العبد الفقير إلى الله
عضو ذهبي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
*********************************************
ألفاظ قرآنية / لفظ (الرجز) في القرآن
من الألفاظ التي استخدمها القرآن لبيان ما يصيب الكافرين والمعرضين عن حكمه لفظ (الرجز)، وهو قريب من لفظ (الرجس)، وبينهما فرق، نوقفك عليه بعد بيان المراد من هذه المادة لغة، ثم بيان دلالاتها في القرآن الكريم.
تذكر معاجم اللغة أن مادة (رجز) تدل على اضطراب في الشيء. من ذلك الرجز: داء يصيب الإبل في أعجازها، فإذا ثارت الناقة اضطربت فخذاها. ومن هذه المادة أيضاً اشتق بحر الرجز من الشعر؛ لتقارب أجزائه، وحدوث رجز في اللسان عند إنشاده، ويقال لنحوه من الشعر: أرجوزة وأراجيز، ورجز فلان وارتجز، إذا عمل ذلك، أو أنشد. والرجازة: كساء يُجعل فيه أحجار يعلق بأحد جانبي الهودج إذا مال، فيحدث اضطراباً. فمرجع هذه المادة كما ترى إلى الاضطراب.
ومادة (الرجز) وردت في القرآن الكريم في عشرة مواضع فقط، ووردت في جميع تلك المواضع بصيغة الاسم،
كقوله تعالى: {ويذهب عنكم رجز الشيطان} (الأنفال:11)،
ولم يأت هذا اللفظ بصيغة الفعل في القرآن الكريم.
ولفظ (الرجز) ورد في القرآن الكريم على ثلاثة معان: أولها: بمعنى (العذاب). وثانيها: بمعنى (الكيد). وثالثها: بمعنى (الصنم). وتفصيل ذلك يستبين بالوقوف على الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ:
قوله تعالى:
{فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء} (البقرة:59)،
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كل شيء في كتاب الله من (الرِّجز)، بكسر الراء، يعني به: العذاب.
ونحو ذلك قال قتادة ومجاهد وغيرهما. وقال أبو العالية: الرجز: الغضب. وقال ابن جبير: الرجز: الطاعون. ونحو ذلك قال الشعبي. وقال ابن زيد: لما قيل لبني إسرائيل:
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } (البقرة:58)،
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (البقرة:59)،
بعث الله جل وعز عليهم الطاعون، فلم يُبْق منهم أحداً. وقرأ الآية. قال الطبري: يغلب على النفس صحة ما قاله ابن زيد؛ لإخبار رسول الله ﷺ عن الطاعون أنه رجز، وأنه عُذب به قوم قبلنا. وقال ابن عاشور: الرجز من أسماء الطاعون. ونحو ذلك يقال في
قوله تعالى:
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} (الأعراف:162).
وقوله تعالى:
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الأعراف:134).
روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} قال: الطاعون. وروي عن مجاهد وقتادة أن (الرجز) هنا: العذاب. ونحو ذلك يقال في
قوله تعالى:
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} (الأعراف:135).
وقوله تعالى:
{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} (الأنفال:11)،
قال مجاهد: {رجز الشيطان}: وسوسته. وروى الطبري عن ابن إسحاق، قال: شك الشيطان. وقال ابن عاشور: {الرجز} هنا: القَذَر، والمراد: الوسخ الحسي وهو النجس، والمعنوي المعبر عنه في كتب الفقه بالحدث. والمراد الجنابة. وقيل: (الرجز) هنا: الكيد. قال ابن قتيبة: وسمي كيد الشيطان: رجزاً؛ لأنه سبب العذاب.
وقوله تعالى:
{إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (العنكبوت:34)، قال الطبري وغيره: عذاباً.
وقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} (سبأ:5)،
قال الطبري: الرجز هنا: سوء العذاب. ونحو ذلك
قوله تعالى:
{هَٰذَا هُدًى ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} (الجاثية:11).
وقوله تعالى:
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر:5)،
روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {الرجز}: الأصنام. وقال مجاهد وعكرمة: الرجز: الأوثان، وهو قريب من قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقال النخعي والضحاك: {الرجز}: المعصية. وهذه الأقوال في الآية على قراءة من قرأ {الرجز} بضم الراء. أما من قرأها بالكسر، فقد قال: {الرجز}: العذاب. ومعنى الآية بحسب هذه القراءة: ما أوجب لك العذاب من الأعمال فاهجر. والقراءتان متواترتان.
ولعلك تلاحظ أن أقوال المفسرين قد تتعدد في معنى (الرجز) في الآية الواحدة، وهي في المحصلة لا تخرج عن المعاني الثلاثة التي ورد عليها لفظ (الرجز) في القرآن الكريم، وهي: العذاب، والكيد، والأصنام.
هذا، وأكثر أهل العلم على أن لفظ (الرجز) ولفظ (الرجس) سواء من حيث المعنى، وهما: العذاب، قال الفراء: (الرجز) هو (الرجس). وكان أبو عمرو بن العلاء يزعم أن (الرجز) و(الرجس) بمعنى واحد، وأنه مقلوب، قُلبت السين زاياً. وأثبت بعض أهل العلم فرقاً بينهما، فقال: (الرجز): العذاب لا غير. و(الرجس) يقال للعذاب وغيره. ولا شك أن الدلالات القرآنية لكلا اللفظين تثبت أن بينهما فرقاً، وإن كان بينهما قاسم مشترك من حيث المعنى وهو معنى العذاب.
المصدر