العبد الفقير إلى الله
عضو ذهبي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
*********************************************
الحمـد لله وحده نحمده و نشكره و نستعـينه و نستـغفره و نعـود بالله
مـن شـرور أنـفسنا و من سيـئات أعمالنا .. من يـهده الله فلا مظل لـه و مـن يظـلل فلن تـجد له ولياً
مرشدا ..و أشـهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محــمداً عبده و رسـوله صــلى الله عليه و
سلم و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسـان إلى يوم الدين ..ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الـخـبــيـر .. ربـنـا لا فــهم لـنا إلا ما فهــمتنا إنــك أنـت الجــواد الـكـريـم .
ربـي اشرح لي صــدري و يســر لي أمــري و احــلل عقــدة من لســاني يفقــهوا قــولي ..
فإن أصــدق الحــديث كــتاب الله تعــالى و خير الــهدي هــديُ محمد صلى الله عليه و سلم ..
و شــر الأمــور مــحدثــاتها و كــل محــدثة بدعة و كل بدعـة ظـلالة و كل ظـلالة فــي النار ..
فاللــهم أجــرنا و قــنا عذابــها برحمتــك يا أرحــم الراحميــن
السؤال: هل فهمت على الأرجح من قواعد الحياء التي تدعو إليها أن الرجال يجب أن يجثموا أو ينحنوا عند التبول؟ لكني أتساءل إذا كان من الأكثر حياء عدم استخدام المبولة في غرف نوم الرجال إذا كان أحدهم مسلما وتقترب غرفته من دورة المياه. أنا أعرف أن قواعد الأدب والحياء بالنسبة للمرأة المسلمة كثيرة وشديدة التحفظ عنها بالنسبة للمرأة الغربية. وأنا لهذا السبب أحترم المرأة المسلمة كثيرا. أنا لا أحب مهاجمة المسلمين وإن بدا ذلك من سؤالي لكني فقط لا أمتلك المعرفة الكافية بآدابهم وسلوكياتهم. شكرا لك مقدما على الإجابة حفظك الله تعالى من كل سوء وأدام لك الصحة والعافية.
الإجابة: الحمد لله لا بدّ أولا من شكرك أيّها السائل على حرصك على مشاعر المسلمين وسعيك لمعرفة ما يؤذيهم لتجتنبه، ويسرنا أن نعتني بتفصيل الجواب لك فيما طلبتَ وأكثر لعلّه أن ينفتح لك من خلاله ما يقودك إلى خير عظيم. إنّ من عظمة الشّريعة الإسلامية المباركة أنّها ما تركت خيرا في قليل ولا كثير إلا أمرت به ودلّت عليه ولا شرا في قليل ولا كثير إلا حذّرت منه ونهت عنه، فكانت كاملة حسنة من جميع الوجوه،
وقد أثار ذلك دهشة غير المسلمين وإعجابهم بهذا الدّين حتى قال أحد المشركين لسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءةَ فَقَالَ سَلْمَانُ أَجَلْ «نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ» .. الحديث، (الترمذي:16) وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ في (صحيح مسلم) وغيره وقد وردت في الشريعة الإسلامية عدة آداب وأحكام في قضاء الحاجة ومنها:
1- عدم استقبال قبلة الصّلاة عند البول والغائط (وقبلة المسلمين هي الكعبة التي بناها إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأمر من الله تعالى في مكة) وهذا من احترام القبلة وتعظيم شعائر الله تعالى وقد قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا » (مسلم:389).
2- أن لا يمسّ ذَكَرَه بيمينه وهو يبول لقوله ﷺ : «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ» (البخاري:150).
3- أن لا يزيل النّجاسة بيمينه بل يستخدم شماله لمباشرة النجاسة في إزالتها للحديث المتقدّم ولقوله ﷺ : " «إِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ» (البخاري:5199) ولما روته أم المؤمنين حفصة رضي الله تعالى عنها زوج النبي ﷺ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ» رواه الإمام أحمد وهو في (صحيح الجامع:4912)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَطَابَ أَحَدُكُمْ فَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ ، لِيَسْتَنْجِ بِشِمَالِهِ» (ابن ماجة:308) وهو في (صحيح الجامع:322).
4- والسنّة أن يقضي حاجته جالسا وأن يدنو من الأرض لأنّه أستر وآمن من ارتداد رشاش البول عليه وتلويث بدنه وثيابه فإن أَمِن ذلك جاز البول قائما.
