سجود السهو
سجود السهو: حكمه، أسبابه، محله وصفته.
السهو في الشيء: تركه من غير علم، والسهو عن الشيء: تركه مع العلم به.
والفرق بين الناسي والساهي: أن الناسي إذا ذكرته تذكر، بخلاف الساهي.
مشروعية سجود السهو وحكمه:
سجود السهو مشروع لحديث أبي سعيد الخدري فهو كما قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثاً، أم أربعاً، فليطْرح الشك، وليَبْن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم، فإن كان صلى خمساً شفَعْن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان" رواه مسلم.
وشرع سجود السهو جبراً لنقص الصلاة، تفادياً عن إعادتها، بسبب ترك أمر غير أساسي فيها أو زيادة شيء فيها.
ولا يشرع سجود السهو في حالة العمد لقوله ﷺ:
"إذا سها أحدكم فليسجد .. " فعلق السجود على السهو، ولأنه يشرع جبراناً للنقص أو الزيادة، والعامد لا يعذر، فلا ينجبر خلل صلاته بسجوده، بخلاف الساهي.
ذهب الحنفية إلى أن سجود السهو واجب، يأثم المصلي بتركه، ولا تبطل صلاته، لأنه ضمان فائت، وهو لا يكون إلا واجباً، وهو يرفع الواجب من قراءة التشهد والسلام، ولا يرفع القعدة لأنها ركن.
وإنما يجب على الإمام والمنفرد، أما المأموم (المقتدي) إذا سها في صلاته، فلا يجب عليه سجود السهو، فإن حصل السهو من إمامه، وجب عليه أن يتابعه، وإن كان مدركاً أو مسبوقاً في حالة الاقتداء، وإن لم يسجد الإمام سقط عن المأموم، لأن متابعته لازمة، لكن المسبوق يتابع في السجود دون السلام.
ووجوب سجود السهو إذا كان الوقت (أو الحالة) صالحاً للصلاة، فلو طلعت الشمس بعد السلام في صلاة الفجر، أو احمرت الشمس في صلاة العصر، سقط عنه السهو، لأن السهو جبر للنقص المتمكن كالقضاء، ولا يقضى الناقص.
وإذا فعل فعلاً يمنعه من البناء على صلاته: بأن تكلم أو قهقه، أو أحدث متعمداً أو خرج عن المسجد أو صرف وجهه عن القبلة وهو ذاكر له، سقط عنه السهو ضرورة، لأنه فات محله وهو تحريمة الصلاة.
والأولى ترك سجود السهو في الجمعة والعيدين إذا حضر فيهما جمع كبير، لئلا يشتبه الأمر على المصلين. وإذا سها في سجود السهو فلا سجود عليه.
وذهب المالكية إلى أن: سجود السهو سنة مؤكدة للإمام والمنفرد. أما المأموم حال القدوة فلا سجود عليه بزيادة أو نقص لسنة مؤكدة أو سنتين خفيفتين، لأن الإمام يتحمله عنه. فلو سها فيما يقضيه بعد سلام الإمام، سجد لنفسه.
وأما المسبوق الذي أدرك ركعة مع إمامه، فيسجد مع إمامه السجود القَبلي المترتب على الإمام، قبل قضاء ما عليه، إن سجد الإمام، وإن لم يسجد الإمام، وتركه، سجد المأموم لنفسه، قبل قضاء ما عليه، وأخًّر السجود البَعدي الذي ترتب على إمامه، ويسجده بعد سلامه، فإن قدمه بطلت صلاته.
وذهب الشافعية إلى أن: سجود السهو سنة للإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يسجد لسهو نفسه خلف إمامه المتطهر، ويتحمل الإمام عنه سهوه في حال قدوته، كما يتحمل عنه القنوت وغيره، أما المحدث فلا يتحمل عنه، ولا يلحقه سهوه، إذ لا قدوة في الحقيقة.
ويجب سجود السهو في حالة واحدة: وهي حالة متابعة المقتدي لإمامه ولو كان مسبوقا، فإن سجد للسهو وجب أن يسجد تبعاً لإمامه؛ لأن المتابعة لازمة، فإن لم يسجد بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها إن لم يكن قد نوى المفارقة، إلا إن علم المأموم خطأ إمامه في السجود للسهو، فلا يتابعه. ولو اقتدى مسبوق بمن سها بعد اقتدائه أو قبله، فإنه يسجد معه، ويستحب أن يسجد أيضاً في آخر صلاته، لأنه محل السهو الذي لحقه.
وإذا ترك الإمام سجود السهو، لم يجب على المأموم أن يسجد، بل يندب.
وذهب الحنابلة إلى أن سجود السهو: إما أن يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً.
حالات الوجوب: لكل ما يبطل عمده في الصلاة بالزيادة أو النقص كترك ركن فعلي، لأن النبي ﷺ أمر به في حديث أبي سعيد وابن مسعود، وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي".
-للشك في الصلاة في بعض صوره كالشك في ترك ركن أو في عدد الركعات.
-ترك كل واجب سهواً كترك التسبيح في الركوع أو السجود.
-لمن لحن لحناً يغير المعنى، سهواً أو جهلاً.
حالات الندب: إن أتى بقول مشروع في غير موضعه غير سلام سهواً أو عمداً كالقراءة في السجود أو القعود، وكالتشهد في القيام، وكقراءة سورة في الركعتين الأخريين.
حالات الإباحة: سجود السهو لترك سنة من الصلاة.
ويجب عل المأموم متابعة إمامه في السجود ولو كان مباحاً، فإن لم يتابعه بطلت صلاته. وعلى المسبوق أيضاً متابعة إمامه في السجود، وإن كان سبب السجود قبل أن يدركه، وإن سجد المسبوق إحدى سجدتي السهو مع إمامه، يأتي بالسجدة الثانية من سجدتي السهو إذا سلم إمامه، ليوالي بين السجدتين.
ثانياً:أسباب سجود السهو
ذهب الحنفية إلى أن: سجود السهو يكون بترك شيء عمداً أو سهواً، أو زيادة شيء سهواً، أو تغيير محله سهواً وذلك في الأحوال التالية:
1ً-لا يسجد للسهو في العمد إلا في ثلاث: ترك القعود الأول أو تأخيره سجدة من الركعة الأولى إلى آخر الصلاة، أو تفكره عمداً حتى شغله عن مقدار ركن.
2ً-يسجد للسهو بترك واجب من واجبات الصلاة سهواً إما بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقص، وهي أحد عشر واجباً، منها ستة واجبات أصلية، وهي ما يلي:
-ترك التشهد في القعدة الأخيرة.
-ترك قراءة الفاتحة أو أكثرها في الركعتين الأوليين من الفرض.
-ترك سورة أو ثلاث آيات قصار أو آية طويلة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الفريضة.
-مخالفة نظام الجهر والإسرار: فإن جهر في الصلاة السرية نهاراً وهي الظهر والعصر، وخفت في الصلاة الجهرية ليلاً وهي الفجر والمغرب والعشاء، سجد للسهو.
-ترك القعدة الأولى للتشهد الأول في صلاة ثلاثية أو رباعية.
-عدم مراعاة الترتيب في مكرر في ركعة واحدة، وهو السجدة الثانية في كل ركعة، فلو سجد سجدة واحدة سهواً، ثم قام إلى الركعة التالية، فأداها بسجدتيها، ثم تذكر السجدة المتروكة في آخر صلاته، فسجدها، فيجب عليه السهو بترك الترتيب؛ لأنه ترك الواجب الأصلي ساهياً، فوجب سجود السهو.
وكذلك ترك سجدة التلاوة عن موضعها، يوجب سجود السهو. وكل تأخير أو تغيير في محل فرض، كالقعود محل القيام وعكسه يوجب سجود السهو.
-ترك الطمأنينة الواجبة في الركوع والسجود، فمن تركها ساهياً وجب عليه سجود السهو.
-تغيير محل القراءة في الفرض؛ بأن قرأ الفاتحة بعد السورة، أو قرأ السورة في الركعتين الأخريين من الرابعية، أو في الثانية والثالثة فقط، وجب عليه سجود السهو.
-ترك قنوت الوتر؛ ويتحقق تركه بالركوع قبل الإتيان به، فمن تركه سجد للسهو.
- وترك تكبير القنوت في الوتر أيضاً.
- ترك تكبيرات العيدين أو بعضهما، أو تكبيرة ركوع الركعة الثانية من صلاة العيد، فإنها واجبة، بخلاف التكبيرة الأولى.
- زيادة فعل في الصلاة ليس من جنسها وليس منها : كأن ركع ركوعين، فإنه يسجد للسهو.
من عاد إلى ما سها عنه: من القعدة الأولى، ثم تذكر، وهو إلى حال القعود أقرب، عاد، فجلس وتشهد، وإن كان إلى حال القيام أقرب لم يعد، ويسجد للسهو. ومن سها عن القعدة الأخيرة، فقام إلى الخامسة، رجع إلى القعدة ما لم يسجد وألغى الخامسة، ويسجد للسهو. فإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه، وتحولت صلاته نفلاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وكان عليه أن يضم ركعة سادسة ندباً. وإن قعد في الرابعة قدر التشهد، ثم قام ولم يسلّم يظنها القعدة الأولى، عاد إلى القعود ما لم يسجد في الخامسة، ويسلم، وإن قيد الخامسة بسجدة ضم إليها ركعة أخرى استحباباً، وقد تمت صلاته لوجود الجلوس الأخير في محله، والركعتان الزائدتان: له نافلة.
الشك في الصلاة:
إذا سها في صلاته، فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً ؟ فإن كان ذلك أول ما سها (أي أن السهو لم يصر عادة له، لا أنه لم يسه في عمره قط)، استقبل الصلاة، وبطلت، أي استأنفها وأعادها، والسلام قاعداً أولى. ولو بنى على الأقل ما أداه كاملاً. وإن حدث الشك المذكور بعد السلام، فلا إعادة عليه، كما لا إعادة عليه إن شك بعد قعوده قدر التشهد قبل السلام.
فإن كان الشك يعرض له كثيراً، بنى على غالب ظنه، إذا كان له ظن يرجح أحد الطرفين، لأن في استئناف الصلاة مع كثرة عروضه حرجاً.
وإن لم يكن له ظن أو رأي، أخذ بالأقل أي بنى على اليقين، لأنه المتيقن، ويقعد في كل موضع ظنه موضع قعوده، لئلا يصير تاركاً فرض القعود أو واجبه مع تيسر الوصول إليه، فإذا وقع الشك في صلاة رباعية أن الركعة هي الأولى أو الثانية عمل بالتحري، فإن لم يقع تحريه على شيء بنى على الأقل، فيجعلها أولى، ثم يقعد لجواز أنها الركعة الثانية، والقعدة فيها واجبة، ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى ويقعد.
وذهب المالكية إلى أن أسباب سجود السهو: ثلاثة: نقص فقط، وزيادة فقط، ونقص وزيادة.
أما النقص: فهو ترك سنة مؤكدة داخلة في الصلاة سهواً أو عمداً، كالسورة إذا تركها عن محلها سهواً، أو سنتين خفيفتين فأكثر كتكبيرتين من تكبيرات الصلاة سوى تكبيرة الإحرام، أو ترك تسميعتين أو تكبيرة وتسميعة. ومن أمثلة ترك سنة أيضاً: ترك جهر بفاتحة فقط ولو مرة، أو بسورة فقط في الركعتين بفرض كالصبح، لا نفل كالوتر والعيدين، مع اقتصار على حركة اللسان الذي هو أدنى السر، وترك تشهد ولو مرة لأنه سنة خفيفة. ويسجد للنقصان قبل السلام.
فإن نقص ركناً عمداً بطلت صلاته، وإن نقصه سهواً أجبره ما لم يفت محله، فإن فات ألغى الركعة وقضاها.
وأما الزيادة: فهي زيادة فعل غير كثير ليس من جنس الصلاة، أو من جنسها.
مثال الأول: أكل خفيف أو كلام خفيف سهواً.
ومثال الثاني: زيادة ركن فعلي من أركان الصلاة كالركوع والسجود، أو زيادة بعض من الصلاة كركعة أو ركعتين، أو أن يسلم من اثنتين. ويسجد للزيادة بعد السلام.
أما زيادة القول سهواً: فإن كان من جنس الصلاة فمغتفر، وإن كان من غيرها سجد له.
وأما الزيادة والنقص معاً: فهو نقص سنة ولو غير مؤكدة، وزيادة ما تقدم في السبب الثاني، كأن ترك الجهر بالسورة وزاد ركعة في الصلاة سهواً، فقد اجتمع له نقص وزيادة. ويسجد للزيادة والنقصان قبل السلام،ترجيحاً لجانب النقص على الزيادة.
ومن قام إلى ركعة زائدة في الفريضة، رجع متى ذكر، وسجد بعد السلام، وكذلك يسجد إن لم يذكر حتى سلم. أما المأموم: فإن اتبع الإمام عالماً عامداً بالزيادة، بطلت صلاته. وإن اتبعه ساهياً أو شاكاً، صحت صلاته. ومن لم يتبعه وجلس، صحت صلاته.
