معلومات العضو
نشاط الشارقة سوفت:
-
11,736
-
8
-
7,193
- ماسح الأحذية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هرب من دار رعاية الأطفال كانت المعاملة سيئة جدا وكان الطعام أسوء بكثير كانوا صبروا على الطعام لو كانت المعاملة جيده ولكن أجتمع عليه أمران أحلاهما مر ...... سعيد طفل يبلغ من العمر 7 سنوات لا يعرف من أبواه يعرف فقط هذه الدار التي يعيش فيها وتسمى دار الأيتام الرعاية فيها المعاملة سيئة غير الضرب المستمر والشتم بكلمات بذيئة والطعام أسوء والملابس قديمة بالية سنوات لم يستبدل أحد منهم ثيابه وحتى في الأعياد لا توجد شبابيك في غرف هذه الدار لا يعرفون سوى الجدران التي تحيط بهم والحديقة الصغيرة والتي لا توجد فيها سوى شجرة واحدة وكرسي مكسور ورمال أسمها حديقة فقد كانت المتنزه الوحيد لهم آنذاك....
وفي ويوما من الأيام وفي غفلة من الحارس وعند انشغاله بعمل ما حانت لسعيد فرصة لطالما حلم بها أصبح يراقب باب الدار وغرفة الحارس الملاصقة له يتحين الفرصة ليهرب وترك المكان كان منذ فترة يخطط للهرب واليوم حانت الفرصة المناسبة لذلك وفي غفلة من الحارس أطلق سعيد العنان لقدميه الصغيرتين ركض مسرعا كأنه شبح أختفى بين الناس لم يره أحد أو يسمع به أحد بعد ذلك وأصلا لم يتهم مسؤول الدار بالسؤال عنه كأنه لم يكن موجود أصلا في يوم من الأيام ....
بدأ سعيد يمشي هائما على وجهه طفل صغير لم يرى الشارع قط ولا يعرف أحد ولا يدرى أين الطريق ظل يمشى ويمشى حتى حل المساء وتعب من المشي وتورمت رجلاه وأستند إلى حائط على جانب الطريق في زاوية أحد البيوت وبجانب مسجد وأغلق عينه ونام نوما عميقا لم ينم مثله من قبل يفترش الأرض ويلتحف السماء ....
أستيقظ سعيد على صوت أمرأه عجوز تهزه بلطف لا يريد أن يستيقظ كانت تعبا للغاية كانت المرأة عجوز ولكنها كانت ما تزال قوية عملها الشاق يوميا تدفع العربة من مكان لآخر تجمع ما في طريقها من مخلفات أوراق كتب أواني خشب ما تجده تضعه في العربة حملت سعيد بين يديها ووضعته في العربة وبدأت تدفعها أمامها وتجمع ما تجده وتضعه بجانبها الى أن وصلت الى أطراف المدينة حيث تسكن ...
وبعد وصولها لمنزلها وهو عبارة عن كوخ صغير من جذوع الشجر وأغصانها وسقفه من أوراقها ومما تجمعه يوميا في الطريق تصلح ما تستطيعه وتستطيع بيعه والبقية تبيعه لبعض جامعي مثل هذه الأشياء لتوفر لنفسها لقمة العيش.... وعند وقت الظهر أستيقظ سعيد وعند استيقاظه بدا عليه الخوف وأبتعد قليلا عن العجوز فنظرت أليه مبتسمة لتهدأ من روعه وبدأت تحدثه تسأله ما هو أسمك رد عليها وهو خائف أسمي سعيد قدمت له كوبا من الماء وبدأ يشرب ليس لديها شيئا كثيرا قدمة له قطعة من الخبر بدأ يأكل ويشرب الماء وحين أنتهى من الأكل وهدأ روعه بدأت تتحدث معه وتسأله عن حاله فأخبرها من أين جاء وكيف هرب وبدأ يروي لها قصة دار الأيام والعذاب الذي يعانونه هناك والعمل الشاق يوميا من تنظيف وغسيل ولا شيء آخر حتى يناموا ويستيقظوا على نفس الأمر يوميا وهكذا هي حياته حتى بلغ السابعة من عمره وأستطاع الهرب من هذا الجحيم ....
