• أعضاء وزوار منتديات المشاغب ، نود أن نعلمكم أن المنتدى سيشهد في الفترة القادمة الكثير من التغيرات سواءاً على المستوى الإداري او مستوى الاقسام، لذا نرجو منكم التعاون، وأي ملاحظات او استفسارات يرجى التواصل معنا عبر قسم الشكاوي و الإقتراحات ونشكركم على حسن تفهمكم وتعاونكم ،مع خالص الشكر والتقدير والاحترام من إدارة منتديات المشاغب.
اعلان اعلان 1 اعلان 2

خطبة جمعة ثقافة التلبيس - (3) مصطلح (الحياد)

الغريبة

عضو مشاغب
سجل
15 يوليو 2021
المشاركات
4,145
التفاعل
3,402
الإقامة
الاسكندرية
الجنس
أنثى
ثقافة التلبيس - (3) مصطلح (الحياد)

هذا المصطلح يستخدمه البعض في مجال العلم للدلالة على
"ترك الميل في بحث قضية من القضايا، والوقوف موقف العدل والإنصاف"(1)
ويعدون التلبس به مما يمدح به الباحث، ويدل على عدم حيفه
واستجابته لعواطفه التي قد تخالف ما يظهر له من حقائق.

ولكن لو نظرنا إلى معنى هذا المصطلح في اللغة لوجدناه
لا يدل على شيء من هذا.

فقد جاء في لسان العرب (مادة: حيد):
"حاد عن الشيء: يحيد حيدًا وحَيَدانًا ومحيدًا وحيدودة : مال عنه وعدل".
ومثله في القاموس المحيط.
فلا رابط بين معناها في اللغة وما استخدمت له في مجال العلم.
إلا أن يراد أن يميل الإنسان أثناء البحث عن (الهوى) الذي يصده عن الحق،
كما قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ
بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}
[ص:26]،
فعندها يحسن استعمال مصطلح (العدل) الذي يغني في هذا الباب،
وقد أمر الله المؤمنين في كتابه بأن يتصفوا به أثناء تصديهم
للحكم بين الناس أو بين الأفكار، قال سبحانه:
{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58]،
وقال: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}

[المائدة:8].

فالمسلم مطالب بالعدل في ما يصدره من أحكام،
وهو أن يضع الشيء في موضعه الذي وضعه الله فيه شرعًا،
فيمدح ما مدحه الله ويذم ما ذمه، ويدور مع ما دل عليه الكتاب والسنة،
ولو خالف بذلك عواطفه أو أهواءه، فضلاً عن عواطف وأهواء الآخرين.

والذي يظهر أن مصطلح (الحياد) تسرب إلى المجال العلمي من المجال السياسي؛
حيث عرف هذا المصطلح حديثًا في عالم السياسة (بعد الحربين العالميتين)
بمعنى عدم التحيز إلى أحد من الطرفين المتصارعين،
وذلك بعد أن ذاق العالم ويلات الحربين.

يقول الدكتور عبد المنعم زنابيلي في كتابه
(تطور مفهوم الحياد عبر المؤتمرات الدولية، ص 5):
"الحياد الإيجابي وعدم الانحياز ظاهرة من الظواهر السياسية لعالم كابَد
الحرب العالمية الثانية"، وهو يعني "عدم التحزب لأجل غير محدود" (ص 13)،


والحياد في السياسة نشأ كما يقول الدكتور أحمد زكي بدوي
في معجم المصطلحات السياسية والدولية (ص 115):

"بتأثير الجو العام الذي كان يسود العلاقات الدولية بسبب الحرب الباردة،
وقد تجسد بشكل عملي لأول مرة في مؤتمر باندونج".

