• أعضاء وزوار منتديات المشاغب ، نود أن نعلمكم أن المنتدى سيشهد في الفترة القادمة الكثير من التغيرات سواءاً على المستوى الإداري او مستوى الاقسام، لذا نرجو منكم التعاون، وأي ملاحظات او استفسارات يرجى التواصل معنا عبر قسم الشكاوي و الإقتراحات ونشكركم على حسن تفهمكم وتعاونكم ،مع خالص الشكر والتقدير والاحترام من إدارة منتديات المشاغب.
اعلان اعلان 1 اعلان 2

صفحات مشرقة من حياة عمر بن عبد العزيز

الموج الصامت

عضو مشاغب
سجل
13 مارس 2021
المشاركات
8,778
الحلول
15
التفاعل
5,319
العمر
41
الإقامة
لبنان
الجنس
ذكر
صفحات مشرقة من حياة عمر بن عبد العزيز
ص -121- صفحات مشرقة من حياة عمر بن عبد العزيز للشيخ إبراهيم الجمل مدرس بالمعهد الثانوي
كان عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي أمّةً وحده في تاريخ بني أمية، فلم تر الدنيا مثل عمر حاكما، يخاف الله، ويكره ويبغض لله، فكان ورعاً، زاهداً، تقياً، صابرا. كان من أشد الخلفاء حرصًا على أن ينال كل إنسان تحت إمرته
حقه، لا فرق بين أمير وغير أمير، أو قريب وبعيد. وإن أخباره مشهورة، وأعماله تبارى فيها مع جده الفاروق عمر بن الخطاب1 رضي الله عنه، حتى عده المؤرخون الخليفة الخامس المتمم للخلفاء الراشدين الأربعة.
لقد أعاد عمر نهار الإسلام الساطع في الخلافة الأموية، برغم قصر مدة خلافته فقد كانت سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام.
أرسى قواعد الدين الصحيحة وأعاد للإسلام قوته ومبادئه، فتفرع العلماء لتدوين الحنيفية السمحة، فلا عجب أن ينبش العباسيون- وقد حاربوا الدولة الأموية واستولوا عليها- قبور الأمويين، وأن يمثلوا شر تمثيل بمن في القبور من خلفاء وقادة إلا قبر عمر بن عبد العزيز فقد احترموا رفاته، وأثنوا عليه الثناء الكامل؛ والفضل ما شهدوا به ‍ ‍
تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة بعد موت الخليفة سليمان بن عبد الملك. والبلاد قد اتسعت رقعتها، وكثر العدو الذي كان يهدد أطرافها، وشغل عمر بأمر الناس والبلاد ليلا ونهارا. وما كان لكل هذا أن يشغله عن رعاية أولاده، وأن يتعرف على أحوالهم، وما يقتضيه واجب العناية والتربية.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أم عمر بن عبد العزيز هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قيل اسمها: ليلى أو قريبة أو عنبة تزوجها عبد العزيز فولدت له عمر (سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم).



ص -122- لقد أشرف بنفسه على تربية أولاده، وخصص لهم جزءا من وقته ليطلع على أعمالهم، فيقْوّم معوجهم، ويوجه من اختاره ليتولى تربيتهم إلى الطريق القويم. فيضع بهذا منهجا إسلامياً لا يصلح لأبنائه وحدهم، وإنما هو قاعدة أساسية لتربية أبناء المسلمين، وإن في رسالته لسهل مولاه وقد اختاره ليؤدب أولاده. منهجا قويما يخلق الأمة الصالحة التي تكون درعاً ووقاية للإسلام والمسلمين.
يقول الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لسهل مولاه ومؤدب أولاده: "أما بعد: فإني اخترتك على علم مني بك لتأديب ولدي، فصرفتهم إليك عن غيرك من مواليّ، وذوي الخاصة بي، فحدثهم بالجفاء؛ فهو أمعن لإقدامهم، وترك الصحبة فإن عادتها تكسب الغفلة، وقلة الضحك، فإن كثرته تميت القلب.
وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغضْ الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن حضور المعازف، واستماع الأغاني واللهج بها ينبـت النفاق في القلب، كما ينبت العشب الماء.
ولعمري لتوقي ذلك، بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه، وهو حين يفارقها لا يعتقد مما سمعت أذناه على شيء مما ينتفع به.
وليفتتح كل غلام منهم بجزء من القرآن. يتثبت في قراءته، فإذا فرغ تناول قوسه ونبله، وخرج إلى الغرض حافيا فرمى سبعة أرشاق، ثم انصرف إلى القائلة، فإن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول:
"يا بني قيلوا فإن الشياطين لا تقيل".
إن هذه الرسالة الخالدة لتضع أسس التربية الصحيحة في كل زمان ومكان: فهي تضع الجد في معاملة المربي والمؤدب للدارسين عليه، والبعد بهم عن طريق اللهو، ومزج الجد باللعب. حتى يكون ذلك أدعى لتقويم النفس، وتعويدها على الشجاعة والإقدام.
ثم إن عمر رضي الله عنه يبغض الملاهي من حضور المعازف، والاستماع إلى الأغاني، وترديدها. وتأْثيرها في حياة الشباب، والانحراف بقلوبهم عن طريق الحق والصواب. والاشتغال بها قد يضيع على الشباب كل ما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته.
ويوصي رضي الله عنه بأن يحرص كل غلام على قراءة جزء من القرآن الكريم كل يوم، والتثبت في قراءته، حتى ينطبع في قلبه حب القرآن والعمل بهِ.