وبعد أن أطمئن سعيد للعجوز قالت له أسمع يا سعيد أنا كبيرة جدا في السن حتى أدعي بأنك أبني ولكن لو أخبرت الناس بأنك حفيدي فستكون القصة مقبولة لذا أن سألك أحد أين تعيش فأخبرهم عند جدتي سعاد ... كان هناك مكان قريب من منزلها وكان أشبه بمدرسة ولكن للفقراء معلم تطوع لتعليم القرآن الكريم ويعلم الأطفال القراءة والكتابة والحساب أيضا كانوا يستخدمون الأرض للكتابة عليها لشدة الفقر كان بعض الأهالي يرسلون أولاهم إليه ليتعلموا ولو شيئا بسيطا كالقراءة والحساب وأهم من هذا حفظ القرآن الكريم كانت العجوز تحتفظ ببعض الملابس القديمة ولكن حالتها جيده فبحثت عما يناسبه منها وألبسته أياه مع حذاء قديم ولكن ناسبه كانت أول ثياب يلبسها خالية من الثقوب والعيوب سر بها لأنه لا يعرف أفضل منها وأخذت بيده وانطلقت به الى هذا المعلم ودفعت به إليه وقالت له هذا حفيدي سعيد يرغب في أن ينضم إليكم ويتعلم مع الأولاد سر المعلم به وأخذه يعلمه مع بقية الأولاد .....
كانت سعيد يتصف بشدة الذكاء والاستيعاب السريع حفظ القرآن الكريم في أقل من سنه وتعلم القراءة والكتابة والحساب هذا ما كان متيسرا في ذلك الوقت لمن هم بمثل حاله وبعد انتهاء سعيد من اليوم الدراسي وكالعادة كان عائدا للبيت لفت نظره رجل يجلس على قارعة الطريق وكان يعمل ماسحا للأحذية..... وقف سعيد يتأمل طريقة عمله وخفة يده في المسح وتقليب الحذاء وطريقة تلميعه وأعجب بها وأقرب من الرجل وسلم عليه ورد عليه السلام فقال له يا عم أنك بارع جدا في تلميع الأحذية هل تقبل بأن أساعدك بتلميعها وبالمقابل أتعلم منك سر الرجل بهذا وقال ولكن قبل ذلك يجب عليك أن تحضر لي والدتك حتى أستأذن منها وبعد ذلك سأرى بشأنك...
كان سعيد قد أنتهى التعليم بالنسبة له فكانت مدة التعليم عند هذا المعلم سنة فقط يحفظ من حفظ فيها القرآن ويتعلم من تعلم فيها القراءة والكتابة ولا يوجد المزيد لديه حيث أن قدراته تقف عند هذا الحد نظرا للفقر الشديد الذي يحيط بهم في كل مكان....
ذهب سعيد الى جدته سعاد وأخبرها بالأمر قال لها لقد أنتهى تعليمي عند الأستاذ ولم يعد لدية المزيد وأخبرني بأن أذهب الى المدراس في المدينة أفضل قالت له الحمد لله أنك تحفظ القرآن الآن وتجيد القراءة والكتابة والحساب وتستطيع تدبير أمورك ثم أخذت بيده وذهبا الى ماسح الأحذية وقالت أنا جدته ولا أمانع من تعليمك له بمقابل مساعدته لك سر الرجل وقال له ما أسمك قال سعيد وقال أنا عمك أحمد....
بلغ سعيد الثامنة من عمره كان نشيطا جدا كعادته يخرج من الصباح ويذهب الى المكان الذي يجلس فيه أحمد ماسح الأحذية كان رجل كبير في السن وبدأ يعلم أحمد كيف يلمع الأحذية وطريقة تنظيفها واصلاحها أجاد سعيد العمل وأصبح ماهرا فيه وبدأت الناس تتوافد عليه لتلميع الأحذية واصلاحها أشتهر الرجل وبدأ مدخوله يزيد وبدأ يعطي سعيد جزاء من المدخول اليومي كراتب مكافأة له على مجهوده اليومي وما لبث الرجل إلا أن أشترى محل صغير جدا بالقرب من المدينة بعد أن كان يجلس على قارعة الطريق... وشيئا فشيئا بدأ يزيد مدخوله وبدأ أيضا يتوسع ويبع الأحذية الجديدة وأيضا يصلح ويلمع الأحذية القديمة وأشترى المحل الملاصق لمحله فكان خاليا لا يوجد فيه أحد فأخذه من مالكه الذي قرر التخلص منه لعدم رغبته فيه وفتح المحلات على بعضها وأصبح المكان أكبر وتوسع في تجارته .. كانت سعيد فرحا جدا كان يأخذ ما يعطيه أحمد من الأجرة ويذهب به الى جدته سعاد ويعطيها كل ما يكسبه يوميا ويقول لا عمل في الشوارع بعد اليوم يكفينا ما أكسبه يوميا من عملي عند العم أحمد وفعلا توقفت العجوز عن دفع العربة وبدأت تنتظر عودة سعيد يوميا إليها يحمل بين يديه الطعام والهدايا وما لبث سعيد بعد أن أصبح لديه مبلغا من المال إلا أن بحث عن مسكن مناسبا يستأجره فوجد واحدا صغيرا قريب من مكان عمله فستأجره وتركوا المكان الذي يسكنون فيه أو العشة التي كانوا يطلقوا عليها أسم البيت....
