العبد الفقير إلى الله
عضو ذهبي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
*********************************************
الحمـد لله وحده نحمده و نشكره و نستعـينه و نستـغفره و نعـود بالله
مـن شـرور أنـفسنا و من سيـئات أعمالنا .. من يـهده الله فلا مظل لـه و مـن يظـلل فلن تـجد له ولياً
مرشدا ..و أشـهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محــمداً عبده و رسـوله صــلى الله عليه و
سلم و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسـان إلى يوم الدين ..ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الـخـبــيـر .. ربـنـا لا فــهم لـنا إلا ما فهــمتنا إنــك أنـت الجــواد الـكـريـم .
ربـي اشرح لي صــدري و يســر لي أمــري و احــلل عقــدة من لســاني يفقــهوا قــولي ..
فإن أصــدق الحــديث كــتاب الله تعــالى و خير الــهدي هــديُ محمد صلى الله عليه و سلم ..
و شــر الأمــور مــحدثــاتها و كــل محــدثة بدعة و كل بدعـة ظـلالة و كل ظـلالة فــي النار ..
فاللــهم أجــرنا و قــنا عذابــها برحمتــك يا أرحــم الراحميــن
قد يخلط البعض بين مسمى الإعجاز العلميِّ والتفسير العلمي، والحقُّ أنهما مختلفان؛ فالإعجاز العلميُّ ليس مذمومًا بل يحمد على الإطلاق، فهو من أكبر البراهين على أن القرآن الكريم منزَّلٌ من عليم خبير ولا يمكن أن يكون من تأليف بشر، فكون القرآن الكريم يخبر عن حقائق علمية عظيمة، سواء تعلقت بالآفاق أو الأنفس، ثم يأتي العلم الحديث ليكتشف ما أخبر به القرآن قبل قرون من الزمان فيذعن له بالتسليم المطلق دون أن يجد ما يعارضه فيه ولو قيد أنملة، كلُّ هذا يجعل طالب الحق يعتقد أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من تأليف محمد ﷺ ولا غيره من البشر، بل هو منزَّل ممن علم ما كان وعلم ما يكون، بل علم ما لم يكن كيف لو كان يكون
أما التفسير العلمي فهذا هو الذي منه المذموم الممنوع ومنه الممدوح المقبول، وهو التفسير الذي يفسِّر كلام الله بحسب المصطلحات العلمية، ويربط بين الآيات القرآنية والاكتشافات العلمية؛ لإبراز إعجاز القرآن الكريم وأنه صالح لكل زمان ومكان.
فمثلًا إذا فسَّرْنا الآيات التي ذكَرت أطوار خلق الإنسان، وربطنا هذا التفسير بما توصل له العلم التجريبي في هذا المجال، فقد فسرنا تفسيرًا علميًّا. ومن أهم شروط قَبولِ التفسير العلمي أن يعتمد الحقائق العلمية التي صارت قطعية لا شك في ثبوتها.
أما أن يعتمد المفسِّر على أمور ظنية، وأشياء هي من قبيل المتغيرات التي يمكن تغيُّرُها في أي وقت بحسب تطور العلم، فهذا لا يجوز ويجعل التفسير من قبيل المذموم؛ لأنه يجعل القرآن الكريم عرضة للتناقض والتعارض وهو كلام الله الذي:
{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]،
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
ومن ذلك كذلك ألا يخالف التفسير النظمَ القرآني أو السياق القرآني، فإن خالفه رُدَّ ولم يُقبل.
إذًا فليس لنا أن نقلِّل من شأن التفسير العلمي المضبوط، فإنه يبرز حقيقة القرآن الكريم وأنه كلام معجز، كما أن هذا التفسير يمكن اعتماده في هداية الأجانب الذين يؤمنون بالحقائق العلمية، وكم وكم أسلم من الغرب بعد إخبارهم أن القرآن الكريم قد نطق بما توصل إليه العلم الحديث من أكثر من أربعة عشر قرنًا خلت.
لكن بالمقابل لا يجوز الإفراط فيه أو في استعماله، فالقرآن قبل كل شيء كتابُ هداية وبيان، نزل لإصلاح البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور.
وللأسف هناك من يعارض مسمى الإعجاز العلمي ومسمى التفسير العلمي ويعتبرهما دخيلين على القرآن الكريم وعلومه وتفسيره.
وهذا قول باطل. فالإعجاز العلمي لا يمكن أن ينكره إلا شخص لا يعلم أصلًا ما معنى الإعجاز العلمي، كما قال تعالى في قوم: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39].
والإعجاز أصل قائم بنفسه،
فالقرآن معجز من عدة وجوه: معجز بفصاحته وبلاغته، معجز بنظمه العجيب، معجز بإيجازه حيث يوجز الكلام في كلمات بشكل لا يقدر عليه بشر، معجز بإخباره بالغيب الماضي وكذا بالغيب المستقبل، معجز بأنَّ سامعه لا يملُّه على كثرة الترداد، وكذا قارئه لا يمجه ولو قرأه مئات بل آلاف المرات، وكذلك هو معجز بإخباره بأمور علمية في وقت يستحيل اكتشافها أو الوقوف عليها.
فهذه وغيرها من وجوه إعجاز القرآن الكريم. فالإعجاز العلمي في القرآن ليس إلا وجهًا من وجوه إعجازه.
كما أن التفسير العلمي ليس إلا نوعًا من أنواع التفاسير المتعددة؛ كالتفسير الفقهي، والتفسير الأدبي، والتفسير الإشاري، وغيرها من ضروب التفاسير، وهو تفسير كما أسلفت منه المقبول ومنه المرفوض، بحسب توفره على الشروط التي سطرها العلماء في هذا الباب.
__________________________________
الكاتب: ناصر عبدالغفور