5- أن يستتر عن أعين الناس عند قضاء الحاجة وقد «كان أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ» (أي مرتفع من الأرض أو حائط نخل وهو البستان) (مسلم:517)، وإذا كان الإنسان في الفضاء وأراد قضاء حاجة ولم يجد شيئا يستره فليبتعد عمن حوله من الناس لما رواه الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ «فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ»(الترمذي:20) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَلاءِ «وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ» (النسائي:16) وهو في (صحيح الجامع:4651).
6- أن لا يكشف العورة إلا بعد أن يدنو من الأرض لأنّه أستر لما رواه أَنَس رضي الله تعالى عنه قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الأَرْضِ»(الترمذي:14) وهو في (صحيح الجامع:4652). وإذا كان في مرحاض فلا يرفع ثوبه إلا بعد إغلاق الباب وتواريه عن أعين النّاظرين، ومن هذه النقطة والتي قبلها تعلم أيّها السائل الكريم أنّ ما يفعله كثير من النّاس في بلاد الغرب وغيرها من التبوّل وقوفا في المحلات المكشوفة داخل المراحيض العامة هو أمر مناف للأدب والحياء والحشمة والأخلاق الفاضلة الكريمة وتقشعرّ منه بدن كلّ صاحب فطرة سليمة وعقل صحيح ، إذ كيف يكشف الشّخص أمام النّاس عورته التي جعلها الله بين رجليه سترا لها وأمر بتغطيتها واستقرّ أمر تغطيتها عند جميع عقلاء البشر. وكذلك فإنّ من الخطأ أساسا بناء المراحيض بهذا الشّكل المُشين الذي يرى فيه مستعملوها بعضهم بعضا وهم يبولون متخلّفين في ذلك عن بعض البهائم التي من عادتها الاستتار عند التبوّل والتغوّط .
7- ومن الآداب الشّرعية عند المسلمين أذكار معيّنة يقولونها عند دخولهم الخلاء وعند خروجهم منه وهي مناسبة تمام المناسبة للحال والمكان فقد علمنا نبينا ﷺ أن يقول الواحد منا عند دخول الخلاء: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، فيستعيذ بالله من كلّ أمر خبيث ومن كلّ شيطان وشيطانة، وعند الخروج يسأل الله المغفرة بقوله: غفرانك.
8- الاعتناء بإزالة النجاسة بعد الفراغ من قضاء الحاجة لقوله ﷺ محذّرا من التساهل في التطهّر من البول: «أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ» (ابن ماجة:342) وهو في (صحيح الجامع:1202) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» (البخاري:5592).
9- أن يكون غسل النجاسة أو مسحها ثلاث مرات أو وترا بعد الثلاث بحسب ما تدعو إليه حاجة التطهير، لما جاء عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَغْسِلُ مَقْعَدَتَهُ ثَلاثًا» قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَعَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ دَوَاءً وَطُهُورًا (ابن ماجة:350) وهو في (صحيح الجامع:4993)، ولما رواه أبو هُرَيْرََةُ رضي الله تعالى عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا » رواه الإمام أحمد وحسنه في (صحيح الجامع:375).
10- أن لا يستعمل العظم ولا الرّوث في الاستجمار (وهو إزالة النجاسة بالمسح). وإنما يستعمل المناديل والحجارة ونحوها. لما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ «مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ: هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ .. » الحديث (البخاري:3571).
11- أن لا يبول الإنسان في الماء الراكد. لما رواه جَابِر رضي الله تعالى عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» (مسلم:423) ولأنّ في ذلك تنجيسا للماء وإيذاء لمستعمليه. |
12- أن لا يبول في طريق النّاس ولا في ظلّ يستظلّ به النّاس، لأنّ في ذلك إيذاء لهم، وقد روى أبو هُرَيْرَةُ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ قَالُوا وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ» (أبو داود:23) وهو في (صحيح الجامع:110).
13- أن لا يسلّم على من يقضي حاجته ولا يردّ السّلام وهو في مكان قضاء الحاجة تنزيها لله سبحانه أنْ يُذكر اسمه في الأماكن المستقذرة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ» ( ابن ماجة:346) وهو في (صحيح الجامع:575).
وجمهور العلماء على كراهية الكلام في الخلاء لغير حاجة. كانت تلك طائفة من الآداب والأحكام التي وردت في شريعة الإسلام بشأن هذا الموضوع الذي يتكرر من كلّ إنسان يوميا فاعتنت به الشّريعة غاية الاعتناء وبيّنت فيه كلّ التبيين فما بالك بما هو أعظم منه، فهل تعلم أيها السائل الكريم دينا أو شريعة في العالم جاءت بمثل هذا، إنّه كاف والله في إثبات كمالها وحسنها ووجوب اتّباعها، نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق لكلّ خير والهداية إلى الحقّ وصلى الله على نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.
رابط المادة: http://iswy.co/e17d6t