مرت الأيام وبلغ سعيد الثامنة عشرا من عمره وفي يوما من الأيام وهو عائد الى البيت دخل كالعادة ووضع ما يحمله في يديه من طعام وشراب في المطبخ الصغير وبدأ ينادي على جدته ولكنها لم ترد عليه كالعادة وبدأ يبحث عنها ليجدها مستلقية على الفراش وقد فارقت الحياة......
حزن عليها حزن شديدا فلم يعد له أحد في هذه الحياة ولا يعرف أحد غير عمه أحمد ذهب إليه وعيناه مملؤتان بالدموع ليخبره ما حدث حزن عليها أحمد وما لبث إلا أن قام بواجب الصلاة عليها ودفنها وبقى سعيد في المنزل حزينا وحيدا لا يدرى ما يفعل وبعد انتهاء فترة العزاء حضر إليه أحمد وقال له يا سعيد أنت الآن وحيدا وأنا وحيد لم لا تأتي وتشاركني السكن فلدي غرفة إضافية في خلف المحل أعيش في أحداهما والثانية فارعة وما تدفعه للإيجار يمكنك الاحتفاظ به للمستقبل وتكوين حياتك ... وبعد عدة محاولات قبل سعيد الانتقال والعيش عند أحمد في الغرفة الإضافية وأصبحت هي مسكنه الجديد مودعا البيت الذي عاش فيه وذكرياته السابقة.....
ومضت السنوات وبلغ سعيد الحادية والعشرون من عمره تعلم العمل وبرع فيه بصورة متميزة ثم ذهب الى أحمد وبدأ يقول له يا عم أحمد لماذا نستورد الأحذية من الخارج وقد فتح الله عليك ونحن بإمكاننا تصنيعها هنا قال له لا نملك المعدات والآلات المناسبة لذلك وأيضا ليس لدينا عمال مهرة في صناعة الأحذية قال له لا توجد لدينا مشكلة في هذا ولكن أسمح لي بالتصرف فقال له وكيف ذلك ... قال سوف أقوم بالبحث عن وظيفة في أحد مصانع الأحذية وأتعلم كيفية صناعتها وبعدها سأعود إليك لأخبرك ماذا سنفعل...
ومرت سنتان كأنهما يومان عمل سعيد في أكثر من مصنع وتعلم الكثير عنها عن طريقة صناعتها واستيراد المعدات والأدوات والخامات لصناعتها وأصبح ملما بما يطلب في السوق ومواسم البيع والتصدير وكل ما يختص بالأحذية وكان كلما حانت له فرصة يقوم بزيارة أحمد ويشرح له ما تعلمه وأحمد سعيدا جدا بذلك وفي يوما من الأيام توفى أحد أصحاب مصانع الأحذية في المدينة فقام الورثة بطرد العمال وعرض المعدات والخام في المزاد لبيعها لعدم التفرغ وكان المعدات قديمة نوعا وتم تأجير المصنع لشركة قامت بعمل مشروع آخر عليه عندما سمع سعيد بذلك ذهب مسرعا الى أحمد وأخبره بما حدث ثم طلب منه شراء المعدات والخام فوافق أحمد وبالفعل تم الشراء من الورثة وبسعر زهيد لرغبتهم في التخلص منها بأسرع وقت قام سعيد باستئجار مكان مناسب حوله الى شبه مصنع ووضع فيه المعدات والخام وقامت بكل الإجراءات القانونية ثم قام بالبحث عن العمال الذين كانوا يعملون بالمصنع السابق وعثر على أغلبهم وبدأ المصنع بالعمل والإنتاج ومرت ثلاث سنوات وبلغ أحمد من عمره 26 عاما كان قد تعلم الكثير مما يحتاج اليه البعض لسنوات طويله ليتعلموه ويتقنوه بحرفية وعندما كان سعيد جالسا في يوما من الأيام مع أحمد قال له أحمد أسمع يا سعيد أنا وحيد وليس لي زوجة ولا أولاد وليس لي بعد الله غيرك أرجو أن أكون قد عاملتك كولد لي وأحسنت تربيتك وأرى فيك همة ونشاط وأنته أعتبرك ولدا لي ثم أخرج بعض الأوراق من درج المكتب وأعطاها لسعيد ويقول له لقد نقلت لك كل ما أملك بإسمك تتصرف فيه بدون الرجوع إلي وبعد وفاتي تكون هذه الأملاك كلها لك عاتبه سعيد على ذلك ولكن كانت الأمور طيبة وبدأ المصنع يصنع وينتج ويصدر الى خارج البلد وازدهرت تجارة الأحذية وتوسع سعيد وفتح محال أخرى تجارية للمواد الغذائية والملابس وأشترى أيضا مصانع أفلست وأغلقت وأعاد تشغيلها وأصبح سعيد من كبار التجار يشار إليه بالبنان ولكن بالرغم من ذلك لابد من وجود منغصات في الحياة مرض أحمد وأشتد عليه المرض وتم نقله الى المستشفى وما لبث عدة أيام حتى توفي.... حزن سعيد حزنا شديدا عليه أيضا ولكن هذه سنة الحياة وعاد سعيدا وحيدا مرة أخرى في هذه الحياة بالرغم من جود الكثير حوله الآن بما أنه أصبح من أثرياء المدنية ولكن فقده لجدته والآن لأحمد ترك ذلك في نفسه أثرا عميقا....