ص -123- ثم يختم رسالته بالاستعداد للجهاد، وبإعداد فتيان المسلمين وشبابهم وتمرينهم على استعمال القوس والنبل، وإجادة الرمي، حتى إذا دعا داعي الجهاد، كانوا على أتم الاستعداد لقتال العدو ومغالبته والانتصار عليه.
كان لعمر بن عبد العزيز من البنات: أمينة وأم عمار وأم عبد الله وقد حرص رضي الله عنه على تزويدهن بالنصيحة، وبطاعة الله، والعمل على مرضاته، والرضا بما قسم لهن، وقد استطاع حينما تولى الخلافة، أن ينقلهن معه من حياة الترف والعز والنعيم الذي كن يعشن فيه إلى مشاركة أبيهن فيما اتخذ له من طريق ارتآها الموصلة إلى سعادة الآخرة التي اختارها فهي طريق النجاة والفوز، فما عند الله خير وأبقى.
لقد شاركن الأب في حياة الزهد والتعفف والتقشف، وكن سعداء مع هذا الوالد، الخائف من الله، والمتقرب إليه، والذي يحاول إرضاءه.
كان عمر يصلي العتمة كل ليلة، ثم يدخل على بناته، فيسلم عليهن، دخل عليهن ذات ليلة، فلما أحسسنه، وضعن أيديهن على أفواههن ثم تبادرن الباب.
قال عمر للحاضنة: ما شأنهن؟
قالت إنه لم يكن عندهن شيء يتعشينه إلا عدس وبصل، فكرهن أن تشم ذلك من أفواههن.
فبكى عمر، ثم قال لهن:
يا بناتي ما ينفعكنَّ أن تعشين الألوان، ويمر بأبيكن إلى النار فبكين حتى علت أصواتهن، ثم انصرف.
مرت أمينة ابنة الخليفة عمر بن عبد العزيز يوما عليه وهو جالس، فدعاها الخليفة:
يا أمين، يا أمين.
فلم تجبه، فأمر إنسانا فجاء بها، فقال:
ما منعك أن تجيبي.
قالت:
إن ملابسي ليست حسنة!
فقال: يا مزاحم، انظر إلى تلك الفرش التي فتقناها، فاقطع لها منها قميصا ‍.



ص -124- فذهب إنسان إلى أم البنين عمتها فقال:
ابنة أخيك ليس عندها من الملابس ما تستحسنه، وأنت عندك ما عندك، فأرسلت إليها بتخت من ثياب، وقالت:
ويروي ابن عبد الحكم في سيرة عمر: أن ابنته أرسلت إليه بلؤلؤة وقالت له:
يا أبتي إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني.
فأرسل لها بجمرتين ثم قال لها:
إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت إليك بأخت لها!!.
كان عمر بن عبد العزيز قبل أن يتولى الخلافة يعيش في نعيم مقيم، وترف لم يره أموي، وهبت له هبات كثيرة- غير ما ورثه- وضياع منتشرة في كل الآفاق، كان له أرض تُدرّ عليه الغلات الكثيرة في الحجاز والشام ومصر واليمن والبحرين. فدخل له من الأموال ما لا يحصى.
قال ابن عبد الحكم:
"وكان عمر بن عبد العزيز أعظم أموي ترفها وتملكا غذي بالملك، ونشأ فيه، لا يعرف إلا وهو تعصف ريحه فتوجد رائحته في المكان الذي يمر فيه، ويمشي مشية تسمى "العمرية" فكان الجواري يتعلمنها من حسنها، وتبختره فيها، وأنه ترك كل شيء كان فيه لما استخلف غير مشيته، فإنه لم يستطع تركها، فربما قال لمزاحم:
ذكرني إذا رأيتني أمشي فيذكره فيخلطها، ثم لا يستطيع إلا إياها فيرجع إليها".
وبلغ عمر من رفاهيته قبل الخلافة أن الناس كانوا ينتظرون يوم أن تؤخذ ملابسه إلى المغسل، لتغسل ملابسهم بعد ملابسه حتى ينالها الكثير مما نزل منها من الطيب في الماء.
لكنه ترك كل هذا لحظة تولى الخلافة، ورأى أنه مسئول مسئولية كاملة أمام الله عن الدين وعن العباد بادئا بنفسه وأهله، راجيا أن ينجو من العقاب في آخرته.
كان له من البنين عبد الله وأبو بكر وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى والوليد وعاصم ويزيد وعبد العزيز وعبد الملك ولم يأل جهدا في تربيتهم ونصحهم وتدريبهم وتوجيههم إلى ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم.
حكى عن ابنه عبد العزيز وكان يلي المدينة ومكة- بعد موت أبيه- ليزيد بن عبد الملك، وثبته فيهما مروان بن محمد، أن أباه كان دائم الوصية له ولإخوته ومما كان يقول له: "يا بني إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملا على الخير".



