العبد الفقير إلى الله
عضو ذهبي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
*********************************************
هل حافظ القرآن المتمكن من تلاوته في نفس منزلة الماهر في تلاوته؛ حيث قالَ رسولُ اللَّهِ: الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ.
سؤالي: في أحاديث ذكر صاحب القرآن، فما المقصود به: هل هو حافظ القرآن؟ أم الملازم للقرآن تلاوة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ورد ذكر صاحب القرآن في حديث ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ -ﷺ- قَالَ: إنَّمَا مَثَلُ صَاحبِ القُرآنِ كَمَثَل صَاحبِ الإِبِلِ المُعَقَّلَةِ، إنْ عَاهَد عَلَيْهَا أمْسَكَهَا، وَإِنْ أطْلَقَهَا ذهَبَتْ. رواه البخاري ومسلم.
وجاء في التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني: (إنما مثل صاحب القرآن) أي حافظه، ومن ألف تلاوته نظرًا، أو عن ظهر قلب، فإن من داوم ذلك سهلت عليه قراءته. انتهى
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: في هذا الحديث الحض على درس القرآن، وتعاهده، والمواظبة على تلاوته، والتحذير من نسيانه بعد حفظه. انتهى
وعلى كل؛ فالصحبة لفظة تستعمل لكل من ألف شيئا، واختص به، كما جاء في إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض.
والتمهر في القرآن المشار إليه في الحديث: ( وَهُو ماهِرٌ بِهِ) الحذق به، وإتقان حفظه.
ففي شرح سنن أبي داود للعيني: والماهرُ: الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف، ولا تشق عليه القراءة؛ لجودة حفظه، وإتقانه. انتهى.
وجاء في طرح التثريب في شرح التقريب لزين الدين العراقي: الثَّانِيَةُ: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَعْنَى صَاحِبِ الْقُرْآنِ أَيْ الَّذِي أَلِفَهُ، وَالْمُصَاحَبَةُ الْمُؤَالَفَةُ، وَمِنْهُ صَاحِبُ فُلَانٍ، وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَأَصْحَابُ النَّارِ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَصْحَابُ الصُّفَّةِ، وَأَصْحَابُ إبِلٍ وَغَنَمٍ، وَصَاحِبُ كِبْرٍ، وَصَاحِبُ عِبَادَةٍ ـ وَقَوْلُهُ: الَّذِي أَلِفَهُ؛ يَصْدُقُ بِأَنْ يَأْلَفَ تِلَاوَتَهُ فِي الْمُصْحَفِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ حَافِظٍ لَهُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِ الْقُرْآنِ حَافِظُهُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ ـ وَلَوْلَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَأَمْكَنَ دُخُولُ تِلْكَ الصُّورَةِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ غَيْرَ الْحَافِظِ الَّذِي أَلِفَ التِّلَاوَةَ فِي الْمُصْحَفِ مَا دَامَ مُسْتَمِرًّا عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ لِسَانُهُ بِهِ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ، فَإِذَا هَجَرَ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَيْهِ وَصَارَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِاعْتِبَارِ الْحِفْظِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَصَاحِبُ الْقُرْآنِ هُوَ الْحَافِظُ لَهُ الْمُشْتَغِلُ بِهِ الْمُلَازِمُ لِتِلَاوَتِهِ. انتهى.
وعليه؛ فينبغي للمرء أن يصرف همته إلى التمهر في القرآن، ومصاحبته عملًا، وحفظا، وتلاوة، وتجويدا، وفي كل ذلك خير.
والله أعلم.