بعد الانتهاء من مراسم الدفن عاد الأمور الى طبيعتها ويحاول سعيد التأقلم مع الوضع الجديد ولكنه كان قد أعتاد أن يعود الى المنزل فيجد من يؤنس وحدته ويشكى إليه مصاعب العمل ويتحدث معه ولكن الآن لا يوجد سوى من يعملون في هذا المنزل الكبير الذي أصبح فيه وحيدا.... بدأ سعيد بأول عمل خير فقد قام بشراء أراضي مساحاتها كبيرة بنى على الأولى مسجد لأحمد وبنى على الثانية دار للأيتام أسماها دار سعاد لرعاية الأيتام وأستخدم علاقته وأغلق دار الأيام السابقة ونقل إليها كل من فيها من الأطفال ووضع لهم أفضل ما يسعد اليتم وعين فيها من يرعاهم وبنى لهم مستشفى ومدرسة ولم يقصر في مساعدة الفقراء والمحتاجين ويتجاوز عن من يمر بطروف صعبه ولا يستطيع سداد دينه أو أجرة عين مؤجره من قبله وبلغ سعيد الحادية والثلاثون من عمره ومازال وحيدا .....
وفي يوما من الأيام وعندما كان جالسا في مكتبه بالمصنع دخلت عليه فتاة يبدو من مظهرها أنها فتاة فقيرة تبحث عن عمل لم يكن سعيد يقصر مع أحد فما كان منه إلا أن أوجد لها عملا مناسبا في المصنع كمديرة لمكتبه حيث إنها كانت تحمل مؤهلا علميا في الإدارة بينما هو حقيقة لا يحمل أي مؤهل دراسي بعد مرور وقت ليس بطويل وسعيد يراها كل يوم بالمصنع تعمل بجد ونشاط لفتت أنتباهه وبدأت نظرته تتغير تجاهها وفكر فيها كزوجة المستقبل ومن فوره ذهب الى أحد أصدقاءه وأخبره بالموضوع فرح صديقه لذلك ولكن سعيد أخبره هل ستوافق مثل هذه المتعلمة والذكية على أن تتزوج من رجل لا يحمل أصلا مؤهل علمي وكل مؤهلاته الأموال التي يمتلكها وأنه أصلا لا يعرف من أهله كان سعيد في السابق عندما تعرف على ماجد وعندما توثقت علاقتها كأصدقاء أخبره عن قصة حياته والمعناة التي مر بها سابقا حتى وصل الى ما وصل إليه فقال له ماجد لا عليك سأرسل زوجتي لتعرف منها موافقتها من عدمها ذهب ماجد الى زوجته وأخبرها القصة رحبت بالفكرة وفي اليوم التالي أخذت عنوان الفتاة من سعيد وذهب الى منزلها كانوا أسرة بسيطة جدا ولكنها كانت أسرة قوية بسمعتها ومحبوبة من الجميع طرق الباب خرجت لها والدة الفتاة أدخلوها ورحبوا بها حدثتهم عن سعيد ورغبته في الارتباط بأبنتهم فرحت الأسرة لأن الرجل غني وصاحب أملاك ولكن كان شرط سعيد أن يسمعوا قصته أولا حتى لا يلام مستقبلا لم يكن هناك سوى الأم وأبنتها هذه هي كل الأسرة حددوا موعدا حضر سعيد برفقة ماجد وزوجته بدأ يروى قصته منذ هروبه من دار الأيام والى أن جلس معهم كانت قصة طويلة ومؤلمة تأثرت الفتاة وكذلك والدتها ثم أبلغتهم والدتها بانتظار الرد وماهي سوى أيام وأصبحت الفتاة زوجة سعيد ورزق منها بأولاد وبنات وعاشوا حياتهم بكل سعادة ورفاهيه الى أن جاء اليوم الذي مر به سعيد أبو محمد بالشارع الذي تبيع في أمل العصير والتي ذكرنا قصتها وهي قصة بائعة العصير والى أن ذهبوا لمنزلها ومن ثم عثروا عليها متوفيه في فراش والدتها وهو ينظر إليها وزوجته تناديها أمل أمل ومر شريط الذكريات أمام عينه ودمعت عيناه من الحزن على الفتاة ولكن هذه هي سنة الحياة وبعد انتهاء مراسم الدفن عاد أبومحمد لمنزله والحزن يملأ قلبه على هذه الفتاة الصغير بائعة العصير ......