ص -125- ومما روي أن ابنه عبد الله ذهب إليه، وقال له: اكسني يا أبت!
فقال له: اذهب إلى الخيار بن رباح البصري، فإن لي عنده ثيابا فخذ منها ما بدا لك.
قال: فذهبت إلى الخيار بن رباح، فقلت له: استكسيت أبي، فأرسلني إليك، وقال: إن لي عند الخيار بن رباح ثيابا.
قال: صدق أمير المؤمنين، فأخرج إليه ثيابا رخيصة، رأى عبد الله ابن الخليفة أَنها لا تناسبه، فسأل الخيار: هل عندك غيرها له؟
قال: ما عندي غيرها لأمير المؤمنين فخذ منها ما بدا لك.
لم يأخذ عبد الله منها شيئا، ورجع إلى أبيه عمر، فقال: يا أبتاه، استكسيتك فأرسلتني إلى الخيار بن رباح، فأخرج لي ثيابا ليست من ثيابي ولا من ثياب قومي. قال: فذاك ما لنا عند الرجل. فانصرف عبد الله حتى إذا كاد يخرج ناداه فقال له: هل لك أن أسلفك من عطائك مائة درهم؟
قال: نعم يا أبتاه.
فأسلفه مائة درهم، فلما خرج عطاؤه حوسب بها، فأخذت منه!
وقال مسلمة بن الخليفة عبد الملك يذكر عطاء عمر لأولاده:
"رحم الله عمر والله لقد هلك وما بلغ ابن له قط شرف العطاء"
كان عمر يكره أن يلي أحد أولاده ولاية أو منصبا، مكتفيا بنفسه حيث سيحاسبه الله على كل صغيرة وكبيرة متأسيا بجده الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حيث خوطب في تولية ابنه عبد الله بن عمر فأبى وقال: أعمر وابنه؟!!
روى أن عمر بن عبد العزيز قال لبنيه:
"أتحبون أن أولي كل رجل منكم جندا فينطلق تصلصل به جلاجل البريد؟
فقال ابنه أبن الحارثية1 : لم تعرض علينا شيئا لست صانعه بنا؟
فقال عمر: إني لأعلم أن بساطي هذا يصير إلى البلى، وإني لأكره أن تدنسوه بخفافكم، فكيف أَقلدكم ديني تدنسونه في كل جند!!"
وروي أن بعض أولاد عمر اتخذ خاتما، واشترى له فصا بألف درهم فكتب إليه عمر:
أما بعد: فقد بلغني أنك اشتريت فصا بألف درهم فبعه وأشبع ألف جائع. واتخذ خاتما من حديد صيني واكتب عليه: "رحم الله امرءا عرف قدر نفسه".




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من زوجات عمر لميس بنت علي بن الحارث وأنجب منها عبد الله وبكر وأم عمارة.



ص -126- ولقد بلغ أولاده منزلة كبيرة بعد وفاته، وكانوا محل احترام القريب والبعيد في حياة عمر وبعد مماته، لما اتصفوا به من حسن خلق، وجميل صفات عفة وزهدا وأدبا، واضعين ما أخذهم به أبوهم نصب أعينهم حتى كان منهم المحدثون والولاة.
فكان ابنه عبد العزيز بجانب ولايته على المدينة ومكة في عهد يزيد بن عبد الملك والخليفة مروان بن محمد راويا للحديث.
ذكر له الحافظ أبو جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي أحاديث منها ما رواه عن صالح بن كيسان عن عثمان بن عفان قال:
قال رسول الله ﷺ: "ما من مسلم خرج من بيته يريد سفرا أو غيره فقال حين يخرج: باسم الله آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله إلا رزق خير ذلك المخرج وصرف عنه شره".
وروى له أيضا عن مكحول قال: قال رسول الله ﷺ:"من صلى ركعتين قبل أن يتكلم رفعت في عليين".
وكان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز واليا على الكوفة بعد موت أبيه.
ومن أنجب أولاده، وأزهدهم، وأقربهم من الله عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، وأمه ليست فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان زوجة عمر وإنما هي أم ولد فقد أنجب منها عمر عبد الملك هذا والوليد وعاصما ويزيد وعبد العزيز وزيان وأمينة وأم عبد الله. كان أزكى أولاده عقلا، وأحدهم تفكيرا، وأقواهم إيمانا، وأشدهم- على الرغم من صغر سنه- خوفا من الله ! وأصبرهم على البلاء.
وكان منذ طفولته أكثر إخوته التصاقا بأبيه، ملازما له، معاونا له في الشدائد، ناصحا له في العمل، داعيا له، مخوفا لأبيه من لقاء الله مع صغر سنه، حتى لقد روى عن بعض مشيخة أهل الشام قال: "كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أَدخله في العبادة ما رآه من ابنه عبد الملك"!.
كتب عمر إلى عبد الملك ابنه مرة فقال: "إنه ليس من أحد، رشده وصلاحه أحب إليّ من رشدك وصلاحك، إلا أن يكون والي عصابة من المسلمين، أو من أهل العهد يكون لهم في صلاحه، ما لا يكون لهم في غيره، أو يكون عليهم من فساده، ما لا يكون لهم من غيره".