ومن قام إلى ثالثة في النافلة: فإن تذكر قبل الركوع، رجع وسجد بعد السلام. وإن تذكر بعد الرفع من الركوع، أضاف إليها ركعة وسلم من أربع، وسجد بعد السلام لزيادة الركعتين.
ومن ترك الجلسة الوسطى: فإن ذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه أمر بالرجوع إلى الجلوس، فإن رجع فلا سجود عليه، لخفته، وإن لم يرجع سجد. وإن ذكر بعد مفارقته الأرض بيديه، لم يرجع. وإن ذكر بعد أن استقل قائماً، لم يرجع وسجد للسهو، فإن رجع فقد أساء، ولا تبطل صلاته.
ومن شك في صلاته، هل صلى ركعة أو اثنتين، فإنه يبني على الأقل، ويأتي بما شك فيه، ويسجد بعد السلام.
مذهب الشافعية: يسجد للسهو عند ترك مأمور به في الصلاة، أو فعل منهي عنه فيها. والسنة إن تركها المصلي لا يعود إليها بعد التلبس بالفرض، فمن ترك التشهد الأول مثلاً، فتذكره بعد قيامه مستوياً، لم يعد له، فإن عاد إليه عالماً بتحريمه عامداً، بطلت صلاته، وإن عاد إليه ناسياً لم تبطل، وكذا إن عاد إليه جاهلاً ويسجد للسهو عنها.
والذي يقتضي سجود السهو أمران: زيادة ونقصان، وتنحصر أسباب السهو في ستة أمور.
1-تيقن ترك بعض من الأبعاض: وهي التشهد الأول، وقعوده، والقنوت في الصبح وفي آخر الوتر في النصف الثاني من رمضان، والقيام للقنوت، والصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأول، والصلاة على الآل في التشهد الأخير.
2- تيقن فعل منهي عنه سهواً مما يبطل عمده فقط: كأن يعيد الفاتحة في الجلوس، وأن يسلم في غير موضع السلام ناسياً، وكذلك نقل السنة القولية كأن يقرأ السورة في غير موضع القراءة، فيسجد للسهو، لأنه قول في غير موضعه، فصار كالسلام. ويستثنى من ذلك قراءة السورة قبل الفاتحة، فلا يسجد لها.
3 - فعل شيء سهواً، يبطل عمده فقط: كتطويل الركن القصير، بأن يطيل الاعتدال أو الجلوس بين السجدتين. ومثله الكلام القليل سهواً، بدليل أن النبي ﷺ سلم من اثنتين وكلم ذا اليدين، وأتم صلاته، وسجد سجدتين متفق عليه.
وأما ما يبطل عمده وسهوه ككلام كثير وأكل، فيبطل الصلاة ولا يسجد له.
وأما ما لا يبطل عمده ولا سهوه كالتفات بالعنق ومشي خطوتين، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده.
4 - الشك في الزيادة: فلو شك أصلى ثلاثاً أم أربعاً، أتى بركعة وسجد.
ودليل السجود للشك في صلاته: حديث عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر أواحدةً صلى أم اثِنْتين، فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثاً، فليجعلها اثنتين، وإذا لم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس، قبل أن يسلم سجدتين" رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه.
5 - الشك في ترك بعض معين من أبعاض الصلاة: كأن شك في ترك القنوت لغير النازلة، أو ترك بعض مبهم (غير معين) كأن لم يدر هل ترك القنوت أو الصلاة على النبي في القنوت.
6 - الاقتداء بمن يترك بعض الأبعاض: ولو في اعتقاد المأموم، كالاقتداء بمن ترك القنوت في الصبح، أو بمن يقنت قبل الركوع، أو بمن يترك الصلاة على النبي في التشهد الأول، فيسجد بعد سلام الإمام وقبل سلام نفسه.
ذهب الحنابلة إلى أن: أسباب السهو ثلاثة: زيادة، ونقص، وشك في بعض صوره.
الأول: أما الزيادة في الصلاة: فمثل أن يزيد المصلي سهواً فعلاً من جنس الصلاة، قياماً أو قعوداً ولو قدر جلسة الاستراحة في غير موضع الاستراحة، أو ركوعاً، أو سجوداً، أو أن يقرأ الفاتحة مع التشهد أو يقرأ التشهد مع الفاتحة، فيسجد للسهو وجوباً في الزيادة الفعلية وندباً في الزيادة القولية.
ومتى ذكر من زاد في صلاته، عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير، لإلغاء الزيادة، وعدم الاعتداد بها. وإن زاد ركعة كثالثة في صبح أو رابعة في مغرب أو خامسة في ظهر أو عصر أو عشاء، قطع تلك الركعة، بأن يجلس في الحال متى ذكر بغير تكبير، وبنى على فعله قبل تلك الزيادة، ولا يتشهد، إن كان تشهد، ثم سجد للسهو، وسلم، ولا تحتسب الركعة الزائدة من صلاة مسبوق.
وإن كان الذي زاد إماماً أو منفرداً، فنبهه ثقتان فأكثر - ويلزمهم تنبيه الإمام على ما يجب السجود لسهوه، لارتباط صلاتهم بصلاته، بحيث تبطل ببطلانها - لزمه الرجوع، سواء نبهوه لزيادة أو نقص، ولو ظن خطأهما.
والمرأة كالرجل في تنبيه الإمام.
الثاني النقص في الصلاة: فمثل ترك الركوع أو السجود أو قراءة الفاتحة ونحو ذلك سهواً، ويجب عليه تداركه والإتيان به إذا تذكره، ويجب أن يسجد للسهو في آخر صلاته.
وإن نسي التشهد الأول، لزمه الرجوع والإتيان به جالساً، ما لم ينتصب قائماً، وهذا متفق عليه.
وإن استتم قائماً، ولم يقرأ، فعدم رجوعه أولى، لحديث المغيرة السابق، ويتابعه المأموم، ويسقط عنه التشهد. وإن قرأ ثم ذكر التشهد، لم يجز له الرجوع، لحديث المغيرة، ولأنه شرع في ركن مقصود، كما لو شرع في الركوع، وتبطل صلاة الإمام إذا رجع بعد شروعه فيها، إلا أن يكون جاهلاً أو ناسياً. وعليه سجود السهو لذلك، لحديث المغيرة، ولقوله ﷺ: "إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين".
وكذلك حكم التسبيح في الركوع والسجود، ودعاء "رب اغفر لي" بين السجدتين، وكل واجب تركه سهواً، ثم ذكره، فيرجع إلى تسبيح الركوع قبل الاعتدال لا بعده.
الثالث: الشك في الصلاة الذي يقتضي سجود السهو في بعض صوره: فهو مثل أن يشك في ترك ركن من الأركان، أو في عدد الركعات، فيبني على المتيقن، ويأتي بما شك في فعله، ويتم صلاته، ويسجد للسهو وجوباً.
ولا يسجد للسهو حالة الشك في ترك واجب كتسبيح الركوع أو السجود، وإنما يسجد لترك الواجب سهواً.
كما لا يسجد للسهو إذا أتم الركعات، وشك وهو في التشهد في زيادة الركعة الأخيرة، لأن الأصل عدم الزيادة. أما إن شك في زيادة الركعة الأخيرة قبل التشهد، فإنه يجب عليه سجود السهو. ومثل ذلك الشك في زيادة سجدة، على هذا التفصيل.
محل سجود السهو وصفته:
سجود السهو عند الحنفية بعد السلام، وقد يكون قبل السلام وقد يكون بعده، ويتخير المصلي بين الأمرين لدى الحنابلة.
ذهب الحنفية إلى أن سجود السهو بعد السلام فقالوا: محل سجود السهو المسنون بعد السلام مطلقاً، سواء أكان السهو بسبب زيادة أم نقصان في الصلاة، ولو سجد قبل السلام أجزأه ولا يعيده.
وصفته: أن يسجد سجدتين بعد أن يسلم عن يمينه التسليمة الأولى فقط، ثم يتشهد بعدها وجوباً، ويأتي بالصلاة على النبي ﷺ والدعاء في قعدة السهو لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة.
وذهب المالكية إلى أن سجود السهو قد يكون قبل السلام وقد يكون بعده فقالوا: محل السجود المسنون قبل السلام إن كان سببه النقصان، أو النقصان والزيادة معاً. وبعد السلام إن كان سببه الزيادة فقط، وينوي وجوباً للسجود البعدي، ويكبر في خفضه ورفعه، ويسجد سجدتين جالساً بينهما، ويتشهد استناناً، ولا يدعو ولا يصلي على النبي ﷺ ثم يسلم وجوباً، فتكون واجباته خمسة: وهي النية، والسجدة الأولى، والثانية، والجلوس بينهما، والسلام، لكن السلام واجب غير شرط، وأما التكبير والتشهد بعده فسنة.
وإن أخر السجود القبلي عمداً كره ولا تبطل الصلاة، وإن قدم السجود البعدي على السلام أجزأه، وأثم أي يحرم تقديمه عمداً، وتصح الصلاة، فإن لم يتعمد التأخير أو التقديم لم يكره ولم يحرم.
وذهب الشافعية إلى أنَّ: محل سجود السهو بين التشهد والسلام، فإن سلم عمداً فات، وإن سلم سهواً وطال الفصل فات أيضاً، وإن لم يطل الفصل، فلا يفوت، ويسجد، وإذا سجد صار عائداً إلى الصلاة في الأصح. ولو سها إمام الجمعة وسجدوا فبان فوت وقتها، أتموا ظهراً وسجدوا.
وصفته: سجدتان كسجود الصلاة في واجباته ومندوباته كوضع الجبهة والطمأنينة والتحامل والتنكيس (رفع الأسافل) والافتراش في الجلوس بينهما، والتورك بعدهما.
ويحتاج لنية بقلبه، لا بلسانه، فإن نوى بلسانه بطلت صلاته.
ودليلهم على صفته: اقتصاره ﷺ على السجدتين في قصة ذي اليدين، وغيرها من الأحاديث.
وذهب الحنابلة إلى أنَّ: لا خلاف في جواز السجود قبل السلام وبعده، وإنما الخلاف عندهم في الأفضل والأولى، والأفضل أن يكون قبل السلام، لأنه إتمام للصلاة، فكان فيها كسجود صلبها، إلا في حالتين:
إحداهما - أن يسجد لنقص ركعة فأكثر، وكان قد سلم قبل إتمام صلاته.
الثانية - أن يشك الإمام في شيء من صلاته، ثم يبني على غالب ظنه، فإنه يسجد للسهو بعد السلام ندباً نصاً.
وصفته: أن يكبر للسجود والرفع منه، سواء أكان قبل السلام أم بعده، ثم يسجد سجدتين كسجود الصلاة، فإن كان السجود بعدياً يأتي بالتشهد كتشهد الصلاة قبل السلام ثم يسلم، وإن كان قبلياً لم يتشهد، ويسلم عقبه.
ويقول في سجود السهو ما يقول في سجود صلب الصلاة، لأنه سجود مشروع في الصلاة، فأشبه سجود صلب الصلاة.
ومن ترك السجود الواجب للسهو عمداً، بطلت صلاته بترك ما محله قبل السلام، لأنه ترك الواجب عمداً كغيره من الواجبات، ولا تبطل بترك ما محله بعد السلام، لأنه جبر للعبادة خارج منفرد عنهما، فلم تبطل بتركه، كجبرانات الحج.
وإذا نسي سجود السهو حتى طال الفصل، لم تبطل الصلاة، لأنه جابر للعبادة بعدها، فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج.
وإن طال الفصل لم يسجد، وإلا سجد.
سجدة التلاوة:
1-حكم سجدة التلاوة
ذهب الحنفية إلى أن سجدة التلاوة واجبة على السامع والمستمع والتالي.
وذهب الشافعية إلى أنها سنة على السامع والتالي والمستمع وذهب المالكية والحنابلة إلى أنها سنه على المستمع التالي.
والمستمع: هو الذي يقصد السماع.
والسامع: هو الذي لا يقصد السماع
- وجوب سجدة التلاوة على التراخي عند الحنفية.
تجب سجدة التلاوة خارج الصلاة على التراخي، في وقت غير معين، إذا كان التالي أو السامع أهلاً للوجوب،سواء قصد سماع القرآنأو لم يقصد، بشرط كون المسموع منه آدمياً عاقلاً يقظاناً، ولو جُنُباً أو حائضاً أو نفساء، أو كافراً أو صبياً مميزاً أو سكران، فلو سمعها من طير كالببغاء أو صدى كآلات التسجيل لا تجب عليه، ولو سمعها من نائم أو مغمى عليه، أو مجنون أو غير مميز، فالأصح من الروايتين لا تجب عليه، لعدم صحة التلاوة بفقد التمييز.
أما في الصلاة فتجب وجوباً مضيقاً، لأنها وجبت بما هو من أفعال الصلاة وهو القراءة، فالتحقت بأفعال الصلاة، وصارت جزءاً منها. فإن أنهى قراءته بآية السجدة: فإما أن يسجد مستقلاً ثم يعود للقراءة، وإما أن يضمنها في ركوعه أو سجوده، إن نواها في ركوعه، وسواء نواها أو لم ينوها في سجوده.
