سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن


الغريبة

عضو مشاغب
LV
0
 
إنضم
15 يوليو 2021
المشاركات
4,145






بسم الله الرحمن الرحيم

سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن



هو إمام من أئمة المسلمين .

آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر .

ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ،
رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية .

هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً
من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان .

إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق .

فلله درّه .

هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه .

وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة .

مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال .

فمَـن هـو هذا العَالِم العَلَم ؟



اسمـه :
عبد الله



وكنيته : أبو عبد الرحمن





هو :


عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل رضي الله عنهما .



قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله :

الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني .

أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته الخندق ،

وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون ،
أخت عثمان بن مظعون الجمحي .


وقال :

روى علما كثيراً نافعاً عن النبي ﷺ ،
وعن أبيه وأبي بكر وعثمان وعلي وبلال وصهيب

وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن مسعود
وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم .

انتهى .



روى عنه خلق كثير .



وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم ابن عباس ،

وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن الزبير .





جهاده :

كان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره .


قال ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله ﷺ
يوم أحد في القتال ،


وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق

وأنا بن خمس عشرة سنة ، فأجازني .

رواه البخاري ومسلم .



وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة .



وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً .

وشهِد فتح مصر .

روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه .





عبادته :


كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة

قال ابن عمر رضي الله عنهما :

كان الرجل في حياة النبي ﷺ إذا رأى رؤيا قصها

على رسول الله ﷺ ،

فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله ﷺ ، وكنت غلاماً شاباً ،

وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله ﷺ ،

فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ،
فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ،

وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار .

قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ،
فقصّتها حفصة على رسول الله ﷺ .


فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا .
رواه البخاري ومسلم .



قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟

قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما .



وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر .





زُهده :

كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها .

قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش
لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .



وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر .

وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه .


( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه )
قال ذلك كناية عن المعائب .

وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر .

وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر .

وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء
في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم !


وقال مولاه نافع :
إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم .



اتِّـباعـه للسنة :

كان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه .

وكان شديد الاستجابة للرسول ﷺ

ولذا لما قال رسول الله ﷺ : لو تركنا هذا الباب للنساء .

قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود .



ومن ذلك


ما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال :
سمعت رسول الله ﷺ يقول :


لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها .
قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن .

قال : فأقبل عليه عبد الله فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ،

وقال : أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول : والله لنمنعهن ؟





رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما :


قال نافع : كان ابن عمر إذا قرأ :

( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ )

بكى حتى يغلبه البكاء .

وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال :
ما سمعت ابن عمر ذكر النبي ﷺ إلا بكى .

وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ،
فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق .


و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا :
( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ )

فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ،
فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ .




اعتزاله الفتن :


كتب الحجاج إلى ابن عمر :
بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور .

فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ،

وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ،

ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري !



لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ،
وهرب على مكة فرضي الله عنه .


قال حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل :

جاء معاوية على بختي عظيم طويل فقال :

ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه ،

قال ابن عمر : فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ ، هممت أن أقول :

يطمع فيه من ضربك وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه .



قال ابن عمر رضي الله عنهما : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت :

قد كان من الناس ما ترين ، ولم يُجعل لي من الأمر شيء .

قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة ،

فلم يرعه حتى ذهب قال : فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال :

من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليّ قرنه ! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه .

يُعرّض بابن عمر !

فقال له حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟

فقال ابن عمر : حللت حبوتي فهممت أن أقول :
أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام ،

فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع ، ويسفك فيها الدم ،
فذكرت ما أعد الله في الجنان . رواه البخاري .



وقال سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة

أتوا ابن عمر فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، اخرج نبايعك .

فقال : لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم ، ولا في سببي ما كان فيّ روح .





إمامته رضي الله عنه :

يدلّ على إمامته هذه القصة :

لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ،

فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى :

من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب

قال : من هذا ؟

قالوا : عبدالله بن جعفر .

قال : خلُّوا لـه الطريق .

ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى :

بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر

قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟

قال : من هذا ؟

قالوا : عمر بن أبي ربيعة .

قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب .

قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟

وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟

قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة .



قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس .





شِدّته في الحق :


حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر
أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال :


يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرّف ،

فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ،

فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه .

وروى ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدّل كلام الله ،
فعلم ابن عمر فقال : كذب !

لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت .

قال الحجاج : إنك شيخ قد خرّفت الغد ! قال ابن عمر : أما إنك لو عدتَ عدتُ .





وفاته رضي الله عنه :

توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة .

وهو ابن خمس وثمانين سنة .

فرضي الله عنه وأرضاه .



اللهم إنا نُشهدك على حب عبد الله بن عمر ، وعلى حب أبيه من قبله ،
فاحشرنا في زمرتهم .



كتبه

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم








 
التعديل الأخير:
جزاك الله خيرا

على هذا النقل المفيد للسيرة العطرة لعبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
 
عودة
أعلى أسفل