ص -127- وكتب عمر بن عبد العزيز إلى ابنه عبد الملك وهو صغير وقد ظهرت عليه مخايل النجابة والفهم الواعي، وقد خصه والده بالعناية والاهتمام قال في رسالته إليه:
أما بعد: فإن أحق من تعاهدت بالوصية والنصيحة بعد نفسي أنت، وإن أحق من وعى ذلك، وحفظه عني أنت.
إن الله له الحمد قد أحسن إلينا إحسانا كبيرا بالغا في لطيف أمرنا وعامته، وعلى الله إتمام ما غبر من النعمة، وإياه نسأل العون على شكرها.
فاذكر فضل الله عليك وعلى أبيك. ثم أعن أباك على ما قوي عليه وعلى ما ظننت أن عنده فيه عجزا عن العمل فيما أنعم به عليه وعليك في ذلك، فراع نفسك وشبابك وصحتك، وإن استطعت أن تكثر تحريك لسانك بذكر الله تحميدا وتسبيحا وتهليلا، فافعل فإن أحسن ما وصلت به حديثا حسناً حمد الله وشكره، وإن أحسن ما قطعت به حديثا سيئا حمد الله وذكره، فلا تفتتن فيما أنعم الله به عليك فيما عسيت أن تقرظ به أباك فيما ليس فيه.
إن أباك كان بين ظهري إخوته يفضل عليه الكبير. ويدنى دونه الصغير، وإن كان الله- وله الحمد- رزقني من والدي حسبا جميلا. كنت به راضيا أرى أفضل ببره ولده عليّ حقا حتى ولدت وولدت طائفة من إخوتك، ولا أخرج بكم من المنزل الذي أنا فيه، فمن كان راغبا في الجنة، وهاربا من النار فالآن التوبة مقبولة والذنب مغفور قبل نفاد الأجل وانقضاء العمل، وفراغ من الله للمنقلبين، ليدينهم بأعمالهم في موضع لا تقبل فيه الفدية، ولا تنفع فيه المعذرة، تبرز فيه الخفيات، وتبطل فيه الشفاعات، يَرِده الناس بأعمالهم، ويصدرون عنه أشتاتا إلى منازلهم.
فطوبى يومئذ لمن أطاع الله، وويل لمن عصى الله. فإن ابتلاك الله بغنى فاقتصد في غناك، وضع لله نفسك، وأد إلى الله فرائض حقه من مالك، وقل كما قال العبد الصالح: { هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } (سورة النمل آية 40).
وإياك أن تفخر بقولك، وأن تعجب بنفسك، أو يخيل إليك أن ما رزقته لكرامة لك على ربك، وفضيلة على من لم يرزق مثل غناك، فإذا أنت أخطأت باب الشكر، وتركت منازل الفقر، وكنت ممن طغى للغنى، وتعجل طيباته في الحياة الدنيا، فإني لأعظك بهذا، وإني لكثير الإسراف على نفسي غير محكم لكثير من أمري، ولو أن المرء لم يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويعمل في الذي خلق له من عبادة ربه إذن لتواكل الناس الخير، وإذن لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض، { فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (سورة الجاثية 36- 37).