وإذا لم ينه قراءته بآية السجدة، وتابع فقرأ بعدها ثلاث آيات فأكثر، وجب أن يسجد لها سجوداً مستقلاً، غير سجود الصلاة، ويستحب أن يعود للقراءة، فيقرأ ثلاث آيات فأكثر، ثم يركع، ويتم صلاته.
متابعة الإمام في السجدة وسماعها من غير المصلي: ذهب الحنفية إلى أنه: إذا تلا الإمام آية السجدة، سجدها معه المأموم، لالتزامه متابعته. وإن تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا المأموم، لا في الصلاة ولا خارجها، لأن المقتدي محجوز عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه.
وإن سمع المصلي وهو في الصلاة آية سجدة من رجل في غير الصلاة لم يسجد لها في الصلاة، وسجدها بعد الصلاة، فإن سجدها في الصلاة لم تجزه، ولم تفسُد صلاته، لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة.
وذهب الجمهور: يلزم متابعة الإمام في السجدة، فإن سجد الإمام فتخلف المقتدي، أو سجد المأموم دون إمامه، بطلت صلاته ولا يسجد المصلي لقراءة غيره بحال، ولا يسجد مأموم لقراءة نفسه، فإن فعل بطلت صلاته، لأنه زاد فيها سجوداً.
شروط سجود التلاوة:
ذهب الحنفية إلى أنه يشترط لوجوب سجدة التلاوة: أهلية وجوب الصلاة من الإسلام والعقل والبلوغ، والطهارة من الحيض والنفاس، فلا تجب على الكافر والصبي والمجنون والحائض والنفساء.
وذهب المالكية إلى أن سجدة التلاوة لا تسن للمستمع إلا إن صلح القارئ للإمامة، بأن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً، وإلا فلا سجود عليه، بل على القارئ وحده.
وتسن عند الشافعية ولو كان القارئ صبياً مميزاً، والمستمع رجلاً، أو محدثاً، أو كافراً، ولا تسن لقراءة جنب وسكران، لأنها غير مشروعة لهما.
ويشترط لصحة سجدة التلاوة ما يشترط لصحة الصلاة: من طهارة الحدث (وهي الوضوء والغسل) وطهارة النجس (وهي طهارة البدن والثوب ومكان السجود والقيام والقعود)، وستر العورة، واستقبال القبلة والنية. وهذه شروط متفق عليها، واختلفوا فيما عداها.
ذهب الحنفية إلى أنه: لا يشترط لها التحريمة ونية تعين الوقت، كما لا يشترط لها السلام كالصلاة، وتجب آية السجدة على خطيب الجمعة والعيدين، وعلى السامعين، لكن يكره للإمام الإتيان بها فوق المنبر، فينزل ويسجد ويسجد الناس معه.
وذهب المالكية إلى أنه: لا إحرام فيها ولا تسليم. ويشترط في المستمع شروط ثلاثة، كما قدمنا:
وذهب الشافعية إلى أنه: يشترط مع النية تكبيرة الإحرام على الصحيح، كما أخرجه أبو داود، لكن بإسناد ضعيف، وقياساً على الصلاة، ويشترط السلام بعد القعود كالصلاة، ولا يشترط التشهد.
مبطلات سجود التلاوة:
يبطل سجدة التلاوة كل ما يبطل الصلاة: من الحدث والعمل الكثير، والكلام والضحك، وعليه إعادتها.
أسباب سجدة التلاوة وصفتها:
تتردد أسباب سجود التلاوة بين التلاوة لآية سجدة، والسماع لها، والاستماع، كما هو موضح في المذاهب.
ذهب الحنفية إلى أن: أسباب سجود التلاوة ثلاثة أمور:
الأول- التلاوة: فتجب على التالي، ولو لم يسمع نفسه كأن كان أصم.
الثاني- سماع آية سجدة أو الاستماع إليها، والاستماع يكون بقصد بخلاف السماع.
الثالث- الاقتداء، فلو تلاها الإمام، وجبت على المقتدي، وإن لم يسمعها.
وصفة السجود عند الحنفية: أن يكبر للوضع، دون رفع يديه كسجدة الصلاة، ويسجد بين كفيه، واضعاً جبهته على الأرض للسجود، ثم يكبر للرفع، وكل من هاتين التكبيرتين سنة، ويرفع رأسه. ولا يقرأ التشهد، ولا يسلم، لعدم وجود التحريمة.
ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً.
وذهب المالكية إلى أن: سبب سجدة التلاوة أمران فقط: التلاوة والاستماع بشرط أن يقصده، كما ذكر في شروطها.
وصفتها: هي سجدة واحدة، بلا تكبير إحرام ولا سلام، بل يكبر للسجود، ثم للرفع منه استحباباً في كل منهما. ويكبر القائم من قيام ولا يجلس، والجالس من جلوس، وينزل لها الراكب، إلا إذا كان مسافراً، فيسجدها صوب سفره بالإيماء؛ لأنها نافلة. ويسبح فيها كالصلاة: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً. فيكون مذهب المالكية قريباً في بيان الصفة من الحنفية. ويزيد في سجوده: "اللهم اكتب لي بها أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود".
وذهب الشافعية إلى أنَّ: سبب سجود التلاوة: التلاوة والسماع والاستماع، كما قال الحنفية.
ولها ركنان: النية لغير المأموم، أما المأموم فتكفيه نية الإمام. وسجدة واحدة، كسجدة الصلاة. والمصلي ينوي بالقلب.
وغير المصلي: يزاد له ثلاثة أركان: تكبيرة الإحرام، والجلوس بعد السجدة، والسلام. ويسن له التلفظ بالنية.
وصفتها: أن يكبر للهوي، وللرفع، ولا يسن له رفع يديه في الصلاة، ويسن الرفع خارج الصلاة، ولا يجلس للاستراحة في الصلاة. ويقول في سجوده:"سبحان ربي الأعلى ثلاثاً"، ويضيف قائلاً:"سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين" ويقول أيضاً: "اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وضع عني بها وزراً، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود"
ويندب أن يقول: "سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً" ولو قال ما يقوله في سجوده فقط، جاز وكفى.
ويقوم مقام سجود التلاوة ما يقوم مقام تحية المسجد، فمن لم يرد فعلها قال أربع مرات:"سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر".
وذهب الحنابلة إلى أن سبب: التلاوة والاستماع. وبشرط ألا يطول الفصل عرفاً بينها وبين سببها. فإن كان القارىء أو السامع محدثاً، ولا يقدر على استعمال الماء تيمم. ولا يسجد المقتدي إلا لمتابعة إمامه. ويكره للإمام سجوده لقراءة سجدة في صلاة سرية، لئلا يخلط على المأمومين، فإن فعل خير المأموم بين المتابعة وتركها؛ لأنه ليس بتال ولا مستمع، والأولى السجود متابعة للإمام.
وأركانها ثلاثة: السجود والرفع منه، والتسليمة الأولى، أما الثانية فليست بواجبة، أما التكبير للهوي والرفع من السجود والذكر في السجود فهو واجب، كما في سجود صلب الصلاة. والجلوس للتسليم مندوب. والأفضل سجوده عن قيام.
وصفتها: أن يكبر إذا سجد وإذا رفع، ويرفع يديه مع تكبيرة السجود إن سجد في غير الصلاة؛ لأنها تكبيرة افتتاح، كما قال الشافعية. أما الصلاة فقياس المذهب ألا يرفع يديه، لأن في حديث ابن عمر"أن النبي ﷺ كان لا يفعله في السجود" متفق عليه. يعني رفع يديه، ويسلم إذا رفع.
ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة: "سبحان ربي الأعلى ثلاثاً". ويقول أيضاً: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين". ويقول أيضاً: "اللهم اكتب لي بها عندك أجراً واجعلها لي عندك ذخراً وضع عني بها وزراً وتقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود"
نيابة الركوع عن سجدة التلاوة
-وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يندب عن السجدة الركوع.
-وذهب الحنفية إلى نيابة ذلك في الصلاة.
6- المواضع التي تطلب فيها السجدة:
ذهب الحنفية إلى أن عدد السجدات أربع عشرة سجدة: في سورة الأعراف الآية(206)، والرعد(15)، والنحل(49)، والإسراء(107)، ومريم(58)، وفي أول الحج(18)، وفي الفرقان(60)، وفي النمل(25)، وفي ألم السجدة(15)، وفي فصلت(38)، وفي ص(24) والنجم(62)، وإذا السماء انشقت(21) واقرأ باسم ربك الذي خلق(19).
وذهب المالكية إلى أن عدد السجدات إحدى عشرة، وهم مثل الحنفية إلا في الثلاث الأخيرة: النجم(62)، الانشقاق(21)، العلق(19).
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن: السجدات أربع عشرة، منها سجدتان في سورة الحج، في أولها وآخرها(77)، أما سجدة ص فهي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة، وتحرم في الصلاة على الأصح وتبطلها.
7- تتكرر السجدة بتكرر التلاوة؟
ذهب الحنفية إلى أن: من كرر تلاوة آية سجدة واحدة في مجلس واحد، أجزأته سجدة واحدة، وفعلها بعد الأولى أولى، وقيل: التأخير أحوط، أي أنه يشترط اتحاد الآية والمجلس.
أما إن كرر آية السجدة في عدة أماكن، أي اختلف المجلس، فيجب تكرار السجود.
فإن قرأ عدة آيات فيها سجدات مختلفة، فيجب لكل آية سجدة سواء اتحد المجلس أم اختلف.
ويتبدل المجلس بالانتقال منه بثلاث خطوات في الصحراء والطريق، وبالانتقال من غصن شجرة إلى غصن، وبسباحة في نهر أو حوض كبير في الأصح. ولا يتبدل بزوايا البيت الصغير، والمسجد ولو كان كبيراً، ولا بسير سفينة أو سيارة، ولا بركعة وبركعتين، وشربة وأكل لقمتين، ومشي خطوتين، ولا باتكاء وقعود وقيام وركوب ونزول في محل تلاوته، ولا بسير دابته مصلياً.
ويتكرر الوجوب على السامع بتبديل مجلسه، وإن اتحد مجلس القارىء، فلو كررها راكباً يصلي، وغلامه يمشي، تتكرر على الغلام،لا الراكب، ولا تتكرر على السامع في عكسه وهو تبدل مجلس القارىء دون السامع على المفتى به، ومن تلا آية سجدة، فلم يسجد لها، حتى دخل في الصلاة، فتلاها، وسجد لها، أجزأته السجدة عن التلاوتين.
وإن تلاها في غير الصلاة، فسجد لها، ثم دخل في الصلاة، فتلاها، سجد لها، ولم تُجزه السجدة الأولى.
وإذا تلا آية سجدة في الصلاة ثم أعادها بعد سلامه، سجد سجدة أخرى. ولا تقضى السجدة التي تتلى في الصلاة خارجها؛ لأن لها مزية، فلا تتأدى بناقص، وعليه التوبة.
وذهب المالكية إلى أنه: إذا كرر المعلم أو المتعلم آية السجدة، فيسن السجود لكل منهما عند قراءتها أول مرة فقط دفعاً للمشقة. ويسجد إن تجاوز آية السجدة تجاوزاً يسيراً كآية أو آيتين، فإن كان التجاوز كثيراً أعاد آية السجدة وسجد، ولو كانفي صلاة فرض، ولكن لا يسجد في الفرض إذا لم ينحن للركوع.
وذهب الشافعية إلى أنه: لو كرر آية في مجلسين، أو في مجلس، سجد لكل من المرتين عقبها، والركعة كمجلس واحد، والركعتان كمجلسين. فإن لم يسجد وطال الفصل عرفاً ولو بعذر، لم يسجد أداء؛ لأنه من توابع القراءة.
وذهب الحنابلة إلى أنه: إذا كرر تلاوة الآية أو استماعها، يسن له تكرار السجود بمقدار ذلك، لتعدد السبب.
- سجدة الشكر:
ذهب أبو حنفية إلى أنها: مكروهة لعدم إحصاء نعم الله تعالى.
والمفتى به أنها مستحبة، لكنها تكره بعد الصلاة ؛ لأن الجهلة يعتقدونها سنة أو واجبة، وكل مباح يؤدي إلى هذا الاعتقاد فهو مكروه. وعلى هذا ما يفعل عقب الصلاة من السجدة مكروه إجماعاً؛ لأن العوام يعتقدون أنها واجبة أو سنة، وكل جائز أدى إلى اعتقاد ذلك كره. وإذا نواها ضمن ركوع الصلاة أو سجودها، أجزأته.
ويكره أن يسجد شكراً بعد الصلاة في الوقت الذي يكره فيه النفل، ولا يكره في غيره.
وذهب المالكية إلى أنه: يكره سجود الشكر عند سماع بشارة، والسجود عند زلزلة، وإنما المستحب عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة: صلاة ركعتين، لأن عمل أهل المدينة على ذلك.