وهذا الحياد -كما تقول (موسوعة السياسة للكيالي:2/594)-:
"إمكانية من إمكانيات الخيار التي يحق للدول اللجوء إليها في حال
قيام نزاع مسلح لا يعنيها أو لا يتعلق بها بصورة مباشرة"،
ومن خلاله -كما يقول الدكتور زنابيلي، (ص17)-:
"تهدف الدولة المحايدة.. إلى تجنيب شعبها وأرضها
مختلف الاحتمالات الناجمة عن الصراعات المسلحة"،
وأكثر من استعمل هذا المصطلح ودعا إليه الدول الآسيوية والأفريقية
التي اكتشفت بأنها قد أصبحت مجرد دمية تحركها الدول المتقدمة
في صراعاتها المتنوعة، فبادرت إلى إطلاق هذا المصطلح؛
لتحمي نفسها ومصالحها من شرور ذلك الصراع بين الكتلتين (الشرقية والغربية).
ثم استعمل هذا المصطلح في مجال البحث العلمي للدلالة على
ترك الميل مع العواطف في بحث قضية من القضايا والوقوف منها
-كما يزعمون- موقف الإنصاف، فأصبح الباحث (المسلم المتأثر بهذا المصطلح)
يعرض المسائل العلمية عرضًا دون هوية، أو ميل للانتصار للحق أو مدافعة للباطل!
ليثبت للآخرين بأنه (محايد)! أو لا يُحكم عواطفه بل عقله!
ويتضح خطأ هذا المصطلح وخطورته في ذات الوقت عندما يتلبس به
الباحث المسلم أثناء حديثه عن أمور الديانات والعقائد،
حيث يضطره تأثره بهذا المصطلح واغتراره به إلى أن يستحيي
من نصر الحق والمدافعة عنه، والفخر والفرح بالتزامه.
قد تقول: لا يلزم كل هذا؛ لأن الباحث المسلم عندما يتعرض لتلكم
المسائل أو غيرها (بحياد) فإن ذلك سيوصله حتمًا إلى الحق
والصواب فيها، وهو ما يوافق الكتاب والسنة،
لأن الشرع والعقل (المحايد) يلتقيان ولا يتناقضان،
وبهذا نضمن قبول الآخرين لهذا الحق والصواب الذي تمحض
نتيجة هذا الموقف الحيادي لا العاطفي.
فأقول: قد يكون هذا صحيحًا في المسائل الظاهرة التي يدركها العقل.
ولكنه ليس بصحيح في المسائل الكثيرة المتعلقة بالإيمان والتسليم،
لا سيما في مجال الغيبيات والعقائد.
أو المسائل التي يتوهم المحايدون أنها تعارض العدل!
كأحكام أهل الذمة، وأحكام المرأة.
أو المسائل التي لم تتبين حكمتها لكثير من الناس،

فمثل هذه المسائل تجعل الباحث المسلم في محك خطير
بين أن يرفضها وينكرها متابعة منه لما يسمى الحياد العلمي،
وبين أن يقبلها ويُسلم بها استجابةً لأمر الله وأمر رسوله
ﷺ، فإن اختار الأولى صدق عليه قوله تعالى:
{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس:39]،
وإن اختار الثانية كان من المرحومين الذي قال الله فيهم:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132].
ويتضح لك هذا بالمثال:

فإن الباحث المسلم عندما يتعرض لقضية جريان الشمس من عدمه،
هو بين أمرين: إما أن يمارس ما يسمى بالحياد العلمي،
فيعتقد ثبوت الشمس ودوران الكواكب حولها؛ متابعة منه
لما أقامه علماء الغرب من دلائل علمية -زعموا- على هذا الأمر.
ويُبطل غيره ولو كان قد قرره القرآن بصراحة ووضوح،
وهو أن الشمس ليست بثابتة، بل تجري؛ كما قال تعالى:
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38].
والأمثلة على هذا كثيرة لا يسعها المقام لا سيما –كما قلت سابقًا-
في مسائل الغيبيات، أو في أحكام المرأة، أو أحكام أهل الذمة،
حيث تتصادم النصوص الشرعية (الصريحة) مع ما يظنه المتأثرون
بالحياد إنصافًا أو عدلاً! فيبقون بعدها محتارين بين ما يعلمونه يقينًا
من نصوص الشريعة، وبين ما تلبسوا به من حياد كاذب خدعهم به الآخرون.


وهذا ابتلاء عظيم صرفه الله عمن عظم وحيه وشريعة نبيه ﷺ.
فعلى الباحث المسلم أن يتقي الله ربه، ويحذر من الانسياق وراء هذه المصطلحات المخادعة التي هي في حقيقة أمرها تؤول إلى تعظيم العقل البشري القاصر على حساب النصوص الشرعية، كما أنها تجعل من المسلم إنسانًا (ماديًا) (متمردًا) لا يقبل التسليم لما قاله الله ورسوله الكريم ﷺ والله يقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}
[الأنفال:24]،

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

-----------------
(1) منهج كتابة التاريخ الإسلامي؛ للأستاذ محمد بن صامل العلياني (ص145)
وقد نبه وفقه الله على خطأ استعمال هذا المصطلح وغيره من المصطلحات المشابهة.


سليمان بن صالح الخراشي

رابط المادة:
يجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لمشاهدة الرابط المخفي


 
بارك الله فيك اختي الفاضلة
جعله الله في ميزان حسناتك
جزاك الله كل خير
 
بارك الله فيك أختي الكريمة على هذه المشاركة الطيبة والمفيدة والله يعطيك العافية وشكرا لك.

بانتظار جديدك المتجدد معنا ويامرحبابك.​
 
موضوع رااائع جزاك الله الف خير أختي الكريمة
 
اشكركم من قلبي على هذا التواجد العطر
وهذه النسمات الرائعة
دمتم بحفظ الرحمن

200%20(31).gif
 
مشكورة اختي الفاضله
على المشاركة الرائعة

اسال الله ان يجزيكي خيرا

تقبلي تقديري
 
بارك الله فيكِ اختي الكريمة
 
المنتدى غير مسؤول عن أي اتفاق تجاري أو تعاوني بين الأعضاء.
فعلى كل شخص تحمل مسؤولية نفسه إتجاه مايقوم به من بيع وشراء وإتفاق واعطاء معلومات موقعه.
المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتدى المشاغب ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)
عودة
أعلى