ص -128- هذا الابن البار. والذي أخذه والده بالنصيحة. لم يمض عليه زمن يسير، حتى أصبح الأب الخليفة ينتظر منه توجيها له نصيحة يقدمها بين يديه. ورأيا صائبا يعرضه عليه. وأمرا يخوف أباه منه، ودرجة عند الله يغري بها الابن والده. وأصبح عمر ينتظر كل يوم جديدا من عبد الملك ينقذه به من غفلة ومن سهو حتى لقد قـال سيار بن الحكم:
"كان ابن لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك. وكان رحمه الله يفضل على عمر. قال: يا أبت أقم الحق ولو ساعة من نهار".
وروي أن عبد الملك دخل على عمر فقال:
- يا أمير المؤمنين إن بي حاجة فأخلني- وعنده مسلمة بن عبد الملك- فقال له عمر: أسر دون عمك.
قال: نعم.
وخرج وجلس بين يديه. فقال:
يا أمير المؤمنين. ما أنت قائل غدا لربك إذا سألك، فقال: رأيت بدعة فلم تمتها، أو سنة فلم تحيها؟
فقال عمر: يا بني أشيء حملّك الرعية إليّ أم رأي رأيته؟
قال: بل رأي رأيته من قبل نفسي. وعرفت أنك مسئول فما أنت قائل؟.
قال أبوه:
رحمك الله، وجزاك من ولد خيرا، فإني لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير.
يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة. ومتى ما أريد مكايدتهم على انتزاع ما في أيديهم، لم آمن أن يفتقوا علي فتقا تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون عليّ من أن يهراق في سببي محجمة من دم.
أو ما ترى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة، ويحيي فيه سنة حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين.
وجلس عمر بن عبد العزيز يوما للناس، فلما انتصف النهار ضجر وملَّ وكلذَ، فقال للناس: مكانكم حتى أنصرف إليكم. ودخل ليستريح ساعة، فجاء ابنه عبد الملك، فسأل عنه، فقالوا: دخل.
فاستأذن عليه. فأذن له، فلما دخل قال:
يا أمير المؤمنين ما أدخلك؟



ص -129- قال:
أردت أن أستريح ساعة.
قال عبد الملك رحمه الله:
أو أمنت الموت أن يأتيك، ورعيتك على بابك ينتظرونك. وأنت تحتجب عنهم!!
فقام عمر من ساعته، وخرج إلى الناس.
وقال عبد الملك مرة يا أمير المؤمنين ما يمنعك أن تمضي الذي تريده، فو الذي نفسي بيده ما أبالي أن لو غلت بي وبك القدور!!
قال:
وحق هذا منك !
قال: نعم والله.
قال عمر:
الحمد لله الذي جعل من ذريتي من يعينني على أمر ديني، يا بني: إني لو باهت الناس بالذي تقول لم آمن أن ينكروها، فإذا أنكروها لم أجد بدا من السيف، ولا خير في خير لا يجيء إلا بالسيف. يا بني: إني أروض الناس رياضة الصعبة. فإن بطأ بي أرجو أن ينفذ الله مشيئتي. وإن تعدد على منيتي فقد عدم الله الذي أريده.
ودخل عبد الملك على أبيه الخليفة عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين، ماذا تقول لربك إذا أتيت، وقد تركت حقا لم تحيه. وباطلا لم تمته؟.
قال: اقعد يا بني.
إن آباءك وأجدادك خدعوا الناس الحق، فانتهت الأمور إلي. وقد أقبل شرها وأدبر خيرها. لكن ليس حسنا جميلا أن لا تطلع الشمس علي في يوم لا أحـييت فيه حقا. وأمت فيه باطلا. حتى يأتيني الموت وأنا على ذلك.
وغضب عمر يوما واشتد غضبه، فلما سَكت عنه. قال له عبد الملك:
يا أمير المؤمنين في قدر نعمة الله عندك، وموضعك الذي وضعكم الله به وما ولاك من أمر عباده أن يبلغ بك الغضب ما أرى.
قال عمر:
كيف قلت؟
فأعاد عبد الملك كلامه.
فقال عمر:
أما تغضب أنت يا عبد الملك؟