وذهب الشافعية إلى أن: سجدة الشكر لا تدخل في الصلاة. وتسن لهجوم نعمة، كحدوث ولد أو جاه أو اندفاع نقمة كنجاة من حريق أو غريق، أو رؤية مبتلى في بدنه أو غيره،أو رؤية عاص يجهر بمعصيته، ويظهرها للعاصي، لا للمبتلى.
وهي كسجدة التلاوة، والأصح جوازهما على الراحلة للمسافر بالإيماء لمشقة النزول، فإن سجد الراكب لتلاوة صلاة، جاز الإيماء على الراحلة قطعاً تبعاً للنافلة كسجود السهو.
وذهب الحنابلة إلى أنّه: يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم.
ويشترط لسجود الشكر ما يشترط لسجود التلاوة. ولا يسجد للشكر وهو في الصلاة، لأن سبب السجدة ليس منها، فإن فعل بطلت صلاته، إلا أن يكون ناسياً أو جاهلاً بتحريم ذلك.
قضاء الفوائت:
1- معنى القضاء وحكمه الشرعي:
والقضاء: فعل الواجب بعد وقته.
أن يبادر إلى أداء الصلاة في وقتها، ويأثم بتأخيرها عن وقتها بغير عذر، وتأخير الصلاة من غير عذر معصية كبيرة لا تزول بالقضاء وحده، بل بالتوبة أو الحج بعد القضاء.
وأمَّا تأخير الصلاة عن وقتها لعذر مشروع فلا إثم عليه، ومن العذر: خوف العدو، وخوف القابلة موت الولد، أو خوف أمه إذا خرج رأسه، لأنه عليه السلام أخر الصلاة يوم الخندق، قال ابن مسعود: "إن المشركين شغلوا رسول الله ﷺ عن أربع صلوات يوم الخندق".
فمن وجبت عليه الصلاة، وفاتته بفوات الوقت المخصص لها، لزمه قضاؤها وهو آثم بتركها عمداً، والقضاء عليه واجب، لقوله ﷺ: "من نسي صلاة، فليصلها إذا ذكرها"، فيجب القضاء بترك الصلاة عمداً أو لنوم أو نسيان أو لسهو، ولو شكاً.
2- أعذار سقوط الصلاة وتأخيرها:
اتفق العلماء على أن الصلاة تسقط عن المرأة أيام الحيض والنفاس، فلا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلوات أثناء الحيض أو النفاس، كما لا قضاء على الكافر الأصلي والمجنون اتفاقاً.
فذهب الحنفية إلى أن: الصلاة تسقط عن المجنون والمغمى عليه إذا استمر الجنون أو الإغماء أكثر من خمس صلوات، أما إن استمر أقل من ذلك، خمس صلوات فأقل، وجب عليهما القضاء لصلاة ذلك الوقت إذا بقي من الوقت ما يسع أكثر من التحريمة. فلو لم يبق من الوقت ما يسع قدر التحريمة، لم تجب عليهما صلاة ذلك الوقت. وأما المرتد: فلا يقضي ما فاته زمن الردة ولا ما قبلها إلا الحج، لأنه بالردة يصير كالكافر الأصلي. ويعذر حربي أسلم بدار الحرب بالجهل، فلا يقضي ما عليه إذا مكث مدة، لأن العلم بالخطاب شرط التكليف.
وذهب المالكية إلى أنه: لا تجب القضاء في حال الجنون والإغماء والكفر والحيض والنفاس وفقد الطهورين.
وذهب الشافعية إلى أنه: لا تجب الصلاة على الحائض والنفساء والكافر وأما المرتد إذا أسلم: فيلزمه قضاء الصلاة.
ومن زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض أو بسبب مباح: فلا تجب عليه الصلاة ولا قضاء عليه.
أما من زال عقله بسبب محرم كمن شرب المسكر، أو تناول دواء من غير حاجة، فزال عقله، فيجب عليه القضاء إذا أفاق، لأنه زال عقله بمحرم، فلم يسقط عنه الفرض...
وذهب الحنابلة إلى أنه: لا تجب الصلاة على صبي والمجنون ولا كافر ولا حائض أو نفساء. أما الكافر الأصلي فلا يلزمه قضاء ما تركه من العبادات في حال كفره.
وأما المرتد: ففي وجوب القضاء عليه روايتان عن أحمد:
إحداهما كالحنفية: لا يلزمه: لأن عمله قد حبط بكفره ولو حج لزمه استئناف حجه. فصار كالكافر الأصلي في جميع أحكامه.
والثانية كالشافعية: يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال ردته، وإسلامه قبل ردته، ولا يجب عليه إعادة الحج، لأن العمل إنما يحبط بالإشراك مع الموت.
وأمَّا المغمى عليه: يقضي جميع الصلوات التي كانت عليه في حال إغمائه، فحكمه حكم النائم، لا يسقط عنه قضاء شيء من الواجبات التي يجب قضاؤها كالصلاة والصيام. ومن شرب دواء فزال عقله به نظر: فإن كان زوالاً لا يدوم كثيراً فهو كالإغماء، وإن كان يتطاول فهو كالمجنون.
وأما السكر ومن شرب محرماً يزيل عقله وقتاً دون وقت: فلا يؤثر في إسقاط التكليف، وعليه قضاء ما فاته في حال زوال عقله، بلا خلاف، ولأنه إذا وجب عليه القضاء بالنوم المباح، فبالسكر المحرم أولى.
3-كيفية قضاء الفائتة:
ذهب الحنفية إلى أن الصلاة: تقضى على الصفة السابقة التي فاتت عليها حضراً أو سفراً، فمن فاتته صلاة مقصورة في السفر، قضاها ركعتين ولو في الحضر. ومن فاتته صلاة تامة في الحضر قضاها أربعاً ولو في السفر.
أما صفة القراءة في القضاء سراً أو جهراً، فيراعى نوع الصلاة: فإن كانت سرية كالظهر، يسر في القراءة، وإن كانت جهرية يجهر فيها إن كان إماماً، ويخير بين الجهر والإسرار إن كان منفرداً.
ويجب القضاء فوراً، ويجوز تأخيره لعذر السعي على العيال وفي الحوائج، كما أن أداء سجدة التلاوة خارج الصلاة والنذر المطلق وقضاء رمضان موسع يجوز تأخيره للعذر السابق.
وذهب المالكية إلى أن الصلاة: يقضيها بنحو ما فاتته سفراً أو حضراً، جهراً أو سراً، فوراً، ويحرم عليه تأخير القضاء، ولو كان وقت نهي كطلوع شمس وغروبها وخطبة جمعة، إلا وقت الضرورة كوقت الأكل والشرب والنوم الذي لابد منه، وقضاء حاجة الإنسان، وتحصيل ما يحتاج له في معاشه.
وعلى هذا تقضى الحضرية كاملة ولو قضاها في السفر، وتقضى النهارية سراً ولو قضاها ليلاً، وتقضى الليلية جهراً ولو قضاها نهاراً، لأن القضاء يحكي ما كان أداء.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: ينظر لمكان القضاء ووقت القضاء، فيقضي المسافر الصلاة الرباعية ركعتين، سواء فاتته في السفر أم في الحضر، فإن كان في الحضر فيقضي الرباعية أربعاً، وإن فاتته في السفر، لأن الأصل الإتمام، فيرجع إليه في الحضر، ولأن سبب القصر هو السفر وليس متوفراً في الحضر.
ويسر ويجهر في الصلاة بحسب الوقت، فإن صلى في النهار من طلوع الشمس إلى غروبها أسَّر، وإن صلى في الليل من مغيب الشمس إلى طلوعها جهر.
ولكن قالت الحنابلة: إن كان القضاء ليلاً يجهر الإمام لشبه القضاء للأداء، فإن كان منفرداً أسر مطلقاً، قال الإمام أحمد: إنما الجهر للجماعة.
وذهب الحنابلة إلى: أنه يستحب قضاء الفوائت في جماعة، كما فعل النبي ﷺ يوم الخندق، حينما فاتته صلوات أربع، فقضاهن في جماعة. ولا يكره قضاء السنن الرواتب قبل الفرائض، ويستحب أن يقضي ركعتي الفجر قبل الفريضة.
4-القضاء على الفور:
ويجب أن يكون القضاء فوراً باتفاق الفقهاء، سواء فاتت الصلاة بعذر أم بغير عذر.
وذهب الشافعية إلى أنه: يبادر بالفائت ندباً إن فاته بعذر كنوم ونسيان، ووجوباً إن فاته بغير عذر، على الأصح فيهما، تعجيلاً لبراءة ذمته
5- الترتيب في قضاء الفوائت
ذهب الحنفية إلى أنَّ الترتيب: بين الفروض الخمسة والوتر وبين الفائتة والوقتية مستحق لازم إلا أن يخاف فوات صلاة الوقت، فيقدم صلاة الوقت ثم يقضي الفائتة.
ومن فاتته صلوات رتبها في القضاء، كما وجبت عليه في الأصل، لأن النبي ﷺ شغل عن أربع صلوات يوم الخندق، فقضاهن مُرتّبةًً، ثم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات غير الوتر، فيسقط الترتيب بينها.
وذهب المالكية إلى أنه: يجب الترتيب مع التذكر والقدرة بأن لا يكره على عدمه. والترتيب شرط في صلاتين حاضرتين مشتركتي الوقت وهما الظهران والعشاءان فمن تذكر الظهر وهو في أثناء العصر، فالعصر باطلة، وكذا العشاء مع المغرب، لأن ترتيب الحاضرة واجب شرطاً. ويقطع الحاضرة إن لم يتم ركعة، ويندب أن يضم إليها ركعة أخرى إن أتم ركعة ويجعلها نفلاً.
ويجب الترتيب مع الشرطين السابقين (التذكر والقدرة) بين الفوائت اليسيرة والصلاة الحاضرة، فتقدم الفائتة على الحاضرة، كمن عليه المغرب والعشاء والصبح، يجب تقديمها على الصبح الحاضرة، وإن خرج وقت الحاضرة، بتقديمه يسر الفوائت الواجب تقديمه عليها. وهذا واجب لا شرط، فلو خالفه لا تبطل المُقدَّمة على محلها، ولكنه يأثم، ولا إعادة عليه لخروج وقتها بمجرد فعلها، فإن قدمها ناسياً أو مكرهاً صحت ولا إثم عليه. ويندب إعادة الحاضرة لو قدمها على يسير الفائتة ولو عمداً، بوقت ضروري (وهو في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين لطلوع الفجر).
ويسير الفوائت: خمس فأقل، فيصليها قبل الحاضرة ولو ضاق وقتها.
وذهب الحنابلة: في الصحيح إلى أن الترتيب بين الفوائت في نفسها كثيرة أو قليلة، أو بينها وبين الحاضرة واجب إن اتسع الوقت لقضاء الفائتة، فإن لم يتسع سقط الترتيب. ولا يسقط الترتيب من أجل إدراك الجماعة للصلاة الحاضرة، لأنه آكد من الجماعة، بدليل اشتراطه لصحة الصلاة، بخلاف الجماعة، كما لا يسقط الترتيب بجهل وجوبه، لأنه ترتيب واجب في الصلاة، ولا عذر بالجهل بالأحكام الشرعية.
وإذا كثرت عليه الفوائت يتشاغل بالقضاء ما لم يلحقه مشقة في بدنه أو ماله.
ومن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها، أعاد صلاة يوم وليلة، عند أكثر أهل العلم، لأن التعيين شرط في صحة الصلاة المكتوبة، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بإعادة الصلوات الخمس.
وذهب الشافعية إلى أنه: يسن ترتيب الفائتة، وتقديمها على الحاضرة التي لا يخاف فوت وقتها، عملاً بفعل النبي ﷺ يوم الخندق، وخروجاً من خلاف من أوجبه، فترتيب الفائتة وتقديمها على الحاضرة مشروط بشرطين:
الأول - ألا يخشى فوات الحاضرة، بعدم إدراك ركعة منها في الوقت.
الثاني - أن يكون متذكراً للفوائت قبل الشروع في الحاضرة. فإن لم يتذكرها حتى شرع في الحاضرة، وجب إتمامها، ضاق الوقت أو اتسع، ولو شرع في فائتة معتقداً سعة الوقت، فبان ضيقه عن إدراكها أداء، وجب قطعها لئلا تصير فائتة، والأفضل أن يقلبها نفلاً بعد أداء ركعتين. ولو خاف فوت جماعة حاضرة، فالأفضل الترتيب، للخلاف في وجوبه.
وترتيب الحاضرتين المجموعتين تقديماً واجب، وأما تأخيراً فهو سنة.
6- القضاء إن جهل عدد الفوائت:
وذهب الحنفية إلى أنَّ: من عليه فوائت كثيرة لا يدري عددها، يجب عليه أن يقضي حتى يغلب على ظنه براءة ذمته. وعليه أن يعين الزمن، فينوي أول ظهر عليه أدرك وقته ولم يصله، أو ينوي آخر ظهر عليه أدرك وقته ولم يصله، وذلك تسهيلاً عليه.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه: يجب عليه أن يقضي حتى يتيقن براءة ذمته من الفروض، ولا يلزم تعيين الزمن، بل يكفي تعيين المنوي كالظهر أو العصر مثلاً.
