العبد الفقير إلى الله
عضو ذهبي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
*********************************************
أنا شاب عمري 19عامًا، أفكّر في الزواج من أرملة لديها أيتام، فأنا أعلم حديث النبي ﷺ: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، فإذا قمت بتربية أولاد زوجتي، فهل أدخل في وصف هذا الحديث؟ وهل أمكث مع النبي ﷺ دائمًا، أم زيارة ورؤية فقط؟ وهل بعملي هذا الفعل أكون مع النبي ﷺ في الفردوس الأعلى دائمًا؟ وهل الزواج من مطلّقة لديها أطفال صغار، يدخل في الحديث؟ جزاكم الله خير الجزاء على نفع المسلمين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا كفلت أيتام هذا المرأة -سواء تزوجتها أم لم تتزوجها-؛ دخلت في هذا الحديث، وغيره مما جاء في فضل كفالة الأيتام، فقد قال رسول الله ﷺ-: كافل اليتيم -له، أو لغيره- أنا وهو كهاتين في الجنة. وأشار بالسبابة والوسطى. رواه مسلم.
قال القرطبي في المفهم: معنى قوله: "له، أو لغيره" أي: سواء كان اليتيم قريبًا للكافل، أو لم يكن، في حصول ذلك الجزاء الموعود على كفالته. اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم: أما قوله: "له، أو لغيره" فالذي له أن يكون قريبًا له -كجدّه، وأمّه، وجدّته، وأخيه، وأخته، وعمّه، وخاله، وعمّته، وخالته، وغيرهم من أقاربه-، والذي لغيره أن يكون أجنبيًّا. اهـ.
وأما من طُلِّقت أمُّه، وأبوه حيٌّ، فليس بيتيم؛ وبهذا يعرف جواب السؤال الرابع.
وأما السؤال الثاني والثالث، فالجواب عنهما يتبين من معنى إشارة النبي ﷺ بأصبعيه السبابة والوسطى، فليس معناها اتحاد المنزلة والدرجة، وإنما معناها قرب المنزلة والدرجة، فكافل اليتيم في الدرجة التي تلي درجة النبي ﷺ ليس بينهما فاصل، ويكون المقصود: الاجتماع، والحضور، والمعية، دون اتحاد الدرجة، قال القرطبي في المفهم: معنى قوله: "أنا وهو في الجنة كهاتين" أي: هو معه في الجنة، وبحضرته، غير أن كل واحد منهما على درجته فيها؛ إذ لا يبلغ درجة الأنبياء غيرهم، ولا يبلغ درجة نبينا ﷺ أحد من الأنبياء .. وإلى هذا المعنى الإشارة بقِرانه بين إصبعيه السبابة والوسطى؛ فيُفهم من الجمع بينهما: المعية، والحضور، ومن تفاوت ما بينهما: اختصاص كل واحد منهما بمنزلته ودرجته. وقد نصّ على هذا المعنى النبي ﷺ في قوله: المرء مع من أحبّ، وله ما اكتسب. اهـ.
ويؤكّد هذا حديث سهل بن سعد مرفوعًا: وأنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وأشار بالسبابة والوسطى، وفرّج بينهما شيئًا. رواه البخاري. قال الكرماني في «الكواكب الدراري»: أي: كنا مصاحبين مجتمعين. فإن قلت: درجات الأنبياء أعلى من درجات سائر الخلق، لا سيما درجة نبينا ﷺ؛ فإنها لا ينالها أحد.
قلت: الغرض منه المبالغة في رفعة درجته في الجنة. اهـ.
وقال ابن الملقن في «التوضيح»: يريد أن منزلته قريب من منزلته، ليس بينهما منزلة. اهـ.
وقال ابن حجر في «فتح الباري»: فيه إشارة إلى أن بين درجة النبي ﷺ وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى، وهو نظير الحديث الآخر: "بعثت أنا والساعة كهاتين .." الحديث. وزعم بعضهم أنه -ﷺ- لما قال ذلك استوت إصبعاه في تلك الساعة، ثم عادتا إلى حالهما الطبيعية الأصلية؛ تأكيدًا لأمر كفالة اليتيم!
قلت: ومثل هذا لا يثبت بالاحتمال، ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة إصبع أخرى ...
ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حالة دخول الجنة؛ لما أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة رفعه: أنا أول من يفتح باب الجنة، فإذا امرأة تبادرني، فأقول: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة تأيّمت على أيتام لي. ورواته لا بأس بهم. وقوله "تبادرني" أي: لتدخل معي، أو تدخل في أثري.
ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين: سرعة الدخول، وعلو المنزلة ... اهـ.
والله أعلم.