ص -130- فقال الفتى رحمه الله:
ما يغني عني جوفي إن لم أرد الغضب فيه حتى لا يظهر منه شيء.
اجتمع نفر من بني أمية من الذين يريدون المال والجاه والسلطان الدنيوي إلى عبد الملك بن عمر فقالوا له:
إن أباك قطع أرحامنا، وانتزع ما في أيدينا. وعاب على سلفنا وإنا- والله- لا نصبر على ذلك، فقل له يكفي عما نكره. ففعل ذلك عبد الملك. ودخل عليه فأخبره بذلك.
فكأن عمر وجد في نفسه مما قال، فقال له عبد الملك:
يا أمير المؤمنين امض لما تريد، فوالله لوددت أنه قد غلت بي وبك القدور في الله ‍
فقال له:
جزاك الله خيرا يا ولدي، الحمد لله الذي شد ظهري بك يا عبد الملك.
لم يتجاوز عبد الملك السابعة عشرة من العمر حتى أصبح مستشارا للخليفة، لا يُقْضى أمر إلا بعبد الملك، فكان كلما أشكل موضوع نادى المقربون والفقهاء عبد الملك، ليقضى الأمر برأيه حتى صار على صغره في الصف الأول من فقهاء الشام علما وزهدا وورعا. حتى لقد قالوا عن عبد الملك "إنه أعجوبة تاريخ ونادرة فلك".
عرض عمر رضي الله عنه يوما على وزيره مزاحم ما يفعله ببعض المال، وكان ذلك العرض أمام الناس فقال مزاحم:
ولدك يا أمير المؤمنين أحق به!
فلما بلغ عبد الملك ما قاله مزاحم. أسرع إليه فلقيه فقال له: بئس وزير الخليفة أنت يا مزاحم!
ثم انطلق إلى أبيه ولم يزل به حتى دفع ذلك المال إلى بيت المال وحذره من وزراء السوء.
وكان عمر يرى أن الأموال التي أخذت من الناس في غير عهده ظلم ليس مسئولا عنها. واختلف الفقهاء. ولم يصلوا لرأي، فقالوا: نادوا عبد الملك.
فقال رحمه الله:
يا أمير المؤمنين أرى أن تردها، فإن لم تفعل كنت شريكا لمن أخذها.
مواقف عديدة وكثيرة لعبد الملك. ولا يملك الأب الخليفة إلا أن يضم ابنه النابغة إلى صدره ويشبع رأسه ووجهه لثما وتقبيلا.
هذا الابن البار بأبيه. والذي أوشك على السن التي يقضي بها بين الناس، أصبح فجأة عديم الحركة، قليل الكلام، ملازم الفراش، يتلوى من الألم.



ص -131- كثر دخول الأطباء وخروجهم. والأب مشغول بالرعية. يمر على فتاه من وقت لآخر. والله أعلم بما يكابد.
ولكن العلة أحكمت. وزاد المرض، والتفت عمر إلى الأطباء فقالوا:
إذا مس الطاعون وهو قرحة فوجد لينا طمع لصاحبه في البرء منه. وإن كان خشنا يئس من صاحبه.
دخل الخليفة على فلذة كبده، فقال.
دعني أمس قرحتك. فكَره عبد الملك أن يمسّها أبوه فيجزع. وكانت متحجرة خشنة، فقال:
أو تعفيني يا أمير المؤمنين ؟ فعلم عمر لم منعه، فقال:
ولم يا بني؟ فو الله لأن أقدّمك فأجدك في ميزاني أحب إلي من أن تقدمني فتجدني في ميزانك.
فقال الابن البار:
وأنا يا أمير المؤمنين، لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب، فلمسها، فقال:
يا عبد الملك، { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } (آل عمران آية 60).
فقال:
{ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } (سورة الصافات آية 103).
غاب الأب قليلا، ثم رجع ملهوفا إلى ابنه، فوجده يجود بنفسه، فقال:
كيف تَجِدك يا بنَي؟
قال:
أجدني في الموت، فاحتسبني يا أمير المؤمنين، فإن ثواب الله خير لك مني.
قال عمر:
رضي الله عنك يا بنيّ، فإنك لم تزل تَسر أباك، وأنت في الخِرَق، وما كنت قط أسَرّ إليّ منك حيث يصيّرك الله في ميزاني، فرضي الله عنك، وعن كل شاهد وغائب دعا لك بالخير.
وما كاد عمر يخرج، حتى عاد إلى ابنه، وكان قد فارق الحياة، فكشف عن وجهه، وأنعم النظر....... ثم قال:



ص -132- رحمك الله يا بني، سررت بك يوم بشرت بك، ولقد عُمرّت مسرورا لك، وما أتت عليّ ساعة أنا بك فيها أسر مني بك من ساعتي هذه، أما والله إن كنت لتدعو أباك إلى الجنة !
دعا عمر رضي الله عنه أبا قلابة. وكان يستعد لغُسْل عبد الملك رحمه الله، وقال إذا غسّلته وكفنته، فآذنى به قبل أن تُغَطي وجهه، فنظر إليه ثم قال:
رحمك الله يا بُنَيّ وغفر لك.
وخرج الناس بسريره ليصلى عليه، فصف عمر الناس، ثم قام حيال صدره أو رأسه ثم قال:
هكذا يقوم ولي الرجل من الرجل، ومن المرأة يقوم حيال وسطها، فلما صار إلى القبر، دخل فيه وأخذ برأس ابنه حتى وضعه في اللحد.
قال زياد بن حسان:
إنه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن ابنه عبد الملك رحمه الله وسوى عليه التراب، سووا قبره بالأرض، وصنعوا عند رأسه خشبتين من زيتون إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، ثم جعل قبره بينه وبين القبلة، واستوى قائما.
فلما رآه الناس قائما قاموا، فقال اجلسوا، فإنما يجب القيام على أَولياء الميت.
فلما انتهى من قبول التعزية أحاط به الناس، فنظر إلى قبر ابنه ثم قال:
والله يا بني لقد كنت برا بأبيك، والله مازلت مذ وهبك الله لي مسرورا بك، ولا والله ما كنت قط أشد سرورا، ولا أرجى لحظي من الله فيك منذ وضعتك في المنزل الذي صيرك الله فيه. فرحمك الله، وغفر ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، ورحم الله لكل شافع يشفع لك بخير من شاهد أو غائب، رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين".
انصرف عمر راجعا وفي أثناء سيره رأى قوماً يرمون، فلما رأوه أمسكوا فقال: ارموا، ووقف عليهم.
فرمى أحد الرامين، فأخرج، فقال له عمر:
أخرجت، فقصّر.
ثم قال للآخر:
ارم.