سجود السهو: حكمه، أسبابه، محله وصفته.
السهو في الشيء: تركه من غير علم، والسهو عن الشيء: تركه مع العلم به.
والفرق بين الناسي والساهي: أن الناسي إذا ذكرته تذكر، بخلاف الساهي.
مشروعية سجود السهو وحكمه:
سجود السهو مشروع لحديث أبي سعيد الخدري فهو كما قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثاً، أم أربعاً، فليطْرح الشك، وليَبْن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم، فإن كان صلى خمساً شفَعْن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان" رواه مسلم.
وشرع سجود السهو جبراً لنقص الصلاة، تفادياً عن إعادتها، بسبب ترك أمر غير أساسي فيها أو زيادة شيء فيها.
ولا يشرع سجود السهو في حالة العمد لقوله ﷺ:
"إذا سها أحدكم فليسجد .. " فعلق السجود على السهو، ولأنه يشرع جبراناً للنقص أو الزيادة، والعامد لا يعذر، فلا ينجبر خلل صلاته بسجوده، بخلاف الساهي.
ذهب الحنفية إلى أن سجود السهو واجب، يأثم المصلي بتركه، ولا تبطل صلاته، لأنه ضمان فائت، وهو لا يكون إلا واجباً، وهو يرفع الواجب من قراءة التشهد والسلام، ولا يرفع القعدة لأنها ركن.
وإنما يجب على الإمام والمنفرد، أما المأموم (المقتدي) إذا سها في صلاته، فلا يجب عليه سجود السهو، فإن حصل السهو من إمامه، وجب عليه أن يتابعه، وإن كان مدركاً أو مسبوقاً في حالة الاقتداء، وإن لم يسجد الإمام سقط عن المأموم، لأن متابعته لازمة، لكن المسبوق يتابع في السجود دون السلام.
ووجوب سجود السهو إذا كان الوقت (أو الحالة) صالحاً للصلاة، فلو طلعت الشمس بعد السلام في صلاة الفجر، أو احمرت الشمس في صلاة العصر، سقط عنه السهو، لأن السهو جبر للنقص المتمكن كالقضاء، ولا يقضى الناقص.
وإذا فعل فعلاً يمنعه من البناء على صلاته: بأن تكلم أو قهقه، أو أحدث متعمداً أو خرج عن المسجد أو صرف وجهه عن القبلة وهو ذاكر له، سقط عنه السهو ضرورة، لأنه فات محله وهو تحريمة الصلاة.
والأولى ترك سجود السهو في الجمعة والعيدين إذا حضر فيهما جمع كبير، لئلا يشتبه الأمر على المصلين. وإذا سها في سجود السهو فلا سجود عليه.
وذهب المالكية إلى أن: سجود السهو سنة مؤكدة للإمام والمنفرد. أما المأموم حال القدوة فلا سجود عليه بزيادة أو نقص لسنة مؤكدة أو سنتين خفيفتين، لأن الإمام يتحمله عنه. فلو سها فيما يقضيه بعد سلام الإمام، سجد لنفسه.
وأما المسبوق الذي أدرك ركعة مع إمامه، فيسجد مع إمامه السجود القَبلي المترتب على الإمام، قبل قضاء ما عليه، إن سجد الإمام، وإن لم يسجد الإمام، وتركه، سجد المأموم لنفسه، قبل قضاء ما عليه، وأخًّر السجود البَعدي الذي ترتب على إمامه، ويسجده بعد سلامه، فإن قدمه بطلت صلاته.
وذهب الشافعية إلى أن: سجود السهو سنة للإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يسجد لسهو نفسه خلف إمامه المتطهر، ويتحمل الإمام عنه سهوه في حال قدوته، كما يتحمل عنه القنوت وغيره، أما المحدث فلا يتحمل عنه، ولا يلحقه سهوه، إذ لا قدوة في الحقيقة.
ويجب سجود السهو في حالة واحدة: وهي حالة متابعة المقتدي لإمامه ولو كان مسبوقا، فإن سجد للسهو وجب أن يسجد تبعاً لإمامه؛ لأن المتابعة لازمة، فإن لم يسجد بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها إن لم يكن قد نوى المفارقة، إلا إن علم المأموم خطأ إمامه في السجود للسهو، فلا يتابعه. ولو اقتدى مسبوق بمن سها بعد اقتدائه أو قبله، فإنه يسجد معه، ويستحب أن يسجد أيضاً في آخر صلاته، لأنه محل السهو الذي لحقه.
وإذا ترك الإمام سجود السهو، لم يجب على المأموم أن يسجد، بل يندب.
وذهب الحنابلة إلى أن سجود السهو: إما أن يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً.
حالات الوجوب: لكل ما يبطل عمده في الصلاة بالزيادة أو النقص كترك ركن فعلي، لأن النبي ﷺ أمر به في حديث أبي سعيد وابن مسعود، وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي".
-للشك في الصلاة في بعض صوره كالشك في ترك ركن أو في عدد الركعات.
-ترك كل واجب سهواً كترك التسبيح في الركوع أو السجود.
-لمن لحن لحناً يغير المعنى، سهواً أو جهلاً.
حالات الندب: إن أتى بقول مشروع في غير موضعه غير سلام سهواً أو عمداً كالقراءة في السجود أو القعود، وكالتشهد في القيام، وكقراءة سورة في الركعتين الأخريين.
حالات الإباحة: سجود السهو لترك سنة من الصلاة.
ويجب عل المأموم متابعة إمامه في السجود ولو كان مباحاً، فإن لم يتابعه بطلت صلاته. وعلى المسبوق أيضاً متابعة إمامه في السجود، وإن كان سبب السجود قبل أن يدركه، وإن سجد المسبوق إحدى سجدتي السهو مع إمامه، يأتي بالسجدة الثانية من سجدتي السهو إذا سلم إمامه، ليوالي بين السجدتين.
ثانياً:أسباب سجود السهو
ذهب الحنفية إلى أن: سجود السهو يكون بترك شيء عمداً أو سهواً، أو زيادة شيء سهواً، أو تغيير محله سهواً وذلك في الأحوال التالية:
1ً-لا يسجد للسهو في العمد إلا في ثلاث: ترك القعود الأول أو تأخيره سجدة من الركعة الأولى إلى آخر الصلاة، أو تفكره عمداً حتى شغله عن مقدار ركن.
2ً-يسجد للسهو بترك واجب من واجبات الصلاة سهواً إما بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقص، وهي أحد عشر واجباً، منها ستة واجبات أصلية، وهي ما يلي:
-ترك التشهد في القعدة الأخيرة.
-ترك قراءة الفاتحة أو أكثرها في الركعتين الأوليين من الفرض.
-ترك سورة أو ثلاث آيات قصار أو آية طويلة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الفريضة.
-مخالفة نظام الجهر والإسرار: فإن جهر في الصلاة السرية نهاراً وهي الظهر والعصر، وخفت في الصلاة الجهرية ليلاً وهي الفجر والمغرب والعشاء، سجد للسهو.
-ترك القعدة الأولى للتشهد الأول في صلاة ثلاثية أو رباعية.
-عدم مراعاة الترتيب في مكرر في ركعة واحدة، وهو السجدة الثانية في كل ركعة، فلو سجد سجدة واحدة سهواً، ثم قام إلى الركعة التالية، فأداها بسجدتيها، ثم تذكر السجدة المتروكة في آخر صلاته، فسجدها، فيجب عليه السهو بترك الترتيب؛ لأنه ترك الواجب الأصلي ساهياً، فوجب سجود السهو.
وكذلك ترك سجدة التلاوة عن موضعها، يوجب سجود السهو. وكل تأخير أو تغيير في محل فرض، كالقعود محل القيام وعكسه يوجب سجود السهو.
-ترك الطمأنينة الواجبة في الركوع والسجود، فمن تركها ساهياً وجب عليه سجود السهو.
-تغيير محل القراءة في الفرض؛ بأن قرأ الفاتحة بعد السورة، أو قرأ السورة في الركعتين الأخريين من الرابعية، أو في الثانية والثالثة فقط، وجب عليه سجود السهو.
-ترك قنوت الوتر؛ ويتحقق تركه بالركوع قبل الإتيان به، فمن تركه سجد للسهو.
- وترك تكبير القنوت في الوتر أيضاً.
- ترك تكبيرات العيدين أو بعضهما، أو تكبيرة ركوع الركعة الثانية من صلاة العيد، فإنها واجبة، بخلاف التكبيرة الأولى.
- زيادة فعل في الصلاة ليس من جنسها وليس منها : كأن ركع ركوعين، فإنه يسجد للسهو.
من عاد إلى ما سها عنه: من القعدة الأولى، ثم تذكر، وهو إلى حال القعود أقرب، عاد، فجلس وتشهد، وإن كان إلى حال القيام أقرب لم يعد، ويسجد للسهو. ومن سها عن القعدة الأخيرة، فقام إلى الخامسة، رجع إلى القعدة ما لم يسجد وألغى الخامسة، ويسجد للسهو. فإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه، وتحولت صلاته نفلاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وكان عليه أن يضم ركعة سادسة ندباً. وإن قعد في الرابعة قدر التشهد، ثم قام ولم يسلّم يظنها القعدة الأولى، عاد إلى القعود ما لم يسجد في الخامسة، ويسلم، وإن قيد الخامسة بسجدة ضم إليها ركعة أخرى استحباباً، وقد تمت صلاته لوجود الجلوس الأخير في محله، والركعتان الزائدتان: له نافلة.
الشك في الصلاة:
إذا سها في صلاته، فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً ؟ فإن كان ذلك أول ما سها (أي أن السهو لم يصر عادة له، لا أنه لم يسه في عمره قط)، استقبل الصلاة، وبطلت، أي استأنفها وأعادها، والسلام قاعداً أولى. ولو بنى على الأقل ما أداه كاملاً. وإن حدث الشك المذكور بعد السلام، فلا إعادة عليه، كما لا إعادة عليه إن شك بعد قعوده قدر التشهد قبل السلام.
فإن كان الشك يعرض له كثيراً، بنى على غالب ظنه، إذا كان له ظن يرجح أحد الطرفين، لأن في استئناف الصلاة مع كثرة عروضه حرجاً.
وإن لم يكن له ظن أو رأي، أخذ بالأقل أي بنى على اليقين، لأنه المتيقن، ويقعد في كل موضع ظنه موضع قعوده، لئلا يصير تاركاً فرض القعود أو واجبه مع تيسر الوصول إليه، فإذا وقع الشك في صلاة رباعية أن الركعة هي الأولى أو الثانية عمل بالتحري، فإن لم يقع تحريه على شيء بنى على الأقل، فيجعلها أولى، ثم يقعد لجواز أنها الركعة الثانية، والقعدة فيها واجبة، ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى ويقعد.
وذهب المالكية إلى أن أسباب سجود السهو: ثلاثة: نقص فقط، وزيادة فقط، ونقص وزيادة.
أما النقص: فهو ترك سنة مؤكدة داخلة في الصلاة سهواً أو عمداً، كالسورة إذا تركها عن محلها سهواً، أو سنتين خفيفتين فأكثر كتكبيرتين من تكبيرات الصلاة سوى تكبيرة الإحرام، أو ترك تسميعتين أو تكبيرة وتسميعة. ومن أمثلة ترك سنة أيضاً: ترك جهر بفاتحة فقط ولو مرة، أو بسورة فقط في الركعتين بفرض كالصبح، لا نفل كالوتر والعيدين، مع اقتصار على حركة اللسان الذي هو أدنى السر، وترك تشهد ولو مرة لأنه سنة خفيفة. ويسجد للنقصان قبل السلام.
فإن نقص ركناً عمداً بطلت صلاته، وإن نقصه سهواً أجبره ما لم يفت محله، فإن فات ألغى الركعة وقضاها.
وأما الزيادة: فهي زيادة فعل غير كثير ليس من جنس الصلاة، أو من جنسها.
مثال الأول: أكل خفيف أو كلام خفيف سهواً.
ومثال الثاني: زيادة ركن فعلي من أركان الصلاة كالركوع والسجود، أو زيادة بعض من الصلاة كركعة أو ركعتين، أو أن يسلم من اثنتين. ويسجد للزيادة بعد السلام.
أما زيادة القول سهواً: فإن كان من جنس الصلاة فمغتفر، وإن كان من غيرها سجد له.
وأما الزيادة والنقص معاً: فهو نقص سنة ولو غير مؤكدة، وزيادة ما تقدم في السبب الثاني، كأن ترك الجهر بالسورة وزاد ركعة في الصلاة سهواً، فقد اجتمع له نقص وزيادة. ويسجد للزيادة والنقصان قبل السلام،ترجيحاً لجانب النقص على الزيادة.
ومن قام إلى ركعة زائدة في الفريضة، رجع متى ذكر، وسجد بعد السلام، وكذلك يسجد إن لم يذكر حتى سلم. أما المأموم: فإن اتبع الإمام عالماً عامداً بالزيادة، بطلت صلاته. وإن اتبعه ساهياً أو شاكاً، صحت صلاته. ومن لم يتبعه وجلس، صحت صلاته.