وفي ويوما من الأيام وفي غفلة من الحارس وعند انشغاله بعمل ما حانت لسعيد فرصة لطالما حلم بها أصبح يراقب باب الدار وغرفة الحارس الملاصقة له يتحين الفرصة ليهرب وترك المكان كان منذ فترة يخطط للهرب واليوم حانت الفرصة المناسبة لذلك وفي غفلة من الحارس أطلق سعيد العنان لقدميه الصغيرتين ركض مسرعا كأنه شبح أختفى بين الناس لم يره أحد أو يسمع به أحد بعد ذلك وأصلا لم يتهم مسؤول الدار بالسؤال عنه كأنه لم يكن موجود أصلا في يوم من الأيام ....
بدأ سعيد يمشي هائما على وجهه طفل صغير لم يرى الشارع قط ولا يعرف أحد ولا يدرى أين الطريق ظل يمشى ويمشى حتى حل المساء وتعب من المشي وتورمت رجلاه وأستند إلى حائط على جانب الطريق في زاوية أحد البيوت وبجانب مسجد وأغلق عينه ونام نوما عميقا لم ينم مثله من قبل يفترش الأرض ويلتحف السماء ....
أستيقظ سعيد على صوت أمرأه عجوز تهزه بلطف لا يريد أن يستيقظ كانت تعبا للغاية كانت المرأة عجوز ولكنها كانت ما تزال قوية عملها الشاق يوميا تدفع العربة من مكان لآخر تجمع ما في طريقها من مخلفات أوراق كتب أواني خشب ما تجده تضعه في العربة حملت سعيد بين يديها ووضعته في العربة وبدأت تدفعها أمامها وتجمع ما تجده وتضعه بجانبها الى أن وصلت الى أطراف المدينة حيث تسكن ...
وبعد وصولها لمنزلها وهو عبارة عن كوخ صغير من جذوع الشجر وأغصانها وسقفه من أوراقها ومما تجمعه يوميا في الطريق تصلح ما تستطيعه وتستطيع بيعه والبقية تبيعه لبعض جامعي مثل هذه الأشياء لتوفر لنفسها لقمة العيش.... وعند وقت الظهر أستيقظ سعيد وعند استيقاظه بدا عليه الخوف وأبتعد قليلا عن العجوز فنظرت أليه مبتسمة لتهدأ من روعه وبدأت تحدثه تسأله ما هو أسمك رد عليها وهو خائف أسمي سعيد قدمت له كوبا من الماء وبدأ يشرب ليس لديها شيئا كثيرا قدمة له قطعة من الخبر بدأ يأكل ويشرب الماء وحين أنتهى من الأكل وهدأ روعه بدأت تتحدث معه وتسأله عن حاله فأخبرها من أين جاء وكيف هرب وبدأ يروي لها قصة دار الأيام والعذاب الذي يعانونه هناك والعمل الشاق يوميا من تنظيف وغسيل ولا شيء آخر حتى يناموا ويستيقظوا على نفس الأمر يوميا وهكذا هي حياته حتى بلغ السابعة من عمره وأستطاع الهرب من هذا الجحيم ....
وبعد أن أطمئن سعيد للعجوز قالت له أسمع يا سعيد أنا كبيرة جدا في السن حتى أدعي بأنك أبني ولكن لو أخبرت الناس بأنك حفيدي فستكون القصة مقبولة لذا أن سألك أحد أين تعيش فأخبرهم عند جدتي سعاد ... كان هناك مكان قريب من منزلها وكان أشبه بمدرسة ولكن للفقراء معلم تطوع لتعليم القرآن الكريم ويعلم الأطفال القراءة والكتابة والحساب أيضا كانوا يستخدمون الأرض للكتابة عليها لشدة الفقر كان بعض الأهالي يرسلون أولاهم إليه ليتعلموا ولو شيئا بسيطا كالقراءة والحساب وأهم من هذا حفظ القرآن الكريم كانت العجوز تحتفظ ببعض الملابس القديمة ولكن حالتها جيده فبحثت عما يناسبه منها وألبسته أياه مع حذاء قديم ولكن ناسبه كانت أول ثياب يلبسها خالية من الثقوب والعيوب سر بها لأنه لا يعرف أفضل منها وأخذت بيده وانطلقت به الى هذا المعلم ودفعت به إليه وقالت له هذا حفيدي سعيد يرغب في أن ينضم إليكم ويتعلم مع الأولاد سر المعلم به وأخذه يعلمه مع بقية الأولاد .....