ص -133- فرمى، فقصّر فقال له عمر:
قصرت فبلغ.
فقال له مسلمة:
يا أمير المؤمنين أيفرغ قلبك لما يفرغ له، وإنما نفضت يدك من تراب قبر ابنك الساعة، ولم تصل إلى منزلك بعد؟!
فقال له عمر:
يا مسلمة، إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت المصيبة فَالْهَ عما فاتك.
ويقال: إن عمر بن عبد العزيز وهو يدفن ابنه عبد الملك رأى رجلا يشير بشماله.
فقال له:
يا هذا إذا تكلمت فلا تشر بشمالك، أشر بيمينك.
فقال الرجل:
ما رأيت كاليوم أن رجلا دفن أعز الناس ثم إنه يهمه شمالي ويميني.
خطب عمر بن عبد العزيز الناس بعد وفاة ابنه عبد الملك فكان مما قاله:
إن الله جل ذكره لم يجعل مسيء ولا لمحسن خلودا في الدنيا، ولم يرْضَ بما أعجب أهلها ثوابا لأهل طاعته. ولا ببلائها عقوبة لأهل معصيته، فكل ما فيها من محبوب متروك، وكل ما فيها من مكروه مضْمَحل.
كتب على أهلها الفناء، وأخبر أنه يرث الأرض ومن عليها، فاتقوا الله واعملوا ليوم { لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً } (سورة لقمان آية 33).
كتب رجل إلى عمر يعزيه فأجابه:
إني لم أزل في صحة منه وسلامة، موطنا نفسي على فراقه والسلام.
وكتب عمر إلى عماله:
إن عبد الملك بن عمر كان عبدا من عبيد الله أحسن إليه وإلى أبيه فيه. أعاشه ما شاء. ثم قبضه إليه، وكان ما علمت- والله به أعلم- خيرا. ومن صالحي شباب أهل بيته قراءة للقرآن. وتحريا للخير. وأعوذ بالله أن تكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله. فإن ذلك يحسن بي في إحسانه إلي. وتتابع نعمه عليّ.
وقد قلت عند الذي كان بما أمر الله عز وجل أن أقوله عند المصيبة، ثم لم أجد بحمد الله إلا خيرا. ولا أعلم ما بكت عليه باكية. ولا ناحت عليه نائحة، ولا اجتمع لذلك أحد؛ فقد نَهيْنا أهله الذين هم أحق بالبكاء عليه



ص -134- لقد درب عمر منذ الصغر وقبل الخلافة على مواساة الناس، وإظهار منزلة الصبر في حياة المؤمن، والعمل بما وعي وفهم، مستمدا كل هذا من معاملته مع ربه، قوي الإيمان، ثابت العقيدة.
قال له الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك يوما: يا عمر هل يكون المؤمن في حالة تنزل به المصيبة، فلا يألم لها؟
قال عمر:
لا، يا أمير المؤمنين، لا يكون أن يستوي عندك ما تحب وما تكره، أو تكون الضراء والسراء عند أحد سواء. ولكن مُعوّل المؤمن الصبر.
كان الناس يتكاثرون، يبكون ويواسون الخليفة عمر بن عبد العزيز، قاصدين التخفيف عن أمير المؤمنين في موت عبد الملك ابنه، ولكن عمر كان يسبقهم بالنصيحة والموعظة.
وقف مرة بين الناس، وهم يواسونه، فكان مما قاله:
الحمد لله الذي جعل الموت حتما واجبا على خَلْقه، ثم سوَّى بينهم، فقال:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } (آل عمران 185، الأنبياء35، العنكبوت 57).
فليعلم ذوو النّهى أنّهم صائرون إلى قبورهم، مفْرَدون بأعمالهم، واعلموا أن عند الله مسألة فاضحة، فقال عز وجل:
{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. َ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (سورة الحجر آية 92).
قال أبو الحسن المدائني: أخبرنا العباس بن معاوية قال:
عزى محمد بن الوليد بن عتبة بن أبى سفيان عمر بن عبد العزيز عن ابنه عبد الملك فقال:
يا أمير المؤمنين، ليَشْغَلْك ما أقبل من الموت إليك عمن هو في شغل عما دخل عليك، واعْدد لما ترى عُدّة تكون لك جُنَّةً من الحزن، وسِتْرا من النار.
فقال عمر: فَهَلْ رأيْتَ حزنا يُنْكر أو غفلة أنبّه لها؟
فقال:
يا أمير المؤمنين، لو أن رجلا ترك تعزية رجل، لعلْمِه وانتباهه لكُنْتَه، ولكنّ الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.
رثى الناس عبد الملك، وتكلم الكثيرون عن فضله مع صغره وذكائه النادر، وعلمه الغزير، وعمر يتقبل كل هذا بصبر الواثق بما عند الله، وكان مما قيل ليواسوا به عمر، وليصرفوا عنه حزنا ألم به



ص -135- تَـعَزّ أمير المؤْمنيـن فإنّـه لما قد ترى يغذى الصغير ويولد

هل ابنك إلا من سلالة آدم لكل على حوض المنيـة مورد


ثم مرض عمر بن عبد العزيز بعد موت عبد الملك، وكان من آخر ما تكلم به عمر أن قيل له: لقد تركت أولادك صغارا وهم كثيرون، وليس لهم مال، ولم تولهم إلى أحد، قال:
ما كنت لأعطيهم شيئا ليس لهم. وما كنت لآخذ منهم حقا لهم. أولي فيهم الذي يتولى الصالحين، إنما هؤلاء أحد رجلين رجل أطاع الله ورجل ترك أمر الله وضيعه.
ودخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز في مرضه الذي مات فيه، فقال: يا أمير المؤمنين.
من توصى بأهلك؟
فقال عمر رضي الله عنه:
إذا نسيت الله فذكرني.
فأعاد عليه القول مسلمة قائلا: من توصي بأهلك؟
فقال عمر:
إن وليي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين.
ودخل عليه مسلمة بن عبد الملك في رواية أخرى فقال:
يا أمير المؤمنين ألا توصي؟
قال عمر:
وهل من مال أوصي فيه؟
فقال مسلمة:
مائة ألف أبعث بها إليك. فهي لك فأوص فيها.
قال:
فهلا غير هذا يا مسلمة.
قـال:
وما ذاك يا أمير المؤمنين.
قال عمر رضي الله عنه:
تردُّها من حيث أخذتها!!
فبكى مسلمة، وقال:



ص -136- رحمك الله لقد ألنت منا قلوبا كانت قاسية، وزرعت في قلوب الناس مودة، وأبقيت لنا في الصالحين ذكرا1
وروي أيضا:
أن مسلمة دخل على عمر في مرض موته فقال:
إنك أفقرت ولدك من هذا المال فتركتهم عيلة لا شيء لهم، فلو أوصيت بهم إليّ وإلى نظرائي من أهل بيتك.
فقال عمر رضي الله عنه:
أسندوني، ثم قال: أما قولك إني أفقرت أفواه ولدي من هذا المال فو الله إني ما منعتهم حقا هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم.
وأما قولك: لو أوصيت بهم إليّ أو إلى نظرائي من أهل بيتك. فإن وصيتي ووليي فيهم الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين.
بنيّ أحد رجلين إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجا، وإما رجل مكب على المعاصي فإني لم أكن أقويه على معصية الله.
ثم بعث إليهم- وهم بضعة عشر ذكرا- فنظر إليهم، فذرفت عيناه فبكى ثم قال:
بنفسي الفتية- كما يقولون- تركتهم عيلة لا شيء لهم، فإني بحمد الله قد تركتهم بخير.
أي بَنِيَّ إنكم لن تلقوا أحدا من العرب ولا من المعاهدين إلا أن لكم عليهم حقا.
أي بَنِيّ إن أباكم ميل بين أمرين بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار. قوموا عصمكم الله!!
روى أحد المؤرخين قال:
مات الخليفة هشام بن عبد الملك، وخلف أحد عشر ابنا، فقسمت تركته، وأصاب كل واحد من تركته ألف ألف دينار، ورأيت رجلا من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله عز وجل ورأيت ولد هشام يُتَصدق عليه.
رحم الله عمر بن عبد العزيز وأولاده ورضي عنهم أجمعين.
منقول للفائدة من موقع روح الاسلام​
 
  • أعجبني
التفاعلات: SHH

بارك الله فيك اخي الحبيب
 
بارك الله فيك وجعل کل ماتبذلہ فی میزان حسناتک
 
بارك الله فيكم
 
شكرا لك أخي الكريم على هذه المشاركة الطيبة والله يعطيك العافية.

يامرحبابك.​
 
المنتدى غير مسؤول عن أي اتفاق تجاري أو تعاوني بين الأعضاء.
فعلى كل شخص تحمل مسؤولية نفسه إتجاه مايقوم به من بيع وشراء وإتفاق واعطاء معلومات موقعه.
المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي منتدى المشاغب ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)
عودة
أعلى