ومن قام إلى ثالثة في النافلة: فإن تذكر قبل الركوع، رجع وسجد بعد السلام. وإن تذكر بعد الرفع من الركوع، أضاف إليها ركعة وسلم من أربع، وسجد بعد السلام لزيادة الركعتين.
ومن ترك الجلسة الوسطى: فإن ذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه أمر بالرجوع إلى الجلوس، فإن رجع فلا سجود عليه، لخفته، وإن لم يرجع سجد. وإن ذكر بعد مفارقته الأرض بيديه، لم يرجع. وإن ذكر بعد أن استقل قائماً، لم يرجع وسجد للسهو، فإن رجع فقد أساء، ولا تبطل صلاته.
ومن شك في صلاته، هل صلى ركعة أو اثنتين، فإنه يبني على الأقل، ويأتي بما شك فيه، ويسجد بعد السلام.
مذهب الشافعية: يسجد للسهو عند ترك مأمور به في الصلاة، أو فعل منهي عنه فيها. والسنة إن تركها المصلي لا يعود إليها بعد التلبس بالفرض، فمن ترك التشهد الأول مثلاً، فتذكره بعد قيامه مستوياً، لم يعد له، فإن عاد إليه عالماً بتحريمه عامداً، بطلت صلاته، وإن عاد إليه ناسياً لم تبطل، وكذا إن عاد إليه جاهلاً ويسجد للسهو عنها.
والذي يقتضي سجود السهو أمران: زيادة ونقصان، وتنحصر أسباب السهو في ستة أمور.
1-تيقن ترك بعض من الأبعاض: وهي التشهد الأول، وقعوده، والقنوت في الصبح وفي آخر الوتر في النصف الثاني من رمضان، والقيام للقنوت، والصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأول، والصلاة على الآل في التشهد الأخير.
2- تيقن فعل منهي عنه سهواً مما يبطل عمده فقط: كأن يعيد الفاتحة في الجلوس، وأن يسلم في غير موضع السلام ناسياً، وكذلك نقل السنة القولية كأن يقرأ السورة في غير موضع القراءة، فيسجد للسهو، لأنه قول في غير موضعه، فصار كالسلام. ويستثنى من ذلك قراءة السورة قبل الفاتحة، فلا يسجد لها.
3 - فعل شيء سهواً، يبطل عمده فقط: كتطويل الركن القصير، بأن يطيل الاعتدال أو الجلوس بين السجدتين. ومثله الكلام القليل سهواً، بدليل أن النبي ﷺ سلم من اثنتين وكلم ذا اليدين، وأتم صلاته، وسجد سجدتين متفق عليه.
وأما ما يبطل عمده وسهوه ككلام كثير وأكل، فيبطل الصلاة ولا يسجد له.
وأما ما لا يبطل عمده ولا سهوه كالتفات بالعنق ومشي خطوتين، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده.
4 - الشك في الزيادة: فلو شك أصلى ثلاثاً أم أربعاً، أتى بركعة وسجد.
ودليل السجود للشك في صلاته: حديث عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر أواحدةً صلى أم اثِنْتين، فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثاً، فليجعلها اثنتين، وإذا لم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس، قبل أن يسلم سجدتين" رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه.
5 - الشك في ترك بعض معين من أبعاض الصلاة: كأن شك في ترك القنوت لغير النازلة، أو ترك بعض مبهم (غير معين) كأن لم يدر هل ترك القنوت أو الصلاة على النبي في القنوت.
6 - الاقتداء بمن يترك بعض الأبعاض: ولو في اعتقاد المأموم، كالاقتداء بمن ترك القنوت في الصبح، أو بمن يقنت قبل الركوع، أو بمن يترك الصلاة على النبي في التشهد الأول، فيسجد بعد سلام الإمام وقبل سلام نفسه.
ذهب الحنابلة إلى أن: أسباب السهو ثلاثة: زيادة، ونقص، وشك في بعض صوره.
الأول: أما الزيادة في الصلاة: فمثل أن يزيد المصلي سهواً فعلاً من جنس الصلاة، قياماً أو قعوداً ولو قدر جلسة الاستراحة في غير موضع الاستراحة، أو ركوعاً، أو سجوداً، أو أن يقرأ الفاتحة مع التشهد أو يقرأ التشهد مع الفاتحة، فيسجد للسهو وجوباً في الزيادة الفعلية وندباً في الزيادة القولية.
ومتى ذكر من زاد في صلاته، عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير، لإلغاء الزيادة، وعدم الاعتداد بها. وإن زاد ركعة كثالثة في صبح أو رابعة في مغرب أو خامسة في ظهر أو عصر أو عشاء، قطع تلك الركعة، بأن يجلس في الحال متى ذكر بغير تكبير، وبنى على فعله قبل تلك الزيادة، ولا يتشهد، إن كان تشهد، ثم سجد للسهو، وسلم، ولا تحتسب الركعة الزائدة من صلاة مسبوق.
وإن كان الذي زاد إماماً أو منفرداً، فنبهه ثقتان فأكثر - ويلزمهم تنبيه الإمام على ما يجب السجود لسهوه، لارتباط صلاتهم بصلاته، بحيث تبطل ببطلانها - لزمه الرجوع، سواء نبهوه لزيادة أو نقص، ولو ظن خطأهما.
والمرأة كالرجل في تنبيه الإمام.
الثاني النقص في الصلاة: فمثل ترك الركوع أو السجود أو قراءة الفاتحة ونحو ذلك سهواً، ويجب عليه تداركه والإتيان به إذا تذكره، ويجب أن يسجد للسهو في آخر صلاته.
وإن نسي التشهد الأول، لزمه الرجوع والإتيان به جالساً، ما لم ينتصب قائماً، وهذا متفق عليه.
وإن استتم قائماً، ولم يقرأ، فعدم رجوعه أولى، لحديث المغيرة السابق، ويتابعه المأموم، ويسقط عنه التشهد. وإن قرأ ثم ذكر التشهد، لم يجز له الرجوع، لحديث المغيرة، ولأنه شرع في ركن مقصود، كما لو شرع في الركوع، وتبطل صلاة الإمام إذا رجع بعد شروعه فيها، إلا أن يكون جاهلاً أو ناسياً. وعليه سجود السهو لذلك، لحديث المغيرة، ولقوله ﷺ: "إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين".
وكذلك حكم التسبيح في الركوع والسجود، ودعاء "رب اغفر لي" بين السجدتين، وكل واجب تركه سهواً، ثم ذكره، فيرجع إلى تسبيح الركوع قبل الاعتدال لا بعده.
الثالث: الشك في الصلاة الذي يقتضي سجود السهو في بعض صوره: فهو مثل أن يشك في ترك ركن من الأركان، أو في عدد الركعات، فيبني على المتيقن، ويأتي بما شك في فعله، ويتم صلاته، ويسجد للسهو وجوباً.
ولا يسجد للسهو حالة الشك في ترك واجب كتسبيح الركوع أو السجود، وإنما يسجد لترك الواجب سهواً.
كما لا يسجد للسهو إذا أتم الركعات، وشك وهو في التشهد في زيادة الركعة الأخيرة، لأن الأصل عدم الزيادة. أما إن شك في زيادة الركعة الأخيرة قبل التشهد، فإنه يجب عليه سجود السهو. ومثل ذلك الشك في زيادة سجدة، على هذا التفصيل.
محل سجود السهو وصفته:
سجود السهو عند الحنفية بعد السلام، وقد يكون قبل السلام وقد يكون بعده، ويتخير المصلي بين الأمرين لدى الحنابلة.
ذهب الحنفية إلى أن سجود السهو بعد السلام فقالوا: محل سجود السهو المسنون بعد السلام مطلقاً، سواء أكان السهو بسبب زيادة أم نقصان في الصلاة، ولو سجد قبل السلام أجزأه ولا يعيده.
وصفته: أن يسجد سجدتين بعد أن يسلم عن يمينه التسليمة الأولى فقط، ثم يتشهد بعدها وجوباً، ويأتي بالصلاة على النبي ﷺ والدعاء في قعدة السهو لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة.
وذهب المالكية إلى أن سجود السهو قد يكون قبل السلام وقد يكون بعده فقالوا: محل السجود المسنون قبل السلام إن كان سببه النقصان، أو النقصان والزيادة معاً. وبعد السلام إن كان سببه الزيادة فقط، وينوي وجوباً للسجود البعدي، ويكبر في خفضه ورفعه، ويسجد سجدتين جالساً بينهما، ويتشهد استناناً، ولا يدعو ولا يصلي على النبي ﷺ ثم يسلم وجوباً، فتكون واجباته خمسة: وهي النية، والسجدة الأولى، والثانية، والجلوس بينهما، والسلام، لكن السلام واجب غير شرط، وأما التكبير والتشهد بعده فسنة.
وإن أخر السجود القبلي عمداً كره ولا تبطل الصلاة، وإن قدم السجود البعدي على السلام أجزأه، وأثم أي يحرم تقديمه عمداً، وتصح الصلاة، فإن لم يتعمد التأخير أو التقديم لم يكره ولم يحرم.
وذهب الشافعية إلى أنَّ: محل سجود السهو بين التشهد والسلام، فإن سلم عمداً فات، وإن سلم سهواً وطال الفصل فات أيضاً، وإن لم يطل الفصل، فلا يفوت، ويسجد، وإذا سجد صار عائداً إلى الصلاة في الأصح. ولو سها إمام الجمعة وسجدوا فبان فوت وقتها، أتموا ظهراً وسجدوا.
وصفته: سجدتان كسجود الصلاة في واجباته ومندوباته كوضع الجبهة والطمأنينة والتحامل والتنكيس (رفع الأسافل) والافتراش في الجلوس بينهما، والتورك بعدهما.
ويحتاج لنية بقلبه، لا بلسانه، فإن نوى بلسانه بطلت صلاته.
ودليلهم على صفته: اقتصاره ﷺ على السجدتين في قصة ذي اليدين، وغيرها من الأحاديث.
وذهب الحنابلة إلى أنَّ: لا خلاف في جواز السجود قبل السلام وبعده، وإنما الخلاف عندهم في الأفضل والأولى، والأفضل أن يكون قبل السلام، لأنه إتمام للصلاة، فكان فيها كسجود صلبها، إلا في حالتين:
إحداهما - أن يسجد لنقص ركعة فأكثر، وكان قد سلم قبل إتمام صلاته.
الثانية - أن يشك الإمام في شيء من صلاته، ثم يبني على غالب ظنه، فإنه يسجد للسهو بعد السلام ندباً نصاً.
وصفته: أن يكبر للسجود والرفع منه، سواء أكان قبل السلام أم بعده، ثم يسجد سجدتين كسجود الصلاة، فإن كان السجود بعدياً يأتي بالتشهد كتشهد الصلاة قبل السلام ثم يسلم، وإن كان قبلياً لم يتشهد، ويسلم عقبه.
ويقول في سجود السهو ما يقول في سجود صلب الصلاة، لأنه سجود مشروع في الصلاة، فأشبه سجود صلب الصلاة.
ومن ترك السجود الواجب للسهو عمداً، بطلت صلاته بترك ما محله قبل السلام، لأنه ترك الواجب عمداً كغيره من الواجبات، ولا تبطل بترك ما محله بعد السلام، لأنه جبر للعبادة خارج منفرد عنهما، فلم تبطل بتركه، كجبرانات الحج.
وإذا نسي سجود السهو حتى طال الفصل، لم تبطل الصلاة، لأنه جابر للعبادة بعدها، فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج.
وإن طال الفصل لم يسجد، وإلا سجد.
سجدة التلاوة:
1-حكم سجدة التلاوة
ذهب الحنفية إلى أن سجدة التلاوة واجبة على السامع والمستمع والتالي.
وذهب الشافعية إلى أنها سنة على السامع والتالي والمستمع وذهب المالكية والحنابلة إلى أنها سنه على المستمع التالي.
والمستمع: هو الذي يقصد السماع.
والسامع: هو الذي لا يقصد السماع
- وجوب سجدة التلاوة على التراخي عند الحنفية.
تجب سجدة التلاوة خارج الصلاة على التراخي، في وقت غير معين، إذا كان التالي أو السامع أهلاً للوجوب،سواء قصد سماع القرآنأو لم يقصد، بشرط كون المسموع منه آدمياً عاقلاً يقظاناً، ولو جُنُباً أو حائضاً أو نفساء، أو كافراً أو صبياً مميزاً أو سكران، فلو سمعها من طير كالببغاء أو صدى كآلات التسجيل لا تجب عليه، ولو سمعها من نائم أو مغمى عليه، أو مجنون أو غير مميز، فالأصح من الروايتين لا تجب عليه، لعدم صحة التلاوة بفقد التمييز.
أما في الصلاة فتجب وجوباً مضيقاً، لأنها وجبت بما هو من أفعال الصلاة وهو القراءة، فالتحقت بأفعال الصلاة، وصارت جزءاً منها. فإن أنهى قراءته بآية السجدة: فإما أن يسجد مستقلاً ثم يعود للقراءة، وإما أن يضمنها في ركوعه أو سجوده، إن نواها في ركوعه، وسواء نواها أو لم ينوها في سجوده.
وإذا لم ينه قراءته بآية السجدة، وتابع فقرأ بعدها ثلاث آيات فأكثر، وجب أن يسجد لها سجوداً مستقلاً، غير سجود الصلاة، ويستحب أن يعود للقراءة، فيقرأ ثلاث آيات فأكثر، ثم يركع، ويتم صلاته.
متابعة الإمام في السجدة وسماعها من غير المصلي: ذهب الحنفية إلى أنه: إذا تلا الإمام آية السجدة، سجدها معه المأموم، لالتزامه متابعته. وإن تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا المأموم، لا في الصلاة ولا خارجها، لأن المقتدي محجوز عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه.
وإن سمع المصلي وهو في الصلاة آية سجدة من رجل في غير الصلاة لم يسجد لها في الصلاة، وسجدها بعد الصلاة، فإن سجدها في الصلاة لم تجزه، ولم تفسُد صلاته، لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة.
وذهب الجمهور: يلزم متابعة الإمام في السجدة، فإن سجد الإمام فتخلف المقتدي، أو سجد المأموم دون إمامه، بطلت صلاته ولا يسجد المصلي لقراءة غيره بحال، ولا يسجد مأموم لقراءة نفسه، فإن فعل بطلت صلاته، لأنه زاد فيها سجوداً.
شروط سجود التلاوة:
ذهب الحنفية إلى أنه يشترط لوجوب سجدة التلاوة: أهلية وجوب الصلاة من الإسلام والعقل والبلوغ، والطهارة من الحيض والنفاس، فلا تجب على الكافر والصبي والمجنون والحائض والنفساء.
وذهب المالكية إلى أن سجدة التلاوة لا تسن للمستمع إلا إن صلح القارئ للإمامة، بأن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً، وإلا فلا سجود عليه، بل على القارئ وحده.
وتسن عند الشافعية ولو كان القارئ صبياً مميزاً، والمستمع رجلاً، أو محدثاً، أو كافراً، ولا تسن لقراءة جنب وسكران، لأنها غير مشروعة لهما.
ويشترط لصحة سجدة التلاوة ما يشترط لصحة الصلاة: من طهارة الحدث (وهي الوضوء والغسل) وطهارة النجس (وهي طهارة البدن والثوب ومكان السجود والقيام والقعود)، وستر العورة، واستقبال القبلة والنية. وهذه شروط متفق عليها، واختلفوا فيما عداها.
ذهب الحنفية إلى أنه: لا يشترط لها التحريمة ونية تعين الوقت، كما لا يشترط لها السلام كالصلاة، وتجب آية السجدة على خطيب الجمعة والعيدين، وعلى السامعين، لكن يكره للإمام الإتيان بها فوق المنبر، فينزل ويسجد ويسجد الناس معه.
وذهب المالكية إلى أنه: لا إحرام فيها ولا تسليم. ويشترط في المستمع شروط ثلاثة، كما قدمنا:
وذهب الشافعية إلى أنه: يشترط مع النية تكبيرة الإحرام على الصحيح، كما أخرجه أبو داود، لكن بإسناد ضعيف، وقياساً على الصلاة، ويشترط السلام بعد القعود كالصلاة، ولا يشترط التشهد.
مبطلات سجود التلاوة:
يبطل سجدة التلاوة كل ما يبطل الصلاة: من الحدث والعمل الكثير، والكلام والضحك، وعليه إعادتها.
أسباب سجدة التلاوة وصفتها:
تتردد أسباب سجود التلاوة بين التلاوة لآية سجدة، والسماع لها، والاستماع، كما هو موضح في المذاهب.
ذهب الحنفية إلى أن: أسباب سجود التلاوة ثلاثة أمور:
الأول- التلاوة: فتجب على التالي، ولو لم يسمع نفسه كأن كان أصم.
الثاني- سماع آية سجدة أو الاستماع إليها، والاستماع يكون بقصد بخلاف السماع.
الثالث- الاقتداء، فلو تلاها الإمام، وجبت على المقتدي، وإن لم يسمعها.
وصفة السجود عند الحنفية: أن يكبر للوضع، دون رفع يديه كسجدة الصلاة، ويسجد بين كفيه، واضعاً جبهته على الأرض للسجود، ثم يكبر للرفع، وكل من هاتين التكبيرتين سنة، ويرفع رأسه. ولا يقرأ التشهد، ولا يسلم، لعدم وجود التحريمة.
ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً.
وذهب المالكية إلى أن: سبب سجدة التلاوة أمران فقط: التلاوة والاستماع بشرط أن يقصده، كما ذكر في شروطها.
وصفتها: هي سجدة واحدة، بلا تكبير إحرام ولا سلام، بل يكبر للسجود، ثم للرفع منه استحباباً في كل منهما. ويكبر القائم من قيام ولا يجلس، والجالس من جلوس، وينزل لها الراكب، إلا إذا كان مسافراً، فيسجدها صوب سفره بالإيماء؛ لأنها نافلة. ويسبح فيها كالصلاة: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً. فيكون مذهب المالكية قريباً في بيان الصفة من الحنفية. ويزيد في سجوده: "اللهم اكتب لي بها أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود".
وذهب الشافعية إلى أنَّ: سبب سجود التلاوة: التلاوة والسماع والاستماع، كما قال الحنفية.
ولها ركنان: النية لغير المأموم، أما المأموم فتكفيه نية الإمام. وسجدة واحدة، كسجدة الصلاة. والمصلي ينوي بالقلب.
وغير المصلي: يزاد له ثلاثة أركان: تكبيرة الإحرام، والجلوس بعد السجدة، والسلام. ويسن له التلفظ بالنية.
وصفتها: أن يكبر للهوي، وللرفع، ولا يسن له رفع يديه في الصلاة، ويسن الرفع خارج الصلاة، ولا يجلس للاستراحة في الصلاة. ويقول في سجوده:"سبحان ربي الأعلى ثلاثاً"، ويضيف قائلاً:"سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين" ويقول أيضاً: "اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وضع عني بها وزراً، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود"
ويندب أن يقول: "سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً" ولو قال ما يقوله في سجوده فقط، جاز وكفى.
ويقوم مقام سجود التلاوة ما يقوم مقام تحية المسجد، فمن لم يرد فعلها قال أربع مرات:"سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر".
وذهب الحنابلة إلى أن سبب: التلاوة والاستماع. وبشرط ألا يطول الفصل عرفاً بينها وبين سببها. فإن كان القارىء أو السامع محدثاً، ولا يقدر على استعمال الماء تيمم. ولا يسجد المقتدي إلا لمتابعة إمامه. ويكره للإمام سجوده لقراءة سجدة في صلاة سرية، لئلا يخلط على المأمومين، فإن فعل خير المأموم بين المتابعة وتركها؛ لأنه ليس بتال ولا مستمع، والأولى السجود متابعة للإمام.
وأركانها ثلاثة: السجود والرفع منه، والتسليمة الأولى، أما الثانية فليست بواجبة، أما التكبير للهوي والرفع من السجود والذكر في السجود فهو واجب، كما في سجود صلب الصلاة. والجلوس للتسليم مندوب. والأفضل سجوده عن قيام.
وصفتها: أن يكبر إذا سجد وإذا رفع، ويرفع يديه مع تكبيرة السجود إن سجد في غير الصلاة؛ لأنها تكبيرة افتتاح، كما قال الشافعية. أما الصلاة فقياس المذهب ألا يرفع يديه، لأن في حديث ابن عمر"أن النبي ﷺ كان لا يفعله في السجود" متفق عليه. يعني رفع يديه، ويسلم إذا رفع.
ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة: "سبحان ربي الأعلى ثلاثاً". ويقول أيضاً: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين". ويقول أيضاً: "اللهم اكتب لي بها عندك أجراً واجعلها لي عندك ذخراً وضع عني بها وزراً وتقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود"
نيابة الركوع عن سجدة التلاوة
-وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يندب عن السجدة الركوع.
-وذهب الحنفية إلى نيابة ذلك في الصلاة.
6- المواضع التي تطلب فيها السجدة:
ذهب الحنفية إلى أن عدد السجدات أربع عشرة سجدة: في سورة الأعراف الآية(206)، والرعد(15)، والنحل(49)، والإسراء(107)، ومريم(58)، وفي أول الحج(18)، وفي الفرقان(60)، وفي النمل(25)، وفي ألم السجدة(15)، وفي فصلت(38)، وفي ص(24) والنجم(62)، وإذا السماء انشقت(21) واقرأ باسم ربك الذي خلق(19).
وذهب المالكية إلى أن عدد السجدات إحدى عشرة، وهم مثل الحنفية إلا في الثلاث الأخيرة: النجم(62)، الانشقاق(21)، العلق(19).
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن: السجدات أربع عشرة، منها سجدتان في سورة الحج، في أولها وآخرها(77)، أما سجدة ص فهي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة، وتحرم في الصلاة على الأصح وتبطلها.
7- تتكرر السجدة بتكرر التلاوة؟
ذهب الحنفية إلى أن: من كرر تلاوة آية سجدة واحدة في مجلس واحد، أجزأته سجدة واحدة، وفعلها بعد الأولى أولى، وقيل: التأخير أحوط، أي أنه يشترط اتحاد الآية والمجلس.
أما إن كرر آية السجدة في عدة أماكن، أي اختلف المجلس، فيجب تكرار السجود.
فإن قرأ عدة آيات فيها سجدات مختلفة، فيجب لكل آية سجدة سواء اتحد المجلس أم اختلف.
ويتبدل المجلس بالانتقال منه بثلاث خطوات في الصحراء والطريق، وبالانتقال من غصن شجرة إلى غصن، وبسباحة في نهر أو حوض كبير في الأصح. ولا يتبدل بزوايا البيت الصغير، والمسجد ولو كان كبيراً، ولا بسير سفينة أو سيارة، ولا بركعة وبركعتين، وشربة وأكل لقمتين، ومشي خطوتين، ولا باتكاء وقعود وقيام وركوب ونزول في محل تلاوته، ولا بسير دابته مصلياً.
ويتكرر الوجوب على السامع بتبديل مجلسه، وإن اتحد مجلس القارىء، فلو كررها راكباً يصلي، وغلامه يمشي، تتكرر على الغلام،لا الراكب، ولا تتكرر على السامع في عكسه وهو تبدل مجلس القارىء دون السامع على المفتى به، ومن تلا آية سجدة، فلم يسجد لها، حتى دخل في الصلاة، فتلاها، وسجد لها، أجزأته السجدة عن التلاوتين.
وإن تلاها في غير الصلاة، فسجد لها، ثم دخل في الصلاة، فتلاها، سجد لها، ولم تُجزه السجدة الأولى.
وإذا تلا آية سجدة في الصلاة ثم أعادها بعد سلامه، سجد سجدة أخرى. ولا تقضى السجدة التي تتلى في الصلاة خارجها؛ لأن لها مزية، فلا تتأدى بناقص، وعليه التوبة.
وذهب المالكية إلى أنه: إذا كرر المعلم أو المتعلم آية السجدة، فيسن السجود لكل منهما عند قراءتها أول مرة فقط دفعاً للمشقة. ويسجد إن تجاوز آية السجدة تجاوزاً يسيراً كآية أو آيتين، فإن كان التجاوز كثيراً أعاد آية السجدة وسجد، ولو كانفي صلاة فرض، ولكن لا يسجد في الفرض إذا لم ينحن للركوع.
وذهب الشافعية إلى أنه: لو كرر آية في مجلسين، أو في مجلس، سجد لكل من المرتين عقبها، والركعة كمجلس واحد، والركعتان كمجلسين. فإن لم يسجد وطال الفصل عرفاً ولو بعذر، لم يسجد أداء؛ لأنه من توابع القراءة.
وذهب الحنابلة إلى أنه: إذا كرر تلاوة الآية أو استماعها، يسن له تكرار السجود بمقدار ذلك، لتعدد السبب.
- سجدة الشكر:
ذهب أبو حنفية إلى أنها: مكروهة لعدم إحصاء نعم الله تعالى.
والمفتى به أنها مستحبة، لكنها تكره بعد الصلاة ؛ لأن الجهلة يعتقدونها سنة أو واجبة، وكل مباح يؤدي إلى هذا الاعتقاد فهو مكروه. وعلى هذا ما يفعل عقب الصلاة من السجدة مكروه إجماعاً؛ لأن العوام يعتقدون أنها واجبة أو سنة، وكل جائز أدى إلى اعتقاد ذلك كره. وإذا نواها ضمن ركوع الصلاة أو سجودها، أجزأته.
ويكره أن يسجد شكراً بعد الصلاة في الوقت الذي يكره فيه النفل، ولا يكره في غيره.
وذهب المالكية إلى أنه: يكره سجود الشكر عند سماع بشارة، والسجود عند زلزلة، وإنما المستحب عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة: صلاة ركعتين، لأن عمل أهل المدينة على ذلك.
وذهب الشافعية إلى أن: سجدة الشكر لا تدخل في الصلاة. وتسن لهجوم نعمة، كحدوث ولد أو جاه أو اندفاع نقمة كنجاة من حريق أو غريق، أو رؤية مبتلى في بدنه أو غيره،أو رؤية عاص يجهر بمعصيته، ويظهرها للعاصي، لا للمبتلى.
وهي كسجدة التلاوة، والأصح جوازهما على الراحلة للمسافر بالإيماء لمشقة النزول، فإن سجد الراكب لتلاوة صلاة، جاز الإيماء على الراحلة قطعاً تبعاً للنافلة كسجود السهو.
وذهب الحنابلة إلى أنّه: يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم.
ويشترط لسجود الشكر ما يشترط لسجود التلاوة. ولا يسجد للشكر وهو في الصلاة، لأن سبب السجدة ليس منها، فإن فعل بطلت صلاته، إلا أن يكون ناسياً أو جاهلاً بتحريم ذلك.
قضاء الفوائت:
1- معنى القضاء وحكمه الشرعي:
والقضاء: فعل الواجب بعد وقته.
أن يبادر إلى أداء الصلاة في وقتها، ويأثم بتأخيرها عن وقتها بغير عذر، وتأخير الصلاة من غير عذر معصية كبيرة لا تزول بالقضاء وحده، بل بالتوبة أو الحج بعد القضاء.
وأمَّا تأخير الصلاة عن وقتها لعذر مشروع فلا إثم عليه، ومن العذر: خوف العدو، وخوف القابلة موت الولد، أو خوف أمه إذا خرج رأسه، لأنه عليه السلام أخر الصلاة يوم الخندق، قال ابن مسعود: "إن المشركين شغلوا رسول الله ﷺ عن أربع صلوات يوم الخندق".
فمن وجبت عليه الصلاة، وفاتته بفوات الوقت المخصص لها، لزمه قضاؤها وهو آثم بتركها عمداً، والقضاء عليه واجب، لقوله ﷺ: "من نسي صلاة، فليصلها إذا ذكرها"، فيجب القضاء بترك الصلاة عمداً أو لنوم أو نسيان أو لسهو، ولو شكاً.
2- أعذار سقوط الصلاة وتأخيرها:
اتفق العلماء على أن الصلاة تسقط عن المرأة أيام الحيض والنفاس، فلا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلوات أثناء الحيض أو النفاس، كما لا قضاء على الكافر الأصلي والمجنون اتفاقاً.
فذهب الحنفية إلى أن: الصلاة تسقط عن المجنون والمغمى عليه إذا استمر الجنون أو الإغماء أكثر من خمس صلوات، أما إن استمر أقل من ذلك، خمس صلوات فأقل، وجب عليهما القضاء لصلاة ذلك الوقت إذا بقي من الوقت ما يسع أكثر من التحريمة. فلو لم يبق من الوقت ما يسع قدر التحريمة، لم تجب عليهما صلاة ذلك الوقت. وأما المرتد: فلا يقضي ما فاته زمن الردة ولا ما قبلها إلا الحج، لأنه بالردة يصير كالكافر الأصلي. ويعذر حربي أسلم بدار الحرب بالجهل، فلا يقضي ما عليه إذا مكث مدة، لأن العلم بالخطاب شرط التكليف.
وذهب المالكية إلى أنه: لا تجب القضاء في حال الجنون والإغماء والكفر والحيض والنفاس وفقد الطهورين.
وذهب الشافعية إلى أنه: لا تجب الصلاة على الحائض والنفساء والكافر وأما المرتد إذا أسلم: فيلزمه قضاء الصلاة.
ومن زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض أو بسبب مباح: فلا تجب عليه الصلاة ولا قضاء عليه.
أما من زال عقله بسبب محرم كمن شرب المسكر، أو تناول دواء من غير حاجة، فزال عقله، فيجب عليه القضاء إذا أفاق، لأنه زال عقله بمحرم، فلم يسقط عنه الفرض...
وذهب الحنابلة إلى أنه: لا تجب الصلاة على صبي والمجنون ولا كافر ولا حائض أو نفساء. أما الكافر الأصلي فلا يلزمه قضاء ما تركه من العبادات في حال كفره.
وأما المرتد: ففي وجوب القضاء عليه روايتان عن أحمد:
إحداهما كالحنفية: لا يلزمه: لأن عمله قد حبط بكفره ولو حج لزمه استئناف حجه. فصار كالكافر الأصلي في جميع أحكامه.
والثانية كالشافعية: يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال ردته، وإسلامه قبل ردته، ولا يجب عليه إعادة الحج، لأن العمل إنما يحبط بالإشراك مع الموت.
وأمَّا المغمى عليه: يقضي جميع الصلوات التي كانت عليه في حال إغمائه، فحكمه حكم النائم، لا يسقط عنه قضاء شيء من الواجبات التي يجب قضاؤها كالصلاة والصيام. ومن شرب دواء فزال عقله به نظر: فإن كان زوالاً لا يدوم كثيراً فهو كالإغماء، وإن كان يتطاول فهو كالمجنون.
وأما السكر ومن شرب محرماً يزيل عقله وقتاً دون وقت: فلا يؤثر في إسقاط التكليف، وعليه قضاء ما فاته في حال زوال عقله، بلا خلاف، ولأنه إذا وجب عليه القضاء بالنوم المباح، فبالسكر المحرم أولى.
3-كيفية قضاء الفائتة:
ذهب الحنفية إلى أن الصلاة: تقضى على الصفة السابقة التي فاتت عليها حضراً أو سفراً، فمن فاتته صلاة مقصورة في السفر، قضاها ركعتين ولو في الحضر. ومن فاتته صلاة تامة في الحضر قضاها أربعاً ولو في السفر.
أما صفة القراءة في القضاء سراً أو جهراً، فيراعى نوع الصلاة: فإن كانت سرية كالظهر، يسر في القراءة، وإن كانت جهرية يجهر فيها إن كان إماماً، ويخير بين الجهر والإسرار إن كان منفرداً.
ويجب القضاء فوراً، ويجوز تأخيره لعذر السعي على العيال وفي الحوائج، كما أن أداء سجدة التلاوة خارج الصلاة والنذر المطلق وقضاء رمضان موسع يجوز تأخيره للعذر السابق.
وذهب المالكية إلى أن الصلاة: يقضيها بنحو ما فاتته سفراً أو حضراً، جهراً أو سراً، فوراً، ويحرم عليه تأخير القضاء، ولو كان وقت نهي كطلوع شمس وغروبها وخطبة جمعة، إلا وقت الضرورة كوقت الأكل والشرب والنوم الذي لابد منه، وقضاء حاجة الإنسان، وتحصيل ما يحتاج له في معاشه.
وعلى هذا تقضى الحضرية كاملة ولو قضاها في السفر، وتقضى النهارية سراً ولو قضاها ليلاً، وتقضى الليلية جهراً ولو قضاها نهاراً، لأن القضاء يحكي ما كان أداء.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: ينظر لمكان القضاء ووقت القضاء، فيقضي المسافر الصلاة الرباعية ركعتين، سواء فاتته في السفر أم في الحضر، فإن كان في الحضر فيقضي الرباعية أربعاً، وإن فاتته في السفر، لأن الأصل الإتمام، فيرجع إليه في الحضر، ولأن سبب القصر هو السفر وليس متوفراً في الحضر.
ويسر ويجهر في الصلاة بحسب الوقت، فإن صلى في النهار من طلوع الشمس إلى غروبها أسَّر، وإن صلى في الليل من مغيب الشمس إلى طلوعها جهر.
ولكن قالت الحنابلة: إن كان القضاء ليلاً يجهر الإمام لشبه القضاء للأداء، فإن كان منفرداً أسر مطلقاً، قال الإمام أحمد: إنما الجهر للجماعة.
وذهب الحنابلة إلى: أنه يستحب قضاء الفوائت في جماعة، كما فعل النبي ﷺ يوم الخندق، حينما فاتته صلوات أربع، فقضاهن في جماعة. ولا يكره قضاء السنن الرواتب قبل الفرائض، ويستحب أن يقضي ركعتي الفجر قبل الفريضة.
4-القضاء على الفور:
ويجب أن يكون القضاء فوراً باتفاق الفقهاء، سواء فاتت الصلاة بعذر أم بغير عذر.
وذهب الشافعية إلى أنه: يبادر بالفائت ندباً إن فاته بعذر كنوم ونسيان، ووجوباً إن فاته بغير عذر، على الأصح فيهما، تعجيلاً لبراءة ذمته
5- الترتيب في قضاء الفوائت
ذهب الحنفية إلى أنَّ الترتيب: بين الفروض الخمسة والوتر وبين الفائتة والوقتية مستحق لازم إلا أن يخاف فوات صلاة الوقت، فيقدم صلاة الوقت ثم يقضي الفائتة.
ومن فاتته صلوات رتبها في القضاء، كما وجبت عليه في الأصل، لأن النبي ﷺ شغل عن أربع صلوات يوم الخندق، فقضاهن مُرتّبةًً، ثم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات غير الوتر، فيسقط الترتيب بينها.
وذهب المالكية إلى أنه: يجب الترتيب مع التذكر والقدرة بأن لا يكره على عدمه. والترتيب شرط في صلاتين حاضرتين مشتركتي الوقت وهما الظهران والعشاءان فمن تذكر الظهر وهو في أثناء العصر، فالعصر باطلة، وكذا العشاء مع المغرب، لأن ترتيب الحاضرة واجب شرطاً. ويقطع الحاضرة إن لم يتم ركعة، ويندب أن يضم إليها ركعة أخرى إن أتم ركعة ويجعلها نفلاً.
ويجب الترتيب مع الشرطين السابقين (التذكر والقدرة) بين الفوائت اليسيرة والصلاة الحاضرة، فتقدم الفائتة على الحاضرة، كمن عليه المغرب والعشاء والصبح، يجب تقديمها على الصبح الحاضرة، وإن خرج وقت الحاضرة، بتقديمه يسر الفوائت الواجب تقديمه عليها. وهذا واجب لا شرط، فلو خالفه لا تبطل المُقدَّمة على محلها، ولكنه يأثم، ولا إعادة عليه لخروج وقتها بمجرد فعلها، فإن قدمها ناسياً أو مكرهاً صحت ولا إثم عليه. ويندب إعادة الحاضرة لو قدمها على يسير الفائتة ولو عمداً، بوقت ضروري (وهو في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين لطلوع الفجر).
ويسير الفوائت: خمس فأقل، فيصليها قبل الحاضرة ولو ضاق وقتها.
وذهب الحنابلة: في الصحيح إلى أن الترتيب بين الفوائت في نفسها كثيرة أو قليلة، أو بينها وبين الحاضرة واجب إن اتسع الوقت لقضاء الفائتة، فإن لم يتسع سقط الترتيب. ولا يسقط الترتيب من أجل إدراك الجماعة للصلاة الحاضرة، لأنه آكد من الجماعة، بدليل اشتراطه لصحة الصلاة، بخلاف الجماعة، كما لا يسقط الترتيب بجهل وجوبه، لأنه ترتيب واجب في الصلاة، ولا عذر بالجهل بالأحكام الشرعية.
وإذا كثرت عليه الفوائت يتشاغل بالقضاء ما لم يلحقه مشقة في بدنه أو ماله.
ومن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها، أعاد صلاة يوم وليلة، عند أكثر أهل العلم، لأن التعيين شرط في صحة الصلاة المكتوبة، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بإعادة الصلوات الخمس.
وذهب الشافعية إلى أنه: يسن ترتيب الفائتة، وتقديمها على الحاضرة التي لا يخاف فوت وقتها، عملاً بفعل النبي ﷺ يوم الخندق، وخروجاً من خلاف من أوجبه، فترتيب الفائتة وتقديمها على الحاضرة مشروط بشرطين:
الأول - ألا يخشى فوات الحاضرة، بعدم إدراك ركعة منها في الوقت.
الثاني - أن يكون متذكراً للفوائت قبل الشروع في الحاضرة. فإن لم يتذكرها حتى شرع في الحاضرة، وجب إتمامها، ضاق الوقت أو اتسع، ولو شرع في فائتة معتقداً سعة الوقت، فبان ضيقه عن إدراكها أداء، وجب قطعها لئلا تصير فائتة، والأفضل أن يقلبها نفلاً بعد أداء ركعتين. ولو خاف فوت جماعة حاضرة، فالأفضل الترتيب، للخلاف في وجوبه.
وترتيب الحاضرتين المجموعتين تقديماً واجب، وأما تأخيراً فهو سنة.
6- القضاء إن جهل عدد الفوائت:
وذهب الحنفية إلى أنَّ: من عليه فوائت كثيرة لا يدري عددها، يجب عليه أن يقضي حتى يغلب على ظنه براءة ذمته. وعليه أن يعين الزمن، فينوي أول ظهر عليه أدرك وقته ولم يصله، أو ينوي آخر ظهر عليه أدرك وقته ولم يصله، وذلك تسهيلاً عليه.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه: يجب عليه أن يقضي حتى يتيقن براءة ذمته من الفروض، ولا يلزم تعيين الزمن، بل يكفي تعيين المنوي كالظهر أو العصر مثلاً.