كانت سعيد يتصف بشدة الذكاء والاستيعاب السريع حفظ القرآن الكريم في أقل من سنه وتعلم القراءة والكتابة والحساب هذا ما كان متيسرا في ذلك الوقت لمن هم بمثل حاله وبعد انتهاء سعيد من اليوم الدراسي وكالعادة كان عائدا للبيت لفت نظره رجل يجلس على قارعة الطريق وكان يعمل ماسحا للأحذية..... وقف سعيد يتأمل طريقة عمله وخفة يده في المسح وتقليب الحذاء وطريقة تلميعه وأعجب بها وأقرب من الرجل وسلم عليه ورد عليه السلام فقال له يا عم أنك بارع جدا في تلميع الأحذية هل تقبل بأن أساعدك بتلميعها وبالمقابل أتعلم منك سر الرجل بهذا وقال ولكن قبل ذلك يجب عليك أن تحضر لي والدتك حتى أستأذن منها وبعد ذلك سأرى بشأنك...
كان سعيد قد أنتهى التعليم بالنسبة له فكانت مدة التعليم عند هذا المعلم سنة فقط يحفظ من حفظ فيها القرآن ويتعلم من تعلم فيها القراءة والكتابة ولا يوجد المزيد لديه حيث أن قدراته تقف عند هذا الحد نظرا للفقر الشديد الذي يحيط بهم في كل مكان....
ذهب سعيد الى جدته سعاد وأخبرها بالأمر قال لها لقد أنتهى تعليمي عند الأستاذ ولم يعد لدية المزيد وأخبرني بأن أذهب الى المدراس في المدينة أفضل قالت له الحمد لله أنك تحفظ القرآن الآن وتجيد القراءة والكتابة والحساب وتستطيع تدبير أمورك ثم أخذت بيده وذهبا الى ماسح الأحذية وقالت أنا جدته ولا أمانع من تعليمك له بمقابل مساعدته لك سر الرجل وقال له ما أسمك قال سعيد وقال أنا عمك أحمد....
بلغ سعيد الثامنة من عمره كان نشيطا جدا كعادته يخرج من الصباح ويذهب الى المكان الذي يجلس فيه أحمد ماسح الأحذية كان رجل كبير في السن وبدأ يعلم أحمد كيف يلمع الأحذية وطريقة تنظيفها واصلاحها أجاد سعيد العمل وأصبح ماهرا فيه وبدأت الناس تتوافد عليه لتلميع الأحذية واصلاحها أشتهر الرجل وبدأ مدخوله يزيد وبدأ يعطي سعيد جزاء من المدخول اليومي كراتب مكافأة له على مجهوده اليومي وما لبث الرجل إلا أن أشترى محل صغير جدا بالقرب من المدينة بعد أن كان يجلس على قارعة الطريق... وشيئا فشيئا بدأ يزيد مدخوله وبدأ أيضا يتوسع ويبع الأحذية الجديدة وأيضا يصلح ويلمع الأحذية القديمة وأشترى المحل الملاصق لمحله فكان خاليا لا يوجد فيه أحد فأخذه من مالكه الذي قرر التخلص منه لعدم رغبته فيه وفتح المحلات على بعضها وأصبح المكان أكبر وتوسع في تجارته .. كانت سعيد فرحا جدا كان يأخذ ما يعطيه أحمد من الأجرة ويذهب به الى جدته سعاد ويعطيها كل ما يكسبه يوميا ويقول لا عمل في الشوارع بعد اليوم يكفينا ما أكسبه يوميا من عملي عند العم أحمد وفعلا توقفت العجوز عن دفع العربة وبدأت تنتظر عودة سعيد يوميا إليها يحمل بين يديه الطعام والهدايا وما لبث سعيد بعد أن أصبح لديه مبلغا من المال إلا أن بحث عن مسكن مناسبا يستأجره فوجد واحدا صغيرا قريب من مكان عمله فستأجره وتركوا المكان الذي يسكنون فيه أو العشة التي كانوا يطلقوا عليها أسم البيت....
مرت الأيام وبلغ سعيد الثامنة عشرا من عمره وفي يوما من الأيام وهو عائد الى البيت دخل كالعادة ووضع ما يحمله في يديه من طعام وشراب في المطبخ الصغير وبدأ ينادي على جدته ولكنها لم ترد عليه كالعادة وبدأ يبحث عنها ليجدها مستلقية على الفراش وقد فارقت الحياة......
حزن عليها حزن شديدا فلم يعد له أحد في هذه الحياة ولا يعرف أحد غير عمه أحمد ذهب إليه وعيناه مملؤتان بالدموع ليخبره ما حدث حزن عليها أحمد وما لبث إلا أن قام بواجب الصلاة عليها ودفنها وبقى سعيد في المنزل حزينا وحيدا لا يدرى ما يفعل وبعد انتهاء فترة العزاء حضر إليه أحمد وقال له يا سعيد أنت الآن وحيدا وأنا وحيد لم لا تأتي وتشاركني السكن فلدي غرفة إضافية في خلف المحل أعيش في أحداهما والثانية فارعة وما تدفعه للإيجار يمكنك الاحتفاظ به للمستقبل وتكوين حياتك ... وبعد عدة محاولات قبل سعيد الانتقال والعيش عند أحمد في الغرفة الإضافية وأصبحت هي مسكنه الجديد مودعا البيت الذي عاش فيه وذكرياته السابقة.....
ومضت السنوات وبلغ سعيد الحادية والعشرون من عمره تعلم العمل وبرع فيه بصورة متميزة ثم ذهب الى أحمد وبدأ يقول له يا عم أحمد لماذا نستورد الأحذية من الخارج وقد فتح الله عليك ونحن بإمكاننا تصنيعها هنا قال له لا نملك المعدات والآلات المناسبة لذلك وأيضا ليس لدينا عمال مهرة في صناعة الأحذية قال له لا توجد لدينا مشكلة في هذا ولكن أسمح لي بالتصرف فقال له وكيف ذلك ... قال سوف أقوم بالبحث عن وظيفة في أحد مصانع الأحذية وأتعلم كيفية صناعتها وبعدها سأعود إليك لأخبرك ماذا سنفعل...
ومرت سنتان كأنهما يومان عمل سعيد في أكثر من مصنع وتعلم الكثير عنها عن طريقة صناعتها واستيراد المعدات والأدوات والخامات لصناعتها وأصبح ملما بما يطلب في السوق ومواسم البيع والتصدير وكل ما يختص بالأحذية وكان كلما حانت له فرصة يقوم بزيارة أحمد ويشرح له ما تعلمه وأحمد سعيدا جدا بذلك وفي يوما من الأيام توفى أحد أصحاب مصانع الأحذية في المدينة فقام الورثة بطرد العمال وعرض المعدات والخام في المزاد لبيعها لعدم التفرغ وكان المعدات قديمة نوعا وتم تأجير المصنع لشركة قامت بعمل مشروع آخر عليه عندما سمع سعيد بذلك ذهب مسرعا الى أحمد وأخبره بما حدث ثم طلب منه شراء المعدات والخام فوافق أحمد وبالفعل تم الشراء من الورثة وبسعر زهيد لرغبتهم في التخلص منها بأسرع وقت قام سعيد باستئجار مكان مناسب حوله الى شبه مصنع ووضع فيه المعدات والخام وقامت بكل الإجراءات القانونية ثم قام بالبحث عن العمال الذين كانوا يعملون بالمصنع السابق وعثر على أغلبهم وبدأ المصنع بالعمل والإنتاج ومرت ثلاث سنوات وبلغ أحمد من عمره 26 عاما كان قد تعلم الكثير مما يحتاج اليه البعض لسنوات طويله ليتعلموه ويتقنوه بحرفية وعندما كان سعيد جالسا في يوما من الأيام مع أحمد قال له أحمد أسمع يا سعيد أنا وحيد وليس لي زوجة ولا أولاد وليس لي بعد الله غيرك أرجو أن أكون قد عاملتك كولد لي وأحسنت تربيتك وأرى فيك همة ونشاط وأنته أعتبرك ولدا لي ثم أخرج بعض الأوراق من درج المكتب وأعطاها لسعيد ويقول له لقد نقلت لك كل ما أملك بإسمك تتصرف فيه بدون الرجوع إلي وبعد وفاتي تكون هذه الأملاك كلها لك عاتبه سعيد على ذلك ولكن كانت الأمور طيبة وبدأ المصنع يصنع وينتج ويصدر الى خارج البلد وازدهرت تجارة الأحذية وتوسع سعيد وفتح محال أخرى تجارية للمواد الغذائية والملابس وأشترى أيضا مصانع أفلست وأغلقت وأعاد تشغيلها وأصبح سعيد من كبار التجار يشار إليه بالبنان ولكن بالرغم من ذلك لابد من وجود منغصات في الحياة مرض أحمد وأشتد عليه المرض وتم نقله الى المستشفى وما لبث عدة أيام حتى توفي.... حزن سعيد حزنا شديدا عليه أيضا ولكن هذه سنة الحياة وعاد سعيدا وحيدا مرة أخرى في هذه الحياة بالرغم من جود الكثير حوله الآن بما أنه أصبح من أثرياء المدنية ولكن فقده لجدته والآن لأحمد ترك ذلك في نفسه أثرا عميقا....
بعد الانتهاء من مراسم الدفن عاد الأمور الى طبيعتها ويحاول سعيد التأقلم مع الوضع الجديد ولكنه كان قد أعتاد أن يعود الى المنزل فيجد من يؤنس وحدته ويشكى إليه مصاعب العمل ويتحدث معه ولكن الآن لا يوجد سوى من يعملون في هذا المنزل الكبير الذي أصبح فيه وحيدا.... بدأ سعيد بأول عمل خير فقد قام بشراء أراضي مساحاتها كبيرة بنى على الأولى مسجد لأحمد وبنى على الثانية دار للأيتام أسماها دار سعاد لرعاية الأيتام وأستخدم علاقته وأغلق دار الأيام السابقة ونقل إليها كل من فيها من الأطفال ووضع لهم أفضل ما يسعد اليتم وعين فيها من يرعاهم وبنى لهم مستشفى ومدرسة ولم يقصر في مساعدة الفقراء والمحتاجين ويتجاوز عن من يمر بطروف صعبه ولا يستطيع سداد دينه أو أجرة عين مؤجره من قبله وبلغ سعيد الحادية والثلاثون من عمره ومازال وحيدا .....
وفي يوما من الأيام وعندما كان جالسا في مكتبه بالمصنع دخلت عليه فتاة يبدو من مظهرها أنها فتاة فقيرة تبحث عن عمل لم يكن سعيد يقصر مع أحد فما كان منه إلا أن أوجد لها عملا مناسبا في المصنع كمديرة لمكتبه حيث إنها كانت تحمل مؤهلا علميا في الإدارة بينما هو حقيقة لا يحمل أي مؤهل دراسي بعد مرور وقت ليس بطويل وسعيد يراها كل يوم بالمصنع تعمل بجد ونشاط لفتت أنتباهه وبدأت نظرته تتغير تجاهها وفكر فيها كزوجة المستقبل ومن فوره ذهب الى أحد أصدقاءه وأخبره بالموضوع فرح صديقه لذلك ولكن سعيد أخبره هل ستوافق مثل هذه المتعلمة والذكية على أن تتزوج من رجل لا يحمل أصلا مؤهل علمي وكل مؤهلاته الأموال التي يمتلكها وأنه أصلا لا يعرف من أهله كان سعيد في السابق عندما تعرف على ماجد وعندما توثقت علاقتها كأصدقاء أخبره عن قصة حياته والمعناة التي مر بها سابقا حتى وصل الى ما وصل إليه فقال له ماجد لا عليك سأرسل زوجتي لتعرف منها موافقتها من عدمها ذهب ماجد الى زوجته وأخبرها القصة رحبت بالفكرة وفي اليوم التالي أخذت عنوان الفتاة من سعيد وذهب الى منزلها كانوا أسرة بسيطة جدا ولكنها كانت أسرة قوية بسمعتها ومحبوبة من الجميع طرق الباب خرجت لها والدة الفتاة أدخلوها ورحبوا بها حدثتهم عن سعيد ورغبته في الارتباط بأبنتهم فرحت الأسرة لأن الرجل غني وصاحب أملاك ولكن كان شرط سعيد أن يسمعوا قصته أولا حتى لا يلام مستقبلا لم يكن هناك سوى الأم وأبنتها هذه هي كل الأسرة حددوا موعدا حضر سعيد برفقة ماجد وزوجته بدأ يروى قصته منذ هروبه من دار الأيام والى أن جلس معهم كانت قصة طويلة ومؤلمة تأثرت الفتاة وكذلك والدتها ثم أبلغتهم والدتها بانتظار الرد وماهي سوى أيام وأصبحت الفتاة زوجة سعيد ورزق منها بأولاد وبنات وعاشوا حياتهم بكل سعادة ورفاهيه الى أن جاء اليوم الذي مر به سعيد أبو محمد بالشارع الذي تبيع في أمل العصير والتي ذكرنا قصتها وهي قصة بائعة العصير والى أن ذهبوا لمنزلها ومن ثم عثروا عليها متوفيه في فراش والدتها وهو ينظر إليها وزوجته تناديها أمل أمل ومر شريط الذكريات أمام عينه ودمعت عيناه من الحزن على الفتاة ولكن هذه هي سنة الحياة وبعد انتهاء مراسم الدفن عاد أبومحمد لمنزله والحزن يملأ قلبه على هذه الفتاة الصغير بائعة العصير ......
قصة بائعة العصير
التعديل الأخير:
