشرها له أهمية كبيرة، لا سيما مع شيوع العمل بسنة الاعتكاف في السنوات العشر الأخيرة بشكل يبعث على السرور، ويحيي الأمل في العودة الصادقة إلى دين الله عز وجل، من خلال التنافس في أعمال القربات.
سر الاعتكاف:
إن أول قضية لا بد من النظر إليها في هذا السياق، هي "العلة" أو "العلل" التي جعلت للاعتكاف هذه المنزلة العظيمة، التي حدت بالنبي ﷺ أن يداوم عليه في كل حياته خلا سنوات ثلاث –كما حقق ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى–؛ انشغل في الأولى منها بأمر غزوة بدر، وفي الأخيرة منها بأمر فتح مكة، وأما الثانية فبسبب ما حصل من نسائه رضي الله عنهن من تنافسهن للاعتكاف معه ﷺ، ثم ازدحام المسجد بأخبيتهن، ومع ذلك قضى رسول الله ﷺ الاعتكاف في شهر شوال (2).
ما تلك الأسرار التي تجعل الرسول ﷺ -المسؤول الأول عن البشرية كلها- "يعطل" تلك المسؤوليات، سوى ما كان من الجهاد في غزوة بدر، ثم فتح مكة، مدة عشرة أيام متواليات، حابسا نفسه في المسجد، متفرغا لأنواع محددة من العبادة، مع أنه هو الذي جعل الحياة بأنشطتها السياسية والاجتماعية والرياضية عبادة؟!
لا أظن أن أحدا يستطيع الإحاطة بهذه الأسرار كلها، ولكن يبدو أن لبها يعود إلى ما في الاعتكاف من فضائل، وهذه الفضائل يمكن لمن لا يتمكن من الاعتكاف المسابقة إليها والمبادرة؛ إذ ما لا يدرك كله، لا يترك ما يمكن إدراكه منه،
ومن أهم هذه الفضائل:
1- كون المسلم في صلاة ما انتظر الصلاة.
2- استغفار الملائكة للمصلي ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث.
3- الرباط –كما سماه النبي ﷺ-، وذلك بانتظار الصلاة بعد الصلاة، فالمرابط حصل الفضيلتين السابقتين؛ كونه في صلاة، ثم استغفار الملائكة له، ولعل تسميته رباطا يضيف إليه فضيلة أخرى ثالثة. والمعتكف في رباط دائم طوال وقت اعتكافه.
فمن كان في منزله، فصلى العشاء وبقي في مجلسه حتى الفجر مثلا؛ فهو في صلاة وذكر -وإن تخلل ذلك شيء يسير من العادات–، فإن استمر على ذلك إلى شروق الشمس ثم ارتفاعها، ثم صلى ركعتين، فأي فضل قد حاز؟!
أما المعتكف في المسجد، فقد حصل هذه الفضائل، حتى لو تخلل ذلك نوم، أو طعام، أو عمل آخر مباح، ومع أن اللحاق به عزيز، لكن لعل حبس الإنسان نفسه في الموطن الذي أدى فيه الصلاة -ولو كان خارج المساجد المعروفة- منتظرا الصلاة التي تليها؛ يدخله في مضمار السباق، وفضل الله جل وعلا واسع.
هذا، مع الأخذ في الاعتبار أن مساجد البيوت -وهي أماكن تخصص للصلاة في البيوت- التي جرى فعل السلف على اتخاذها اقتداء بالنبي ﷺ، لا تأخذ حكم المسجد العام، لكن حبس النفس في موضع الصلاة هو الذي يحصل تلك الفضائل.
وأبرز أدلة الفضيلتين الأوليين؛ الرباط في انتظار الصلاة، واستغفار الملائكة للمصلي ما دام في مصلاه، ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلي – يعني عليه: الملائكة- ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه)، رواه البخاري ومسلم، وبوب عليه البخاري: باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد.
وفي رواية لمسلم: (ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه)، وهذا قد يدل على أن الحدث يشمل الحدثين؛ الحدث الذي ينقض الطهارة، وحدث اللسان من منكر القول.
وفي الصحيحين أيضا عن أنس رضي الله عنه، عن النبي ﷺ: (أنه لما أخر صلاة العشاء الآخرة، ثم خرج فصلى بهم، قال لهم: إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة).
وفي مسند الإمام أحمد، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، قال: (القاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه). وفي رواية له: (فإذا صلى في المسجد ثم قعد فيه، كان كالصائم القانت حتى يرجع).
وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن سلام، قال: قلت ورسول الله ﷺ جالس: (إنا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئا، إلا قضى له حاجته. قال عبد الله: فأشار إلي رسول الله ﷺ: أو بعض ساعة، فقلت: صدقت، أو بعض ساعة .
قلت : أي ساعة هي؟ قال: هي آخر ساعات النهار. قلت: إنها ليست ساعة صلاة! قال: بلى؛ إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يحبسه إلا الصلاة، فهو في صلاة).
وهذا يعني أن المعتكف في المسجد هو في حكم المصلي؛ أجرا، وثوابا وفضلا، أربعا وعشرين ساعة، يكتب له أجر المصلي وهو نائم، على طهارة وبدونها، أو أثناء أكله وشربه، وضحكه، وصمته، وكلامه، كأنما كان يصلي في كل لحظة مدة اعتكافه، فسبحان الله وبحمده على هذا الفضل العظيم!
أما من انتظر الصلاة خارج المسجد فيحصل هذا الأجر إذا مكث في مصلاه، بشرط الطهارة، وكف الأذى ومنكر القول.
ويتأكد كون منتظر الصلاة آخذا أجر المصلي، بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (إذا ثوب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة... فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة). رواه مسلم.
والصلاة في الأحوال الاعتيادية هي أفضل الأعمال ولا شك؛ فهي الركن الثاني، وقد فرضها الله جل وعلا على نبيه في السماء السابعة، دون واسطة، خمسين صلاة أول الأمر، وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وهي الفاصل بين الكفر والإسلام، وهي خير موضوع، وما يسجد المؤمن لله سجدة، إلا رفعه الله بها درجة... فكيف بالإنسان إذا كان متلبسا بها طوال وقته؟
فمن لم يستطع الصلاة أربعا وعشرين ساعة، فليصل في هذه العشر قدر ما يستطيع، وذلك بانتظار الصلاة بعد الصلاة، في مكان الصلاة؛ سواء كان ذلك في بيته أو في المسجد، وسواء صلى في جماعة أو منفردا.
وقد سئل الإمام مالك عن رجل صلى في غير جماعة، ثم قعد بموضعه ينتظر صلاة أخرى، أتراه في صلاة بمنزلة من كان في المسجد كما جاء في الحديث؟ قال: نعم إن شاء الله، أرجو أن يكون كذلك ما لم يحدث فيبطل ذلك ولو استمر جالسا (3).
وفي عدد من شروح الموطأ أن المرأة لو قعدت في مصلى بيتها تنتظر وقت صلاة أخرى، لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث؛ لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبة في الصلاة (4).
وهنا مسألة مشهورة، وهي: هل هذا الفضل مقصور على من جلس في نفس البقعة التي صلى فيها، أم يشمل ذلك المسجد كله؟ فيه خلاف ليس هذا مكان بسطه، لكن الخلاف وارد في شأن الصلاة والمكوث في المسجد؛ لأن المسجد على وجه الخصوص موطن للصلاة، ولا أظن هذا الخلاف يرد فيمن صلى في غير المسجد، كالبيت مثلا، وعليه فينبغي لزوم بقعة الصلاة في البيت؛ حتى ينال الإنسان هذا الأجر العظيم، وسيأتي الحديث عن تعلق القلب بالصلاة ولو غادر الإنسان بقعة الصلاة.
الرباط في الثغور المدنية:
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط).
وفي المسند وسنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: صليت مع رسول الله ﷺ المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله ﷺ مسرعا قد حفزه النفس، وقد حسر عن ركبتيه، فقال: (أبشروا، هذا ربكم قد فتح عليكم بابا من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي، قد قضوا فريضة، وهم ينتظرون أخرى). حديث صحيح (5).
وفي المسند عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: (منتظر الصلاة من بعد الصلاة، كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه، تصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر). حديث حسن (6).
اعتكاف القلب المتعلق بالمسجد
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، قال: (سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد).
في رواية الموطأ، وصحيح مسلم، والترمذي: (ورجل معلق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه).
قال المناوي في معنى (إذا خرج منه حتى يعود إليه): كنى به عن التردد إليه في جميع أوقات الصلاة، فلا يصلي صلاة إلا في المسجد، ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليعود فيصليها فيه، فهو ملازم للمسجد بقلبه، فليس المراد دوام الجلوس فيه. اهـ.
وقال النووي: ومعناه: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه: دوام القعود في المسجد.
وعلى هذا فيمكن أن يقال: إن من لم يستطع المكوث في المصلى لعذر، فلعله يدرك فضلا كبيرا بعكوف قلبه في موطن صلاته؛ حبا في صلاته، وشوقا إليها، قال ﷺ: ((إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا)) أخرجه البخاري (2996). كما أن من كان معتادا على الصلاة في جماعة لا ينبغي له أن يحزن؛ فإن أجر الجماعة يجري عليه بإذن الله، وكذلك من كان مداوما على الاعتكاف في المسجد، يرجى أن يكون له أجر اعتكافه، ولو مكث في جوف بيته.
الربـــــــــاط الليلي:
وهذا يحصل للمعتكف بمجرد وجوده في المسجد؛ بسبب نية الاعتكاف، حتى لو حصل منه نوم، أو اشتغال بطعام أو شراب، كما تقدم.
وقد يلحق به من مكث في مصلاه بعد صلاة العشاء، وانشغل بالصلاة والذكر، وإن تخلل ذلك شيء يسير غير ذلك -لكن (ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه) كما تقدم- منتظرا صلاة الفجر؛ فالمأمول أنه يحصل على ما لا يكاد يوصف من الأجر.
فكيف إذا حصل له ذلك في ليلة القدر؟! وهي الليلة التي من وفق فيها للتعبد كانت عبادته أفضل من عبادة ألف شهر؛
قال الله جل وعلا
: {ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر: 3]
، فالله تعالى قال
: {خير من ألف شهر}
، ولك أن تتخيل مقدار هذا الأجر الناتج من هذا الرباط الليلي! ولعل هذا هو السر الذي جعل النبي ﷺ يعطل جميع أعماله الأخرى على عظم أهميتها؛ حتى لا يفوته ذلك الأجر الذي لا يكاد يتصوره ذهن، والذي يكشف عن عظيم رحمة الله جل وعلا بهذه الأمة؛ حيث جعل ليلة القدر لها، لتستدرك في أعمارها المحدودة بين الستين والسبعين؛ حتى تسبق الأمم الخالية، فالحمد لله حمدا كثيرا كما يحب ربنا ويرضى، ونسأله جل وعلا أن يرزقنا شكر هذه النعم التي لا تحصى.
وماذا عن المرأة؟
اختلف العلماء في اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وقد أشرنا إلى أن اتخاذه سنة نبوية، مشى عليها السلف والصالحون بعدهم.
قال البخاري في كتاب الصلاة من "صحيحه": باب المساجد في البيوت، وصلى البراء بن عازب في مسجده في داره جماعة. وقد روى البخاري ومسلم عن عتبان بن مالك رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله ﷺ: فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله، فقال: أين تحب أن أصلي؟ فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله ﷺ.
قال العيني: (فيه من الفوائد... اتخاذ موضع معين من البيت مسجدا وغيره(... وفي قصة الهجرة عن عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر الصديق: أنه ابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن.
قال عبد الله بن مسعود: وإني لا أحسب منكم أحدا إلا له مسجد يصلي فيه في بيته. رواه أبو داود وغيره.
وأنت إذا تأملت ذلك بمعزل عن هذه الأسرار المحتملة للاعتكاف، وجدت أن اعتكاف المرأة في مسجد بيتها منقوض ومنقوص شرعا وعقلا؛ لقوة ما يرد عليه، فهل تعتكف المرأة وتعتزل زوجها؛ قياسا على الرجل في أخذه
بقول الله جل وعلا:
{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187]؟!
وما حكمها إذا دعاها زوجها لحاجته ليلا؟ وإن كانت بلا زوج، فهل يجوز لها أن تقبل خطبة النكاح حال الاعتكاف؟
ولكن مر معنا ما في شروح الموطأ: أن المرأة لو قعدت في مصلى بيتها تنتظر وقت صلاة أخرى، لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث؛ لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبة في الصلاة (7). ومن ثم فإن هذه الفضائل ستحصل، سواء اعتبرنا ذلك اعتكافا -كما يرى الحنفية- أم لا.
المكوث في المصلى بعد صلاة الفجر:
قد يتيسر لكثير من الناس أداء صلاة الفجر جماعة في بيوتهم، فإن حصل لهم ذلك، فينبغي ألا يفوتهم هذا الأجر الوارد في هذه الأحاديث:
قال الترمذي: (باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس)، ثم أورد بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: (من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين؛ كانت له كأجر حجة وعمرة)، وفي رواية: (تامة، تامة، تامة).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (لأن أقعد أذكر الله تعالى وأكبره، وأحمده وأسبحه، وأهلله حتى تطلع الشمس؛ أحب إلي من أن أعتق رقبتين أو أكثر من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس؛ أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل).
وفى صحيح مسلم عن سماك بن حرب رضي الله عنه، قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، كثيرا، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام.
وروى البغوي وغيره عن علقمة بن قيس -وكان أشبه الناس سمتا وهديا بعبد الله بن مسعود، قال: بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من نومة العالم بعد صلاة الصبح.
وماذا عن يوم الجمعة في العشر الأواخر؟
في هذه السنة -أعني: 1441 من هجرة النبي ﷺ- فرصة نادرة التكرر، ألا وهي وجود جمعتين في العشر الأواخر، ويوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع، وفضائله تجاوزت السبعين!
فكيف إذا وقعت الجمعة في رمضان؟! وكيف إذا وقعت الجمعة في العشر الأواخر منه؟!
إن من أعظم الفرص التي لا ينبغي أن تفوت علينا في هاتين الجمعتين: الجلوس في المصلى من بعد صلاة العصر وحتى صلاة المغرب؛ فهو رباط، في يوم جمعة، في العشر الأواخر، وفيه دعاء في ساعة استجابة، في وقت صيام؛ فلا تفوتنكم معاشر المسلمين.
وهنا سر عجيب متعلق باستجابة دعاء هذا الوقت؛ فقد تقدم حديث عبد الله بن سلام، وفيه: قلت ورسول الله ﷺ جالس: (إنا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئا، إلا قضى له حاجته. قال عبد الله: فأشار إلي رسول الله ﷺ: أو بعض ساعة، فقلت: صدقت، أو بعض ساعة .
قلت: أي ساعة هي؟ قال: هي آخر ساعات النهار. قلت: إنها ليست ساعة صلاة! قال: بلى؛ إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يحبسه إلا الصلاة، فهو في صلاة).
فمن جلس في مصلاه بعد العصر، رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا، فإن الملائكة تستغفر له، وهذا تمهيد لاستجابة الدعاء؛ فإن من أسباب استجابة الدعاء: التقدم بين يديه بالتوبة والاستغفار، فكيف إذا كان المستغفر للعبد هم العباد المكرمين، ملائكة الرحمن؟ ثم إن انتظار صلاة المغرب يجعل الإنسان في صلاة، ودعاء الصلاة أرجى بالقبول من الدعاء خارج الصلاة، فكيف إذا جمع مع ذلك كله صيام، يجمع انكسار الجائع الظمآن، المقبل على ربه الرحيم الرحمن؟!
أسأل الله جل وعلا ألا يسلط علينا بذنوبنا من يحرمنا من هذه الأيام والليالي المعدودات؛ إنه الكريم، البر الرحيم،
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
---------------------
[(1)] انظر: المبسوط (3/114)، عمدة القاري (12/140). ونسبه ابن بطال في شرح البخاري لابن المنذر.
[(2)] كما ثبت ذلك في صحيح البخاري رقم 2033.
[(3)] شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (1/ 459).
[(4)] أصل الكلام لابن عبد البر في الاستذكار، ينظر: ((فتح المالك بترتيب التمهيد)) (3/208)، ((شرح الزرقاني)) (1/459).
[(5)] أخرجه أحمد (6750)، وابن ماجه (801) واللفظ له.
[(6)] أخرجه أحمد (8625) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8144).
[(7)] أصل الكلام لابن عبد البر في الاستذكار، ينظر: ((فتح المالك بترتيب التمهيد)) (3/208)، ((شرح الزرقاني)) (1/459).
يجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل لمشاهدة الرابط المخفي
التعديل الأخير بواسطة المشرف: